الإعلام يصمت والتاريخ يسجل أحداث الفلوجة الصامدة
19 شوال 1425

على الرغم من غياب أحداث اجتياح القوات الأمريكية لمدينة الفلوجة العراقية، إلا أن ما يحدث هناك سيسجله التاريخ طويلاً كصفحة ناصعة في تاريخ المدينة، التي لم يكن يعرفها سوى العراقيين، أو من له اطلاع عليها من خارج العراق.<BR>أما اليوم، فلا تكاد وسيلة إعلامية واحدة في العالم إلا وكتبت اسمها، وقرأها معظم سكان الكرة الأرضية مرات عدة.<BR>وسيبقى التاريخ يذكرها طويلاً.. مثلها مثل المدن التي صمدت بوجه الاحتلال، كالقدس وفيتنام، وغيرها.<BR><BR>ورغم ما تعانيه المدينة من قصف وقتل وتدمير وتشريد، لا تكتفي حكومة إياد علاوي (المعيَّنة من قِبَل الاحتلال) بغض البصر عما يجري فيها، بل تعلن بين وقت وآخر مباركتها للهجوم الأمريكي، ثم تعلن أن القتل لا يطال سوى المقاومة الموسومة بصفة (الإرهاب)!<BR><BR>ويصر أركان حكم علاوي وقيادة الاحتلال الأمريكية بأن ما يحدث في الفلوجة ليس عملية (إبادة جماعية) ولا (مذابح).. وهو ما يسجله التاريخ والوقائع ومشاهد الدمار والقتل في المدينة المحاصَرة منذ نحو 20 يوماً.<BR><BR>الصورة التي تنقلها الأقلام والعيون العراقية تقول: "إن أكثر من 15 ألف عائلة تعيش في مناطق بائسة محيطة بالفلوجة، نزحت منها خلال الاجتياح، وإن أكثر من 200 ألف شخص هربوا من الفلوجة قبيل الاجتياح يعيشون في ظروف صعبة في مدن ومخيمات في بغداد".<BR><BR>ويقول محمد النوري (المتحدث باسم الهلال الأحمر العراقي): "إن أكثر من 6 آلاف شخص، غالبيتهم من المدنيين العزل، قتلوا في المدينة".<BR>ويضيف: "إنك ترى الجثث في كل مكان، وتشاهد الناس وهي تبكي عندما تحصل على الإمدادات الغذائية وإنه منظر حزين جداً.. إنها كارثة إنسانية".<BR><BR>وما وصلت إليه المدينة الآن، ينذر بمزيد من الأسى خلال المدة القادمة..<BR>ويتساءل البعض.. «عندما تنتهي الهجمة العسكرية الأمريكية، من سيبني آلاف المنازل المهدمة؟ وكم سيكلف كل ذلك من المال والوقت؟!»<BR><BR>والنازحون الذين يقدر عددهم بنحو 250 ألف شخص.. إلى متى سيبقون في ملاجئهم المؤقتة التي تفتقر إلى أبسط أشكال الحياة الطبيعية، خاصة وأن فصل الشتاء دخل، ما يجعل من المعجز العيش في الخيام والملاجئ الرثة !<BR><BR>وكيف ومتى سيتم إعادة تهيئة البنية التحتية للمدينة التي مزقتها أطنان القنابل والصواريخ الأمريكية.. ما أغرق المدينة ببحر من الظلام وشح في الماء وتخريب طرق المواصلات ؟<BR><BR>رغم كل ذلك.. تطالعنا أخبار المدينة عبر نوافذ المقاومة المسلحة، واعترافات أمريكية بين وقت وآخر بأن المدينة لا تزال صامدة حتى الآن.<BR><BR>وسائل الإعلام الغربية لا تزال تشير إلى أن الجزء الجنوبي الواسع في المدينة لا يزال تحت سيطرة المقاومة المسلحة.<BR>وتقول هذه الوسائل: «إن القوات الأمريكية لا تسيطر إلا على شمال وشرق المدينة وبعض المناطق في قلبها».<BR><BR>وتعترف القيادة الميدانية لقوات الاحتلال الأمريكية أن مناطق المدينة الجنوبية لا تزال بأيدي المجاهدين.. مشيرة إلى أن المجاهدين ينظمون أنفسهم بفرق صغيرة مكونة من 5 إلى 20 مسلحاً، تنتشر بتنظيم مدروس في المدينة.<BR><BR>يقول الشيخ عبد السلام الكبيسي (رئيس قسم العلاقات العامة بهيئة علماء المسلمين السنة في العراق): "إن أكثر من نصف المدينة لا تزال تحت سيطرة المقاومة".<BR>وأضاف الشيخ خلال لقاء له مع قناة (الجزيرة) الفضائية قبل أربعة أيام أن قوات الاحتلال الأمريكية تنتشر في عدة مناطق في الفلوجة وقد دخلتها بالفعل، إلا أنها لا تستطيع الدخول إلى شوارع أو أزقة أكثر من نصف المدينة، مشيراً إلى أن المناطق التي لا تزال المقاومة تسيطر عليها هي حي الجولان والشهداء والمنطقة الصناعية والنزال ومناطق أخرى كثيرة.<BR><BR>كما نشر الصحفي ديكستر فيلكنز في صحيفة النيويورك تايمز بتاريخ 11 نوفمبر تأريخاً لما حدث يوم 10 نوفمبر، من قيام القوات الأمريكية بقصف ضخم لمبنيين في الفلوجة، وانتشار مكثف في منطقة، استمر فيها قناص عراقي واحد بقنص الجنود الأمريكيين، والاختفاء والظهور كشبح مخيف، وسط ذهول القوات التي بقيت يوماً كاملاً تقصف المكامن التي يختفي فيها الشبح العراقي، فيما يكون هو يتناول سندويشة غداء، ثم يقوم مجدداً لقنصهم، وفق ما نشره الصحفي.<BR><BR>رويداً رويداً.. وبعد أن تراجعت قيادة الاحتلال في إعلانها أنها أحكمت السيطرة على المدينة، وبعد آخر إعلان بمقتل أكثر من 50 جندياً أمريكياً في الفلوجة خلال أسبوعين من الاجتياح، وبعد أن أعلن مجلس شورى مجاهدي الفلوجة أن مجاهديه قتلوا 400 جندي أمريكي، و140 جندياً عراقياً، وأسقطوا 11 مروحية وطائرتين حربيتين. اختفت أخبار الفلوجة عن وسائل الإعلام.. وصمتت القنوات والصحف عن ذكر ما يحدث هناك.. وتجنبت الحكومة العراقية الخوض بما يحدث في المدينة.. وكأن كل ذلك قد دبّر في السابق..<BR><BR>الآن باتت الأخبار القادمة من المدينة الصامدة شبه معدومة.. وإعلان قوات الاحتلال عن مقتل جنود لها فيها أصبح نادراً جداً.. حتى بيانات المقاومة أصبحت مغيبة، فيما استبعدت الوسائل الإعلامية العربية تماماً عن المنطقة.<BR><BR>لا أحد يعلم متى يتم الإعلان عن شيء جديد في المدينة، ولا أحد يستطيع نشر توقعاته بما يحدث.. وهو ما يشير في كثير من جوانبه إلى أن القوات الأمريكية لم تستطع حتى الآن السيطرة على المدينة..<BR><BR>ولكن هذا لا يعني أبداً أن التاريخ قد تغاضى عما يحدث الآن.. فالتاريخ لا ينسى أحداً، ولا يسها عن ذكر شيء.. وما يخفى اليوم سيكون مكشوفاً غداً.. ومن يقدم الدعم للاحتلال باسم (الوطنية) سيجد نفسه في صفحات الخونة وبائعي الوطن والمواطنين.<BR><BR>ومن يدافع عن الاحتلال اليوم.. لن يجد من يدافع عنه في كتب التاريخ غداً..<BR><BR><br>