رتابة وجدة عملية قنصلية جدة
4 ذو القعدة 1425

أنت حينما تتطلع على مواقع التفجيريين وبياناتهم لا يفوتك أن القوم ينزلون (زعيم تنظيم القاعدة) أسامة بن لادن منزلة المُنظِّر والقائد والزعيم، لكنك حين تصطدم بالعمليات التفجيرية في أرض الحرمين الشريفين تجزم عن يقين بأن ثمة محرك وموجه آخر لا يقتفي أثر ابن لادن. <BR><BR>والقضية هنا ليست قضية نظرية تنحسر داخل أحد الكهوف الأفغانية الحصينة، وإنما آبدة من أوابد العصر التي تتشعب تأثيراتها حتى تطول أمن المسلم في طريقه ومسكنه ومقر عمله، وتطول سلباً دعوات إسلامية ناضجة تؤمن بالإصلاح الهادئ الحكيم من دون اجترار مآس موجعة طفح الكيل من آلامها وبلغ السيل بها زباه. <BR><BR>ويقيناً فليس بعد إجماع العلماء وأهل الفضل وذوي النظرة الإسلامية الثاقبة من المفكرين الإسلاميين ممن لا يتهمون في ورعهم وتقواهم وثباتهم من سبيل لتكرار ما أفاضوا وأجادوا فيه؛ بيد أنه قد يتبادر للذهن ويدور بخلد المرء ما قد يود أن يبثه لمن يحب، عل الأفكار تتلاقى أو تتقارب للوصول إلى فهم مشترك في حده الأدنى مساهمة في توصيف الإشكالية الفاتنة لشباب أغر، بات يخوض معركته في غير محلها، ويستخف بدمه ودماء بني جلدته؛ غير آبه بأن ميدان المعركة يختلف كلياً عن ميدان الحي والمدينة، ومن ثم كانت هذه الخواطر:<BR><BR>· كنا ونحن صغار تمتلئ نفوسنا فخراً واعتزازاً وحبوراً حين نستمع إلى خطباء الجمعة ومعلمي الخير؛ وهم يحدثوننا عن "جهاد" رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ ضد المشركين واليهود، و"جهاد" أبي بكر الصديق _رضي الله عنه_ ضد المرتدين والروم والفرس، و"جهاد" عمر بن الخطاب _رضي الله عنه_ ضد الأخيرين.. و"جهاد" صلاح الدين ضد الصليبيين الغاشمين، و"جهاد" قطز ضد التتر الهمجيين، وكنا حينئذ نسعد بذكر هذه المناقب للأجداد الأوائل.. والآن صرنا لا نسمع هذه الكلمة إلا في البيانات الخاصة بجماعات التفجير وحمل السلاح، ونكاد نفتقر إلى سماعها في المساجد ووسائل الإعلام العربية، ومن المعقول أن تستوقفنا هذه النقطة لنسأل: ما الذي حدا بالخطباء على أعواد منابرهم في المساجد والمفكرين والكتاب الإسلاميين فوق منابرهم الإعلامية أن يزهدوا في ترديد هذه الكلمة الحبيبة إلى نفوس كثير منهم؟ <BR><BR>صحيح أن تصدي المشروع الصهيوني لها مبنى ومعنى، ونفوذه السرطاني الممتد بقوة في معظم بلدان الحوض الإسلامي، ووصمه لكل مقاومة وجهاد مشروعين ضد الاحتلال في هذه البقعة أو تلك من البقع الرازحة تحت نير الاحتلال المباشر بـ"الإرهاب" و"التخريب" و"الإجرام" (مثلما يفعل شارون في فلسطين المحتلة)..هذا صحيح؛ غير أن هؤلاء قد أحجموا عن الاسترسال في ترديد هذا المصطلح الإسلامي؛ ومن ثم تفعيل دوره النضالي في المجتمعات الإسلامية لما خشوا أن يلتصقوا بأناس قد شوهوه حين أشهروا سيوفهم في "المعركة الغلط"، وصوبوا رماحهم إلى ثغور "محمد" و"علي" و"هانئ".. وسلم منهم "ديفيد" و"جون" و"آرييل" الذين يدنسون المسجد الأقصى ويعتدون على حرمات المسلمين وشرفهم في بلاد المعتصم الثائر، فليس كل محجم الآن عن ترديد هذا المصطلح الذي تحويه كثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة هو "جبان" أو "متخاذل" أو "متواطئ" مثلما يعتقد بعض الشباب الثائر؛ "السائر على درب الجهاد". وإن العالم هذا أو المفكر ذاك إذ يدين عملاً يراه في غالب ظنه خارجاً عن سياق "الجهاد" لا يدين في ذات الوقت جهاد النبي _عليه الصلاة والسلام_ وليس منطقياً أن يكون هذا هو تفكير ذوي الألباب، وليس كذلك أن يظنوا الحق في صفهم مهما ارتكبوا من أعمال، ومن هنا كان من الواجب أن نتوقف عند حادثة الهجوم على القنصلية الأمريكية بجدة أمس لنتساءل عن المستفيد الحقيقي من ورائها، دعونا نتحلى بقدر من الحياد الأكاديمي لنحاول أن نفهم سياق هذه العملية من دون أن نشغل تفكيرنا كثيراً بقضية الإدانة من هذه الجهات أو التأييد من تلك: كما هو معروف فإن كل عملية عسكرية تقوم بها فئة من الناس يراد بها أن تحقق هدفاً سياسياً محدداً؛ إذ المنطقي أن من ينفذ عملية تذهب بها أرواح منفذيها وخصومهم على حد سواء هي عملية لابد وأن يهدف إلى تحقيق مكتسبات لحزبه أو جماعته أو حتى أمته؛ فهل ذهبت تلك العملية إلى تحقيق أي هدف منظور أو حتى مستقبلي بعيد؟! وإذا هي حققت؛ أيسعها أن تدفع جملة المفاسد والأضرار التي جلبتها؟! وهل حزمت البعثة الأمريكية حقائبها لمغادرة المملكة من بعد هذه العملية؟! وحتى إذا ما فعلت أيكون هذا السبيل مختصراً لتحقيق ما يصبو إليه التفجيريون الجدد؟! <BR><BR>إن القضية بلا شك ليست قضية سفارة أو قنصلية في هذا البلد أو ذاك؛ إن ما يعني الشعوب ليس وجود السفارات والقنصليات التي كانت موجودة إبان الدولة العثمانية العلية؛ وإنما تحقيق الاستقلال السياسي والاقتصادي والثقافي بوجه عام ووفقاً لحضارتنا الإسلامية السمية على وجه الخصوص (للدومنيكان سفارة في الولايات المتحدة، فهل يؤثر وجودها في القرار السياسي الأمريكي، وتستطيع الولايات المتحدة الأمريكية أن تجرد أياً من جمهوريات الموز ـ إذا لم يكن هذا هو عين الحقيقة فعلاً ـ من كل أشكال الاستقلال من دون أن تضع جندياً أو دبلوماسياً في أراضيها)، ومن ثم فإن لا يتم تبسيطها على هذا النحو إذا سلمنا جدلاً بعدالة القضية، وهب أن هؤلاء نجحوا في احتجاز رهائن أمريكيين بالفعل؛ فهل يظنون أن بمقدورهم أن يحققوا أياً من أهدافهم المرسومة!! وهل ستخضع الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية لهذه المطالب من بضعة أشخاص يحتجزون أفراداً قلائل كذلك؟ أيضاً إذا ما نجحت هذه العملية وفق منفذيها؛ أيمكنهم أن يفتونا بدماء قد أريقت بدون وجه حق من خارج الإطار الأمريكي، أعني إذا كان بنظر المهاجمين الأمريكيون العاملون في القنصلية كفاراً محاربين والحرس السعودي مسانداً لهم؛ فما بال المستخدمين والسعاة ونحوهم؟ وهل هؤلاء أيضاً دماؤهم هينة عند المنفذين؟ وإذا ما كان هؤلاء يؤمنون بفتوى "التترس" المعروفة؛ فهل بوسعهم أن يبادروا إلى تطبيقها في مكان معظم من فيه من غير المستهدفين (هل لو تترس كافر بألف مسلم جاز لجيش المسلمين أن يقتلهم جميعاً لينال من الكافر!!).<BR><BR>من جانب آخر: إذا ما فشلت هذه العملية (وهو ما حدث بالفعل، وأحسب أن ناتجها الوحيد سيكون مزيداً من تشديد الحراسة على السفارات والقنصليات وتكثيف البحث عن أعوان المنفذين إن وجدوا) أيمكن لمنفذيها اعتبار كونها عملية فاشلة من بين عشرات "ناجحة"؟! حقيقة وبكل أمانة لا، لم ينجح أصحاب هذا المسلك في تحقيق أهدافهم أو جزءاً منها، بل على العكس زادوا من التوتر داخل بلدانهم للحد الذي حشر المعتدلين بين مطرقة وسندان. حقيقة ظلت كثير من العمليات التفجيرية ومحاولات الاختطاف في العربية السعودية غير ذات مردود لمنفذيها حتى إذا ما أغفلنا شرعيتها وقانونيتها من عدمها، وإذ تحدثت الأنباء عن فرار بعض السعوديين من العراق لتحقيق هدف معين في السعودية لمنعها عما يعدونه تنسيقاً بينها وبين حكومة علاوي العراقية في سياق ما اتفق عليه أممياً في شرم الشيخ (من عجب أن يدور الجدل في السعودية عن حكم ذهاب الشباب السعودي إلى العراق فيما يسلك آخرون الطريق العكسي ـ إن صحت الرواية التي ذكرتها إسلام أون لاين ـ!!)؛ فإن ذلك لا يصب حتى في مصلحة ما يرجون من أهداف.. لماذا؟ حتى إذا كنت ميكيافيلليا فلن تستسيغ أن تواصل سلوك طريق لا يفضي بك إلى تحقيق أي من أهدافك السياسية، وبالتالي إذا ما أدمنت حركة في تنفيذ عمليات عسكرية تفتقر في معظم الأحوال إلى النجاح أو حتى إذا ما نجحت من الناحية العسكرية وأخفقت في استثمار هذا النجاح سياسياً، فعليها أن تعد أن هذه الطريق التي تسلكها ليست ذات رشد أو على أقل تقدير ليست أقصر الطرق، وهنا مربط الفرس: العلماء ـ وهذا ليس شأننا ـ واجبهم أن يبينوا للشباب ما هم فيه من اضطراب من هذه السبيل بشكل موضوعي لا يجعل أحداً كائناً من كان فوق الحق أو يتقدمه؛ ومن ثم على المفكرين أن ينيروا الطريق لمن يريد أن يخدم دينه مسترشداً بالمصلحين والدعاة الأخيار.<BR> <BR>· إن أصحاب هذا المنحى العنيف في بلاد المسلمين بحاجة إلى أن يسترشدوا بالصورة الوضيئة التي مثلتها وتمثلها حركة المقاومة الإسلامية "حماس" (برغم كل جراحها، فالعبرة دوماً في انتصار الفكرة والعقيدة لا انتصار الأرض الذي تحقق منه أيضاً لهم قدراً كبيراً منه عجزت ملايين الأطنان من الأسلحة العربية في إحراز معشاره) في وضوح الوجهة وتحديد الأهداف التي لا يتناطح في مشروعيتها عنزان.. عليهم أن يراجعوا أنفسهم ويخوضوا معركة التصدي للمشروع الصهيوني في مظانها وميادينها الحقيقية الواضحة كالشمس في رابعة النهار.<BR><BR>وإذا لم يستمع هؤلاء لأصوات العلماء والدعاة المصلحين الذين خرجوا على صعيد واحد ينددون بما لا تستسيغه قرائحهم (من عجب أن يتوافق نحو 45 داعية إسلامي في السعودية إبان حادثة الرياض ـ بعضهم فصل من الجامعات الشرعية السعودية، وبعضهم عرف بفكره وآرائه المستقلة ـ على شجب عمليات الرياض ثم لا يلق "الشباب الثائر" لكل هؤلاء بالاً)، فليصيخوا إذن أسماعهم لملايين المسلمين كانوا قبل أقل من عام يزأرون من جاكرتا إلى طنجة أن "كلنا أحمد ياسين.. كلنا الرنتيسي.. كلنا حماس"، وليعلموا أن هذه الحركة المباركة وهي تلملم جراحها وتمسح دموعها من بعد أن أسلمت للحود أغلى قادتها وزعمائها لم تكن أُذُناً لكل ما دعاها تحت وطأة تعاكس الرؤى والإيديولوجيات مع السلطة الفلسطينية أن ترفع السلاح بوجه الأخ الفلسطيني؛ بمسؤولية عالية للحيلولة دون الانجرار للاحتراب الداخلي الفلسطيني، وتحملت صدور قادتها الأبية بشجاعة الفرسان طعنات خناجر العملاء المتمترسين بجهاز الأمن الوقائي استرشاداً بقول المصطفى _صلى الله عليه وسلم_:"لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه" [رواه البخاري].<BR><BR> أوما علموا أن الحركة في أحلك ظروفها لم تستمع لأي داع داخلي أو خارجي يطالبهم بتوسيع دائرة الصراع للانتقام من قتلة الزعماء بعد الأنبياء في الخارج كيلا يتضرر المسلمون بذلك؟ وهل غاب يوماً عن أهل الرباط الأشاوس يوماً أنهم وقعوا إبان حكم العمال في الكيان الصهيوني بين مطرقة الصهاينة وسندان السلطة؟ وهل فاتهم أن عناصر من الأمن الوقائي الفلسطيني وغيره قد مارست تعذيباً قاهراً ضد كوادر وحتى قيادات حماس أثناء تلك الفترة (ومنهم الشهيد إبراهيم المقادمة _رحمه الله_)؟ كلا.. لم يغب ولم يفت، وإنما ظلت الحركة وفية لمشروعها الحضاري الذي يحفظها عن مقاتلة الفلسطيني فيما العدو تبدو نواجذه فرحاً وطرباً.. <BR><BR>هل يدرك هؤلاء الإجابة عن السؤال "الملغز": لماذا لم يرق إلى مسامعنا يوماً أن فتى قسامياً صغير السن وضعيف البنية قد انهار تحت وطأة التعذيب فوشى برفاقه، وإنما حاصرت الانهيارات والاعترافات والتوبة المتلفزة المسلحين تحت ذرائع شتى؟ الإجابة جد واضحة ولا تحتاج إلى كثير مماحكة: حين تتخذ لذاتك هدفاً واضحاً لا يتداعى عليه النقد من كل حدب وصوب، تجمع الأمة بعلمائها وفضلائها وفصائل الخير فيها على مشروعيته بل ووجوبه.. حينما ترى الأمة المسلمة الحق ينبلج من ثنايا المناضلين لا تقف بطريقه.. لا تقاومه.. لا تندد به..لا تشجبه.. لا يصدر علماؤها المعتبرون فتاواهم الناقضة لمشروعيته.. حينها لا يقف أحد بطريقه، بل العكس ترتفع العقائر صادحة بتأييده والذود عن منطقه، لكن حينما تضطرب المفاهيم.. حينما تغلب الحماسةُ الرعناء النظرة الثاقبة.. حينما تطيش الموازين؛ فثم "التراجع" و"التوبة" و"المراجعات" والبوح بكل سر ومخبوء. <BR><BR>ولا نغرب القول إذا أوضحنا أكثر، فقلنا: ولو قتل مسلم صهيونياً غاصباً في فلسطين فبأي منطق نلومه ولا نشجعه، وفي المقابل فإن أي إنسان بإمكانه أن يقتل أي مسلم عربي مثله ثم يصفعنا بقوله:" أنتم لا تعرفونه.. لقد كان عميلاً لـ C.I.A ، لقد كان مجرماً..."!! فماذا عن أطفال المسلمين ونسائهم والعابرين ووو؟ يقول: "يبعثون على نياتهم"!! هنا المماحكات، وهنا الرايات الشائهات، وهنا الاضطراب، وهنا يضيع الحق، وسيقولون: "أنتم لم تقرؤوا بياناتنا ففيها الأسباب جلية"، وهنا منزلق آخر فبفرض صحة ما يقال، من سيتمكن من قراءتها؟ من سيوافقكم الرأي حين يقرؤها؟ من سيصدقكم؟؟ إن حركات المقاومة الفلسطينية لا تحتاج إلى حيثيات ليفهم ما تقول؛ لأن الحق أبلج جلي لا يحتاج إلى بيانات وحيثيات ومماحكات، وإنما تصدر البيانات لا تبريراً لعملياتها، وإنما لتعلن عن دورها النضالي وتعذر أمام الشعب بعد أن أعذرت أمام الله أنها لم تبدل ولم تغير ولم تداهن.. <BR><BR>· وإذا لم يستمع القوم للعلماء ودعاة الإصلاح المتدرج الهادئ الحكيم، ولم يستمعوا لصرخات الهاتفين، فليصيخوا أسماعهم إذن لأقرب الناس إلى أيديولوجيتهم؛ ابن لادن إذ تبنى في المدة الأخيرة خطاباً مغايراً تماماً لتوجهات العنف داخل المجتمعات المسلمة ـ خلافاً لرفيق دربه وكهفه ـ، فقد قرأنا من بين سطور بياناته الأخيرة تلميحاً خفياً إلى ضرورة توجيه المعركة مع الأمريكيين إلى أرض العراق، حيث إنها برأيه "خط المواجهة الأول" مع المشروع الأمريكي، وعليه فإن الدول العربية والإسلامية بمفهوم الضد وفق حديث الرجل الأخير لا تمثل هذا الخط، وهو من قريب قد عرض هدنة على الأوروبيين مشروطة بأمور ليست معضلة بحد ذاتها، أفيستقيم له أن يعرض على الأوربيين بعيدي النسب والدين ولا يستسيغ محازبوه في الدول الإسلامية والعربية أن يبادروا بوقف العنف مع بني يعرب؟؟!!<BR><BR>بعض المحللين السياسيين رأوا أن ابن لادن الحريص دوماً على اختيار كلماته بعناية بحيث تطغى الرمزية والإشارات على كلماته (ومنها في بعض آحاديثه الأخيرة اختياره للذهب كعملة يدفع بها مكافآته المفترضة بديلاً من الدولار واليورو ليعلن لفظه لاقتصاد أعدائه) لم يرد أن يفاجئ أنصاره العرب بتحول معين طرأ عليه، وأنه قد أضحى غير راض عن بعض أفعال أنصاره في البلدان العربية. <BR><BR>وسواء رضي هذا الطرف أو لم يرض؛ فإننا نعتقد جزما أن ميدان معركة الأمة مع المشروع الصهيوني/الأمريكي ليست جدة والرياض وعمان والدار البيضاء ودمشق واسطنبول، وإنما هو الميدان في القدس وبغداد وجروزني وتل أبيب والفلوجة وكابول. <BR><BR>· نجتهد بكل استقلالية محاولين تفهم جدوى كثير من الأعمال التي عادت بالنهضة الإسلامية عقوداً للوراء ـ حتى إذا لم ننظر لها من الناحية الإسلامية الشرعية التي أفاض فيها العلماء بما أفاء الله عليهم من علم وبما أخذ عليهم من مواثيق، وافترضنا جدلاً جواز التمنطق بالميكيافيللية لتحقيق الطموحات!! ـ فنجدنا أمام تساؤل مريع: من المستفيد حقيقة من تسخين نقاط كان هادئة وتشهد نشاطاً دعوياً وإصلاحياً واعداً؛ كدول القرن الإفريقي وجنوب شرق آسيا والمغرب العربي وتركيا وحتى تلك الدول الإسلامية السخية شعوبها في بذل المال في سبيل مرضات الله، فصارت تخشى إخراج الزكاة؟؟!! <BR><BR>لقد شهدت مصر والجزائر من قبل تجربتين عنيفتين فشلتا فشلاً ذريعاً في تحقيق أي من أهدافهما السياسية والعسكرية، وخلفتا سلسلة من التراجعات (من عجب أن القيادات المتراجعة ما تزال مستمسكة بحقها المزعوم في إدارة أدفة الفصائل بعد أن قادتهم إلى الهاوية السياسية، وكأن قدر تلك الفصائل أن تظل تدار بطريقة متخلفة لا تختلف كثيراً عن تظاهرات القاهرة المفتعلة إثر النكسة للحيلولة دون استقالة المسؤولين عن الكارثة الرعيبة)، فمن بمصلحته تكرار هذه المآسي من جديد في ديار الإسلام وحواضره؟ <BR><BR>إن الطريق إلى تل أبيب وواشنطن لا يمر عبر القاهرة والرياض، تماماً مثلما لم يكن هذا الطريق يمر عبر الكويت إبان حكم صدام. فخطيئة صدام التي لم يتعاطف معها إلا مجموعات محدودة من الشعوب العربية تنسم سبيلها في تسخين مناطق إسلامية وادعة. <BR><BR>أليس من حقنا أن نتساءل: لماذا صارت تسعة أعشار المناطق التي تشهد تفجيرات هي حواضر إسلامية، بينما تكاد القائمة تخلو إلا من ثلاث مدن غربية معادية؟ نعم سيصار إلى القول: إن المستهدفين بالأساس لم يكونوا مسلمين في معظم الحوادث، لكن الحاصل لم يكن كذلك، وإذا أجرينا إحصائية مستقلة ومحايدة جداً سنرى أن معظم هذه الحوادث قد أثخنت في المسلمين أكثر بكثير مما أثخنت بغيرهم، فمن بربكم للدماء المسلمة التي تراق في اسطنبول والرياض وجدة والدار البيضاء؟ في الأولى والثانية والثالثة كانت غالبية القتلى والجرحى من المسلمين وبأعداد كبيرة، وفي الأخيرة كان اليهود هم المستهدفون بالأساس، لكن عديداً من المسلمين قد نالتهم القنابل الطائشة، فمن يتحمل دماءهم ويدفع دياتهم؟ أم أن المسلمين قد صاروا بلا ثمن حتى عند بني جلدتهم!! (كان للمسلم قيمة كبيرة عند المسلمين الأولين تجعل ذمته عالية عند إخوانه بل وقادته أيضاً، يتضح من قوله _صلى الله عليه وسلم_‏:‏ ‏"‏المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم" وأظن أنه حتى الجماعات المسلحة مدعوة إلى تقدير الدم المسلم، حتى دماء من ينفذون تلك العمليات أنفسهم التي هانت عليهم في معارك يعوزها الصواب؛ إذ التضحية والفداء وبذل الدماء أمر محمود جداً؛ لكن إذا ما وافق عملاً "صالحاً" فالنية والعمل صنوان كما هو مقرر).<BR><BR>إن معركة المسلمين قد صارت واضحة الآن مع المشروع الصهيو/بروتستانتي المتطرف، وثغور المسلمين معروفة لم تندرس معالمها، والأمة ـ كل الأمة ـ مدعوة لأن تقف مؤيدة فقط لأي عمل مقاوم واضح الوجهة ضد الاحتلال الظاهر في فلسطين والعراق وأفغانستان، ولم يعد من سبيل لمن يقول: إن دون الأعداء حجب كثيفة لا نقوى على اختراقها. <BR><br>