طريق عرفات ومتغيرات أبي مازن!2/2
4 ذو القعدة 1425

<font color="#0000FF">نعومة مفرطة.. وقتل مفرط</font><BR>الجانب الإسرائيلي عاد إلى لعبة التصريحات الناعمة.. والتصرفات الفظة في نفس الوقت واللحظة، فمنذ إعلان نبأ استشهاد عرفات ومغادرته الحياة والصراع، بدأت ألحان السلام وأحلامه تظهر فجأة على وجه المسؤولين الإسرائيليين –عكس ما كانوا عليه من قبل -كما عادت لعبة الرغبة في لقاء المسؤولين الفلسطينيين، حيث بات مؤكداً أن شارون وأبا مازن اتفقا من حيث المبدأ، على لقاء عقب ظهور نتائج الانتخابات الفلسطينية، كما عقد لقاء بالفعل بين (وزير الخارجية الفلسطيني) د.نبيل شعث، ووزير الخارجية الإسرائيلية، وهى لقاءات أعلن أنها ستتسارع وتيرتها خلال الترتيب لإجراء الانتخابات الفلسطينية.<BR><BR>وفى لغة التصريحات أعلن قادة صهاينة أنهم سيساعدون السلطة الفلسطينية من أجل إتمام الإجراءات المطلوبة لإكمال الوضع الدستوري في الانتخابات –ياالله على هذا الحرص على إكمال الوضع الدستوري الفلسطيني-كما صدرت تصريحات تشيد بقدرة الفلسطينيين على تجاوز الموقف الحالي، ووصل الأمر بمتحدث رسمي صهيوني أن بات يطمئن الشعب الفلسطيني أنه لا مشكلة لدى” إسرائيل “في أن تكون قيادتهم وطنية تعمل من أجل شعبها، وأن ذلك من حق الشعب الفلسطيني، وإنما المشكلة هي فقط الإرهاب.<BR><BR>لكن بعيداً عن التصريحات، فإن الموقف العملي يكشف أن لا شيء تغير، فإذا كان (وزير الخارجية الصهيوني) سيلفان شالوم قال: إن باب الفرص بدأ ينفتح أمام السلام، وأن تل أبيب ملتزمة بالقيام بكل ما في وسعها لضمان سير الانتخابات الفلسطينية دون عراقيل، وذلك بعد لقائه مع (وزير الخارجية الفلسطيني) نبيل شعث -وهو الأول من نوعه منذ مدة طويلة- فإن الوزير الصهيونى لم يقدم التزاماً حتى بالسماح للفلسطينيين في القدس الشرقية بالمشاركة في الانتخابات، مؤكداً في المقابل أن” إسرائيل “ستبذل ما في وسعها لكي تبقي على سيادتها على القدس مذكراً أن فلسطينيو القدس الشرقية صوتوا خلال انتخابات عام 1996م عبر مكاتب البريد! <BR><BR>والأخطر أنه قال: إن الوضع الجديد ربما يفرز ما وصفه بقيادة فلسطينية جديدة براجماتية ومسؤولة ومعتدلة، أي اشترط تقديم التسهيلات لفلسطينيي القدس بالمشاركة في الانتخابات بأن تأتي قيادة فلسطينية على مقاس ”إسرائيل“، وذلك بالفعل هو سبب عدم إعلان ”إسرائيل“ رسمياً حتى الآن أن فلسطيني القدس سيشاركون في الانتخابات.<BR><BR>وبعيداً عن التصريحات والكلام المعسول فإن الأهم والكاشف للموقف الصهيوني ليس فقط عدم تقديم أمور عملية، ولكن الأهم هو أن القتل متواصل وبضراوة ضد المواطنين الفلسطينيين وبنفس معدل القتل اليومي المعتاد –بمعدل يومي لا يقل عن ثلاثة شهداء –وهنا مكمن الخطورة، إذ من خلال العودة إلى اللعبة الصهيونية القديمة وبنفس الغطاء الدولي تعود” إسرائيل “إلى تنفيذ مخططاتها في القتل وتنمية حركة الاستيطان بأقل خسائر دولية!<BR><BR>إن الحادث حتى الآن هو أن الكيان الصهيوني رغم ضجيج الوعود والكلام المعسول لم يقدم أى تنازل على الأرض، إلا إذا اعتبر البعض أن إفراج الحكومة "الإسرائيلية" عن حوالي 40 مليون دولار من أموال الضرائب الفلسطينية المجمدة –أى: إعادة أموال كان قد تم الاستيلاء عليها -هو إنجاز على الأرض، أو إذا اعتبروا أن موافقة السلطات الصهيونية للشرطة الفلسطينية بحمل السلاح يوم جنازة عرفات إنجاز كبير!<BR><BR><font color="#0000FF">طريق عرفات ومتغيرات أبي مازن! </font><BR>رغم أن محمود عباس (أبو مازن) قد بدأ بعد توليه موقعه، كرئيس منظمة التحرير الفلسطينية بالتأكيد بوضوح ودقة بأنه سيلتزم بخط الرئيس عرفات، وبالثوابت الوطنية الفلسطينية، مشيراً إلى التمسك بإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف، والإصرار على حل قضية اللاجئين الفلسطينيين، وفق قرارات الأمم المتحدة...إلخ. إلا أن البشائر التي باتت تظهر هنا وهناك، تشير في مجموعها إلى تغييرات هامة سيدخلها محمود عباس، على مسيرة السلطة الفلسطينية، وبالاختلاف حتى مع الخط الذي تبنته منظمة التحرير خلال رئاسة عرفات وبما يعيد إلى الأذهان مواقف أبي مازن حين كان رئيساً للوزراء، والتي جعلت عرفات يجبره على الاستقالة.<BR><BR>ولعل أول المؤشرات على هذا التغيير، هو عودة الحديث عن ضبط الأمن، ومنع التجاوزات، ومنع حمل السلاح إلا للشرطة الفلسطينية، قد أعلن (مستشار الأمن القومي الفلسطيني) العميد جبريل الرجوب، أنه آن الأوان إلى وضع حد للانفلات الأمني والبلطجة، وذلك في معرض استعراضه للتحديات التي يواجهها الشعب الفلسطيني، وقال أيضاًَ وهذا هو الأخطر "في تقديري أنه بعد انسحاب” إسرائيل “من قطاع غزة، فإنه لا داعي لوجود أو بقاء ميليشيات مسلحة في غزة، فزوال الاحتلال يعنى بشكل أساسي إسقاط صور وجودها، وستكون هناك سلطة واحدة وسلاح واحد. وقال أيضاً: "إن ما جرى في غزة لا علاقة له بأبي مازن –يقول ذلك والعالم كله سمع الهتافات على الفضائيات لا دحلان ولا عباس -وإنما يبين حالة الفوضى التي تعيشها الساحة الفلسطينية، وأن السلطة قادرة على احتواء الفلتان الأمني، وأن الحوار الوطني مستمر؛ لضبط السلاح وإنهاء البلطجة من بعض الفصائل"! <BR><BR>وهى تصريحات خطيرة تطرح مجدداً الفكرة الأشهر رفضاً من قبل الحركات الجهادية الفلسطينية بأن تحرير غزة يجب أن يكون نقطة انطلاق إلى تحرير فلسطين وليس نقطة انكفاء وانعزال لغزة عن بقية الأرض المحتلة، بما يفتح الباب _في وجهة نظر المقاومة_ لتحقيق خطة” إسرائيل “في الانسحاب من قطاع غزة وضمان صمته في معركة الضفة الغربية والجدار العازل.<BR><BR>وإذا كانت تصريحات الرجوب قد لا تحسب بشكل كامل على أبي مازن فان تصريحات رضوان أبو عياش (رئيس هيئة الإذاعة والتلفزيون الفلسطيني) بأن القيادة أصدرت تعليمات إلى وسائل الإعلام الفلسطينية العامة والخاصة بوقف بث أو نشر أي مواد يمكن أن تعدها” إسرائيل “ تحريضية، هذه التعليمات هي من أبي مازن، والأهم أنها تأتي كاستجابة عملية لمطالبة (رئيس الوزراء الإسرائيلي) أرييل شارون، يوم 18 نوفمبر الماضي، من خليفة عرفات وقف الدعاية المناهضة لإسرائيل. <BR><BR>وعلى كل يبدو أن المنطقة العربية تمر كلها بمرحلة من الاستجابة للطلبات الإسرائيلية، حيث ترافقت الاستجابات الفلسطينية هذه مع استجابة أخرى من سوريا التي اختارت هذا التوقيت لكي تعلن أنها مستعدة للتفاوض مع” إسرائيل “دون شروط مسبقة أو دون التمسك بما سمي بوديعة رابين، ولا بفكرة الموافقة المسبقة على الانسحاب الكامل إلى حدود عام 67 م. <BR><BR><font color="#0000FF">قوة الضعف.. وضعف القوة: </font><BR>إن بالإمكان تصور –أو تمنى -أن تكون القيادة الحالية للسلطة الفلسطينية تحاول بالدرجة الأولى الحصول على شرعيتها الفلسطينية من خلال الانتخابات، وأن استجاباتها للطلبات الصهيونية هي حالة مؤقتة لحين ترتيب البيت الداخلي الفلسطيني.بإمكاننا تفسير ما يجري الآن –أو تمني أن يكون ما يجري -على هذا النحو، وكذلك بالإمكان تصور –أو تمني -أن القيادة السورية استهدفت من خطوتها الحالية توجيه ضربة داخلية لشارون إذ جاء تحركها بالإعلان عن تنازلها؛ لتحقيق أهداف في داخل” إسرائيل “تتمثل في محاولة الاستفادة من انحشار شارون في الزاوية بسبب الانسحاب من غزة، بإدخال قوى جديدة من المستوطنين ضد شارون الذي خسر مستوطني غزة وخسر قطاعات من مستوطني الضفة، إذ هي تحاول من خلال إحياء فكرة المفاوضات والانسحاب من هضبة الجولان إدخال قوة مستوطني الجولان في المعركة ضد شارون لإسقاطه. بالإمكان قول هذا وذاك وغيره، لكن المشكلة دوماً لدى المخطط الاستراتيجي العربي هي تصور أن الضعف ليس به عوامل قوة، وأن القوة دوماً لها جوانب ضعف أو في عدم التفرقة بين الألفاظ الناعمة والتصرف على الأرض، ولو حتى عن طريق التعلم من” إسرائيل “التي تتفاوض بنعومة وتتصرف بخشونة إن لم يكن بإجرام ودموية.<BR><BR>نقول هذا لأن الموقف الحالي ما بعد عرفات كان بالإمكان استثماره للضغط على الكيان الصهيوني لا للتراجع أمامها وتنفيذ طلباتها، فقد كان بالإمكان استغلال جريمة قتل عرفات لإقامة أوسع حملة ضغط دولية ضد الصهاينة وحشرهم في الزاوية بتهمة قتل رئيس عربي، كما كان بالإمكان استغلال حالة غياب رئيس السلطة مقتولاً على يد الصهاينة، للتنصل من كثير من الاتفاقات التي تمسك بخناق السلطة الفلسطينية، والاقتراب بأسرع ما يمكن من الشارع الفلسطيني، ومن الفصائل الفلسطينية المجاهدة، وتشكيل أشكال قيادية مشتركة، كما كان بإمكان سوريا أن تأخذ عملية اغتيال الرئيس عرفات على الأرض الفلسطينية لتوضيح لما هي استضافت قيادات فلسطينية من حماس والجهاد على أرضها والدفاع عن قرارها،وأن تنطلق من الحالة المضغوطة التي تعاني منها القوات الأمريكية في العراق، لتثبيت فكرة المقاومة والدفاع عنها، على الأقل تعويضاً لصمت الجولان لما يزيد على 37 عاماً، أو ولو حتى لتقوية أوراق القوة السورية المعرضة للضغط والابتزاز. <BR><BR>وهنا تبدو القضية الأهم هي أن الضعف يأتي من داخل الصفوف لا من التفاوت في موازين القوى بيننا وبين ”إسرائيل“.<BR><br>