تأملات في الانتخابات البلدية السعودية
4 ذو القعدة 1425

في أقاصي الغرب العربي طيرت لنا الأنباء يوم أول أمس ( 13/12/2004 ) أن 90% من مسلحي الجبال الجزائريين على وشك تسليم أنفسهم وفقاً لتفاهمات مع الحكومة الجزائرية بدأتها مع قانون الوفاق الوطني. <BR><BR>وهنا في الشرق العربي لا يمكننا أن نقرن الحالة الجزائرية بالحالة السعودية لأسباب عديدة , فأين بعض العمليات التفجيرية المتفرقة في السعودية من عشرية سوداء خلفت نحو 200 ألف من الضحايا .. ؛ غير أن ثمة ما يمكن الإفادة منه عبر محاولة استنباط قاعدة اجتماعية مضطردة للعلاقة بين الحاكم والمحكوم ترتسم معالمها في مدى تأثير سلوك أحدهما تجاه الآخر على تصرفاته .. <BR><BR>حيث الثابت تاريخياً أنه إذا كان النظام شمولياً جبرياً أفرز ذا الطراز من المعارضة التي هي بدورها إنتاجاً شعبياً لم يألف الحرية ولم يتنسم عبيرها , وهل يمكننا أن نسقط من الاعتبار أن بعض الجماعات الإسلامية في الدول التي تحكمها نظماً شمولية قد نضحت عليها ديكتاتوريتها فصيرتها لا ترى إلا بعين الزعيم الأوحد ولا تقرأ إلا ما يقرأ ولا تعي إلا ما يقبله عقله وهو ما تعيبه هي على حكامها المتفردين بالسلطة ؟ ذاك أن سياسة الإقصاء لا تخلف إلا مثيلتها ؛ واحتكار الحق لا ينتج إلا احتكاراً معاكساً له ..<BR><BR> في المقابل أنستطيع أن نطًّرح من مخيلتنا أن الأجواء المفتوحة والمنضبطة في آن لا تفرز عادة إلا رأياً جماعياً يضع في اعتباره كثيراً من القواسم المشتركة التي يتجاوزها الفرد بعقله الوحيد؟ <BR><BR>ولكن رويداً , فليس الهدف من وراء ذلك التصفيق لكل إجراء يفرز قدراً من المناخ المفتوح ـ وإن كان يبدو مشجعاً نوعاً ما ـ , فليس كل النوافذ المشرعة ـ أو شبه المشرعة ـ تستدعي هواءً نقياً , ومن هنا صارت الانتخابات البلدية التي يجري التحضير لانطلاقها الآن بالسعودية على قدم وساق محل رصد واستكشاف من المتابعين للشأن السعودي أكثر منها محل تأييد أو حتى اعتراض. ذاك أن هذه التجربة الجديدة على المجتمع السعودي لن تكشف أسرارها إلا بعد أن تظهر نتائجها , ولست أعني هنا نتائجها الرقمية ؛ بل الاجتماعية والسياسية على حد سواء. <BR><BR>بالتأكيد تظل أي محاولة لمشاركة الشعب السعودي في صنع بعض قراراته ـ وإن اقتصرت حالياً على الصعيد المحلي والإداري وفقاً لرغبة الدولة السعودية في إنضاج مفهومها للإصلاح طبقاً لرؤيتها الخاصة ـ موضع ترحيب من الجميع لا سيما إن أدت إلى وصول الأكفاء من المرشحين البلديين إلى مناصب تنفيذية ولم يرشح عنها أو يتبعها ما لا يستقطب إجماعاً حوله , بيد أن بعض شرائح المجتمع السعودي وقواه السياسية ربما قد لا تجد نفسها مسرورة حين تعلن النتائج النهائية في الربيع القادم ؛ ففي برنامج "تحت الضوء" الذي تبثه فضائية العربية قال الأستاذ/عبد العزيز القاسم (مدير تحرير جريدة المدينة السعودية) : "ستعرض لنا في الانتخابات البلدية القادمة إشكالية كبيرة, الإشكالية هذه تتمثل أنه ربما لن يصل الأكفأ أو الأجدر, بل سيصل صاحب النفوذ والمال أو من هو ذو أصول قبلية أو عشائرية, أتصور أن تجربة الانتخابات في الكويت ستتكرر لدينا بشكل كبير, الإخوة هناك في الكويت لديهم تجربة عريقة من الستينيات الميلادية في مجلس الأمة وغيرها, فالتشكلات القبلية أو العشائرية ستهيمن في رأيي الخاص بشكل كبير على الانتخابات البلدية القادمة, وستغلب التشكل المهني أو الفكري, ولكن هذه هي اللعبة الانتخابية ولابد من القبول بنتائجها." (حلقة يوم 15/7/2004 ). <BR><BR>وحقيقة , إن من العسير استمزاج الرأي العام السعودي حول تلك الانتخابات القادمة وتصنيفه وفقاً لشرائحه العريضة ؛ فبعض الدوائر الانتخابية تشهد إقبالاً شعبياً متزايداً (نقلت جريدة الوطن السعودية 13/12/2004 عن رئيس مقر انتخابي بحي النظيم في شرق الرياض أن عدد الناخبين بلغ حتى الآن 1750 في هذا الحي , وهو ما اعتبره دليلاً على الإقبال الجماهيري على التسجيل) وبعضها ليس كذلك , وبرغم تشجيع علماء ودعاة ـ تقليديين وغير تقليديين ـ الشعب السعودي على التسجيل لخوض هذه الانتخابات ؛ فإن بعض الإسلاميين يظلون مترددين ومتبايني الرؤى بشأن المشاركة فيها , فيما يقف بعض الليبراليين مناهضاً لتعين نصف عدد المجالس البلدية معتبرين الخطوات بطريق "الإصلاح" تظل بطيئة ؛ تشاركهم رغبات نسائية خارجية وداخلية في تحقيق "مكتسبات" لمشاركة المرأة في صنع القرار المحلي , ومن نافلة القول أن قطاعاً ممن لا يمكن تصنيفهم على قاعدة اليمين واليسار يتشككون في جدوى هذه الانتخابات على خلفيات غير سياسية في وقت يتشجع فيه آخرون على خوضها على خلفية نفعية فحسب .<BR><BR>وفي المقابل يدافع كتاب في الصحف السعودية شبه الرسمية عن خطاب الدولة مؤكدين على أن التدرج مفيد في حال الدولة السعودية التي لم تألف الانتخابات منذ عقود وفي حالة الانتخابات الحالية التي قد تنتج وليداً قبلياً أو مقتصراً على رجال الأعمال (بعض المصادر قدرت تكلفة الحملة الانتخابية للمرشح الواحد بنحو مليون ريال !!) , ويدفع بأن الاقتصار على الانتخابات البلدية في الوقت الحالي وبقاعدة الترشيح النصفي ـ التي يكاد العرب ينفردون بها ـ هو أيضا من دواعي التدرج حتى لا يفاجأ الشعب السعودي بتيارات تطفو بنتاج "أقلية نشطة" سواء على صعيد الإسلاميين أو الليبراليين لا سيما وأن المملكة العربية السعودية تخلو من الأحزاب لكنها لا تخلو من القوى السياسية التي ستكشف هذه الانتخابات عنها إلى حد ما ؛ و لتحقيق توازن قد تفرزه حالة استقطاب قبلية أو مالية أو ما نحو ذلك. <BR>وإلى هناك نعود إلى المربع ذاته الذي بدأنا حديثنا منه ؛ بأن هذه الانتخابات تجتذب رصد المتابعين للشأن السعودي أكثر مما تستدعي تأييدهم أو مناهضتهم !! <BR><br>