تركيا الدولة النموذج أمريكياً
4 ذو الحجه 1425

لقد استعادت تركيا مكانتها كدولة كبرى في عيون الأمريكيين، ورغم حقيقة أن الرفض التركي لطلب واشنطن بتمرير قواتها من الأراضي التركية إلى العراق قد يبقى دائماً في عقول الناس إلا أن كافة المستجدات تؤكد أن مكانة تركيا في الشرق الأوسط الكبير لا زالت محفوظة ومهمة جداً بالنسبة للأمريكيين؛ فتركيا العلمانية التي تتبنى الديمقراطية والإسلام بعضويتها في الاتحاد الأوروبي يمكن أن تكون النموذج الأفضل للبلدان الأخرى في المنطقة. <BR><BR><font color="#0000FF"> تركيا والديمقراطية الأمريكية: </font><BR>في الماضي كانت تركيا تتبنى حساسية كبيرة إزاء الإمبرياليين والقوى الإمبريالية، ولعل هذه الحساسية كانت متفاوتة عند البعض ومختلفة عند البعض الآخر طبقاً للإيديولوجية التي ينتسبون إليها، ولكن بالنتيجة كانت هناك حساسية تركية، وكانت هناك مكافحة ضدها، أما اليوم فقد تغيرت المعادلة السياسية بحيث وصل الأمر إلى درجة أن المسؤولين الأتراك بدؤوا مناقشة كافة المسائل التركية الداخلية والخارجية متجنبين الحديث عن الحسابات والخطط الإمبريالية، وباتوا بتجسيد مفاهيم التسليم التركي التام روحاً وجسداً إلى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وكأنهما مخرج "الحرية" "والديمقراطية" الوحيد أمام تركيا، مع العلم أن الحسابات والخطط الإمبريالية في المنطقة ومطامعها في أراضي منطقة الشرق الأوسط لا زالت قائمة.<BR><BR>في المدة الأخيرة بدأنا نسمع الكثير عن أسطوانة ما يسمى بـ"الشرق الأوسط الكبير" و "دول شرق أوسطية متحدة" "والديمقراطية العصرية" وهم عندما يتحدثون عن المساعي لتطبيق هذه الخطة في المنطقة فإنهم يتجنبون ذكر حقيقة أن دول المنطقة سوف تتقلص أو حتى تحذير الشعوب من هذه الخطر، علماً أن قوى الاحتلال الإمبريالية لم تعد تنكر حقيقة خططها في تقسيم العراق بعد احتلالها له، بل حتى أن تقسيم مصر وإيران هو جزء وارد في هذا المخطط، وهذا التوجه يأتي في إطار استراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية للسيطرة على دول الشرق الأوسط من خلال تحكمها بشكل مباشر في زمام الأمور في تلك البلدان وتشكيل إدارات أمريكية تدير العمل السياسي داخل كل دولة بالتعاون مع رموز يعملون لصالحها، وفي هذا الإطار فقد بدأت الولايات المتحدة بتسويق سلعتها من خلال إرسالها للوفود إلى هذه الدول أو استقبالها وفود من تلك الدول لتحويل مجتمعات دول الشرق الأوسط إلى معسكرات تخدم المصالح والمطامع الأمريكية.<BR><BR>لقد تم رصد مبلغ 30 مليون دولار لتشجيع برامج الديمقراطية في العالم العربي، ثم 25 مليون دولار من أجل تغيير الهياكل السياسية في تلك الدول للتوافق مع التوجه الأمريكي الجديد في المنطقة. هناك ألاعيب ومؤامرات كثيرة تدور حول تركيا ومنها تقسيمها ـ وبغض النظر عما إذا كانوا سينجحون في ذلك أم لا. نحن لا ننكر أن هناك من يحاول هنا التحذير من هذه الخطط بصوت عالٍ إلا أن هذه الفئة القليلة تواجه دوماً من يعتم عليها ويقف حائلاً بينها وبين إيصال كلمتها إلى الشعب تحت اعتقاد وتقديم بأن الالتصاق بذيل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي هو الخلاص الوحيد أمام تركيا، وهذه ليست الحقيقة، فإذا عدنا إلى ما قبل عدة سنوات نرى بأن تركيا بينما كانت تكافح منظمة حزب العمال الكردستاني الانفصالية، فإن الولايات المتحدة كانت تزود هذه المنظمة بمختلف أنواع الدعم المادي والمعنوي، بل حتى إن معظم الأسلحة التي كانت تحارب هذه المنظمة تركيا، وتقتل أبناءها فيها كانت من الصنع الأمريكي.<BR><BR>وفي ضوء كل هذه الحقائق هل يستصعب علينا فهم حقيقة أن التوجهات التركية للولايات المتحدة هو خطأ كبير، وبأن ذلك لن يفيدها، بل والعكس صحيح سوف يضرها بشكل مطلق؟ الإعلام التركي ومنذ سنين طويلة يمارس حملة التنويم المغناطيسي على الشعب فهو يعكس الحقائق من جهة ويبرز ما يراه مناسباً مع الحملة الدعائية الإمبريالية من جهة أخرى، بل أنهم وصلوا إلى درجة نجحوا معها بإعاقة حتى التفكير الشعبي بهذه المواضيع. مثلاً: لماذا لا نفكر بالخطط التي تبيت وراء الاستعجال الأمريكي لانضمام جزيرة قبرص إلى الاتحاد الأوروبي، وهل لهذا الأمر علاقة بخططها "بالشرق الأوسط الكبير" علما منا أن الأحداث التي تدور حولنا ليست نتيجة مصادفات عابرة، بل هي خطط وحسابات منسقة تقوم على حلقة متصلة بأخرى وصولاً إلى الهدف المنشود، وهو تقسيم الشرق الأوسط.<BR><BR><font color="#0000FF"> العلاقات التركية الأمريكية وعامل العراق: </font><BR>لقد واجهت العلاقات التركية - الأمريكية ما بعد مدة الحرب الباردة تغيرات جادة مقترنة بالتحول الجديد في النظام الدولي، وفي حيرة أعقبتها الحرب الباردة فقد عاشت تركيا والبلدان الأخرى التي هي في مواقع مماثلة لها مدة قلقة مستندين على اعتقادات أن أهميتهم الإستراتيجية قد تضاءلت وبأنهم سيهمشون، ووسط مدة الحيرة هذه، قدمت تركيا دعمها إلى العمليات الدولية للولايات المتحدة مثل حرب الخليج، وتجاهلت كل المخاطر التي يمكن أن تنعكس عليها سلبياً وذلك في محاولة مستميتة لاستعادة موقعها الهام.<BR><BR>نعم لقد أدرك صناع السياسة الخارجية في تركيا أن هجمات 11 سبتمبر/أيلول التي شكلت النظام العالمي يمكن أن تكون فرصة ثمينة لتحقيق التقارب التركي الأمريكي بشكل أكبر، ولهذا فإن تركيا اليوم تجاهد لشغر مكان ضمن هذا النظام الجديد، و لن تتردد في تحمل المخاطر ثانية مهما كانت أبعادها في سبيل تحقيق هذا الهدف، وعند هذه النقطة بالضبط، فإن تركيا تواجه معضلة فيما يتعلق بعامل العراق في العلاقات التركية - الأمريكية.<BR><BR>لا شك أن قضية العراق كانت الأكثر صعوبة في ملف العلاقات التركية الأمريكية. سياسة تركيا نحو العراق هي بمثابة السباحة ضد التيار، فمن الواضح أن السياسة الخارجية التركية التي تفتقر إلى تأثير على صياغة الأحداث وحتى إلى مبادرات جزئية في المتناول مهما كانت متواضعة، لن تكون قادرة على القيام بتغييرات ذات مغزى في اليوم الذي تقرر فيه الولايات المتحدة الشروع بالعملية ضد العراق.<BR><BR>أمريكا لديها معارضات محلية تجاه سياسة العراق المتشددة، فعندما نفكر في سياسة الولايات المتحدة إزاء الشرق الأوسط خلال السنوات العشر الأخيرة، فإن موقف واشنطن يبدو وقد أصابه الوهن قليلاً بسبب تصلب مواقف حلفائها، وفقدها المبادرة والحيادية في قضية مهمة جداً مثل عملية السلام، أما تركيا فقد بقيت سلبية في مثل هذه القضية بينما كان من الممكن أن تكون ممثلة مؤثرة. بحيث نرى أن أنقرة سارعت إلى الإعلان عن دعمها الكامل للولايات المتحدة في حملة "مكافحة الإرهاب الدولي" بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول، كما بذلت الجهود الباسلة لتأييدها أثناء العمليات العسكرية الأمريكية في أفغانستان، إلا أن تركيا اليوم قلقة بشأن ما يدور في مخيلة الولايات المتحدة الأمريكية من مخططات ومطامع مستقبلية.<BR><br>