مئة مليون دولار لقمع الديمقراطية في الدول العربية
26 ذو القعدة 1425

فضيحة جديدة تتورط بها الحكومة الأمريكية في مجال الحريات والديمقراطية المدعاة، والتي تبشر بها وسائل الإعلام الأمريكية والعربية التي تدور في فلكها، فبعد أن قام المسؤولون عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي بتحضير تقريرهم السنوي الثالث حول التنمية البشرية في العالم العربي، والذي يدور حول الأوضاع السياسية في الدول العربية، وبعد النجاح الكبير للتقريرين الأولين حول مشاكل التنمية، اعترضت الحكومة الديمقراطية الأمريكية على التقرير؛ لأنه يتحدث عن اختراقات لحقوق الإنسان في العراق وفلسطين، ولم تكتف بالاعتراض، بل قامت بطلب تعديلات ثم هددت الهيئة المشرفة على المشروع بسحب الدعم الأمريكي للهيئة الدولية البالغ مئة مليون دولار إذا تم نشر التقرير قبل تعديله، بعدها بدأت الدول العربية بقراءة التقرير ووضع تعليقاتها وانتقاداتها عليه، وأرسلت بطلباتها إلى أمريكا لتقوم بالضغط على الهيئة لتعديل التقرير بما يتناسب مع الديمقراطية العربية الحديثة ومشاريع الإصلاح السلحلفائية.<BR><BR>الجدير بالذكر أن الولايات المتحدة التي صفقت طويلاً للتقرير الأول، والذي استخدمته كذريعة للقيام بإرهاب الحكومات العربية بكلمة الإصلاح والتغيير، عاقبت المنظمة بشطب 12 مليون دولار من ميزانيتها عند صدور التقرير الثاني؛ لأن ما ورد فيه لم يناسبها تماماً فقد كان يربط بعض مشاكل الدول العربية بأمور وسياسات خارجية واعتبرت أن هذا الربط فيه إشارات لسياستها الخارجية، أما التقرير الثالث فقد قررت الولايات الديمقراطية المتحدة أن تلغيه نهائياً وأن تقمعه؛ لأن فيه ذكر العراق وأوضاع العراق وبعض انتهاكات أمريكا في العراق فقامت بتهديد المنظمة بأنها لن تدفع استحقاقاتها البالغة مئة مليون دولار في حال نشر التقرير دون التعديلات التي تطالب بها.<BR><BR>النتيجة كانت إيقاف إصدار التقرير باسم الهيئة، والمحاولة الآن تجري لإصداره باسم المؤلفين بشكل شخصي، مما سيفقد التقرير الكثير من المصداقية، وسيؤدي إلى محدودية انتشاره.<BR><BR>الخبر لا يحتاج إلى تعليق، بل يحتاج إلى بشر يفهمون ماذا يدور من حولهم ليقوموا بردود أفعال أو بأفعال مناسبة لما يحاك ضدهم ولما يدبر لهم، يحتاج إلى بشر من بني البشر يكفون عن تعليق آمالهم في التغيير والإصلاح بأمريكا وأوروبا والغرب والشرق والشمال والجنوب ويبدؤون عملاً إصلاحياً ينطلق من مفاهيمهم هم ومن ثقافتهم هم ومن تاريخهم هم ومن حضارتهم هم، يحتاج إلى بشر حريتهم عندهم أغلى من الطعام والشراب والمتاع الرخيص الذي يقدم لهم، يحتاج إلى بشر مستعدين للبذل والتضحية في سبيل حياة أفضل لهم أو لأبنائهم من بعدهم.<BR><BR>لقد وقفت الولايات المتحدة لمدة خمسين سنة مع أعتى الأنظمة القمعية والديكتاتورية في العالم كله بشكل عام وفي العالم العربي بشكل خاص، وما استمرار هذه الأنظمة التي تقبع فوق صدورنا إلا خير دليل على كذب أمريكا وخيانة أمريكا لمبادئها التي تتشدق بها، والتي كشفت السنوات الأخيرة عن زيفها وعدم مصداقيتها، هذه المبادئ التي لا تطبق إلا على الرجل الأبيض ومن بين الرجال البيض على الرجل الأقوى ومن بين الأقوياء على الرجل الأغنى.<BR><BR>لو أرادت أمريكا الحرية لبلادنا وشعوبنا والديمقراطية الحقيقية لأمتنا لكانت بنصف هذا المبلغ الذي تهدد به الآن هؤلاء الشرفاء من العاملين على البحث عن الحقيقة لكانت استطاعت أن تعيد الأمن والأمان إلى العراق الذي هدمته على رؤوس أبنائه ولاستطاعت أن تسقط كل الحكومات القمعية في المنطقة واستبدلتها بأنظمة حرة تختارها الشعوب بصدق وشفافية وحرية، ولكن لا أمريكا تريد أن تستثمر في الحرية والديمقراطية، ولا هي مستعدة للتخلي عن الأنظمة الخادمة لمصالحها، ولا هي راغبة في أن تنشأ في بلادنا قوى حرة مستقلة ترفع صوتها في المستقبل في وجه أميركا الظالمة المستعمرة الناهبة لثروات الأمم في الأرض.<BR><BR>ختاماً إلى كل الحالمين بأمريكا وحرية أمريكا وعدالة أمريكا وديمقراطية أمريكا، تابعوا الحلم ولا تستيقظوا، فالحلم أسهل مئات المرات من الواقع، والحلم لا يحتاج إلى العقل ولا إلى الضمير، وهما المضغتان المفقودتان في أجسادكم المخدرة الحالمة.<BR><br>