تصفية حسابات عربية في الغرب
28 ذو القعدة 1425

من المؤسف والمخجل أن الكثير من العرب في الديار الغربية، لم يتعلموا من هذه الديار وأهلها أي شيء مفيد، وفيها من المفيد الكثير الكثير، ومن أهم ما فيها من المفيد تعلم هؤلاء القوم القبول بوجود الرأي المخالف والطرف المختلف.<BR><BR>الكثيرون من العرب في الديار الغربية لا زالوا رغم مضي الكثير من السنوات يفكرون بنفس العقلية المتخلفة التي هاجروا بها من ديارهم، بما فيها من ضيق أفق وتعصب للرأي وضيق بالطرف الآخر، والسعي إلى الإيقاع به بسبب أو بدون سبب.<BR><BR>وكي لا يظن قارئ أننا نتكلم عن مدة الستينات والسبعينات، أيام كانت أجهزة البطش العربية ترسل عملاءها للتخلص من كل من فر برأيه هربا من ظلمها، نقول: بل نتكلم عن أيامنا هذه، فإن العقلية لا زالت وللأسف نفسها، لكن الأساليب تغيرت، ليس بسبب تغير معتنقيها وتوبتهم، لكن لأن الظروف لم تعد تسمح لهم بنفس تلك التصرفات الشاذة.<BR><BR>نعم لا يزال الكثيرون من العرب اليوم، يضيقون بأي معارض أو مختلف عنهم، ولو وقف الأمر عند هذا الحد لما كان ثمة مشكلة، لكن أن يتحول إلى محاولات للأذى والوشايات والسعي لقطع الأرزاق، دون أي سبب أو استفزاز من الطرف المقابل، فهذه مسألة في غاية الغرابة والاستهجان.<BR><BR>الكثيرون من العرب الموالين للأفكار البالية، والمستفيدين من بقائها ودوامها، يتبرعون اليوم بخدمات غير مدفوعة الأجر، ولا مشكورة الذكر، بالسعي لفصل بعض من لا تعجبعم آراؤهم المخالفة، من أعمالهم ووظائفهم، عن طريق تدبير التهم والوشايات والتحريض المباشر وغير المباشر، بل إن بعضهم يضيق ذرعاً إن حصل مخالفه على عمل بسيط ولوقت محدود فتراه يسعى لفصله بالطرق المعروفة.<BR><BR><font color="#0000FF"> أحد الزملاء في دولة أوروبية يروي القصة التالية: </font><BR>تعرفت على صحفي من بلدي، وبقيت علاقتنا فاترة لمدة طويلة، ثم إني نويت زيارته في مكان عمله حيث استقبلني بالترحاب، ودار بيننا نقاش طويل حول مختلف القضايا، ثم ودعني بنفس الحفاوة وانصرفت واعداً إياه باستمرار التواصل، ومقدراً له حفاوته واستقباله.<BR><BR>وبعد مدة من الزمن- والزميل عاطل عن العمل منذ مدة- طـُلب مني التعاون مع إحدى المؤسسات المحلية، وذلك بهدف تنظيم مؤتمر عربي أوروبي، حيث سيكون من مهامي القيام ببعض الترجمات من وإلى اللغة العربية، ومضت الأمور بسلام لمدة أسبوعين، حتى أحسست أن في الأمر مشكلة ما، وصرت ألاحظ تغيراً من جهة أصحاب العمل نحوي، ثم فوجئت بطلبهم إيقاف التعاون معي، مع أنهم كانوا في البداية في غاية الحماسة.<BR><BR>ويتابع الزميل: وفيما بعد تبين لي أن الصحفي الهمام كان قد تولى مهمة تخويف أصحاب العمل مني، وتحريضهم ضدي، ليس بدافع حبه لأخذ مكاني في العمل، بل بزعم انتمائي لمنظمات معينة، و اعتناقي لأفكار لا تعجبه ولا تروق له كما يبدو.<BR><BR>قد تـكون هذه القصة بسيطة التفاصيل وغير خطيرة النتائج، لكنها على بساطتها تختصر الكثير من المعاني، وترسل الكثير من الرسائل حول أسباب عدم فاعلية الجاليات العربية والإسلامية في الغرب، وتمكن الجاليات الأخرى من التأثير في السياسات الغربية، رغم أنها أقل عدداً، وربما أصغر عمراً.<BR><BR>فتلك الجاليات تعلمت أنه مهما كانت الخلافات بين أفرادها محتدمة، والآراء بينهم متشتتة، فلا بد من التوحد على الهم الأكبر، هم الأمة الكبرى، ولا بد من تناسي الخلافات والتوحد من أجل تحقيق الأهداف الكبرى.<BR><BR>وتلك الجاليات تعلمت أن الاختلاف في الرأي ظاهرة صحية، وأن الخلق سوف يبقون في هذا الاختلاف ما بقيت فيهم حياة، لذلك لم يعد أحد منهم يضيق برأي مخالف، طالما أن آليات اتخاذ القرار في النهاية تحترم رأي الأكثرية ولا تهمل الأقلية، وتلك عملية تضمن للجميع إبداء الرأي دون خوف.<BR><BR>فليت تلك النفوس المريضة التي تسعى لإيذاء الناس، لا لهدف إلا للأذى نفسه، ليتها تعلم وتوقن ان كل إضعاف لأي فرد من أفراد هذه الجاليات هو إضعاف للجالية كلها، وأن كل تقدم وإنجاز يحققه أي فرد يمكن أن يفيد الجالية كلها.<BR><BR>وليتهم يعلمون ان هذه الوشايات التي يقومون بها، إنما تشوه صورتهم أمام الآخرين، بل تشوه صورة الأمة بأسرها، وتجعلها في عيون الغير مجموعة من المتطفلين والحاسدين والواشين، مما سينعكس على كل واحد منهم شخصياً.<BR><BR>وليتهم يعلمون مقدار الصَـغار الذي يصيبهم أنفسهم حين يقومون بهذه الوشايات، وهم يظنون أنهم رفعوا مقدارهم و مكانتهم أمام الغربيين، فليتهم يعلمون أن الغربيين لا يثقون بمن يرون منه المكر والخبث، ولو كان في صفهم يوماً من الأيام. <BR><BR>وليت تلك النفوس الممتلئة بالحقد على الناس دون مبرر، توقن أنها مقبلة يوماً ما على الله الذي يعلم ما يخفون وما يعلنون، حيث سيحاسبهم على كل صغيرة وكبيرة، وحيث سيعدمون آراءهم الواهية وحججهم التافهة التي يبررون بها سعيهم لقطع الأرزاق عن مخالفيهم.<BR><BR>ليت هؤلاء المرضى يعلمون، وليتهم يفهمون، وليتهم يتعظون...<BR><br>