عولمة وسائل التعذيب
11 ذو الحجه 1425

لا أحد يشكك أن العولمة طالت نواحي كثيرة من حياتنا، ووصلت إلى أعز الحصون وأخص الخواص، فصارت تصوغ أنماطاً معروفة من الأشكال والتصرفات والأقوال وغيرها.<BR><BR>ذلك أن الأسلوب الأميركي صار سائداً اليوم في أزياء الشباب والرجال والنساء، وصار المرء يرى تصرفات وأقوالاً لأقوام هي أبعد ما تكون عن تقاليدهم وتصوراتهم، ولا يجد تفسيراً منطقياً لذلك إلا الاتباع الأعمى للموجة العالمية الجارفة التي صارت النموذج المحتذى من حيث ندري أو لا ندري.<BR><BR>وتسللت الموجة العالمية كذلك إلى قنواتنا الفضائية فنزعت ما بقي فيها من حرج، وسلبتها ما بقي عندها من حياء، فصار نموذج المطرب الغربي يدخل شيئاً فشيئاً إلى بيوتنا، وصارت صورة المغنية الأجنبية نموذجاً يعرض ليلاً ونهاراً على شاشاتنا، وهكذا بدلاً من صورة المطرب الذي كان يرتدي البذلة الرسمية، وينشر صورة رجولية لنفسه، بدأت تدخل إلينا صورة المطرب الذي يلبس الثياب الضيقة والثياب القصيرة، ويعمد إلى الفتنة و الإغراء، وتهجم عليه الفتيات كأنه الفاتن الذي لا تقف أمام جماله قامته امرأة، وصارت المغنيات يعتمدن على إغراء الجسد بدلاً من حسن الصوت، وكل هذا في مدة قصيرة ودون استغراب أو استنكار ممن يفترض بهم أن يحافظوا على التراث والفن وما إليه.<BR><BR>الجديد في المسالة، والذي أكمل حلقات المهازل المبكية والمآسي المفجعة، أن العولمة طالت مجالاً خطيراً بقي أصحابه أوفياء لوطنياتهم مدة طويلة، وهم اليوم على ما يبدو يسلمون الدفة للحملة العالمية لتكتمل حلقات العولمة مضيفة الأسوأ إلى السيئ والأقسى إلى القاسي، هذا المجال هو مجال التعذيب. <BR> <BR> التعذيب تحول اليوم إلى ظاهرة عالمية موحدة الأساليب والفنون، ومدموغة بالخاتم الأميركي البغيض، فلا تكاد تسمع عن معتقل أو سجن يجري فيه التعذيب، إلا وجدت له علاقة ما من قريب أو بعيد بالمدارس الأميركية للتعذيب، تلك المدارس التي انتشرت في طول البلاد وعرضها ودربت وخرجت جماعة من الوحوش البشرية، الذين لا يتورعون عن اقتراف أفظع الفظائع ضد المدنيين من النساء والأطفال.<BR><BR>التقليد الجديد في التعذيب، والذي يظهر أنه مصاغ بدقة وعناية من خبراء نفسيين ومتخصصين في التعذيب، يقضي بإلحاق أكبر قدر من الإهانة والإذلال بالمعتقلين، وتحطيم كرامتهم ودفعهم إلى إنكار أنفسهم واحتقار ذاتهم، حتى إذا خرجوا من معتقلاتهم خرجوا هياكل بشرية لا تملك أملاً في الحياة، ولا علاقة لها بالأحياء.<BR>هناك تفسير واحد للأساليب القذرة التي يستعملها الجلادون اليوم عبر العالم، هي أنهم يريدون أن يجعلوا من كل من تسول له نفسه مناقشة فلاسفة النظام العالمي الجديد، أن يجعلوا منه مثلاً رادعاً لغيره، كي لا يتجرؤوا ويفكروا بمثل تفكيره.<BR><BR>والواضح أن هؤلاء الجلادين يعرفون تماماً، المواضع التي يصاب فيها كل شعب بمقتل، فلا يضيعون وقتهم في أساليب التعذيب التقليدية التي يخرج منها المعتقل فخوراً بصموده، بل يلجؤون لما يؤذيه معنوياً ويحطمه نفسياً، ليخرج ذليلاً مهاناً كارهاً لنفسه وللدنيا بأكملها، لذلك يركزون على عمليات الاغتصاب في المجتمعات الإسلامية، كما حدث في البوسنة والعراق وكشمير، لمعرفتهم بأهمية مسألة العرض والمحافظة عليه عند الشعوب المسلمة، كما يركزون على زرع الشك بين أفراد المجتمع من خلال العمل على تجنيد أبناء البلد ليعملوا ضد أبناء جلدتهم، ويكونوا عيناً للاحتلال وجنداً له. <BR><BR>الأمر الذي لا يتنبه له الكثيرون اليوم، أن أكثر من 80% من عمليات التعذيب التي تجري اليوم في العالم، إنما تجري لأسباب تتعلق برفض المشروع الأميركي وتداعيات الحرب الأميركية على ما يسمى الإرهاب، بدء بأسطورة غوانتانامو الرهيبة، مروراً بأفغانستان والعراق، إلى الأنظمة الفاشية في الشرق الأوسط وآسيا وأميركا اللاتينية، التي تتبنى المشروع الأميركي وتنافح عنه بأنياب وأظفار، وهذا لا يعني أن العشرين بالمئة المتبقية سلمت من بركات النظام العالمي الجديد، فثقافة التعذيب تخطت الحواجز وعبرت الحدود، لتجمع الأعداء وتوحد الخصوم، في سبيل الاستفادة القصوى وتبادل الخبرات التعذيبية بين الجلادين.<BR><BR>حتى هوايات الجلادين السادية دخلتها ووحدتها العولمة، فصرت ترى الجلادين عبر العالم، يكومون ضحاياهم المنهكين والمثقلين بالجراح، بعضهم فوق بعض، ويتبارون لالتقاط الصور عبر هواتفهم الجوالة، ليضيفوها إلى سجلهم الحافل، ويتبادلوها مع زملائهم في مباراة مسعورة، تغيب عنها قيم الإنسانية والأخلاق، <BR>وتسود فيها قوانين البطش والتنكيل إلى أقصى الحدود.<BR><BR>ولا ندري في نهاية الأمر هل نصل إلى عصر، يمنع فيه على الشعوب أن تتنفس إلا ما يسمح به النظام العالمي الجديد، وأن تأكل وتشرب إلا ما يسمح به ذاك النظام وجلادوه الذين تتفتق أدمغتهم المريضة كل يوم بكل سيئ وكل قبيح؟! <BR><br>