هل زيارة شارون لمصر صفقة مصرية-أمريكية؟!
29 ذو الحجه 1425

يقولون في مصر -على لسان العديد من المحللين السياسيين ودردشات الإنترنت والمقاهي - أن دعوة القاهرة شارون لزيارتها (في قمة شرم الشيخ) بعد أربع سنوات من رفض مصر دخوله أراضيها بسبب سياساته العدوانية، نوع من التنازل (الخارجي) الرسمي المصري لواشنطن بالدرجة الأولى لتهدئة الأوضاع في فلسطين، ربما يرقى لفكرة "الصفقة" المتبادلة غير المرتبة، بهدف أن تقدم واشنطن تنازلاً مقابلا (داخلياً) لمصر يتعلق بوقف انتقاداتها المتصاعدة للرئاسة المصرية والمطالبة بالتغيير والديمقراطية بما يسمح بتمرير استفتاء الرئاسة المصري القادم بهدوء خصوصاً أن نشاط معارضي التمديد للرئيس مبارك تصاعد مؤخراً.<BR><BR>وبصرف النظر عن هذه الصفقة التي سوف يكشف عنها طبيعة السلوك الأمريكي والمصري في السير في ملفي فلسطين والعراق والوضع الداخلي المصري، فالحقيقة التي لا يمكن إنكارها هي أن زيارة شارون لمصر (شرم الشيخ ) يوم 8 فبراير 2005م ستكون الأولى من نوعها التي يقوم بها شارون لدولة عربية، كما أن اللقاء المرتقب بين شارون ومبارك سيكون الأول بين رئيس عربي ورئيس الوزراء "الإسرائيلي" منذ توليه منصبه في فبراير 2001م، فضلاً عن أنها ستفتح الباب علي مصراعيه لعودة فكرة الشرق أوسطية وتحسن العلاقات "الإسرائيلية" العربية، ما سيكون مكسباً واضحاً لشارون ينضم لقائمة مكاسبه الأخيرة.<BR><BR> فمن الواضح أن هناك مصلحة مصرية من وراء القمة والتهدئة عموماً في القضية الفلسطينية في ظل حالة الانحياز الأمريكي غير العادي نحو الدولة الصهيونية والضغط على مصر والعرب منها الرغبة في إظهار أنه لا غنى عن مصر في آليات صنع السلام في الشرق الأوسط وأنه يصعب تجاهل دورها، فضلاً عن الاستفادة من حالة التهدئة عموماً في جذب مزيد من الاستثمارات لمصر خاصة أن العنف في فلسطين بدأ ينعكس على مصر في صورة تفجيرات طابا، والمظاهرات التي تقوم بها المعارضة المصرية.<BR><BR>كما أن هناك مصلحة أمريكية لبوش في التهدئة في فلسطين أملاً في أن تنعكس علي تهدئة في العراق، وبحيث تظهر إدارة بوش بمظهر المساعد على التسوية السلمية في فلسطين ما يهدئ غضب الشارع العربي نسبياً، وهناك بالضرورة مصلحة لشارون في هذه التهدئة ليظهر أمام الرأي العام الصهيوني بمظهر المنتصر على المقاومة في نهاية الأمر والمنفذ لمصالح الدولة الصهيونية.<BR><BR><font color="#0000FF">"إسرائيل" تخشى الدور المصري: </font><BR>والملفت في الأمر هو أنه على حين يصور كثيرون قمة شرم الشيخ على أنها مكسب للصهاينة وتنازل مصري أو "صفقة" كما يصفونها، يقول الصهاينة علناًً: إن القمة مكسب لمصر فقط، وتوريط لهم في خطط تسوية لا يردونها؛ لأنهم يدبرون أمورهم عسكرياً مع الفلسطينيين من دون هذه التسوية التي ستفرض عليهم التزامات وضغوط أمريكية "وقرارات صعبة" كما وصفتها رايس (وزيرة الخارجية الأمريكية) في لقائها مع شارون مؤخراً!!<BR><BR>فالصحفي "الإسرائيلي" (ناحوم بارنيع) كتب مثلاً في يديعوت احرونوت 5/2/2005م يشرح مكاسب المصريين بقوله:"عندما أدرك المصريون تأخرهم عن القطار قرروا الاستيلاء عليه بدل التوسط بين الطرفين، وأنهم سعوا للوساطة بين السلطة الفلسطينية الجديدة وحماس وقووا حركة حماس بذلك، وذلك في إشارة للتحرك المصري الأخير النشط للاستفادة من الأجواء الجديدة التي نشأت عقب فوز بوش بمدة رئاسة ثانية وتزايد الضغوط على إدارته لوقف العداء العربي والإسلامي لأمريكا، والمشكلات الداخلية التي يواجها شارون مع حزبه الليكود والمتطرفين الصهاينة بسبب خطة الانسحاب!!<BR><BR>وزعم أن عاطفة المصريين القوية تجاه الفلسطينيين قد تفشل خطط منع تهريب السلاح عبر الحدود في رفح حتى لو دخل لحراسة ممر صلاح الدين ( فيلادلفيا) 750 جندياً من حرس الحدود المصري بدلاً من جنود الشرطة الحاليون، بحيث قد يتغاضى بعض هؤلاء الجنود عن تهريب الفلسطينيين للسلاح!<BR><BR>والكاتب البريطاني جوناثان رايت (مراسل رويتر في مصر) كتب بدوره يقول – نقلاً عن محللين مصريين - إنه بخلاف الرغبة القوية في رؤية نهاية الصراع الدائر بين الإسرائيليين والفلسطينيين فإن للرئيس حسني مبارك أهدافاً إضافية في إظهار أنه لا غنى عنه في آليات صنع السلام في الشرق الأوسط، وأن مبارك – كما يقول د.حسن نافعة (أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة): - يحاول مبارك أن يظهر في صورة من يبذل قصارى جهده لمساعدة إسرائيل والولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وألا يكون في وضع المواجهة مع السياسة الخارجية الأمريكية ".<BR><BR>ويمكن القول: إن أهداف شارون من القمة ستكون بالتالي محسوبة ومحددة في التركيز على الجانب الأمني ومنع إطلاق صواريخ القسام أو القيام بأي عمليات، وستكون تحركاته وتنازلاته محسوبة أيضا كي لا يعطي أعداءه في الليكود السيف في يدهم لقطع رقبته، ولهذا هو يتحدث فقط عن خطط روتينية وقتية لا استراتيجية سلام مستمرة.<BR><BR>بل ويسعى شارون لطلب المزيد من التنازلات المصرية والعربية بحجة تشجيعه علي التحرك وبناء الثقة مثل إعادة سفيري مصر والأردن لتل أبيب، وبل ويتحدثون في الصحف والإذاعة الصهيونية عن أنباء عن زيارة مبارك لـ"إسرائيل" ومزاعم عن أن مبارك أبلغ مقربين إليه أنه يمكن أن يوافق على دعوة يوجهها له (رئيس الوزراء الإسرائيلي) آرئيل شارون خلال قمة شرم الشيخ، وهنا تجدر الإشارة إلى أن مبارك ومنذ توليه السلطة قبل نحو ربع قرن، لم يتوجه إلى "إسرائيل" سوى مرة واحدة، للمشاركة في جنازة (رئيس الوزراء الإسرائيلي الراحل) إسحق رابين.<BR><BR>وكانت وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية قد نقلت الجمعة عن مسؤول رفيع المستوى لم تذكر هويته، أنه إذا جرت الأمور في شرم الشيخ على نحو ما هو مأمول لها، فالمتوقع أن تسمي القاهرة اسم السفير الجديد في تل أبيب ليلتحق بمنصبه فيما بعد، وأوضح المصدر نفسه أن إسرائيل ومصر ستوقعان الخميس المقبل مذكرة تفاهم حول انتشار حرس الحدود المصري لمراقبة الحدود بين مصر وقطاع غزة.<BR><BR>ومعروف أن شارون لم يدخل مصر منذ عام 1995م في أعقاب تصريحات معادية له ضد مصر قال فيها: إنه لا يرغب في زيارة مصر، مما دعا القاهرة لوضع اسم شارون ضمن قوائم الإسرائيليين الممنوعين من دخول مصر، والتي تضم حوالي 400 اسم من بينهم شارون الذي أضيف للقائمة عام 1995م.<BR><BR>وترددت أنباء عام 2001م أن اسم شارون سوف يُرفع من قائمة المحظور دخولهم مصر استجابة لطلب مباشر من شارون نفسه الذي بعث في فبراير 2001م بمبعوثين من فلسطينيي 1948 للقاهرة لبحث فتح قنوات حوار مع مصر وصفحة جديدة،خصوصاً أنه أصبح رئيساً لوزراء "إسرائيل"، ويصعب وضع اسمه ضمن المحظور دخولهم.<BR><BR>بيد أن الشقة بينه وبين مصر زادت في أعقاب تهديد وزرائه وأنصاره بضرب مصر وتدمير السد العالي، مما أثار استياء (الرئيس المصري) مبارك الذي رد بعنف علي المسؤولين "الإسرائيليين" في ذلك الوقت، خصوصاً (الوزير السابق ليبرمان) وتساءل – أي مبارك – أليس له (ليبرمان) "كبير" في إسرائيل يفهمه أن هذا خطأ؟!<BR><BR>وقد صرح (الرئيس المصري) مبارك عدة مرات بأنه لا يري أملاً في السلام في ظل وجود شارون في السلطة، بيد أن مبارك عاد للقول في فبراير 2003م بأنه سيدعو شارون لزيارة مصر، مما أثار غضب قوي معارضة مصرية وأوساط إعلامية اعتبرتها تنازلات مصرية لصالح شارون خصوصاً في أعقاب احتلال أمريكا للعراق، مما دعا القاهرة لاحقاً لتأكيد أن زيارة شارون لمصر مشروطة بقبوله خارطة الطريق.<BR><BR>حيث قدم (الرئيس المصري) حسني مبارك دعوة لشارون لزيارة مصر في فبراير 2003م عقب تشكيل حكومته الجديدة استعداداً لمرحلة ما بعد ضرب العراق، والسيناريوهات الأسوأ التي قد يلجأ لها شارون في المنطقة للاستفادة من حالة الفوضى التي سيخلقها غزو العراق لتعزيز مصالح "إسرائيل" في المنطقة (فلسطين- لبنان).<BR><BR>وقال الرئيس مبارك – في تصريحاته لجريدة الجمهورية 3 فبراير 2003م-: إنه لا يوجد بينه وبين إرييل شارون (رئيس وزراء "إسرائيل") "سوى القضية الفلسطينية التي نسعى إلى حلها حلاً عادلاً وشاملاً "، وأن شارون سبق أن اتصل به أثناء المدة الأولى لرئاسته الحكومة "الإسرائيلية" طالباً الحضور إلى مصر لمناقشة الأوضاع، حيث كانت المناطق الفلسطينية تشهد حينئذ أعمال عنف وتدمير.<BR>ولكن الزيارة تعرقلت عندما تصاعد العدوان الصهيوني على الفلسطينيين، وعاد التوتر للعلاقات مرة أخرى .<BR><BR>ويبدو من استقراء تصريحات الصهاينة أنهم لا ينوون الاتفاق على المسائل الهامة، ولكن فقط الاستفادة من حالة التهدئة في وقف العمليات الفدائية، بدليل أن زالمان شوفال (مستشار شارون) قال لوكالة رويترز مؤخراً: "من الواضح أن التفاوض على اتفاق نهائي الآن يعنى كارثة... لن يكون هناك اتفاق نهائي في جيلنا.. هذا رأيي "!؟ <BR>وربما لهذا قال (المعلق الفلسطيني) علي الجرباوي تعليقاً على ما يجري في شرم الشيخ "ربما نشهد حملاً كاذباً "!؟<BR><BR>فهل ستكون قمة شرم الشيخ صفقة بالفعل يستفيد منها كل طرف، أم أن المؤشرات لا توحي بذلك، وأن كل طرف يسعى لتحقيق مصالحه الخاصة (خصوصاً الصهاينة والأمريكان) ولو على حساب الآخرين ( الفلسطينيين والعرب )؟ ثم ماذا بعد شرم الشيخ؟<BR><BR>إن العقبة الحقيقية ليست في التفاوض، ولكن في المدى الذي يرغب الصهاينة في الوصول إليه، فهم يرفضون إعادة الأراضي العربية المحتلة في نهاية الأمر ويسوفون في الوقت بهدف خلق واقع على الأرض بالمستوطنات يصعب اقتلاعه في النهاية.. فعندما وجدوا أن التفاوض مع سوريا سيؤدي في النهاية لإعادة الجولان رفضوا التفاوض بحجج واهية مثل إيواء سوريا للإرهابيين، وقيامها ببرامج تسلح، وعندما وصلوا مع الفلسطينيين في مراحل سابقة للتفاوض إلى مسائل هامة كالقدس وحق العودة عرقلوا المفاوضات.<BR><BR>وهم لا يخفون هدفهم في البقاء على احتلال الأرض العربية ويقولون علناً – حسبما قال رئيس الاستخبارات الصهيونية تعليقاً على رفض شارون التفاوض مع سوريا – أن شارون سيرفض التفاوض؛ لأنه ببساطة ليس لديه استعداد للتنازل عن هذه الأراضي المحتلة لأسباب تتعلق بأمن الدولة الصهيونية!!<BR><br>