هل تحل الدبلوماسية السورية أزمة اغتيال الحريري؟
8 محرم 1426

تعاني دمشق هذه الأيام من أوقات عصيبة بسبب عملية اغتيال (رئيس الوزراء اللبناني) رفيق الحريري، قد تجعلها في ظروف لا تحسد عليها، خلال المدة المقبلة.<BR>وإن لم تتمكن الدبلوماسية السورية من حل هذه المعضلة السياسية والأمنية في المنطقة، فإنها ستواجه احتمالات سيئة، وستدفع ضرائب كبيرة، لابد ستنال من قوتها في المنطقة.<BR><BR>وربما تكون سوريا الآن في أزمة دبلوماسية عالمية؛ لم تكن قد واجهت (الرئيس السوري الشاب) بشار الأسد من قبل، وسيتوقف مصير أمور كثيرة في المنطقة على حنكة الأسد ومن معه، في الخروج من هذا المأزق السياسي الكبير.<BR><BR>(نائب الرئيس السوري) عبدالحليم خدام، استبق الجميع ووصل إلى العاصمة بيروت لتقديم تعازي الحكومة السورية لأسرة الحريري.<BR>ورغم وجهه المتجهم الذي عكس شيئاً من الاستياء السوري الكبير لما حصل، وعكس هم الإدارة السورية في مأزق اغتيال الحريري، إلا أن ذلك لم يقنع نجل الحريري (سعد الدين) من التلميح إلى وقوف دمشق خلف عملية الاغتيال، حيث أجاب على تساؤل الصحفيين حول أسباب اغتيال والده بالقول: " ذلك واضح... أليس كذلك؟! ".<BR>كما طلبت عائلة الحريري من الحكومتين السورية واللبنانية عدم المشاركة الرسمية في جنازة الحريري!<BR><BR>كما لم تمنع التصريحات السورية المنددة بعملية الاغتيال، هتاف آلاف اللبنانيين المشيعين في جنازة رئيس الوزراء اللبناني السابق، ضد الوجود السوري، وتحميل الحكومتين السورية واللبنانية دم الحريري!<BR><BR>معظم المؤشرات والمعطيات في المنطقة تستبعد سوريا من القيام بمثل هذه العملية، فلا تاريخ العلاقات السورية اللبنانية يشير إلى وجود مثل هذا الأسلوب في تصفية الخصوم في السابق، ولا يمكن أن تحصل سوريا على أي مزايا أو إيجابيات جديدة من لبنان بحال نفذت مثل هذه العملية.<BR><BR>وفي قراءة أولية، فإن من يقف خلف هذه العملية، أراد بشكل أساسي أن يضرب الوجود السوري في لبنان.<BR>فبعد محاولات سابقة متكررة من قبل الحكومة الإسرائيلية والأمريكية لإقناع سوريا سحب قواتها من لبنان، فشلت هذه المحاولات؛ حتى بعد أن خرجت قوات الاحتلال الإسرائيلية من الجنوب اللبنانية. رغم أن تل أبيب وواشنطن تدعيان منذ ذلك الحين أو الوقت قد حان لخروج القوات السورية لبنان، طالما خرجت القوات الإسرائيلية من الجنوب.<BR><BR>ثم فرضت واشنطن عقوبات اقتصادية محدودة "ابتدائية" على دمشق، مهددة بعقوبات أكبر وأشمل لتنفيذ مطالب إسرائيلية بالدرجة الأولى، من بينها سحب قواتها من لبنان. رغم ذلك، استطاعت دمشق التملص من تلك الضغوط، والاستمرار في سياسة تراها صائبة ومحورية لدعم أي موقف تفاوضي أو عسكري قادم باحتمال.<BR><BR>وحتى بعد أن ذهبت الحكومة الأمريكية والإسرائيلية لأبعد من ذلك، باستمالة فرنسا، بعد أن طلبت منها المعارضة اللبنانية التدخل لإخراج القوات السورية من لبنان، حيث ساهمت أمريكا وفرنسا بشكل أساسي في استصدار قرار من مجلس الأمن الدولي، حمل الرقم (1559) يطالب دمشق بسحب قواتها من لبنان، رفضت سوريا ذلك، وأكدت أن مسألة الوجود السوري هي قضية لبنانية داخلية، لا مكان فيها لتدخل أطراف أجنبية، ودعمت الحكومة اللبنانية الموقف السوري مراراً.<BR><BR>والاغتيال عندما استهدف أول أمس مسؤول لبناني، استهدف بالدرجة الأولى شخصية معروفة تتمتع بعلاقات دولية واسعة وطيبة، وبارتباطات شخصية مع عدد من قادة ومسؤولي دول عربية وعالمية، سياسية واقتصادية. بالإضافة إلى شركاته المالية التي تنتشر في عدة دول عربية وعالمية.<BR>ما يجعل اغتياله تأليباً عالمياً على أي متهم محتمل.<BR><BR>وطالما أن الحريري انسحب من الحكومة اللبنانية بناءً على خلاف حول مسألة التمديد لـ(الرئيس اللبناني) أميل لحود (المدعوم من قبل دمشق) فإن اغتياله قد يشير بشكل أولي إلى أعداء محتملين، تحاول المعارضة اللبنانية و(إسرائيل) وأمريكا إثبات أن سوريا والحكومة اللبنانية هم أعداؤه!<BR>رغم العلاقات المميزة للحريري مع عدد كبير من قادة دمشق السياسيين والاقتصاديين وحتى العسكريين.<BR><BR>وتتضح الصورة الآن أن الإدارة الأمريكية والحكومة الإسرائيلية تستخدم طرق عدة، لاستنزاف الدعم الدولي والعربي لسوريا، في مواقفها الحالية.<BR>إذ استطاعت عملية اغتيال الحريري فتح الباب على مصراعيه أمام قضية الوجود السوري في لبنان.<BR>وبات الإعلام العالمي يركز أساساً على المعارضة اللبنانية وصوتها المنادي بضرورة خروج القوات السورية من لبنان، وبتوجيه التهم لها. باعتبار أن من يقف الآن إلى جانب الحريري هم من المعارضة! ما يشكل ضغطاً كبيراً على كثير من دول العالم من أجل الوقوف إلى جانب باريس وواشنطن وتل أبيب، ضد الوجود السوري في لبنان.<BR><BR>وكل التحركات الحالية التي اتخذتها دول عالمية ومنظمات دولية باتجاه الضغط على سوريا لسحب قواتها من لبنان، سيؤدي إلى مواقف دبلوماسية سورية جديدة، لابد ستتلائم مع طبيعة الرحلة القادمة.<BR>ومن المرجح أن تعلن سوريا قريباً بدء سحب قوات من لبنان، عبر إعادة انتشار جديد لابد منه.<BR><BR>وفيما يرى بعض المراقبون السياسيون أن عملية الاغتيال أصبحت بداية ما يخشى منه من تحركات عسكرية أمريكية ضد سوريا، فإن الدبلوماسية السورية إن لم تستطع إنقاذ موقف دمشق هذه المرة، فإن سوريا ستتعرض لعقوبات أكيدة خلال المدة القادمة، فإما عقوبات دولية عبر مجلس الأمن الدولي؛ لعدم تطبيقها القرار رقم 1559، أو عقوبات أمريكية (وربما فرنسية) اقتصادية.<BR><br>