طرقات خطاب بوش على أبواب أوروبا ورؤوس حكام المنطقة
18 محرم 1426

[email protected] <BR>تأبط (الرئيس الأمريكي) جورج بوش ذراع أوروبا وركل العرب، أمسك بمطرقة رئيس الكونجرس الأمريكي ، وطرق بها أبواب أوروبا، وانهال بها طرقاً على رؤوس حكام الدول العربية.<BR>في بروكسل كان خطاب جورج بوش الثاني قائد الحملة الصليبية سابقاً، وداعية الحرية ومانحها على البطاقة التموينية للجميع إجبارياً حالياً!! مفعماً بالحيوية و"مبشراً" بغد أمريكي قادم للجميع.<BR>وفي هذا الخطاب المثير قرأنا على عجل فيه هذه الإيماءات المهمة والتأثيرية:<BR><BR>اللحمة الأمريكية/الأوروبية على أرضية جديدة:<BR><BR>بعد أزمة الحديد وضرائبه في أوروبا، وقضية حائط الصواريخ، ومحاولة تقسيم أوروبا أمريكياً لأوروبا "قديمة" ممثلة في ألمانيا وفرنسا، وأوروبا "حديثة" ممثلة في بريطانيا وإيطاليا وإسبانيا على لسان (وزير الحرب الأمريكي) دونالد رامسفيلد، أدركت دوائر صنع القرار الأمريكي أن ليس بمقدورها أن تتجاوز الدور الأوروبي في مسعاها لتركيع العالم الإسلامي، بعد سلسلة من الإخفاقات والنجاحات – كذلك – الأمريكية عسكرياً وسياسياً؛ لم تثن واشنطن عن التطلع لفرض أجندتها الراديكالية على العالم، وإنما دعتها لتوسيع الثقب الأسود الأمريكي ليشمل أوروبا؛ حيث ابتلاع العالم الإسلامي بكل إمكاناته المادية وحضارته العريقة ليس مهمة يسيرة على النحو الذي ارتأته إدارة بوش الأولى.<BR>سلسلة الإخفاقات والنجاحات إذن – برغم تناقضها حقيقة – هما اللتان دعتا بوش إلى دغدغة مشاعر الأوروبيين المنكسرين ووعده لهم بمشاركة الأمريكيين الكعكة على أرضية جديدة.<BR>فالإخفاقات قد تجسدت في الصعيدين العسكري والسياسي للولايات المتحدة، في العراق، حيث النزيف الأمريكي مستمر بغزارة سواء على جانب الخسائر البشرية أو الاقتصادية، فلقد سقط عشرات الآلاف من الأمريكيين أو المتأمركين بين قتيل وجريح جراء حرب الاستنزاف العراقية الأمريكية الدائرة الآن في مناطق السنة العراقية، وتضاعفت ميزانية الحرب الأمريكية في العراق وغيرها لتتجاوز زيادتها فقط حد الـ120 مليار دولار سنوياً، في وقت لم يتجاوز سقف الإنتاج العراقي من النفط حد الـ500 ألف برميل يومياً بحسب الأرقام الأمريكية، وحيث تعثرت عملية نقل السلطة ديمقراطياً بمقاطعة السنة لها وبشهود المسار الانتخابي لعمليات تزوير وتجاوزات من العيار الثقيل.<BR>وفي فلسطين – عبر "إسرائيل" -، حيث وصل المشروع الاستيطاني والتوسعي الصهيوني لطريق مسدود، وبدا الأمل في تدجين واحتواء الفصائل المقاومة الفلسطينية عصياً على التنفيذ كما يروق للأمريكيين.<BR>وفي أفغانستان، حيث تعثر مشروع أنابيب النفط في شق طريقة وسط المتاعب الطالبانية.<BR>وفي كوريا الشمالية، حيث استغل نظام كيم جونج إيل ظرف الضعف الأمريكي في الجهر بـ "السوء من القول" وإعلان امتلاك بيونج يانج للقنبلة النووية (للمفارقة المضحكة، فإن (رئيس وزراء أستراليا) جون هاورد البروتستانتي، والحليف الرئيسي لنظامي بوش وبلير، اعتبر أن كوريا "تبالغ بشأن امتلاكها للقنبلة النووية" برغم اعترافها بذلك، فيما حلف صدام حسين "أيماناً مغلظة" بأنه لا يملك هذه القنبلة من دون أن يصدقه أحد !!) .<BR>بيد أن النجاحات هي الأخرى تنبت من نفس تربة الإخفاقات، فالعراق يمضي في طريق ربما يفضي به في النهاية إلى التدجين ولو بعد حين ، ولو بعد نفوق أكثر من جيل من العملاء أو هكذا الأمريكيون يحلمون ـ ولسنا منزعجين وإنما مشفقين من أن تكون هذه إحدى محطات الصراع الأبدي ـ استناداً إلى حقائق تاريخية تقول بأن الشعوب لا تتهم بالخيانة إلا الجيل الأول أو الصف الأول من الطابور الخامس، ومن هنا كانت الولايات المتحدة تعول أكثر على مرحلة ما بعد "الكرزاويين" , أو ربما العراق ماض نحو التقسيم، ومن ثم حشر مقاومته في زاوية المثلث السني الذي يأمل الأمريكيون أن تنزوي أضلاعه، وكذا السودان ماض إلى سودانات، والمقاومة الفلسطينية نحو الحصار، وربما في الأخير تحول نظرة الغضب الأوربية إلى ابتسامة حانية .. <BR>وهذه البسمة الخاسرة هي نتاج حروب باردة خاضتها واشنطن ضد أوروبا خسرتها الأخيرة لكنها عادت لتصطف إلى جوار الغريم شريكة في حل معضلة العالم الإسلامي التي لا يفك شفرتها مراكز واشنطن وأخواتها البحثية ودوائر استخباراتها حالما تتمكن أمريكا الشابة من أن تكتسي بخبرات أوربا العجوز الاحتلالية، ففرنسا التي عادت خاسرة من حرب إفريقيا "الاستعمارية" أمام أمريكا، وجرت أذيال خيبتها في "مستعمراتها" الشامية والمغاربية أمام أمريكا الثائرة وآخرها مناقصة نفط سوريا وقرار 1559 الأممي، وتراجعها النفطي كذلك في عقود سونطراك الجزائرية عادت الآن لترضى من الأمريكيين بفتات الكعكة وتمضي ذليلة في ذيل موكب الخانعين، متدثرة بين الفينة والأخرى ببعض الصرخات الجوفاء، وألمانيا التي هزتها أزمة الحديد وشعرت بعجزها الكبير في معارك التحكم بالمواد الخام الصناعية دخلت في غيبوبة الصمت السياسي، وإسبانيا تظل كفراشة تعشق النار الأمريكية وإن حرقتها في قطارات مدريد وأرتال العراق. <BR>أما بريطانيا بلير، فلم تتوان هذا الصباح عن التناغم مع اللحن الأمريكي حتى قبل أن يشدو به بوش ؛ فاستبقه (وزير خارجية إمبراطورية الشمس المكسوفة) جاك سترو بتصريح يتحدث فيه بلباقة مغرقة في دبلوماسيتها عن "اشتباه كبير" في تورط سوريا في اغتيال الحريري، برغم أنها لم تشارك بعد في تحقيقات الجهاز العدلي اللبناني، وإنما ترتكز إلى معلومات استخبارية كتلك التي قادت لندن إلى فضيحة الـ 37 دقيقة قبيل العدوان على العراق , والتي زعمت فيها أن العراق بمقدوره في هذه المدة الوجيزة أن يشن حرباً بأسلحة الدمار الشامل.<BR><BR>العرب في مرمي "الديمقراطية" الأمريكية: <BR><BR>بدا خطاب بوش مفعما بـ"شرقيته" الأوسطية، وشعرنا معه أنه "رئيسنا" يتحدث إلينا بقلب أسود مفتوح، فتلك لبنان واحة الحرية الأوسطية العربية لا تنعم بديمقراطيتها بسبب "المحتل" السوري، وهذه الولاية الفلسطينية سيخلع عليها الإمبراطور الأمريكي خلعة الحق في رفع العلم الفلسطيني فوق أشلاء الشهداء، وهذا العراق وواليه المنتظر أنموذجاً فريداً للانسلال من ديكتاتوريات العرب ودخوله في حظيرة الديمقراطية الأمريكية. <BR>وكان ما لفت نظرنا جميعاً هذا الميل الأمريكي نحو "شرقنة" الخطاب، وطرح الديمقراطية الأمريكية كـ"بروشور" تسويق للهيمنة الأمريكية، وبدت نقاط الضوء تتكاثر في مساحة لبنان الضيقة ؛ كدولة مهمة ومؤثرة يراد لها أن تنكأ جراحاً طائفية وإقليمية متعددة في مركز "الشرق الأوسط الجديد"، وأن تنزلق في قضيتها سوريا الحليف الأقرب لها، وتحل معها عدة قضايا عربية مؤجلة كقضية الإصلاح ـ المطلوبة شعبياً لكن ليست عبر البوابة الأمريكية ـ وقضية توطين اللاجئين الفلسطينيين المؤجلة، وقضية المركزية الاقتصادية "الإسرائيلية" وفقاً لروزنامة مشروع بيريز للشرق الأوسط التي خفت دوائر صناعة القرار في واشنطن وتل أبيب لتحويلها إلى جملة من القرارات والإجراءات على الأرض بدءاً من اتفاقية الكويز وانتهاءً بما لا يدرك مداه إلا الله. <BR>ديمقراطية أمريكا علمتها أوروبا لأمريكا ـ هكذا اعترف بوش في خطابه "التبشيري" ـ فهلا ترك العرب يتعلمونها من الأصل بعيداً عن ديمقراطية جوانتنامو وأبي غريب !!<BR><BR>هل أعلن بوش مسؤوليته عن اغتيال الحريري ؟ : <BR><BR><BR>ولج الرئيس الأمريكي من حيث يدري أو لا يدري في مستنقع التكهنات الخاصة باغتيال (رئيس وزراء لبنان السابق) رفيق الحريري، حين لم تتأخر كلماته الدافقة عن الحديث عن سوريا ولبنان وتخصيص قدر لا بأس به من حديثه عنهما، لا سيما لبنان التي تستعد لانتخابات نيابية جديدة في ظل أجواء ملبدة بالغيوم وتكهنات تتناثر في كل حدب وصوب، بعضها ربما لن يتأخر في السؤال : هل كان خطاب الرئيس بوش معداً منذ مدة تسبق اغتيال الحريري أم أنه أعد على عجل أم أن الاستراتيجية الأمريكية في منطقة هامة من العالم رهينة بأحداث عرضية على هذا النحو تنأى بها عن التفكير المتأني العميق ؟ غموض هذه الأسئلة هو الذي يقود إلى التساؤل المريع : هل كان بوش على علم بعملية اغتيال الحريري قبل وقوعها سيما إذا ما وضعت هذه الملاحظة إلى جوار ملاحظات أخرى كسرعة رد الفعل الأمريكي وتماهيه مع الرد الفرنسي ؟ لست أدري حقيقة لكن خطاب زعيم "الدولة العظمى" فتح شهيتي ـ وآخرين قطعاً ـ للتفكير..<BR> <BR>من فكر الحرب الاستباقية إلى حرب الحرية : <BR><BR>شهية بوش وإدارته الفريدة ـ لاسيما وزير خارجيتها النشطة ـ غير مستعدة لكبح جماح شهيتها للحروب، وقد أتت كلمات بوش "التبشيرية" لتسدل ستارة شفافة عن حرب تنشط على الأرض ويتوارى ذكرها شيئاً فشيئاً من صفحات الاستراتيجية العلنية، فالحرب الاستباقية التي فجرت الدوائر الحاكمة القريبة من إدارة كلينتون الحديث عنها، وتبنى تنفيذها (الرئيس الأمريكي) بوش الثاني في إدارته الأولى تحت اسم الحرب على الإرهاب الذي بدوره يوشك أن ينزوي بعدما أضحى سيئ الصيت ؛ بدأت في الأفول لمصلحة حرب جديدة تلتحف برداء الحرية وتتدثر بالديمقراطية محاولة أن تواري وجهاً كالحاً مج العالم رؤيته، ولبئس ما حاول زعيم العالم أن يبشرنا ؛ فقد جاء مصطلحه الجديد "حرباً" هو الآخر، وكأن هذه الأمة الأمريكية قد خلقت للحروب، وكأنها جاءت للعالم لتبشر بحرب تخرج من رحم أخرى، ومن دون انزعاج فقد تطالعنا أدبيات واشنطن القادمة بحرب السلام وحرب الحنان وحرب الهدوء والأمان !! <BR><BR><br>