نتيجة الانتخابات : رقصة سالومي .. وفتوى السيستاني!!
28 محرم 1426

حين كانت أوروبا تئن من سطوة الكهان والقساوسة القابضين أيديهم على كل شيء، يحرمون ويحلون وفق أمزجتهم الشخصية كان الصوت العلماني آخذ في الارتفاع ، يعلو ويعلو كلما زاد أتباع دين الكهنة الزائف تقديساً وعبادة لقساوستهم ... <BR><BR>وحينما نظر الله "إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب" [ الحديث ] قبيل مبعث المصطفى _صلوات الله وسلامه عليه_ ؛ كان المشركون العرب يتلاعبون بدين إبراهيم، ويعمدون إلى النسيء "يحلونه عاماً ويحرمونه عاماً ليواطئوا عدة ما حرم الله" [ سورة التوبة : 37 ] .. <BR> وكان تمرد العلمانيين على الكنيسة محاولة لاطراح الدين وخاطفيه .. وكانت بعثة النبي الخاتم مدعاة للاستسلام لأمر الله ـ لا لأمر الكهان ـ في التحليل والتحريم .. <BR><BR>وفي الماضي كان منتحلو اعتناق ملة الأسباط الإثنتي عشرة من الأحبار يحتكرون التحريم والتحليل لحسابهم الشخصي والنفعي، وتبعهم من يوزعون الضياع في الجنات على من يدفع أكثر، ويبيعون "صكوك الغفران" !! <BR>وفي الحاضر وافانا أحبار ملة الإثني عشر إماماً معصوماً بفتواهم السيستانية على لسان أحمد الصافي ممثله الشخصي بأن "المشاركة في الانتخابات لها حرمة شرعية؛ لأن المخالف يدخل جهنم"، وعلِمنا أن التأشير على قائمة الائتلاف "الشيعي" الموحد المباركة لها ثواب عظيم عند الله _سبحانه وتعالى_، وأن الفائزين بالانتخابات لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً !!! <BR><BR>وهكذا يختطف الدين وتمتهن الفتوى وتباع الشريعة وتقدم ثوابت هذه الأمة العريقة على طبق من فضة هدية للمحتل الغاصب تحت ذريعة الانخراط في عملية سياسية تمنح حوزة الشيعة حكماً يتنسمونه منذ قرون.. <BR>والحق أن أفعال الحوزة العلمية تلك ـ التي ليتها ظلت صامتة بحسب تعبير مقتدى الصدر ـ قمينة بأن تذبذب ولاءات شيعية كثيرة ستفيق من قريب لتدرك أن مرجعيتها العلمية قد باعت لها الوهم وسوقت لها الأكاذيب باسم الشريعة الحنيفة حين استحال "الشيطان الأكبر" بين يديها ملكاً كريماً يمنح الديمقراطية لمن يدخل بيت الطاعة الأمريكي. <BR><BR>في الماضي حدثتنا الأناجيل عن رقصة سالومي التي رقصتها بأمر من هيروديا زوجة القائد الروماني هيرودس ؛ وهي تحمل في يدها طبقاً من فضة عليه رأس يوحنا المعمدان قبل ألفي عام قدمه هيرودس لزوجه ـ بحسب إنجيل مرقص ـ .<BR>وفي الحاضر حدثتنا الوكالات عن فتوى صدرت من مرجعية علمية بأمر من إيران تحمل رأس العراق على طبق من فضة بعد أن ذبحه المحتل.<BR><BR>العراق من دون شك شهد منظومة من المؤامرات وأيضاً المواقف الرعناء وأقلها سوء تقدير للأمور واللهاث وراء سراب يرسمه المحتل، وسلسلة متصلة من البغي والغباء والبغاء، والجامع بين البغاء والغباء والبغي ليس فقط الغين والباء اللتان غيبتا عراق الحضارة خلف سحاب كثيف معتم ؛ وإنما منظومة متكاملة متضافرة تنتج في الأخير هذا المسخ الذي فرح به المخلفون وأسموه انتخابات نيابية، فالبغاء هو التفريط في الجسد والغباء هو التفريط في الوطن والبغي هو التجاسر على ثوابت الأمة وامتطاء القيم .. <BR><BR>ونحن حين ننظر إلى تراتبية السياسة الاحتلالية الأمريكية لا يخطئ فهمنا دور تلك الطغمة التي تسلطت على الرأي العام الشيعي، الذي نجزم حقيقة أن فيه وطنيين وأشراف كثيرين غابت أصواتهم خلف جدار الصخب الهادر الذي بناه هذا الائتلاف الموحد الذي يحظى بدعم المحتل طبقاً لتوافقه مع نظام محاصصة حاز الثيوقراطيون والعلمانيون الشيعة النصيب الوافر فيه إضافة لأصدقاء "إسرائيل" وجنودها الأوفياء في الشمال العراقي ؛ في تثبيت أقدام المحتلين في أرض الرافدين .. <BR><BR>البغدادي والخالصي ومن قبل الشيرازي والحبوبي إبان ثورة العشرين وفريق من التيار الصدري على مر العقود الثلاثة الماضية وأتباع هؤلاء من أشراف الشيعة ورموزها الوطنية ؛ ليسوا بالأكيد من هؤلاء الغطاريس الذين يحلون ـ بل يوجبون ـ قتال الأمريكان عاماً ويحرمونه عاماً ليغنموا أخماس عطايا المحتل، وليست المشكلة في الأولين بل في أولئك الآخرين الذين فازت لائحتهما بأكثر من ستين في المئة من مقاعد المجلس النيابي العراقي المؤقت، ويستعد ممثلهم للجلوس على مقعد رئاسة الحكومة العراقية. <BR><BR>علي أية حال، فهذه هي الوقائع على الأرض، ومن غير المقبول القفز عليها أو تجاهلها، ومن ثم وجب علينا أن نتفهمها أو نحاول فك طلاسم هذا الانحياز الدافق من جانب الحوزة العلمية الشيعية باتجاه أمريكا، قد يبادرنا المحازبون للفائزين بأن قواعد السياسة قد تقتضي الالتقاء مع الخصم في جملة من المصالح ومعارضته في أخرى، ولسنا في وارد الاعتراض على ذلك ولا في وارد عرض كلمات ميكيافيللي بهذا الخصوص.<BR><BR> غير أننا في مقابل التعامل مع هذا الواقع السياسي الجديد بقدر من الواقعية يضع باعتباره رغبة طهران/السيستاني في فرض أجندتها على السنة العرب والأكراد على حد سواء من خلال عدة سيناريوهات بدت تظهر ملامحها على تخوم المرحلة الانتقالية الجديدة (سبق للسيستاني أن وجه عبارة منمقة لبريمر الحاكم المدني الأمريكي السابق في العراق نصها :"أنا إيراني وأنت أمريكي، فلندع العراقيين يختارون حكامهم بأنفسهم"، هذه السيناريوهات باتت تتلخص في إمكانية توافر أتباع السيستاني على نصيب الأسد من الحكم القادم ؛ ما يمكنهم من التعايش مع السنة في العراق وفق أرضية جديدة تضع باعتبارها : هيمنة الشيعة على مقدرات الحكم العراقية، والإفادة من استئثار مناطقهم بجزء كبير من مناطق حقول النفط بالجنوب العراقي، والإفادة كذلك من أي ترتيب مستقبلي لنظام الحكم من خلال التدخل المباشر في صياغة الدستور العراقي بما يتيح للأقلية الشيعية امتيازات دينية واجتماعية وتعليمية واقتصادية لم تكن ممنوحة لهم بالسابق في ظل نظام صدام حسين، ومن ثم ترسيخ أوضاع قانونية وإدارية تخدم الأهداف الاستراتيجية الشيعية في العراق خصوصاً والعالم العربي عموماً، مثل: تقسيم الدوائر الانتخابية بما يخدم الأقلية الشيعية، وتغيير لون العراق المذهبي مثلما حدث إبان حكم الفاطميين العبيديين في مصر وشمال إفريقيا من قبل، والانطلاق الإعلامي المشهود بما يخلق واقعاً فضائياً سياسياً عربياً جديداً لا يمكن تجاوز تبعاته التي تتجاوز قطعاً حدود بلاد الرافدين إلى المنطقة العربية الآسيوية بالأخص، والتأثير التعليمي والأوقافي الذي جرى تغييره وسيسعى النظام المؤقت الجديد للبناء على ما تم إنجازه فيه، ومثل الواقع الاقتصادي الجديد الذي نتج عن هذا الاستئثار المشار إليه آنفاً. <BR><BR>أو في سيناريو آخر لا يقل مرارة عن سابقه التأسيس لمفهوم التقسيم العملي أو الذي يتم الآن تسويقه تحت مسمى الفيدرالية التي ينبغي النظر إليها هذه المرة كأحد الخيارات المطروحة على الطاولة ؛ سيما، وقد تضمن القانون الذي أعده بريمر الحاكم المدني الأمريكي السابق بنداً ملغوماً يعد من أخطر ما تضمنه قانون إدارة الدولة وهو النص على أحقية كل إقليم يضم 3 محافظات فأكثر في اختيار نظام الحكم الذاتي الممهد للانفصال بعد ذلك، ومهما بدا أن الأكراد هم أصحاب قصب السبق في ذلك ؛ فإن هذا الخيار ليس بعيداً عن اعتبارات الساسة الشيعة كأحد الخيارات الراجحة في حال لم يتمكنوا مستقبلاً من الاستئثار بالحكم العراقي، ومهما يكن من شيء بعد ؛ فإن أياً من السيناريوهين الآنفي الذكر يمكنان شقي الرحى المنتسبين للشيعة المحسوبين على إيران أو أمريكا (أو كلاهما معاً) من طحن المثلث السني سياسياً واقتصادياً وإعلامياً وإدراياً دونما حاجة إلى مزيد من الضغوطات العسكرية التي يتكفل بها الآن المحتل الأمريكي كأساس، تعاونه ميليشيا فيلق بدر وحزب الدعوة المنخرطان في القوات العراقية النظامية سواء بالجيش أو الشرطة، والذين يرتبطان بشكل وثيق مع جهاز الاستخبارات الإيراني (اطلاعات) والباسيج (ونعني بحزب الدعوة الجناح المحسوب على إيران , لا ذاك العروبي المستقل عنها). <BR><BR>ثمة الآن من يرقص على أشلاء شهداء العراق، بيد أن القبح أفشى حين ترى الشيب غازياً شعر الراقص ..<BR><br>