السنة في لبنان .. تاريخ من الضعف واللا فاعلية !
2 صفر 1426

على مدار تاريخ الطائفة السنية في لبنان لم يعرف لهذه الأغلبية فاعلية تذكر وسط هذا الحراك السياسي والدموي الذي شهدته لبنان فظل السنة اللبنانيون بتاريخ دون فاعلية.<BR>لبنان بلد تحكمه سياسة التوازن الطائفي بحيث يشعر كل طرف أنه ند للآخر له نفس الحقوق والواجبات والمكتسبات .<BR>لكن عملياً تم تجريد سنّة لبنان على امتداد أعوام الحرب الأهلية (1975-1990م) من دورهم وحاولت القوى الموالية لسوريا اتهامهم دوما بتهمة موالاة الفلسطينيين "السنة " بطبيعة الحال أما قوى اليسار اللبنانية فاتهمتهم بموالاة الموارنة حيناً على قاعدة اقتسام الطائفتين السلطات في البلاد قبل وبعد الحرب الأهلية .<BR><BR>وعملياً أيضا خرجت الطائفة السنية من الحرب الأهلية بخسائرها ومكاسبها قبل غيرها من الطوائف لكن قواها ورموزها ضربت واستهدفت بشدة .<BR>فتلقت ميليشياتها " المرابطون" ضعيفة التدريب والبنيان والتنظيم ضربات موجعة <BR>وكادت الساحة السنية تخلو من أي رمز لها باستثناء عائلة سلام التي كانت تشهد أفول نجمها السياسي .<BR><BR>وعلى ذكر الزعامات السنية اللبنانية يمكن القول: إن مجيء رفيق الحريري بمشروع إعادة الإعمار أعاد جزءاً من هيبة السنة الضائعة في هذا البلد المتوازن طائفياً باستثناء السنة الذين شكوا ويشكون غياباً وتهميشاً على الأرض بعيداً عن تولي رموزهم سلطات سياسية عليا وبعض مقاليد الحكم، ولعل هذا التهميش نابع من ضعف قيادات السنة" السياسية منها والدينية " وانسحابها من الحياة السياسية .<BR><BR>بمقتل مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ حسن خالد أبرز الزعامات السنية بانفجار مروع ،<BR>شعر سنة لبنان باليتم ولم يتبدد هذا الشعور إلا بصعود نجم الحريري الذي كان يطمح لزعامة الشعب اللبناني كله ليس السنة فقط فكان يقدم المساعدات لكل الطوائف ويتحدث باسمها جميعاً، وكان من دعاة الاعتدال والوسطية عند الساسة اللبنانيين والتقريب السياسي بين المذاهب والطوائف والأديان حتى رجالاته ومقربيه والمحسوبين عليه كانوا من طوائف عدة .<BR>لكن طبيعة الحال الذي عليه لبنان منذ سنين لا يمكن أن يرى في الحريري إلا زعيماً لطائفة واحدة هي الطائفة السنية رغم كل ما قيل ويقال .<BR>ضعف الطائفة السنية في لبنان جاء من عدة نواح، أولها: غياب المرجعية والولاء الخارجي خلافاً لباقي الطوائف كالشيعة والمرجعية الإيرانية والمسيحيين عموماً والمرجعية لفرنسا .<BR><BR>الأمر الآخر هو غياب القيادات السنية الفاعلة والقوية والمؤثرة ؛ فباستثناء الشيخ حسن خالد ورفيق الحريري لم يعرف سنة لبنان زعماء حقيقيون خلافاً مرة أخرى لباقي الطوائف التي يذخر تاريخها الحديث والقديم بقائمة طويلة من الزعامات .<BR>الملفت في حالة الزعامات في لبنان أنها أخذت طابعاً " عائلياً "، فأصبحت زعامات طوائف لبنان كلها حكراً على عائلات بعينها تمتلك السطوة والقوة والمال والتاريخ والنفوذ السياسي لتكريس زعامتها لأبناء طوائفها باستثناء السنة .<BR>فلم يعرف عن أي من الزعماء السنة في لبنان باستثناء " آل كرامي " توريث سلطتهم لأجيال متعاقبة من أبناء العائلة في حين توارثت أجيال عديدة من مسيحيي وشيعة ودروز لبنان " الحكم" والسلطة عائليا ولو بدرجات متفاوتة .<BR>ومما ساهم في ضعف الطائفة السنية في لبنان ضعف مرجعيتها الدينية ـ إذا جاز التعبير ـ ففي حين كانت مرجعيات المسيحيين الموارنة والشيعة والدروز تتعاظم شيئاً فشيئاً وتفرض صوتها ورأيها بقوة في الدولة اللبنانية ظلت المرجعية السنية تراوح مكانها والسبب انقسامها العميق ما بين تنظيمات " الإخوان المسلمين " و" حزب التحرير " والجماعات الصوفية " وبعض الجماعات السلفية التي يحمل بعضها أفكاراً تكفيرية. <BR>ولاحقاً ازداد الانقسام والضعف بظهور جماعات تنتسب إلى الطائفة السنية ويصنفها الآخرون على أنها من الفرق الباطنية التي تهدم أكثر مما تبني في صفوف سنة لبنان من قبيل جماعة "الأحباش". <BR>ويحمل البعض جزءاً كبيراً من مسؤولية غياب وعدم فاعلية سنة لبنان لجماعة الإخوان المسلمين في لبنان باعتبارها أكبر التنظيمات السنية وأكثرها تنظيماً.<BR><BR>لكن تاريخ الإخوان في لبنان يرتبط بالكثير من هشاشة الموقف والضعف والتشتت بسبب ارتباطهم عملياً بإخوان سوريا الذين مروا ويمرون بحالات متعاقبة من الضعف والتلاشي وعدم الحضور على الساحة السياسية في سوريا وخارجها .<BR>وكان ضعف الطائفة السنية يخدم فكرة طالما أقلقت دمشق، ضعف سنة لبنان مؤشر لضعف سنة دمشق، ثمة ارتباط لا فكاك منه بين سنة دمشق وسنة بيروت بصفتهم امتداد لسنة دمشق والنظام السوري يرى أن الفصائل الفلسطينية على أرض لبنان تُعد امتداداً مباشراً للقوى السنية في لبنان وسوريا " ذات المعارضة السنية " بطبيعة الحال. <BR>وصولاً إلى حقيقة مفادها أن على سنة لبنان أن يخرجوا دائماً خاليي الوفاض من كل المعادلات السياسية بسبب تبعيتهم للآخرين وعدم استقلاليتهم وبسبب عملهم أو انضوائهم تحت عباءة الآخرين .<BR>والأمثلة هنا كثيرة قلنا بعضها ولدينا كثير منها من قبيل اعتبار مفتي لبنان " السني" في مرحلة الحرب الأهلية وما بعدها أن "فتح هي جيش المسلمين في لبنان" فأصبح سنة لبنان في أكثر من مرحلة دون بوصلة سياسية ودون قيادة توجههم .<BR>المشكلة كما أراها لدى سنة لبنان هي أن جميع الطوائف الأخرى تتقدم وترتفع لديها " الأنا" الطائفية باستثناء السنة، وهنا لا أدعو السنة بالطبع إلى تبني النفس الطائفي، لكنني أعيب على سنة لبنان ضعفهم وتخبطهم وضياعهم وخوفهم حتى من إعلان هويتهم..<BR>ومشكلة السنة في لبنان بنظري أيضاً أنهم بحكم لعبة السياسة تحالفوا مع الجميع إلا مع أنفسهم !!<BR>وفي خضم هذا كله ثمة أرقام صدرت منذ أسابيع قليلة عن وزارة الداخلية اللبنانية تثير الدهشة فعلاً ، الناخبون المسلمون في لبنان يشكلون 59 %، المسيحيون 40.8%، السنة في لبنان 26.5% من مجمل الناخبين، يليهم الشيعة 26.2%، وبعدهم الموارنة 22.1%، ولأول مرة في لبنان طغى الثقل السني إلى هذا الحد.<BR>المشهد واحد تقريباً في كل المناطق العربية ذات التقسيمات الاثنية الطائفية كان من الصعب أن يتخيل السنة أنفسهم أغلبية في لبنان كما هو الحال بالنسبة لسنة العراق الذين أثبتت بعض الإحصائيات التي يعتد بدقتها لصدورها عن منظمات تابعة للأمم المتحدة أن سنة العراق يفوقون شيعته.<BR><BR><BR>ثمة استهداف في لبنان لكل ما هو سني وثمة اتفاق غير معلن على سنة لبنان لتحويلهم إلى الحلقة الأضعف والضحية دائماً في كل التحولات التاريخية والسياسية في هذا البلد.<BR><BR>والاستهداف واضح .. مطالب للمعارضة بإخراج سوريا " حامية التوازن الطائفي" وتطبيق كامل اتفاق الطائف الذي ينص فيما ينص أيضاً على تجريد الفلسطينيين" السنة بالطبع " في مخيماتهم من الأسلحة .<BR>المذابح التي ارتكبت بحق سنة لبنان من لبنانيين وفلسطينيين لا يمكن نسيانها، والهدف دائماً إضعاف شوكتهم لحساب أطراف أخرى. <BR>إضعاف الوجود السني في لبنان، وإخراج السنة من اللعبة السياسية هو هدف دائم للكثير من القوى في لبنان، والآن بعد 15 عاماً من الحرب الأهلية كان الخاسر الوحيد هم السنة فقط .<BR><br>