أحمد ياسين: ما الفرق؟
16 صفر 1426

لم يؤسس الشيخ أحمد ياسين حركة حماس وفق المفاهيم الدارجة والسائدة في العالم العربي،لا حسب منطق الشيخ والمريدين الذين لا يرون ما يرى هو، ولا حسب مفهوم الزعيم الملهم والأتباع الذين لا يفهمون كما يفهم الزعيم ولا يدركون ما يدرك الزعيم ولا يخططون كما يخطط الزعيم كما لم يؤسسها على لغة المال، جذباً للأعضاء بظروف المعيشة، وإغراءً للقيادات بما يحقق لهم الجاه، وشراءً لهم أو لمواقفهم أو ضغطاً على مواقفهم بحكم إمساكه بمفاتيح المال، بل هو بناها بناءً عقدياً وفق فهم إسلامي يحدد نشاط الإنسان في ابتغاء وجه المولى _جل وعلا_ وفي الحرص على مصالح الأمة وعلى الاستشهاد باعتباره جانباً محورياً في ظروف العمل تحت ضغط العدو لا احتلاله فقط وحيث كل عمل إسلامي هو استشهاد أياً كان مجاله وليس العكس.<BR><BR>وهو في قيادته لحركة حماس لم يكن يعد الآخرين من قيادات الحركة "أطرافاً"-بل أخوة - يفعل المناورات فيما بينهم أو يدفع بالصراعات داخلهم، ليكسب تنفيذ رأيه هو،أياً كان صحيحاً أم خاطئاً.<BR><BR>كما هو لم يؤسس حركة حماس لتكرس جهدها في تلميع صورته خارج الحركة كما يفعل الآخرون، حيث تتكرس الجهود لرفع صورة القائد المؤسس في كل حشد جماهيري وفي كل حديث لوسائل الإعلام، وهو حول عوامل الضعف التي أحاطت بنشأة الحركة ونشاطها إلى عوامل قوة، فلم ينجر إلى صراعات مع الآخر ينفي الساحة الفلسطينية مركز جهده على العدو دائماًَ، فصارت التربية داخل الحركة منضبطة بالضوابط العامة للشرع و مليئة بالتجرد والإخلاص ونكران الذات وعدم الدخول في مهاترات ضيقة مع الآخرين.<BR><BR> وهو كان يدرك ظروف النظام الرسمي العربي وحدوده وإمكانياته، وكان معنى هذا الإدراك هو عدم توقع ما هو غير متوقع منه، وعدم بناء أوهام تجعل حماس تصطدم مع هذا النظام أو ذاك، كما كان يعنى عدم تحميل أي نظام ما لا يحتمله، ومن ثم ظلت حماس وهى الأشد نقيضاً لما بنيت عليه النظم العربية، في غير صدام مع احد رغم كل ما أوذي به قادتها ونشاطهم، ولذلك هي أيضاً لم تدخل على خطوط الصراعات داخل دول النظام الرسمي العربي، فلم تتسرب إلى داخلها أشكال وخطوط هذه الصراعات ومشكلاتها.<BR><BR> ومن ثم لم نسمع عن جماعة أحمد ياسين ولا مجموعة أحمد ياسين -لا في خارج حماس ولا في داخل حماس -في مقابل جماعات فلان وأبو فلان كما لم نر حماس تعانى من عدم الثقة في داخلها كما لم تعانى من صراع بين الأجيال وبعضها البعض، وكان وهو الزعيم الروحي لحركة حماس يعيش في الأرض المحتلة بينما المكتب السياسي الذي يحدد مواقف الحركة السياسية يعمل في الخارج دون أن يعد ذلك إنقاصاً من وزنه ودوره أو مكانته، بل هو كان يتحمل في شخصه كل قرارات الحركة في الخارج والداخل – ليرفع الحرج عن الأطراف العربية التي تواجدت فيها مكاتب الحركة في الخارج - وكان هو الزعيم المؤسس والقائد يترك العمل العسكري لمن درسوه وفهموا فنونه وحددوا استراتيجياته، فلم نسمع أنه القائد العام لقوات حماس، ولا القائد السياسي والعسكري والتنظيمي لقوات حماس، بل رأينا كيف كان القادة العسكريون كل منهم يسلم الراية بعد الاستشهاد إلى آخر عسكري إلخ، وكان وهو الزعيم المؤسس لا يربي أتباعاً له في أجهزة الإعلام، بل هو كان يترك التعامل مع أجهزة الإعلام لمختصين متمرسين في العمل الإعلامي، كما حرص أن يكون ظهوره هو للإعلام دوماً –إلا ما اقتضت الضرورة لذلك –وسط حشود الناس لا أمام ميكروفونات القاعات والدعاية لنيل التصفيق والإعجاب الشخصي.<BR><BR>هو كان نمطاً آخر من القادة: فهم الإسلام وتجرد، وفهم دوره السياسي والتنظيمي، وتجرد، فبنى الحركة بتجرد وقادها بوعي أعطاه قيمة التجرد، فكان شيئاً آخر خلاف ما تعودناه في عالمنا العربي، ولذلك كانت حماس شيئاً مختلفاً عن كل ما شاهدناه من تنظيمات وحركات فلسطينية أو عربية إلخ.<BR><BR>ولذلك ورغم كل دوره الكبير كداعية وسياسي، ورغم أنه مطلق الشرارة، أو غارس النبت وراعيه ومنظمه، لم تمت حماس بعد استشهاده، ولم تهن ولم تضعف ولم تعرف فرقة الاختلاف وبهلوانية الصراعات الداخلية في اتخاذ القرار بعد غيابه، ولذلك أيضا فشلت كل محاولات وخطط شق الحركة التي عملت عليها أجهزة مخابرات مدربة من كل نوع ولون وصنف من الدول، وبكل نوع ولون وصنف من الأساليب.<BR><BR>ولذلك كانت لحظة استشهاده فوراً لحظة إعلان من يحمل الراية أنها الشهادة للقائد لا للآخرين لينالها من بعده القائد المتميز د.عبد العزيز الرنتيسي _رحمه الله_، وليتولاها من بعده قائد آخر.<BR>ولذلك لم تفقد حماس، من التفوا حولها بعد شهادته، فلو كان أحمد ياسين اخطأ و حول الحركة إلى رمز وقائد وأتباع، أو لو كانت حركة حماس قد بنيت على عمل غير مؤسسي، ولو كنا شاهدنا أتباع حماس يهتفون لأحمد ياسين في حياته، لكانوا انفضوا عنها حينما غاب بالشهادة.<BR><BR><font color="#0000FF"> النشأة الأصعب والضوابط! </font><BR>وقت أن بدا وحتى شهادته كانت عوامل الضعف والفشل في أرض الواقع أكبر من عوامل القوة والنجاح بكثير وكثير مضاعف، وقد كان ذلك دوماً في تاريخ "الحركات السياسية " وصفة البناء التنظيمي المهترئ وغير المؤسسي -بحكم الضعف -وفرصة الاختراق المثلى من قبل الآخرين الأصدقاء قبل الأعداء، لكن عبقرية البناء التنظيمي لدى الشيخ المجاهد أحمد ياسين المستمدة من بناء عقيدي سليم العلاقة بين الإنسان الفرد وربه، وعميق الوعي في تلمس وفهم سيرة المصطفي _صلى الله عليه وسلم_، وتحديد اتجاهات الحركة بدقة حولت عوامل الفشل والضعف إلى نجاح وقوة، كما حالت دون تفكك البناء التنظيمي بل هي جعلته الأقوى والأكثر بأساً على الأعداء.<BR><BR>لم تكن نشأة حماس-بحكم توجهها الإسلامي - تتوافر لها أية مقومات من المساعدة في العالم العربي من قبل النظام الرسمي العربي، وهى بذلك اختلفت عن بعض التنظيمات الفلسطينية نشأت من داخل إطار النظام الرسمي العربي وعلى هامشه وتلقت مساعدته ومساندته.لقد نشأت حماس في ظروف وأجواء كانت فيها النظم الرسمية العربية في حالة من الشراسة والتوحش في مواجهة الحركات الإسلامية، ولذلك حاول الصهاينة دوماً اللعب على تلك النقطة لإخافة النظم العربية من حماس والسعي لاجتذاب مواقف الدول العربية وتعاونها باعتبار النظم والكيان الصهيوني في مواجهة عدو واحد هو الحركة الإسلامية وبإشعار النظم أن حماس خطر عليها بقدر ما هي خطر عليه، لكن قيادة الشيخ ياسين لحركة حماس وفق مبدأ عدم الاعتماد على النظام الرسمي العربي، وكذا عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، حول عامل الضعف إلى عامل قوة إذ افشل رغبة البعض في التعاون مع الكيان الصهيوني ضد حماس، أو هو لم يوجد لها مبررات لفعل ذلك أمام شعوبها، كما هو أبعد حماس عن لعبة الدول مع بعضها البعض، بقدر ما أبعد امتدادات هذه الدول في داخل حماس ذاتها.<BR><BR>كان ذلك عامل ضعف لحماس فحوله الشيخ ياسين إلى عامل قوة إذ قرر ألا تدخل في الشأن الداخلي لأي من الدول العربية، وأقام البناء التنظيمي على هذا الخط وفي هذا الاتجاه، فتربت قيادات حماس على ابتغاء وجه المولى –لا الأنظمة العربية –والسعي لإنجاز المصلحة الفلسطينية بالارتباط مع مصلحة جموع الأمة لا تحيزاتها، كما تربت القيادات على التوجه نحو العدو الواحد وحده، فتوحدت أيضاً.<BR><BR>ولم تكن نشأة حماس تتوافر لها أية إمكانية أو مقومات من المساندة الدولية، حيث لم تقف على ارتباط بأي من الأطراف الدولية أو الدول الكبرى، ولم تدخل في موازنة أي منها ولا على هامش مصالحها، وهى بذلك لم تكن فقط عنواناً ورمزاً لبداية حقيقية لبناء حركة إسلامية مجاهدة في قلب عدو ضخم القوة والقدرة، بل هي كذلك مثلت البداية لتأسيس حركة "لا شرقية ولا غربية "، حركة مستقلة خارج سياق ما تأسس في العالم العربي من حركات منذ الغزو الاستعماري أو منذ ما يزيد على قرنين من الزمان، ومن ثم تربى قادة الحركة وأعضائها على الاستقلال الحضاري، فانتفت عنهم إمكانية الذوبان في فكر الآخرين، واللعب داخل دوامة سياساتهم ومصالحهم وأفكارهم.<BR><BR>ولم تتأسس حركة حماس في داخل الأرض المحتلة محاطة بعوامل النجاح في داخل فلسطين أيضاً، حيث هي بدأت بينما كانت هناك حركات أخرى قد تأسست من قبلها ونشطت وقويت وسيطرت وصارت معترفاً بها في الداخل والخارج باعتبارها "الممثل الشرعي والوحيد " للشعب الفلسطيني، وكان معنى ذلك أن تندفع حماس في تزاحم وصراع داخلي لنيل الاعتراف بها، إلا أن الشيخ أحمد ياسين أسس الحركة ابتغاء وجه المولى وعلى ابتغاء وجه المولى، لا المصلحة ولا البحث عن السلطة وكرسي السلطان ولا الاعتراف من العباد فكان إن كسبت الحركة احترام الجميع، وكان إن تربى المنضويين تحت لوائها على النأي بأنفسهم عن صراع الآخرين وان يحتسبوا الآلام إذا تعرضوا لها من ذوي القربى.<BR><BR>كما هي بدأت والعدو كان قد أصبح يقظاً إلى خطورة ما يجرى من "العودة إلى الإسلام " في داخل العام العربي والإسلامي، فكان أن تربت قيادات الحركة على الإقلال من الظهور والإعجاب بالنفس وتقلد السلاح من قبيل المنظرة والتباهي، وعلى الصمت والكتمان والنفس الطويل، وعدم الإعلان عن ما لا يفيد وخداع العدو ما أمكن.<BR><BR><font color="#0000FF"> تحويل عوامل الفشل إلى النجاح: </font><BR>لم يزاحم أحمد ياسين خلال قيادته لحركة حماس الآخرين في التعامل والولاء أو الصراع مع النظم العربية، فتربى قادة حركة حماس على إخلاصهم لقضيتهم والقدرة على المناورة السياسية المنضبطة وغير البراجماتيه، وكان أن حصلت حماس على ثقة الجميع وإن اختلفوا معها، وكان هذا درساً داخلياً في بناء القيادات في داخل حماس على نفس القاعدة، فهم لم ينهمكوا في صراعات واسترضاءات، ومن ثم لم يدخل هؤلاء القادة على لعبة الولااءات والمصالح في داخل حركة حماس بما كان يضعف البناء المؤسسي ويفكك الولاءات بفعل وجود مصالح شخصية متناقضة داخل الحركة ارتباطاً بتلك الولاءات.<BR><BR>ولم يزاحم أحمد ياسين خلال قيادته لحركة حماس على ولاء لأي نظام دولي، ومن ثم لم تصبح حماس موضع صراع خارجي عليها أو في داخلها، بما أبعد لعبة الاختراق الداخلي فيها وبما جعلها تحترم حتى من قبل ألد أعدائها!.<BR><BR>ولم يزاحم أحمد ياسين خلال قيادته لحركة حماس في الداخل الفلسطيني، بل هو بنى بناءً ضد العدو الصهيوني لا ضد غيره، فكسب احترام الشارع والمنظمات الأخرى وأبعد قيادات الحركة وكوادرها عن الولوج في لعبة الصراع مع الآخرين على المصالح والمناصب، كما منع الانجرار إلى لعبة الولاءات هنا أو هناك طمعاً في المناصب والأضواء.<BR>لقد كان الجانب التربوي وعلى أسس عقائدية في داخل الحركة باعثاً على الابتعاد عن لعبة التمثيل الداخلي والعربي والدولي داخل الحركة.<BR><BR><font color="#0000FF"> الإغراء الإعلامي وحماس: </font><BR>كان من أهم ما غرس الشيخ أحمد ياسين هو البعد المؤسسي، والتربوي القائم على احترام المؤسسي، فهو قد حدد وأسس الحركة على مبدأ الفصل بين النشاطات والمهام المختلفة داخل الحركة.. وبدقة، فلم نسمع الإعلامي يتحدث باسم العسكري.. ولا السياسي باسم الإعلامي أو العسكري أو العكس، بما لم يسمح للإعلام وإغراءاته أن يفسد القادة أو يخترق الصفوف الداخلية بجملة من هنا وتعبير من هناك، تتحول إلى نزاعات وتفجير داخل الحركة.<BR><BR>فنحن من خلال المشاهدة من الخارج لم نجد كل شخص يدلى بتصريحات للإعلام أو يشارك في البرامج الإعلامية، بل كان هناك من يقوم بالعمل الإعلامي هو المكلف به، في وقت كان الآخرين متلهفون إلى الإعلام والظهور، ويصنعون العلاقات مع وسائله صنعاً لأغراض شخصية.<BR>ونحن من خلال المشاهدة من الخارج، لم نجد أحداً من "القيادات " يصرح برأي شخصي ولا بتقدير شخصي، وإنما وجدنا المتحدث دوماً ينطق باسم حماس وعنواناً لها ومحدداً لموقفها، فإذا ظهر آخر للحديث في قناة إعلامية أخرى، لا نجد فرقاً بين ما قاله الأول والثاني –وفي الأغلب كان أحدهما يتحدث من خارج الأرض المحتلة والثاني من داخلها –بل هو تعبير موحد.<BR><BR>ومن خلال المشاهدة من الخارج، لم نجد أحداً من القيادات السياسية أو الإعلامية يعلن عن عملية للجناح العسكري لحركة حماس..أبداً بل كان الانضباط هو القاعدة التي تحترم دوماً، حيث الإعلان عن العمليات يأتي من الجناح العسكري ويصدر عنه وحده وفي بيانات ورقية، بينما دعم العملية والدفاع عنها يأتي من السياسيين والإعلاميين وفقط أيضاً ووحدهم أيضاً، ولذلك تربت القيادات العسكرية الجهادية واستهدفت فلم يعرف أحد عنهم شيئاً ولم يظهروا للإعلام أبداً.<BR>ونحن من خلال المشاهدة من الخارج، لم نر العاملين في المجال الدعوى يتحدثون للإعلام، أو يتحدثون في القضايا السياسية، بل كانوا ومازالوا إلى نشاطهم وفيه ملتزمين فلا أحد يعرف منهم إلا الشهداء.<BR><BR>ونحن من خلال المشاهدة من الخارج، لم نجد العاملين في مجالات النشاط الاجتماعي من دعم اسر الشهداء أو النشاطات الاجتماعية الهادفة إلى دعم صمود الشعب الفلسطيني، لم نجد أياً منهم يترك عمله للتفرغ للإعلام أو التعامل مع وسائله.<BR><BR><font color="#0000FF"> تأسيس للتأسيس! </font><BR>رحم الله الشيخ ياسين، فهو لم يؤسس حماس أو لحماس، وإنما هو أسس لكل من يريد أن يكون على نهج العقيدة في التطبيق الواعي.<BR><br>