واشنطن ودمشق.. أين سينتهي الطريق بهما؟
18 صفر 1426

تفاءلت بعض الأوساط السياسية والإعلامية في العالم العربي بجملة أطلقتها (وزيرة الخارجية الأمريكية) كونداليزا رايس مؤخراً، عندما أشارت إلى وجود "تحركات سورية إيجابية" بعد سحب دمشق ثلث قواتها من لبنان.<BR><BR>وتساءل البعض مستبشراً "هل ينتهي الضغط الأمريكي على دمشق بعد خروج كامل القوات السورية من لبنان خلال شهر أبريل القادم؟" (حسب الخطة التي قدمها الرئيس السوري بشار الأسد لمبعوث الأمم المتحدة إلى المنطقة تيري لارسن).<BR><BR>المخطط الأمريكي الذي بدأت تتضح معالمه وملامحه رويداً رويداً ربما يقول غير ذلك.. وربما يطرح سؤالاً مختلفاً بعض الشيء "إلى أي حد نستطيع الضغط دبلوماسياً على سوريا لتقديم تنازلات؟".<BR>فواشنطن تريد من دمشق الكثير.. فضلاً عن الانسحاب الكامل من لبنان، هي تريد وقف مساندتها للمقاومة الفلسطينية المسلحة عبر إبعاد قيادات حماس والجهاد الإسلامي، ووقف دعمها للمقاومة اللبنانية المسلحة المتمثلة في "حزب الله"، ووقف دعمها للمقاومة العراقية عبر إغلاق الحدود مع العراق بشكل محكم، والرضوخ لمطالب الإسرائيليين بالتوقيع على معاهدة "سلام" تتنازل خلالها عن حقها في أرض الجولان السورية المحتلة وتفتح الباب على مصراعية أمام الدول العربية للتطبيع مع (إسرائيل)..<BR><BR>إلا أن واشنطن التي استطاعت أن تحصل على قرار دولي من الأمم المتحدة ضد الوجود السوري في لبنان (ما سمح لها بممارسة ضغط كبير على دمشق لتنفيذ القرار) ربما لا تستطيع استخراج قرار دولي ضد دعم السوريين للمقاومة اللبنانية والفلسطينية والعراقية.. إذ إن جهودها مسنودة بجهود الإسرائيليين لم تستطع إقناع الأوروبيين باعتبار المقاومة الفلسطينية أو اللبنانية منظمات "إرهابية" حتى الآن.<BR><BR>لذلك من المتوقع أن تلجأ الولايات المتحدة للضغط فردياً على سوريا، عبر الذريعة الجديدة التي أطلقتها في العالم العربي، وهي "الديموقراطية"، هذا المصطلح الذي استطاعت واشنطن تحويله إلى سبب أساسي في احتلال العراق بعد ثبوت زيف سبب وجود الأسلحة النووية المحظورة.<BR><BR>لذلك، فالضغط الأمريكي من المتوقع أن ينتقل "بعد خروج القوات السورية من لبنان" إلى قضايا "الإصلاح والديموقراطية" بالإضافة إلى قضايا تسلل المقاومة عبر الحدود مع العراق ودعم المقاومة اللبنانية والفلسطينية.<BR><BR>ومن أجل المرحلة اللاحقة، بدأت واشنطن باستخدام "القصف التمهيدي" دبلوماسياً عبر الإعلان بين فترة وأخرى عن "ملاحظات وشكوك" ضد السياسة السورية.<BR><BR>(مستشار الأمن القومي الأمريكي) ستيفن هارلي أشار قبل أيام قليلة إلى ضرورة وجود تسلسل للإصلاحات في المنطقة، تتمثل أولاً بسحب القوات السورية من لبنان كاملة، ثم إجراء انتخابات "حرة وعادلة" ثم تعيين حكومة ديموقراطية.<BR><BR>بينما قالت رايس في وقت سابق من هذا الشهر: "إن سوريا تحتاج إلى خطوة لتنفيذ الرغبة المتنامية في الشرق الأوسط نحو الديموقراطية، ويجب على الأسد تقديم إصلاحات اقتصادية وسياسية"!<BR>فيما يركز (الرئيس الأمريكي) جورج بوش خلال خطاباته المتلاحقة؛ على ضرورة وقف السوريين الدعم للفصائل المسلحة الفلسطينية واللبنانية.<BR><BR>وتخشى الأوساط الإعلامية السورية والشعبية كذلك، من خطوة أمريكية نحو فرض ما تسميه "بالديموقراطية" عبر التدخل العسكري "كما حدث في العراق".<BR>إلا أن المسألة تبدو أصعب في هذه الحالة، وهو أمر تستبعده القيادات السياسية السورية والأمريكية.. خاصة وأن دمشق بدأت بتقديم التنازلات عبر سحب قواتها من لبنان، وإعلان موافقتها على إجراء مفاوضات مع الإسرائيليين دون شروط مسبقة.<BR><BR>كذلك فإن السؤال الأهم – على ما يبدو – يتمثل في "ما هو حجم التنازلات التي يمكن أن تقدمها سوريا خلال الضغط عليها"؟<BR><BR>وبحال تمت هذه التنازلات.. أو تم توقيع اتفاقيات إسرائيلية أمريكية مع سوريا.. فإن ما ستحققه الولايات المتحدة و(إسرائيل) في المنطقة لن يكون قليلاً.. منها:<BR>- تهميش "حزب الله" اللبناني.. الفصيل المسلح الوحيد خارج الحكومة اللبنانية، ووقف دعمه.<BR>- إمكانية تعيين حكومة لبنانية موالية للأمريكيين وللإسرائيليين في بيروت، وتوثيق لبنان بمعاهدة "سلام" مع الإسرائيليين.<BR>- توقيع اتفاقية صلح مع (إسرائيل) يفتح الباب واسعاً أمام قيام معظم الدول العربية بالتطبيع مع الإسرائيليين، وإقامة علاقات دبلوماسية وتجارية معها.<BR>- قطع الإمدادات البشرية عن المقاومة العراقية عبر إغلاق الحدود بشكل محكم.<BR>- طرد قيادات الفصائل الفلسطينية المسلحة من دمشق، ووقف الدعم السوري المعنوي للمقاومة الفلسطينية.<BR>- عزل إيران عن المنطقة، وتحويلها إلى دولة وحيدة لا تجد حليفاً سياسياً أو اقتصادياً في محيطها.<BR>- تنفيذ جزء من المخطط الأمريكي في إعادة صياغة منطقة الشرق الأوسط من جديد.. يضمن ولاء دولها أمريكياً لعقود طويلة قادمة.<BR><BR>الكل يشير إلى دمشق، باعتبارها البوابة التالية التي تصر السياسة الأميركية على اختراقها، فإلى أي حد سيقف الأمر، وكيف سيتعامل الرئيس السوري الشاب مع ما ينتظره من الضغوطات الأمريكية اللاحقة، التي بدأت بوادرها بطرح بعض العقوبات الاقتصادية الجاهزة!؟<BR><br>