الأوروبيون واغتيال رفيق الحريري
3 ربيع الأول 1426

تبدي العواصم الغربية اهتماماً منقطع النظر بملف اغتيال (رئيس وزراء لبنان السابق) رفيق الحريري وتداعيات هذا الاغتيال الضخم بحجمه على لبنان ومنطقة الشرق الأوسط إلى درجة أنّ أحد الخبراء الغربيين قال لا شكّ بأنّ الذي خططّ لاغتيال شخصية لها وزنها المحلي والإقليمي والدولي كشخصية رفيق الحريري كان يهدف إلى إحداث زلزال فظيع بمستوى المستهدف.<BR><BR>ولا يمكن كما يقول هذا الخبير أن يكون جسد الحريري هو المستهدف، فالأحداث التاريخية (كما يقول هذا الخبير) علمتنا أنّ المشاريع السياسية الكبرى كثيراً ما كانت تبدأ بحوادث مشابهة لحادثة اغتيال الحريري، حيث يريد المخططّ أن يرتبّ آثاراً سياسية وحتى أمنية كبيرة على حدث اغتيال الحريري.<BR><BR>واهتمام العواصم الغربية بلبنان ليس وليد الساعة، بل يعود إلى بدايات الحركة الاستعمارية التي كانت بلادنا العربية عرضة لها منذ أزيد من قرنين، كما أنّ الذاكرة الأوروبية ما زالت تتذكّر أزمة الرهائن الغربيين في لبنان والتهديد الذي كان يطاول المصالح الغربية في لبنان أثناء الحرب الأهلية المؤلمة التي عاشتها لبنان وبعد الحرب بوقت قصير.<BR><BR> وهنا يستطرد هذا الخبير قائلاً: إنّ الأجهزة الأمنية كل الأجهزة الأمنية في الغرب تولي لبنان اهتماماً خاصاً كون أنّ لبنان ارتبط في مدة الحرب الأهلية باختطاف الرهائن الغربيين والجواسيس الغربيين من قبيل تيري وايت وهيغنز وغيرهم والطائرات وما إلى ذلك، ولعلّ وحسب هذا الخبير فإنّ الأجهزة الأمنية الغربية اهتمت بلبنان أكثر من القيادات السياسية التي كانت تفوّض هذه الأجهزة بجمع كل شاردة وواردة عن لبنان؛ لأنّه فسيفساء تضمّ كل ما يبحث عنه الغرب من قبيل حزب الله وحركتي الجهاد الإسلامي وحماس والتنظيمات الفلسطينية وحركة المعارضات العربية التي وجدت في لبنان بحكم الحريّة والديموقراطية السائدتين في لبنان.<BR><BR> وحتى لما شرع الكيان الصهيوني يبحث عن (الطيار الإسرائيلي المفقود في لبنان) رون آراد كلفّ بعض الأجهزة الأمنية الأوروبية بهذه المهمّة، خصوصاً وأنّ هذه الأجهزة تملك قدرة على التسلل إلى الساحة اللبنانية على عكس جهاز الموساد، والذي يملك معظم رجالاته جوازات سفر أوروبية رسمية ومزورّة. <BR><BR>و بالمعنى الأمني فقد كان لبنان يفتح شهية الأجهزة الأمنية الغربية في جمع أكبر قدر من المعلومات عن الفسيفساء الحركية اللبنانية وعلى رأسها القوى المناوئة للكيان الصهيوني المتحالف استراتيجياً مع الكتلة الغربية وعن الأداء السياسي العربي وتفاصيل أسراره بحكم أنّ العالم العربي حاضر بتفاصيله في الصحافة اللبنانية التي تملك قدراً كبيراً من الحرية والدخول في التفاصيل التي تعد محظورة أو ممنوعة في معظم الأقطار العربيّة.<BR> <BR>والذي زاد في اهتمام الأجهزة الأمنية الغربية سابقاً ولاحقاً بالموضوع اللبناني، هو: انضمام بعض النخب اللبنانية إلى هذه الأجهزة الأمنية والعمل معها في مجال المعلومات، وقوام بعض هذه النخب بعض المثقفين اللبنانيين الذين طلبوا اللجوء السياسي في الغرب أثناء الحرب الأهلية في لبنان وانضموا إلى سلك الأجهزة الأمنية باعتبار أنّ طالب اللجوء يجب أن يمرّ بالجهاز الأمني في هذا البلد الغربي أو ذاك قبل أن يحصل على حقّ اللجوء وإذا وجد المحققّ الأمني والاستخباراتي أنّ الشخص المحققّ معه يملك معلومات ما وبإمكانه أن يفيد الجهاز الأمني يمنح حق اللجوء السياسي ويعرض عليه العمل مباشرة مع هذا الجهاز مقابل إغراءات كبيرة، وهذا ما حدث مع بعض اللبنانيين، وحدث الشيء عينه مع عراقيين ومغاربة وفلسطينيين ومصريين وغيرهم. <BR><BR>وانطلاقاً من هذه الخلفية يقول الخبير الأوروبي إياه: تعاملت الأجهزة الأمنية الغربية مع حادثة اغتيال الحريري، حيث صدرت الأوامر لرجالاتها في السفارات الغربية في بيروت برصد هذا الحدث وجمع أكبر قدر ممكن من المعلومات حوله، كما حدث تواصل رهيب بين الأجهزة الأمنية الغربية نفسها لتبادل الاستشارة والمعلومات، وتمّ التوجّه إلى الأجهزة الأمنية الفرنسية لتزويد نظيراتها الغربية بوجهة نظرها في الحادثة باعتبار أنّ هذه الأخيرة حاضرة بقوة في الساحة اللبنانية.<BR> <BR>ويقول هذا الخبير الغربي: إنّ الذي خططّ لعملية اغتيال الحريري كان يهدف إلى إقحام سورية قصداً وتعمدّاً في الموضوع من خلال الإشارة إلى بعض أدائها الذي أزعج فريقاً من اللبنانيين وتحديداً ما ورد في الفقرات الأولى لفريق تقصي الحقائق التابع للأمم المتحدة، والذي أشار إلى المناخ السياسي السائد في لبنان، ونحن نعلم علم اليقين _كما يقول الخبير الأوروبي_ أنّ سوريا ليست اللاعب المركزي في الساحة اللبنانية، بل هناك عشرات اللاعبين المركزيين وعشرات لاعبي الاحتياط، ولكل أجندته في لبنان واستراتيجيته. <BR><BR>وفي إطار تحليلنا للمعلومات الأولية حول اغتيال رفيق الحريري قمنا _كما يقول الخبير_ بمدى استفادة كل لاعب في الساحة اللبنانية من عملية اغتيال الحريري، ولا شك كنا نأخذ بعين الاعتبار قدرة هذا اللاعب أو ذاك على الصعيد العلمي والتقني والاحترافي، فعلمية بحجم اغتيال الحريري تتميّز بدقة متناهية وعالية، وهو الأمر الذي يجعل الربط بين هذا التنفيذ المحكم وقوّة الجهاز الذي أشرف على ذلك أمر منطقي ونحن نعرف القدرات الأمنية لهذه الأجهزة أو تلك كما نعرف الأساليب المتبعة هنا وهناك. <BR><BR>ويستطرد هذا الخبير قائلاً: إنّ هناك معطيات ومعلومات تجمعّت حول الموضوع، والمشكلة أنّ المعلومات التي يجمع رجال استخبارات محترفون ليست للنشر أبداً ومطلقاً على عكس المعلومات التي يجمعها الصحفيون، وهذا الفرق بين رجال الصحافة ورجال الاستخبارات؛ الأولون يبحثون عن المعلومة لإفادة الرأي العام بها ورجال الاستخبارات تصل معلوماتهم إلى دوائر ضيقة للغاية، ولم يستبعد هذا الخبير ارتباط اغتيال الحريري بالمشروع الأمريكي الكبير في الشرق الأوسط والعالم العربي، والذي تبشّر به واشنطن.<BR><br>