بغداد.. عاصمة المواجهة.. أم العاصمة المحتلة؟!
5 ربيع الأول 1426

بعد قمة النظام الرسمي العربي الأخيرة في العاصمة الجزائرية، والتي خضعت للإملاء الأمريكي في جميع القضايا المطروحة، من لبنان لسوريا.. ومن نظم التعليم إلى نظم الحكم، ومن قضية فلسطين وحق المقاومة..إلى الوضع الصومالي، والتي شهدت فيما يختص بالعراق تغيرات مؤلمة " وإن لم تكن مفاجئة، فقد أضفت شرعية عربية رسمية على الحكم العميل، والانتخابات التي أجراها البيت الأبيض.. واختفى من أدبياتها أي حديث عن الاحتلال الأمريكي للعراق، وعلت نبرة إدانة العمليات التي تستهدف جهاز الدولة العميل أو باختصار تبرعت باعتراف رسمي عربي، بحق الإمبراطور الأمريكي في إقامة وقائع على الأرض، يصبح لها وضعية رسمية معترف بها، لا تقف عند حد الاحتلال المدان كلامياً، ولكن الحق في تغيير الأنظمة، ووضع القوانين، وتنصيب الحكومات.. وتسمية الرؤساء، ووضع قوائم الطيبين والأشرار في كل بلاد العالم.<BR><BR>وقد تحرك الموقف الأوروبي أيضاً بعد عقد الصفقة الأمريكية الفرنسية الخاصة بالشام " سوريا ولبنان "، فعادت أوروبا إلى سياسات التوفيق بين مصالحها ومطامعها وبين المخطط الأمريكي للهيمنة.<BR>في إطار مثل هذه المتغيرات تتخذ المقاومة العراقية، ويتبوأ المجاهدون في العراق أهمية استثنائية إضافية في مجمل مسار الصراع بين أمتنا وأعدائها، وتتخذ بغداد وضعية رمزية.. تاريخية وسياسية وعسكرية ومعنوية، تضعها على رأس قائمة الاهتمام جنباً إلى جنب مع " القدس الشريف "، ويصبح الموقف من الاحتلال والمتعاونين معه فارقاً بين أنصار الأمة وهويتها وعقيدتها، وبين أعدائها، وتفضح مواقف أولئك الذين حاولوا التغطية على مشاريعهم الطائفية والعرقية، بشعارات مثل " التخلص من الاحتلال هدف واحد، ولكنه يحتمل تكتيكات مختلفة ".<BR><BR><font color="#0000FF"> العملاء والاحتلال: </font><BR>لقد اعترف قادة الإجرام الأمريكي ومخططوه، أنهم قد خانتهم التقديرات، وأن انتصارهم الذي أعلنوه في العراق أصبح أمراً مشكوكاً فيه، بل إن قادتهم البارزين ومخططيهم الأهم قد أعلنوا " ومنهم كيسنجر"، أن عليهم أن يجدوا مخرجاً سريعاً حتى لا تتحول العراق إلى كارثة، وأن التراجع عن تحقيق بعض الأهداف الآن، قد يكون البديل الوحيد لتفادي خسارة استراتيجية شاملة.. والبديل المطروح هو تحريك القوى الداخلية والإقليمية العرقية والمذهبية، سواء في إطار السلطة العميلة، أو في إطار تقسيم عرقي وطائفي ينشئ أكثر من سلطة، على أن تخرج القوات الأمريكية من المواجهة إلى مواقع تجمع محصنة، وتترك مهمة التصدي للمجاهدين لهذه السلطة أو السلطات.. والكلام واضح.. فكما أنه لولا تعاون الشيعة والحالة الكردية، لما استطاعت قوات الاحتلال الدخول والتمركز.. ولولا هذا التعاون لما استطاعت البقاء حتى الآن.<BR><BR><font color="#0000FF"> بغداد.. هل سقطت؟! </font><BR>منذ اليوم الأول لدخول القوات الأمريكية إلى عاصمة الخلافة العباسية، والعدو يحاول عبر كل وسائله العسكرية والإعلامية أن يوحي للجميع أنه قد سيطر على بغداد " بالذات " سيطرة تامة، وقد اختار مخططوه الإعلاميون عناوينهم بدقة لتحقيق هذا الهدف، وكان العنوان المعتمد منذ اللحظة الأولى " سقوط بغداد "، وقد كان الجهاد ضد الغاصب ليس فقط ملازماً.. ومنذ اللحظة الأولى لوجود قوات الاحتلال، بل إنه كان مرحلة سابقة الإعداد، متواصلة مع ما قبلها، كما أثبتت الأحداث، وقد حرص المجاهدون في العراق ومنذ البداية أيضاً على إبراز حقيقة أن دخول قوات الاحتلال بغداد، لا يعنى سقوطها، ولا يعنى سيطرة هذه القوات على المدينة، ولا يعنى هزيمة المقاومة.. و رغم أن العدو قد نجح نسبيا في المرحلة الأولى في الحصار الإعلامي لهذه الرسالة.. إلا أن عمليات المقاومة المدوية التي لا يمكن التغطية عليها، أو إنكارها قد أفسدت هذا الحصار، وقد وصلت المقاومة _بفضل الله_ وعبر مراحل عديدة، إلى توسيع رقعة عملياتها و " سيطرتها "، بحيث لم يعد خافياً على أحد أن قوات الاحتلال وعملائه.. هم المحاصرون.. في مقارهم في المنطقة الخضراء، بينما يتحرك المجاهدون في كامل مساحة بغداد بما فيها " المنطقة الخضراء"، بكامل القدرة وتمام التحكم، ويؤكد هذه الحقيقة التطور النوعي لعمليات المجاهدين، التي أخذت تتحول إلى المواجهات بأعداد كبيرة، ولمدى زمني طويل، وتحولت إلى تحرير مناطق ومدن على الأرض.. الفلوجة.. الرمادي.. سامراء... إلخ.<BR><BR>لم تسقط بغداد إذن كما يريد الأعداء وأتباعهم أن يدخلوا في روع أبناء أمتنا، بل تحولت إلى نموذج يمتد في كل الاتجاهات سواء داخل العراق، أو في الوجدان العربي والإسلامي، لانتصار المقاومة وقدرة طلائع الأمة من المجاهدين على إفشال ودحر الهجمة الشاملة على مقدراتها، وعقيدتها، وإثباتاً لا شك فيه لهشاشة عقيدة الأعداء، وإمكانية عزلهم، وتحقيق النصر الكامل عليهم _بعون الله ومدده_.<BR><BR><font color="#0000FF"> بغداد.. كتابة تاريخ جديد: </font><BR>إن ما حدث في بغداد، وامتد ليشمل العديد من مناطق وجهات العراق، هو في حقيقته بداية مشروع جديد لكتابة تاريخ الأمة بحروف عربية، بعد طول اغتراب واستلاب، وهو إطلاق وتحرير للقوى الحية الحقيقية المعبرة عن هوية الأمة وعقيدتها وآمالها، من طول أسر.<BR>فعلى أرض بغداد الآن والعراق من أقصاه إلى أقصاه، يتبلور مشروع هذه الأمة للانعتاق والنمو، وعزل القوى التي حرفة عقيدتها وفق أطر عرقية أو مذهبية، وتجرى في سياق هذا الصراع أوسع عمليات الفرز لصفوف الأصدقاء والأعداء، وفي الوقت الذي أراد فيه الأعداء تحويل بغداد إلى نموذج لانكسار الأمة، حولها المجاهدون إلى بداية مشروع يكتب بالدم الطاهر على الأرض، لبعث هذه الأمة لتتبوأ مكانتها الصحيحة في مسيرة الإنسانية.<BR><BR>لقد تمكنت المقاومة حتى الآن، من الانتقال من مرحلة الدفاع إلى الهجوم، وهي في طريقها إلى الانتقال إلى مرحلة الهجوم الشامل لعزل السلطة العميلة عن خطوط الدعم المستمد من المحتل، وهي تبني في الوقت ذاته سلطة بديلة نابعة من صفوف المجاهدين، وتؤسس مشروعاً حقيقياً للاستقلال والحرية، مكتوب باللغة العربية، يحاصر المحتلين والمتعاونين معهم في سكناتهم، ويطلق طاقات كل قوى التحرر والتقدم، وهذا ما يرعب المحتلين وأعوانهم، وينزع عن العملاء الأقنعة التي طالما سترت حقيقة انتماءاتهم، وهذا ما يرشح المرحلة القادمة من المواجهة إلى المزيد من الشراسة والعنف، في الوقت الذي يرشح فيه.. مع استمرار نجاحات المجاهدين _إن شاء الله_ العديد من القوى المتذبذبة داخل العراق وخارجه، لحسم مواقفها بالانضمام إلى صفوف الأمة، وهو الأمر الذي سيشل حركة العديد من الجهات المعتمدة على التقسيم الطائفي والمذهبي والعرقي.<BR><BR>لقد شكل نجاح المجاهدين في تحويل بغداد من عاصمة للسقوط إلى عاصمة المواجهة، الركن الأول في بناء انبعاث طال انتظاره وبدأ يلقى بظلاله ليس على المناطق العراقية المختلفة فحسب، بل على كل العواصم العربية والإسلامية، ووضع الأعداء في موقف الدفاع بعد أن كانوا يضعون اللمسات الأخيرة للهجوم الشامل، وقد تعرت كل الأيادي المصافحة للأعداء من سترها، والمقاومة تنتقل إلى مرحلة الهجوم الكثيف والواسع، وقد حققت أهم نجاحاتها بإثبات أن المقاومة بكل أشكالها هي طريق ممكن ووحيد، لإنقاذ هذه الأمة من هلاك مؤكد، على يدي عدو عنصري دموي، لا يعرف أي نوع من القيم أو المبادئ.<BR><BR>لقد حان الوقت لأن نقول: نعم بغداد هي أكثر العواصم العربية تحرراً.. نعم لم تسقط بغداد، بل أسقطت كل الأقنعة التي طالما أخفت حقيقة أعدائنا في الداخل والخارج.. نعم بغداد هي بداية المشروع المسلح بالعقيدة والهوية للحرية والتقدم.. نعم بغداد هي بداية النصر لا السقوط... وما النصر إلا من عند الله.<BR><br>