الإرهاب "المنسي"
15 ربيع الأول 1426

نجاحنا تجاه أي مشكلة أمنية نواجهها مرتبط بمستوانا المعرفي عنها، ومدى قدرتنا كمجتمع على الاتفاق والتوحد في مواقفنا من المتغيرات التي تؤثر فيها. وعجز المجتمع أحيانا عن مواجهة بعض المستجدات الأمنية لا يكون نتاج قصور معرفي بالظواهر والمتغيرات المستجدة، إنما قد ينجم عن عدم الاتفاق حول طبيعة المتغيرات المؤثرة في المشكلة، ومعلوم أنه كلما تزايدت المتغيرات التي تتباين حولها الرؤى ووجهات النظر في مجتمع من المجتمعات كان ذلك سببا من أسباب الاضطراب "الفكري" خاصة إذا كان الاختلاف في المواقف متباين أيضا مع المبادئ والأصول الفكرية للمجتمع، كما هو الحال في مجتمعنا بالنسبة لمتغير أمني خطير كالانفتاح الفضائي –ممثلا في قنواته العربية-.<BR> <BR>أسلوبنا ومستوانا في التعامل مع هذا المتغير العصري –الانفتاح الفضائي- لا يتناسب مع ما نملكه من أدبيات الأمن "الفكري" -في بلادنا خاصة- والذي أزعم أنها لا تملكه أمة من الأمم، وهو مخزون علمي ونظري لا يتفوق في كمه فقط، بل إنه مميز في كيفه بنقاء منبعه -الإسلام- وتنوع مجالاته وتكامل مكوناته. والمحك الحقيقي يكمن في مدى قدرتنا على تحويل هذه الجهود التنظيرية –المعرفة- إلى تطبيقات وممارسات عملية على أرض الواقع، مع الاستمرار في شحذ الفكر لتنظيرات جديدة.<BR><BR>هذا المتغير الأمني -الانفتاح الفضائي- كان ولا يزل سببا في إضطرابات فكرية متعددة في مجتمعنا، رغم أن الدولة سارعت إلى إعلان موقفها منه عبر البيان "الرمضاني" الشهير المتوافق مع اختيار بلادنا لنفسها -والحمد لله- منهج الإسلام لتهتدي بهديه، إلا أن موقف المجتمع بمؤسساته العلمية والتربوية مُدان بالاسترخاء الفكري في مقاومة هذا العدوان، وباستثناء الجهود الشرعية التي حاولت تحصين المجتمع أمام ما يُسوق من الرذائل، والمفاهيم الممجوجة التي تستهدف المجتمعات المحافظة -في مقدمتها مجتمعنا الذي تُرسم خرائط البرامج تبعا لتوقيته الزمني- فإن الجهود العلمية الإعلامية والاجتماعية لا تكاد تذكر إلا بعض الاجتهادات "الفردية" محدودة التأثير.<BR><BR>المتأمل في –بعض- جزئيات هذا الإعلام يتجلى له تناقضها مع كليات الدين ومناهضته، ومع ذلك لم يجد هذا "المضمون" الذي يقدم -للمسلمين- حقه من العناية والاهتمام من دارسي الإعلام والاجتماع، ، وهو ما ولد حالة من العراك الفكري "القائم" بين من يريد أن يثبت الواقع ويؤكده وبين من يستهدف تغييره وتزويره. نتج عن هذا العراك استنزف القوى الدعوية "الشرعية" في تصحيح المفاهيم وإشغالها عن النهوض بالواقع وإصلاح مشكلاته.<BR><BR>ولمن ينشد الأمن الشامل لبلادنا أن يتساءل!! ما موقف الذين يدركون قدرة الإعلام على تحويل السلوكيات السيئة إلى قيم؟ وما موقف من يدرك أن هذه المواد المقوضة للأخلاق والقيم أعمال مخططة وهادفة تسعى إلى استقطاب أكبر عدد ممكن من الجمهور لتمرير فكرة وترويج قيمة وكسب معلن دون احترام لأبسط أبجديات الدين والحياء والفضيلة؟ وأين دعم المؤسسات العلمية الرسمية والأهلية لتمويل الدراسات الإعلامية وتحديدا دراسات التأثير على المجتمع وسبل مواجهة الإمبريالية الثقافية والإعلامية؟<br>