حين يفوز ( بلير) : من المسؤول .. الحكام أم الشعوب ؟
28 ربيع الأول 1426

بديهى أنه ينبغي أن نفرق بين مسؤولية حاكم ما والشعب الذي يحكمه هذا الحاكم، وأنه الشعب لا يجب أن يدفع فاتورة أخطاء هذا الحاكم أو يكون مسؤولاً عن ممارساته وتصرفاته، هذا بالطبع إن كان هذا الشعب مغلوباً على أمره، وإن هذا الحاكم قد اغتصب السلطة وقهر الشعب.. ولا نريد أن نقسو في الحكم على الشعوب فنقول: إنها لم تعارض هذا الحاكم وتحاول الإطاحة به، فهذه ولا شك مسؤولية معتبرة، ولكن الأمر الواقع يقول: إن شعوباً دفعت ثمناً باهظاً لخروجها على الحاكم، ومع ذلك ظل قابعاً على السلطة حتى توفاه الله أو أن هذا الأمر صعب شديد الصعوبة، وهذا بالطبع لا يسقط المسؤولية الشعبية ولا مسؤولية أي فرد يساعد هذا الحاكم.<BR><BR>ولكن إذا كان شعب ما يختار حاكمه وفق آليات معينة ذات مرجعية سياسية، لا يهمنا هنا اسم تلك المرجعية السياسية التي يتم الاختيار وفقا لها كالديموقراطية أو غيره، ولكن إذا تحققت بالفعل قدرة الشعوب على اختيار حكامها وتغييرهم وإقالتهم إذا لزم الأمر، فإن مسؤولية الشعوب عن تصرفات الحكام بديهية.<BR><BR>ويمكننا أن نعمم الأمر هنا (شبه تعميم)؛ لأن لكل قاعدة شواذ، ونقول: إن شعوبنا العربية والإسلامية في معظمها ليست مسؤولة عن تصرفات الحكام؛ لأنهم فرضوا عليها فرضاً بالانقلابات العسكرية أو تزييف الانتخابات أو غيرها من الوسائل في حين أن الدول الأوروبية وأمريكا وغيرها يستطيع شعوبها أن تختار الحكام وتغيرهم أو على الأقل تزعم ذلك ـ شعوباً وحكومات ـ وبالتالي فهي مسؤولة عن تصرفات الحكام ومن المفروض أن تدفع هي الأخرى ثمن تلك المسؤولية ولا يمكن التفرقة من حيث المبدأ بين الحكام والشعوب إلا في درجة المسؤولية، وبالطبع لن نناقش هنا أسباب ذلك ونتباكى على سوء حظ شعوبنا مثلاً أو كيف يمكن إنهاء تلك الحالة التي لا تتفق مع قيمنا الدينية والحضارية!!<BR><BR>المهم أننا نرى الآن أن شعوب الغرب وأمريكا ـ بل و"إسرائيل" للأسف ـ تستطيع أن تغير الحكام وتختارهم، ومن ثم فهي مسؤولة عن تصرفات هؤلاء الحكام بصورة أو بأخرى وإذا أخذنا مثلاً مسألة العدوان على العراق واحتلاله وجدنا أن هناك قوة رئيسة، هي الولايات المتحدة الأمريكية وعدد من الدول الحليفة أهمها بريطانيا واستراليا، ونجد مثلاً أن الذرائع التي استخدمتها تلك الدول في العدوان على العراق رغم أنف الشرعية الدولية طبعاً هي موضوع خطورة العراق على الأمن العالمي والأمن الأمريكي بسبب امتلاكها لأسلحة الدمار الشمال، وقد جاءت كل الشهادات والأحداث لتقول بكذب هذا الادعاء، ففريق التفتيش الدولي على العراق قال بعكس ذلك ـ قبل بدء العدوان، وضرب الحلفاء بهذا التقرير عرض الحائط ، ونفذوا عدوانهم، وكذلك كانت قد صدرت تقارير عن مؤسسة كارينج للسلام الدولي، وهي من أبرز مؤسسات ومراكز الدراسات في واشنطن، وجاء فيه أن مسؤولي إدارة بوش قد شوهوا بشكل منهجي الحقائق المتعلقة بامتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل، وإن إدارة بوش قد بالغت في الحديث عن المخاطر التي يفرضها هذا البلد على الولايات المتحدة أو على الأمن العالمي، واعترف أيضاً (وزير العدل الأمريكي السابق في إدارة بوش) بول اونيل بأن إدارة بوش كانت تعد لغزو العراق قبل أحداث 11 سبتمبر 2001م بعام كامل، أي بعد أيام قليلة من وصول (الرئيس الأمريكي) بوش إلى البيت الأبيض عام 2000م دعنا من كل ذلك .<BR><BR> ولكن اللجنة التابعة لإدارة بوش نفسه، وهي لجنة مسح العراق والتي تم تشكيلها بقرار من الرئيس بوش برئاسة تشارلز دولف (كبير مفتشي الأسلحة الأمريكية) انتهت مؤخراً من أن العراق لم يكن يمتلك أسلحة دمار شامل ولا قدرة على إنتاجها منذ عام 1996م، ونلاحظ في هذا الصدد أن (الرئيس الأمريكي) جورج بوش كان قد استند في خطاب حالة الاتحاد 28 يناير 2003م إلى أن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل، وأنه قد استورد يورانيوم من النيجر، وقد ثبت كذب ذلك تماماً فيما بعد وأن (رئيس الوزراء البريطاني) تونى بلير كان يزعم أن العراق قادر على إنتاج أسلحة وتهديد الأمن العالمي في مدة 45 دقيقة، وهو ما ثبت كذبه تماماً فيما بعد، وبديهي أن كذبة "واسعة جداً".<BR><BR>ترتب على تلك الأكاذيب التي افتضحت أنه تم غزو العراق وقتل عشرات الآلاف وتدمير البنية... إلخ، والأعجب أن هؤلاء الزعماء أنفسهم استمروا في الكذب فيتحدثون عن أسلحة ذكية ونظيفة، فثبت أنها غبية وغير نظيفة، وتحدثوا عن ترحيب العراقيين بهم، فاندلعت أقوى وأعظم مقاومة عربية إسلامية في العصر الحديث للاحتلال.<BR><BR>إذن نحن أمام جريمة كاملة المعالم ـ ومفضوحة علناً ـ ومن المفروض دولياً أن يتم محاكمة المسؤولين عنها، ولكن هب أن الشريعة الدولية لا تمتلك شيئاً لأمريكا وبريطانيا واستراليا، ولكن شعوب أمريكا وبريطانيا واستراليا تستطيع وفقاً للدستور هناك محاكمة هؤلاء الحكام وإسقاطهم، وقد حدث ذلك مرات عديدة في قضايا أقل. إذن هناك نوع من الرضا الشعبي عن تلك التصرفات ـ سواء كان بالخداع أو غيره فهذا لا يعنينا ـ الأخطر أن بوش مثلاً حظي بثقة 52% من الأمريكيين في الانتخابات الرئاسية وبصرف النظر عن النتيجة فإن قطاعاً كبيراً من الشعب الأمريكي كان موافقاً على جرائم بوش .<BR><BR> الأمر ذاته أو أكثر بالنسبة لتونى بلير، بل إن استطلاعات الرأي بعد أحداث العراق قالت: إن تونى بلير هو أكثر شخصية بريطانية تحظى بالشعبية، وقد فاز حزب العمال البريطاني الانتخابات بعد ذلك، مع استراليا الأمر أسوأ منذ فازت حكومة حزب المحافظين، التي شاركت في العدوان على العراق مع أمريكا وبريطانيا في أول انتخابات برلمانية تمت بعد الحرب بعام ونصف، وهكذا فالشعوب في تلك الدول على الأقل تشارك في المسؤولية على الجريمة مع حكامها. <BR><BR>ومع الأخذ فى الاعتبار أن الـ52% الذين صوتوا لبوش لا يعنى أن الباقين غير راضين عن غزو العراق بل عن أشياء أخرى ـ اقتصادية أو سياسية بل إن الدعامة الأساسية في حملة جورج بوش كان الموضوع العراقي والمعارضين لبوش لم يعارضوا غزو العراق، بل عارضوا الطريقة والأسلوب والفشل وليس المبدأ، وهكذا فأغلبية الشعب الأمريكى توافق على هذا العدوان، واستطلاعات الرأي ذاتها حول هذا الموضوع تحديداً تحدثت عن نسبة عالية من قبول العدوان على العراق تقاربت وتراجعت حول 65ـ80%.<BR><BR>وهكذا فأغلبية الشعب الأمريكي كانت مع العدوان والظلم، ويمكننا بالطبع تفسير ذلك الشعور الشعبي الأوروبي والأمريكي والاسترالي بوجود وجدان صليبي معادى للعرب والمسلمين في تلافيف العقل الغربي أو وجود نزعة جوهرية تتصل بالنهب والقهر والقمع والعدوان في الحضارة الغربية، وأياً كان التفسير ـ وحتى بدون تفسير ـ فإن الجريمة تظل جريمة !! <BR><BR> ويمكننا داخل التفسير أن نضيف إلى ما سبق أن القوى الرئيسة المشاركة في العدوان : أمريكا ـ بريطانيا ـ استراليا تنتمي شعوبها في معظمها إلى الأنجلو سكسون وإلى البروتستانتية، وبالتالي فهناك أسباب دينية بروتستانتية تتصل بالمسيحية الصهيونية التى انبثقت عن البروتستانتيين ، وعن الرأسمالية التي وجدت في المذهب البروتستانتي دعماً وتبريراً لها، يمكننا إذن أن نضيف التفسير البروتستانتي الأنجلو سكسونى لسبب عداء هذه الشعوب لكل ما هو عربي وإسلامي.<BR><br>