عام من "السيادة" المنقوصة في العراق!
4 جمادى الثانية 1426

يمكن التكهن مسبقا بدلالات خطاب (الرئيس الأمريكي) جورج بوش الأخير الذي تزامن بشكل مقصود مع مضي العام الأول لـ"السيادة" المنقوصة للعراقيين محملا بمجلس انتقالي وحكومتين عراقيتين.<BR><BR>أكد بوش في خطابه على أن استراتيجيته الحالية في العراق قائمة لا تغيير فيها وأن انسحاب قواته أمر لم يحن موعد مناقشته بعد وقد لا يناقش مطلقاً حتى يتمكن العراقيون على حد تعبيره من الاضطلاع بدور قيادي في هذه المعركة وهو أمر يجسد تماماً" السيادة" المنقوصة التي يعيش أوهامها بعض العراقيين منذ عام.<BR> <BR>والحقيقة أن قصة "السيادة" وحكاية تدريب القوات العراقية ليست أكثر من مجرد وهم أكدته تقارير سابقة تحدثت عن ضعف في أجهزة الأمن العراقية وتسرب وضعف في المواجهة فضلاً عن الفساد وضعف التدريب والإمكانيات.<BR><BR>ففيما يتحدث بوش عن 160 ألف عراقي من أفراد قوات الأمن المدربين والمجهزين بالعتاد يرى جوزيف بايدن (العضو الديمقراطي البارز بلجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي) أن 2000 عراقي فقط هم المدربون بشكل كامل!<BR><BR> بوش في خطابه أيضاً استمات في الدفاع عن رفضه لإرسال المزيد من الجنود الأمريكيين إلى العراق لدعم القوات الموجودة هناك، والتي يبلغ قوامها 138 ألف جندي بحجة الدور القيادي المنوي تسليمه للعراقيين والحقيقة أن مخاوف بوش من المزيد من الخسائر هي التي دفعته لا هذه المعركة، والحقيقة الأقوى هي أن القوات المسلحة الأمريكية تواجه صعوبات في تجنيد العراقيين والأمريكيين معاً.<BR> <BR>أمام هذا كله قوبل خطاب بوش بعدم اكتراث شعبي أمريكي ونخبوي أيضاً، فقد عبر الديمقراطيون عن عدم اقتناعهم بما قاله بوش بينما يشعر الأمريكيون بأن بوش لا زال يمارس الخداع والتضليل.<BR><BR>ويبدو أن هنالك شعوراً متزايداً بين أفراد الشعب الأمريكي بأن سياسة الرئيس في العراق تسير على غير هدى ومنفصلة عن الواقع على الأرض وربما يؤكد ذلك نتائج آخر استطلاع أمريكي حول شعبية بوش والرضا عن استراتيجيته أجرته شبكة تلفزيون "إيه. بي. سي نيوز أظهر عدم رضا 56% من الأمريكيين عن أداء بوش <BR>فيما رفض غالبية الأمريكيين زعم ديك تشيني (نائب الرئيس بوش) بأن ما أسماه "التمرد" في العراق "في النزع الأخير"، وقال 53%: إنهم يعتقدون أن العمليات المسلحة تحافظ على قوتها، فيما أعرب 24% عن اعتقادهم بأنها تزداد قوة.<BR><BR>إذن قصة " السيادة" ليست أكثر من حجة واهية..فلا استقرار وسيادة في العراق بالنظر إلى طبيعة الأطماع والأهداف الأمريكية من احتلال العراق وبالنظر إلى مفردات وواقع المشهد السياسي العراقي من إقصاء للسنة وتمكين للشيعة والتدخلات الإيرانية وتعاظم حجم وفعل المقاومة العراقية.<BR><BR>وفي الحديث عن السيادة..نرغب في الإشارة إلى بعض المناحي المتعلقة بهذا الأمر. <BR>يتعلق بحقيقة تلك العلاقة المتوترة بين الجنود العراقيين والأميركيين.<BR> <BR>فثمة توتر وعدم ثقة وتخوين وتشكيك لا زال قائماً بين الجنود الأمريكيين ونظرائهم العراقيين حتى اللحظة لم تفلح كل " الخدمات" الأمريكية للعراقيين في إسقاطها أو محوها.<BR><BR> وربما يجسد هذه الحقيقة الغائبة عن السيد "بوش" وحتى عن الجعفري ما أوردته صحيفة الواشنطن بوست على لسان أحد الجنود الأمريكيين في العراق بقوله: "هنا.. ولو بعد 100 عام لا يمكنك حتى أن تعرف من هو صديقك ومن هو عدوك".<BR><BR>ومنذ أن بدأت الحرب في العراق قبل أكثر من سنتين، فقد اتُهم أكثر من 20 جندياً أميركياً بارتكاب جرائم تتعلق بمقتل عراقيين بعضهم، بل الكثير منهم جنود عراقيون!! <BR><BR>وقد يبدو الأمر طبيعياً ومنطقياً في حرب "العدو الغامض" كما يحلو لبعض الأمريكيين وصفها.<BR><BR> أمريكا التي لا تحصى جثث عدوها في العراق..عنوان لفت انتباهي لتقرير في صحيفة الغارديان أثار مسألة التخبط في الأرقام الصادرة عن جبهات القتال الأمريكية في العراق.<BR>والمسألة هنا أيضاً مرتبطة بدلالات خطابات بوش الأخيرة.. ففيما يوحي الإعلام الأمريكي بإيعاز من الجهات العسكرية أن القضاء على المقاومة العراقية بات وشيكاً يظهر على الأرض ما يوحي بعكس ذلك من قبيل لجوء الأمريكيين مؤخراً لحوار المقاومة والتواصل معها.<BR><BR> المعضلة الأمريكية اليوم في العراق هي أزمة " حقيقة" وأزمة " هوية" للحرب الدائرة هنا يعبر عنها تماماً وزير الدفاع الأمريكي بقوله رداً على سؤال حول حقيقة الأرقام التي تتحدث يومياً عن سقوط العشرات في صفوف المقاومة: " إننا لا نحصي عدد جثث الآخرين".<BR><BR>التخبط الأمريكي، بل الكذب الأمريكي أكثر وضوحاً بالتواريخ، ففي 29 من كانون الثاني هذا العام، أي قبل الانتخابات العراقية بيوم، أعلن الرئيس بوش أنها كانت "نقطة التحول".<BR><BR> وفي الثاني من أيار عام 2003 وقف على سطح سفينة أبراهام لينكولين الحربية خلف لافتة تقول: "أنجزت المهمة".<BR>وفي الثاني من حزيران هذا العام، أعلن: "إن مهمتنا واضحة هناك أيضاً وهي تدريب العراقيين ليصبحوا مقاتلين". <BR><BR> وأخيراً عاد بوش إلى العزف مجدداً على وتر الادعاء بأنه غزا العراق؛ لأن صدام كان متورطاً مع "الإرهابيين" الذين كانوا وراء هجمات الحادي عشر من أيلول.<BR><BR> إن داء العراق الذي أصاب بوش نسخة مكررة من الداء الذي أصاب ليندون جونسون في فيتنام، ففي كانون الثاني عام 1967، فرؤية بوش للضوء في نهاية النفق ممزوجة بخيبة الأمل والحديث عن انتصارات غير حقيقة وغير واقعية تماماً مثلما حدث في فيتنام.<BR><br>