تجنيس الفلسطينيين .. مغامرة سياسية
12 رجب 1426

طرحت تصريحات محمود عباس (رئيس السلطة الفلسطينية) أنه لا يمانع في أن تمنح الدول العربية جنسيات للاجئين الفلسطينيين مخاوف من توطينهم، وأثارت تساؤلاً عن سببه؟ ومدى تأثير التجنيس الجماعي على مفاوضات حق العودة؟<BR><BR>وكان محمود عباس قد وافق على منح الدول العربية جنسيات للاجئين الفلسطينيين "إذا أحبت"، معتبراً أن ذلك "لا يعني التوطين، كما جاء في حديث لبرنامج المقال في قناة دبي الفضائية، ونفى أن تكون جامعة الدول العربية تمنع تجنيس اللاجئين، وقال: "لا يوجد قرار، هناك توصية"، وأضاف "أنها ذريعة" يتخذها البعض.<BR><BR>يجب ألا يغيب عن الأذهان ضرورة التفريق بين الحصول على جنسية إحدى الدول العربية بشكل فردي، وأن يحصل الفلسطينيين بشكل جماعي ضمن تصور بين السلطة الفلسطينية وتلك الدولة على الجنسية كفلسطينيين، فإذا لم يكن هناك تعارض بين الحالات الفردية والتمسك بحق العودة فإن التصور الجماعي للأمر فيه خطورة كبيرة. وهو ينسجم مع الموقف الأميركي الداعي لشطب حق العودة وإيجاد حلول لقضية اللاجئين، وأيضا ينسجم مع ما يريده الإسرائيليون بإثبات أن المشكلة عربية، وبالتالي ينزع من الطرف الفلسطيني موضوع اللاجئين، باعتبار أن هؤلاء سيحصلون على الجنسية ثم يندمجون في المجتمعات التي يعيشون فيها فلن تكون هناك مشكلة في الهوية أو المعيشة.<BR><BR>الملاحظ أن موقف عباس جاء بعد زيارته إلى واشنطن وفشل لقائه باّرييل شارون، وبعد اجتماع اللجنة المركزية الذي أسس قاعدة متماسكة تفوض عباس بالإجراءات التي يراها مناسبة.<BR><BR>وتطرح وجهة نظر أخرى رأيها بقوة بأن حصول اللاجئ الفلسطيني على جنسية دولة ما لا يمس من وضعه القانوني كلاجئ أو حقوقه في العودة والتعويض كما نصَّت على ذلك قرارات الأمم المتحدة وفي مقدمتها 194 فحق العودة هو حق لا يسقط بالتقادم ، وأنه من الطبيعي أن يسعى بحكم ظروفه المعيشية للحصول على ما يُسهِّل معيشته واكتساب حقوقه المدنية في العمل والسفر، ومثاله اللاجئين الفلسطينيين في الأردن، وقد وافقت الدول العربية وفق قرارات الجامعة العربية وبروتوكول كازابلانكا لعام 1965م على منح الفلسطينيين وثائق سفر ووثائق متنوعة منها جوازات سفر لمدد طويلة أو متوسطة وبعضها منحهم الجنسية. في نهاية الخمسينات كان هناك توصية شاملة بعدم تجنيس الفلسطينيين تطرقت إلى أكثر من موضع لكيفية تعامل الدول المضيفة مع اللاجئين الفلسطينيين.<BR><BR>لقد كان هناك ردود فعل فلسطينية تراوحت بين التحذير الصريح من مغبة استغلال تصريح عباس لفرض التوطين وبين التأكيد على حق اللاجئين الفلسطينيين في التمتع بحقوق مدنية وسياسية على الأراضي التي يعيشون فيها على ألا يتعارض ذلك مع حق العودة.<BR><BR>إذن ما المانع في أن يحصل اللاجئون على جنسية إذا كانت بعض الدول تسمح بأن يحمل مواطنوها أكثر من جنسية واحدة ولا يفقدوا حق العودة ؟<BR><BR>يذهب البعض إلى أن العلة التي ذكرها محمود عباس في تحسين ظروف المعيشة للاجئين يمكن علاجها عبر مسالك كثيرة جداً عوضا عن طرح الموضوع سياسياً، وهو ما ينظر إليه البعض على أنه رغبة أميركية في إيجاد مخرج لحق العودة.<BR><BR>يقول ساجي سلامة ( مدير عام دائرة شؤون اللاجئين في منظمة التحرير الفلسطينية ): إن هناك بالتأكيد خلطاً واضحاً بين موضوع الجنسية والوثائق التي يحملها الفلسطينيون، من المعروف أن هناك قرابة المليونين فلسطيني في الأردن يحملون جوازات سفر أردنية وهناك قرابة المليون ونصف لاجئ فلسطيني يحملون جوازات سفر فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة هذا لم يحرمهم ولم يُجردهم من حقهم في العودة إلى وطنهم ولم يُفقدهم صفتهم كلاجئين وِفق تعريف القانوني الدولي، وبالتالي فحق اللاجئين الفلسطينيين لا يُمس من خلال قرار سيادي لدولة عربية بمنح الجنسية لمن يشاؤون. <BR><BR>وفي الإطار ذاته تذهب هذه الأوساط إلى تكرار القول بأن حقوق اللاجئين في العودة هو موقف رسمي فلسطيني، وهناك إجماع وطني عليه، كما أن الرأي العام الفلسطيني يقظ ولا يمكن أن تنطلي عليه محاولات خلط الأوراق في دعوة الدول العربية لتسهيل حياة اللاجئين الفلسطينيين، إذا أرادت بقرار سيادي منح الفلسطينيين جنسيتها. عملياً هذا لم يؤثر على حقوق مليوني لاجئ فلسطيني في الأردن من حقوقهم كلاجئين فلسطينيين لهم حق في العودة، ومن هنا لا تصبح مسألة منح الجنسية عائقاً إطلاقاً لا قانونياً ولا عمليا في سبيل تطبيق حق العودة المكفول بالقانون الدولي إلا أن تطبيقه يبقى حكراً على التفاوض السياسي.<BR><BR>ما يجب فهمه أن " التجنيس الجماعي " لا يصب في خانة العناوين القانونية أو المعيشية وإنما هو قضية سياسية بحته، ينم عن صفقة دولية لإنهاء قضية اللاجئين من خلال مشاريع التوطين وشطب حق العودة خدمة لمشروع التسوية وتحويل المشكلة إلى مشكلة فلسطينية عربية.<BR><BR>ولا شك أن الدعوة إلى تجنيس الفلسطينيين جاءت في غير محلها وفي غير وقتها، وهي تعني حل القضية الفلسطينية على حساب فلسطينيي الشتات الذين يمثلون أكثر من نصف الشعب الفلسطيني، ولصالح إسرائيل التي تعمل جاهدة مع الولايات المتحدة والعديد من عواصم العالم على منع عودة الفلسطينيين إلى فلسطين، فالتجنيس واقعياً واجتماعياً وسياسياً ودبلوماسياً يعني توطينهم، حيث يتجنسون إنها مغامرة سياسية تتسم بالكثير من الخطورة.<BR><br>