السياسة الأوروبية الجديدة نحو الإسلام والمسلمين
11 رمضان 1426

لا يجب عليك أن تكون مقيماً في أوروبا كي تتلمس التوجه الجديد لبعض الدول الأوروبية في -عقد صفقات دينية- مع مؤسسات إسلامية في سبيل تعليم الدين الإسلامي الحنيف للعرب والمسلمين -ولغير المسلمين أحياناً- هناك. إذ يكفي أن ترصد إعلامياً ما يحدث في تلك الدول الأوروبية التي حملت لواء "الحروب الصليبية" أوقاتاً طويلة، وحاربت الإسلام والمسلمين زمناً.<BR><BR>اليوم يبدو المشهد أقل عدوانية، ورغم أن هذا لم يأت من منطلق "الديموقراطية" التي تحرص أوروبا على تغليف مصالحها وأهدافها بها، إلا أنه ينصب في التالي لخدمة نشر الدين الإسلامي في تلك البلاد.<BR><BR>السنوات القليلة التي تلت هجمات الحادي عشر من سبتمبر، فتحت الباب واسعاً أمام صراع اتسم في كثير من أوجهه بالصبغة الدينية، فالإسلام أصبح محارباً في البداية، وكثرت تهجّمات القادة والساسة الغربيين ضد الدين الإسلامي.. وبعد ذلك بدأ الاتهام ينحصر حول ما أطلق عليه اسم "الإسلام المتشدد" أو "الإسلاميين المتطرفين" وغيرها من المصطلحات التي تهدف بالدرجة الأولى (حسب مردديها) إلى تعميق أو تخفيف هذا الاتهام حول آخر وأشمل الأديان السماوية، وأكثرها سماحة وسلاماً.<BR><BR>إلا أن الدول الأوروبية عموماً، بدأت تنحى منحاً جديداً في التعامل مع الإسلام والمسلمين في الداخل والخارج، وحوّلت سياستها بدل المواجهة والتصعيد، إلى الاحتواء والمهادنة، خاصة وأن الحرب لن تنصب في مصلحة أحد خلال هذه المدة.<BR>وبدل الخوض في غمار الحرب ضد جماعات مسلحة، وانتشار الفكر المعادي للأوروبيين، اختارت الدول الأوروبية سياسة نشر الدين الإسلامي المعتدل بين مسلميها في الداخل.<BR>هذا التحول الجديد في السياسة الأوروبية حيال الإسلام انطلق من عدة أسباب، منها:<BR>1- أن أوروبا لم تكن هدفاً أساسياً في الصراع ما بين الجماعات الإسلامية المسلحة والهيمنة الأمريكية و"الإسرائيلية" على منطقة الشرق الأوسط، وبالتالي وجدت أوروبا نفسها تنساق إلى حرب ليست هي هدفاً فيها، وإنما جرّتها إليها الولايات المتحدة لتوسيع جبهتها ضد الإسلام والمسلمين.<BR>2- أصبحت بعض الدول الأوروبية بعد هذه السياسة؛ هدفاً لتلك الجماعات المسلحة، بسبب تبعيتها اللاحقة للسياسية الأمريكية الخارجية، من احتلال العراق وأفغانستان ودعم للكيان الصهيوني. فحدثت تفجيرات مدريد في إسبانية، وتفجيرات لندن في بريطانيا، فيما لا تزال التهديدات تفزع معظم أجهزة الأمن الأوروبية في بقية الدول.<BR>3- وجدت أوروبا نفسها في مواجهة مع أمة كاملة، يقدر عدد أفرادها بنحو 1.5 بليون مسلم، دون أن تكون قد خططت لهذه الجبهة، خاصة وأن العديد من الدول الإسلامية والعربية بدأت تتحدث عن محاربة الغرب للدين الإسلامي، وبات أي قرار داخلي يمس الإسلام يفسّر على أنه تدعيم للحرب ضد الإسلام والمسلمين، كما حدث في القرار الفرنسي حظر الحجاب الإسلامي في المدارس الفرنسية.<BR>4- يعد معتنقي الدين الإسلامي جزءاً كبيراً في الأمة الأوروبية، ويعيش ملايين المسلمين في دول أوروبا كمواطنين لهم حقوقهم الكاملة، ويتمتعون بالحرية التي تعطيهم القدرة على شن هجمات داخل المجتمع الأوروبي متى ما تطور الصدام وتأججت الحرب ضد الإسلام، كما حدث في تفجيرات لندن، إذ كان المهاجمون مسلمين مقيمين في بريطانيا. فضلاً عن الإمكانية السهلة لنشوء صدامات وفتنة طائفية بين المسلمين وبقية الطوائف الأخرى في بعض دول أوروبا، كما حدث في هولندا من قتل المخرج فان كوخ على يد أحد المسلمين من ذوي الأصول المغربية، وما تلتها من صدامات بين المسلمين والنصارى في تلك المدينة.<BR>5- أوروبا تطمح أن تكون القوى العظمى الجديدة في العالم الحديث، وهي قد أعدت العدة منذ عشرات السنين لذلك، عبر إقامة الاتحاد الأوروبي وتوحيد الجهود العسكرية عبر حلف الناتو، وتوحيد العملة لمواجهة الدولار الأمريكي، وغيرها.. وهذه القوة الجديدة تأخذ بالحسبان قوة الدول الإسلامية والمسلمين في دول العالم.<BR>6- إمكانية دخول دولة مسلمة إلى كيان الاتحاد الأوروبي، وهي تركيا (التي تبلغ نسبة المسلمين فيها غالبية عظمى 90%)، خلال سنوات لاحقة، وهو ما يشكل جسراً بشرياً وجغرافياً بين الدول الإسلامية وأوروبا.<BR>بالإضافة إلى هذه الأسباب، توجد العديد من الخلفيات للعلاقة الأوروبية مع دول العالم الإسلامي، كالخلفية التاريخية وتبادل المصالح المشتركة، ووجود نماذج إسلامية عديدة تدعو للاعتدال والوسطية، ومحاربة العديد من الدول الإسلامية لبعض الجماعات الإسلامية المسلحة، وغيرها.<BR><BR>أمام كل ذلك، بدأت أوروبا من جديد تتحدث عن "إصلاحات" و"سياسيات تعليمية إسلامية" تهدف إلى نشر تعاليم الدين الإسلامي في أوروبا، وبيد الحكومات ذاتها.<BR>ومن هذه النماذج للسياسات الجديدة ما تبنته مؤخراً إسبانيا، والتي يعيش فيها أكثر من 800 ألف مسلم، حيث بدأت الجامعة الوطنية للتعليم تقديم دروس خاصة لتدريب أئمة المساجد، والذين سيتولون مستقبلاً الإشراف على المساجد وتدريس التربية الإسلامية في المدارس لأبناء المسلمين.<BR>وتؤكد المصادر التابعة للجامعة أنه بمجرد الإعلان عن برنامج التعليم الخاص بتدريب الأئمة؛ سجل قرابة مائتي شخص خلال الأيام الأولى من ضمنهم 20 بالمئة من الأسبان والباقي من الأجانب وخاصة المهاجرين العرب. <BR>وهذا البرنامج الذي سيمتد سنة كاملة يتضمن دروسا في تاريخ الإسلام والحضارة العربية والإسلام والسيرة النبوية والفقه والتشريع وكل ما يتعلق بالدين الإسلامي وتلقينه تحت أساتذة أسبان وعرب.<BR><BR>أما بريطانيا، فيبدو أنها قررت التعاقد مع مراكز إسلامية ودعاة يتمتعون بالثقة والقبول بين المسلمين من أجل تدريس تعالم الإسلام الحنيف داخل المجتمع البريطاني، منها ما كشف عنه (الداعية المصري) عمرو خالد خلال لقاء تلفزيوني له عبر إحدى الفضائيات العربية، والذي أكد أن الأمير تشارلز (ولي العهد البريطاني) اتفق معه على دعم مشاريع إسلامية في بريطانيا لنشر تعاليم الدين الإسلامي السمح.<BR>ومنها ما كشفه سفير المملكة المتحدة في القاهرة (دريك بلاملى) عقب مقابلة مع شيخ الجامع الأزهر قبيل شهر رمضان المبارك، حول حرص الحكومة البريطانية "على تزويد مسلمي بريطانيا بالمفاهيم الصحيحة للإسلام على أيدي علماء الأزهر الذين تلقوا علومهم الدينية، طبقاً لمناهج الأزهر التي تمتاز بالوسطية والاعتدال".. مشيراً إلى أن الأمير تشارلز سيزور القاهرة خلال الأسابيع القليلة المقبلة، وهي زيارة تتسم بالأهمية البالغة، ولها مدلولات دينية كبيرة في توجه الأسرة المالكة البريطانية نحو تعميق التعاون مع الدول الإسلامية.<BR>وحول المشروع التعليمي الجديد، قال السفير البريطاني: " إنه بحث مع شيخ الأزهر كيفية توفير عدد من الأئمة والوعاظ لنشر الثقافة الإسلامية وإحياء ليالي شهر رمضان المبارك بإنجلترا، ومناقشة توفير عدد من أئمة المساجد لمسلمي بريطانيا للرد على أسئلة واستفسارات الجالية الإسلامية المتواجدة هناك".<BR><BR>وفي السويد، تنتشر المدارس الإسلامية بكثرة، وقد توجد أكثر من مدرسة إسلامية في مدينة واحدة، كوجود 4 مدارس إسلامية في العاصمة ستوكهولم، وكلها تتلقى الدعم المالي الذي يصل إلى ملايين الدولارات من قبل الحكومة.<BR>ومؤخراً وافقت بلدية مالمو في جنوبي السويد على فتح مدرسة عربية إسلامية جديدة لاستيعاب العدد الهائل من أبناء الجاليّة العربيّة.<BR>ويقوم القادة السياسيون في السويد بزيارة المساجد الإسلامية كنوع من نشر الطمأنينة والدعم المعنوي لهم، والتأكيد على أهمية وجود مراكز تنشر الدين الإسلامي الحنيف الوسطي والمعتدل.<BR><BR>وفي هولندا، عقدت وزارة التعاون التنموي بتاريخ 6 سبتمبر 2005، مؤتمراً حول تفعيل دور الأديان ومعتنقيها في تنمية المجتمع الهولندي، وكان التركيز على الإسلام والمسلمين واضحاً، وأشارت الوزيرة -التي تنتمي إلى الحزب الديمقراطي المسيحي ـ إلى أن الهولنديين من منتقدي الإسلام – مثل (عضوة البرلمان الهولندي الليبرالية) إيان هرسي ـ ينكرون أهمية الدين كـ"ملاذٍ روحي" في زمن التغيرات السريعة. وحذرت من أن الهجمات المسلحة الجديدة يمكن أن تستخدم كذريعة لمن وصفتهم بالعلمانيين المتطرفين(!) لاستبعاد الدين من الحياة العامة في هولندا.<BR>وهو مؤشر على عودة اعتماد الدول الأوروبية، حتى العلمانية منها، على الدين في تعزيز الوحدة الوطنية والتنمية داخل المجتمعات الغربية.<BR>فضلاً عن دعم الدولة لجهود نشر الدين الإسلامي المعتدل في المدارس والمعاهد الدينية والمساجد التي تحاول الحكومة ضمّها ضمن بروتوكول فريد يوحد عمل المسلمين فيها في وجه (التطرف). بالإضافة للدورات التدريبية التي أقامتها الحكومة في العاصمة امستردام لأئمة المساجد، والمعلومات التي نشرتها في العديد من وسائل الإعلام الحكومية حول حقيقة الإسلام وتعاليمه السمحة.<BR><BR>بأي حال من الأحوال، هذه السياسات الغربية بدأت تجني ثماراً في نشر الدين الإسلامي في أوروبا بشكل لافت، وخلال السنوات القادمة سيكون هناك انتشار واسع للدين الإسلامي، وبفضل جهود الحكومات الأوروبية ذاتها، وبمساهمات مالية ضخمة منها.. لخدمة نشر الإسلام.<BR><BR>مؤخراً.. نشرت صحيفة (ذا هيرالد) الأمريكية، تحقيقاً موسعاً حول انتشار الدين الإسلامي في المجتمع الإسباني، تحدثت فيه عن دخول مئات النساء الإسبانيات إلى الدين الإسلامي، وذكرت بعض الحقائق، منها:<BR>- إن النساء الإسبانيات المسلمات أسسن جمعية عن الإسلام تضم في عضويتها مئات المسلمات.<BR>- تأسيس منظمة الدعوة عام 1997، الناطقة بالإسبانية والتي تعنى بالدين الإسلامي بين الإسبان.<BR>- وجود أكثر من 40 ألف مسلم إسباني في أمريكا وحدها.<BR>- الجمعيات الإسلامية تلقت أكثر من 5 آلاف طلب لنسخ من القرآن الكريم باللغة الإسبانية.<BR>- زيادة دخول الناس إلى الدين الإسلامي بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر وتفجيرات مدريد ولندن، بسبب إقبال الناس على القراءة عن الدين الإسلامي.<BR>كما التقت الصحيفة (التي نشرت صورة لفتاة إسبانية مسلمة محجبة وبيدها نسخة من القرآن الكريم) مع عدد من الإسبانيات المسلمات حديثاً، واللواتي تحدثن عن سماحة الإسلام ونقائه وشموليته.<BR><BR><BR><br>