ثمن تسليم معبر رفح للفلسطينيين والحرية المفقودة!
27 شوال 1426

في السياسة لكل تحرك دبلوماسي ثمن، ولكل نتيجة مفاوضات ثمن، هكذا يعلم الجميع، ويعلمون أن معبراً بحجم معبر رفح، بقي نحو أربعة عقود في يد "الإسرائيليين"؛ لا يمكن أن يعاد إلى قيادة فلسطينية ناشئة بدون مقابل، أو بثمن بخس.<BR><BR>في مدخل معبر رفح، الذي تم افتتاحه يوم الجمعة الماضية باحتفال كبير، حضره رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، ترتفع لافتة عريضة على المدخل تقول: " معبر رفح: المدخل إلى الحرية ".<BR>هكذا يقرأ الفلسطينيون معبر رفح، ولكنها لن تكون بأي حال من الأحوال "الحرية الحقيقية" التي يريدها الفلسطينيون، ولا الحرية التي تريدها الحكومة "الإسرائيلية".<BR>إذن ، فأي حرية هذه!<BR><BR>الإدارة الأمريكية وعلى رأسها (الرئيس الأمريكي) جورج بوش، باتت حكومة "سيئة السمعة جداً" في معظم العالم، وبالأخص دول الشرق الأوسط، ففيها عرضت حكومة بوش فلماً عراقياً دموياً طويلاً، لن تنتهي فصوله في وقت قصير، وبالتالي، لن يستطيع أن يقنع الشعب العربي هنا أنه فعل عين الصواب باحتلال العراق، أو أن يجمل صورته بسهولة.<BR>إلا أن ذلك لم يمنعه من المحاولة، عبر مؤتمرات الشراكة مع دول عربية في المنطقة، والإعلان عن الضغط على حكومات عربية للسماح لمواطنيها بممارسة "الديموقراطية!"، وإرسال مبعوثته الخاصة "كارين هيوز" لتزيين صورة أمريكا إلى دول عربية وإسلامية.<BR><BR>وضمن هذه المحاولات اللافتة، ضغطت الولايات المتحدة على حكومة شارون "التي كانت تحتضر وقتها" من أجل أن ترعى (وزيرة الخارجية) كونداليزا رايس -بنفسها- اتفاقاً يضمن تسليم معبر رفح للفلسطينيين.<BR>لذلك، فإن وسائل الإعلام العربية التابعة والمنقادة بالسياسة الأمريكية، كتبت الكثير من المقالات ونفذت العديد من المتابعات والتغطيات لرعاية رايس لهذه الاتفاقية، لتظهر الأمر وكأنه "هدية أمريكية للشعب الفلسطيني"!<BR><BR>بيد أن الثمن لم يقتصر على "تبييض صورة إدارة بوش في المنطقة" فقط، إذ أن قراءة سريعة لخطاب محمود عباس خلال حفل بدء تشغيل معبر رفح فلسطينياً، يظهر ثمناً آخر يمكن أن يضاف على فاتورة المعبر.<BR>فعلى مشارف الأيام المقبلة، تنطلق الانتخابات التشريعية في فلسطين، والتي تخشى الأوساط الإسرائيلية أن تعطي لأعضاء حركة المقاومة الإسلامية (حماس) مناصب سياسية في الحكومة القادمة، وتساهم في تحولهم إلى قوة سياسية، بعد سنوات طويلة من نضالهم العسكري.<BR>هذه المخاوف تتركز على أساس دخول (حماس) معترك الانتخابات لأول مرة، بعد انسحاب القوات الإسرائيلية من مستعمرات غزة، وأربع مستعمرات في الضفة الغربية، وتسلم معبر رفح للفلسطينيين لأول مرة. <BR><BR>ويرى الكثير من الفلسطينيين أن الانسحاب "الإسرائيلي" لم يأت لولا النضال المسلح الذي رفعت شعاره حركة حماس، وحركات المقاومة الفلسطينية المسلحة الأخرى، في وجه الاحتلال "الإسرائيلي". وهو ما من شأنه أن يرفع من أسهم (حماس) في الانتخابات القادمة.<BR><BR>لذلك، حرصت الإدارة الأمريكية و"الإسرائيلية"، وحكومة محمود عباس، على إظهار أن انتقال معبر رفح للفلسطينيين لم يأت بسبب المقاومة (...)، وإنما جاء نتيجة "سياسية المفاوضات التي تتبناها حركة فتح وقيادة السلطة الفلسطينية".<BR>لذلك رعت رايس محادثات شكلية أفضت خلال ساعات زيارتها للمنطقة إلى "اتفاق نهائي" حول رفح، بعد 40 عاماً من الاحتلال. وأقيم حفل دولي حضره أكثر من 1200 شخص، بينهم مسؤولون دوليون ومحليون، لإظهار الأمر على أنه "نهائية سلسلة من المفاوضات التوافقية".<BR><BR>وشدد عباس في خطابه أمام الحشد بالقول: " إن هذا الإنجاز يعود الفضل فيه لمن عمل به ومن أجله"، وذكر منهم القيادة المصرية، والاتحاد الأوروبي، ووزيرة الخارجية الأمريكية، والقيادة الأردنية. دون أي ذكر للمقاومة المسلحة بالطبع!<BR><BR>وعلى اعتبار أن السلطة الفلسطينية هي الراعية لهذا الانتصار الجديد، اغتنم عباس فرحة الفلسطينيين، وشدد على نزع سلاح المقاومة، على أساس إنهاء ما أسماه "حالة الفوضى الانفلات الأمني بفلسطين".<BR>ومسألة الأمن هذه حصلت على نحو نصف كلمة عباس، شدد خلالها على أن " افتتاح المعبر سيأتي بالضرورة إلى المشاريع الاقتصادية ولكن علينا أن نعلم أن المعبر هو المفتاح، ولكن الأمن هو مفتاح أمن وأمان ولا يوجد مفاتيح".<BR>وحاول ضم الشعب الفلسطيني إلى جانبه في سياسته الرامية لإنهاء سلاح المقاومة بالقول: " أيضاً هناك كثير من الاضطراب الأمني وكثير من تهريب الأسلحة وتهريب المخدرات وتهريب السيارات أو انقطاع حبل الأمن والخروج على القانون، كل هذه الأمور يجب أن تتم وسيتم، ليس بفضل قوات الأمن وحدها وإنما بفضل الشعب كل الشعب يحاول الشعب مع الجميع".<BR><BR>وعبّر عن موقفه السياسي من قضية الوجود الإسرائيلي قائلاً لـ"الإسرائيليين": " نحن نريد أرضنا وأنتم في أرضكم ونعيشه بأمن وسلام كما جاء في خريطة الطريق، وكما جاء في مبادرة الرئيس جورج بوش، الذي قال: إقامة دولة فلسطين دولة مستقلة ومتصلة قابلة للحياة، تعيش جنباً إلى جنب مع دولة (إسرائيل)". وهو ما يعني وجوب الانتهاء من مرحلة المقاومة المسلحة، والالتفات لمرحلة المفاوضات مع الدولة العبرية.<BR><BR>هذه الإشارات الهامة التي أطلقها عباس في هذه اللحظة بالذات، قد تكون ثمناً جيداً تريده القيادة الأمريكية و"الإسرائيلية"، لتظهر للشعب الفلسطيني عدم ضرورة استمرار وجود المقاومة المسلحة، ولتوجه رسالة إلى العالم بأن القيادة الفلسطينية حصلت وتحصل على مطالب الفلسطينيين عبر المفاوضات التي ترعاها أمريكيا وأوروبا، فيما تحاول فرض سيطرة الدولة على المقاومة المسلحة.<BR>وهو بالتالي يعزز محاولات أمريكيا وصم حركات المقاومة الفلسطينية بصفة (الإرهاب)!<BR><BR>لذلك، وفي تقرير لوكالة الأسوشيتدبرس عن افتتاح معبر رفح، قالت: " إن رسالة محمود عباس جاءت لدعم فكرته بأن الاستقلال يمكن أن ينجح فقط عبر المفاوضات".<BR>وأضافت تقول: " كما جاءت لتعطي حركته دفعة قبل تاريخ 25 يناير، موعد الانتخابات البرلمانية، ضد جماعة حماس الإسلامية".<BR><BR>والسؤال الذي يجب أن يطرحه الفلسطينيون الآن هو " هل سيبقى معبر رفح بيد إدارة فلسطينية بعد الانتخابات المقبلة، بحال فازت فتح أو حماس، وما هي حقيقة الحرية التي حصل عليها الفلسطينيون الآن".<BR>خاصة في ظل استمرار وجود سيطرة "إسرائيلية" على البضائع التي تمر عبر المعبر، وفصل الضفة الغربية عن قطاع غزة بحدود "إسرائيلية"، واستمرار وجود جدار الفصل العنصري، وعدم قدرة فلسطينيي غزة للخروج إلا من الحدود المصرية!<BR><BR><br>