صعود الإخوان يفتح ملفات شائكة
4 ذو القعدة 1426

في انتخابات مصر عام 1938 حاول الشيخ حسن البنا (مؤسس جماعة الإخوان المسلمين) ترشيح نفسه لعضوية البرلمان، ولكن الحكومة الملكية سارعت حينئذ لإثنائه عن هذا الترشيح دون مبرر منطقي للرفض سوي أن ترشيحه يستفز الملك والاحتلال الإنجليزي، وعندما أصر البنا على الترشيح في انتخابات عام 1942 و1944 تم إسقاطه هو ومن معه وتزوير انتخابات دوائرهم .<BR>وبعد 67 عاما من محاولة الأخوان الأولي، نجح حسن البنا بواسطة أنصاره في الوصول إلي البرلمان والدخول إليه في انتخابات 2005 من أوسع أبوابه بعدما فاز أنصارهم بـ 76 مقعد في المرحلتين الأولي والثانية، ولتصبح جماعة الإخوان هي ثاني أكبر قوة في البرلمان المصري بعد الحزب الوطني الحاكم ومتقدمة علي 21 حزبا مصريا ليس لغالبيتهم مقعد واحد في البرلمان وأكبر حزب فيهم له 3 مقاعد فقط!.<BR>وما بين عام 1938 وعام 2005، سعي الإخوان عدة مرات لدخول برلمانات أعوام: 1976 – 1979- 1981 -1984- 1987- 1990-1995-2000 ربما كان أفضلها انتخابات 84 التي حصدوا فيها 8 مقاعد، وانتخابات 1987 التي فازوا فيها بـ 37 مقعدا (حوالي 8.5% من مقاعد البرلمان) وكانت هذه هي أكبر نسبة مقاعد يحصلون عليها في البرلمان المصري، لتأتي نتائج انتخابات 2005 لتطيح بكل التوقعات وتدخل بحسن البنا إلى البرلمان المصري من أوسع أبوابه!.<BR>هذا النجاح الساحق لمرشحي الإخوان في انتخابات عام 2005 والذي يعترف خصومهم المحايدون أنه جاء نتيجة جهد منظم وعرق استمر قرابة 30 عاما منذ عودة الحياة السياسية في السبعينات، لا يقتصر علي فوزهم فقط بهذه المقاعد التي أقلقت خصومهم وفتح ملفات شائكة عديدة، ولكنه نجاح له أكثر من وجه: <BR>1- فقد نجح الإخوان في تحقيق نسب نجاح غير عادية لمرشحيهم، فمن بين 52 مرشحا للإخوان في المرحلة الأولي للانتخابات فاز منهم 34 مرشحا بنسبة نجاح 65% وهي نسبة لم تحققها ترشيحات الحزب الوطني الحاكم المنافس الأكبر الذي سقط له 100 مرشح في الجولة الأولي ولم يحصل علي أغلبية سوي بمقاعد المستقلين، وتكرر الأمر في المرحلة الثانية التي رشحوا فيها 60 مرشحا فاز منهم 42 بنسبة نجاح 70%.<BR>2- أيضا نجح الإخوان في إسقاط رموز كبيرة في الحكومة والمعارضة ومن رجال الأعمال الذين أنفقوا الملايين، وبعضهم استمر في مقعده البرلماني أكثر من ربع قرن مثل يوسف والي (نائب رئيس الوزراء، ووزير الزراعة السابق، والأمين العام للحزب الوطني سابقا)، والسيد راشد (رئيس اتحاد عمال مصر)، و(وكيل البرلمان) أحمد أبو زيد، خالد محي الدين زعيم حزب التجمع اليساري، وأحد قيادات ثورة يوليه الباقين على قيد الحياة، وكل هؤلاء فاز عليهم مرشحون مغمورون من شباب جماعة الإخوان غير المعروفين إعلاميا.<BR>3- ونجح الإخوان في خلق آليات وتكتيكات انتخابية جديدة ظهرت لأول مرة واضطر منافسوهم لاقتباس بعض منها، وحتى عندما ضاقت حلقات الحصار الأمني والتزوير وأساليب البلطجة الانتخابية، كان الإخوان مستعدين لها بوسائل جديدة لإجهاضها والفوز رغم كل الصعوبات والاعتداءات استجابة لطلب مرشدهم العام أن "يستقتلوا" – أي يصروا علي الثبات مهما حدث – في الانتخابات.<BR>4- نجح الإخوان في كشف هشاشة الحزب الوطني الحاكم وباقي أحزاب المعارضة التي نزلت في تحالف انتخابي (الجبهة الوطنية للتغيير) ضمت 3 أحزاب و8 قوي سياسية أخري، ومع هذا لم تفز سوي بـ 12 مقعد حتى الآن.<BR>5- نجح الإخوان – رغم أنهم ليسوا حزبا سياسيا – في الحصول علي النسبة التي اشترطها قانون الأحزاب لترشيح أي حزب أحد قياداته في انتخابات الرئاسة وهي نسبة الـ 5% التي تبلغ قرابة 23 مقعدا، لتصبح هناك مفارقة أن الجماعة التي لا تزال يطلق عليها "محظورة" لديها القدرة قانونا ـ إن شكلت حزباً ـ على المنافسة في انتخابات الرئاسة، في حين أن أحزاب مصر الـ 21 ليس لدي أي منها أو كلها مجتمعة القدرة علي الحصول علي 23 مقعد لخوض انتخابات البرلمان!!.<BR>وتتوقع مصادر سياسية مصرية أن يكون لهذا الاكتساح الكبير لنواب الإخوان، وتقهقر رموز الحزب الوطني بشقيها الحرس الجديد والقديم نتائج واستحقاقات كبيرة علي الإصلاح السياسي في مصر، والعديد من الملفات السياسية خصوصا ملف توريث الحكم، فضلا عن إثارتها مخاوف لدي القوي الليبرالية التي تقهقرت بقوة، والأقلية القبطية في مصر التي صدرت تصريحات عن بعض رموزها مثل د. ميلاد حنا تشير لمخاوف من صعود الإخوان وتهديدات بمغادرة مصر لو وصلوا للحكم في مصر، فضلا عن المخاوف الغربية المعتادة.<BR>وتقول مصادر في جماعة الإخوان أن الجماعة سوف ترشح قرابة 50 في المرحلة الثالثة والأخيرة من الانتخابات التي تجري في الأول من ديسمبر القادم، ما يشير إلي احتمالات اقتناصها لقرابة 100 مقعد في المحصلة النهائية لنتائج انتخابات برلمان 2005.<BR>وقد نظم أنصار جماعة الإخوان العديد من مظاهر الأفراح عقب ظهور تقدم مرشحيهم رغم أعمال العنف التي وقعت، ورفعوا شعارات الجماعة وهتفوا بشعار الإسلام هو الحل وأنشدوا أغنية (الإسلام هو الحل)، وكانت أبرز مظاهر الفرح في محافظة الغربية أبرز معاقل الجماعة التي فاز فيها 8 من مرشحي الجماعة بينهم النائب السابق علي لبن والشيخ سيد عسكر (الأمين العام المساعد السابق لمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف)، وفي محافظة القليوبية التي فاز فيها تيمور عبد الغني مرشح الجماعة على (رئيس حزب التجمع اليساري) خالد محي الدين بعد يومين من المصادمات الدامية بين أنصار الطرفين، ومحافظة المنوفية حيث فاز مرشح الجماعة د. حسن يوسف علي قطب الحزب الوطني د. يوسف والي.<BR>والطريف أن الاحتفالات في محافظة الغربية جرت في نفس المكان الذي ضُرب فيه بعض علماءُ الأزهر منذ أربعة أشهر بمدينة طنطا بمحافظة الغربية، عندما خرجوا ضمن مظاهرة تطالب بالإصلاح السياسي وكان على رأسهم الشيخ السيد عسكر (الأمين العام المساعد لمجمع البحوث الإسلامية الأسبق وأحد قيادات الإخوان بالغربية) والذي اعتدَى عليه وعلى علماء الأزهر ومشايخه ضباطُ الشرطة.<BR>وقال الشيخ سيد عسكر الذي وقف في نفس المكان ومعه أكثر من 10 آلاف من أنصاره ليعلن قائمة نواب الإخوان الذين فازوا "أن الإخوان لن يتراجعوا عن طريقهم الداعي للإصلاح "، ووقف أكثر من 10 آلاف مواطن يهتفوا أمام مبنى محافظة الغربية "الإسلام هو الحل.. شرع الله _عز وجل_".<BR>مشكلات الفوز!<BR>واللافت للنظر أن غالبية القوي السياسية المصرية الحكومية والمعارضة هاجمت فوز الإخوان وأطلقت حملة تحذيرات من هذا الفوز رغم أن الإخوان لن يحصلوا في نهاية المطاف سوي علي قرابة 20% من مقاعد البرلمان ككل وهو ما يقل عن ثلث مقاعد البرلمان، كما سيظل الحزب الوطني الحاكم مسيطراً علي ثلثي مقاعد البرلمان بما يسمح له بالتشريع وسن القوانين دون عقبات حقيقية من النواب الجدد رغم الاعتراضات والصراخ الذي سيحدث!.<BR>وجاءت الانتقادات أكثر من جانب أصوات في الأقلية المسيحية التي صرخ بعض مثقفيها محذرا من هجرة الأقباط خارج مصر في حالة فاز الإخوان بنسبة 50% من المقاعد أو حكموا مصر، ومن جانب القوي اليسارية وبعض الليبراليين، علي الرغم من أن جميع هذه القوي كانت تهاجم الحزب الوطني الحاكم وفساده وتطالب بتوحيد الجهود لإسقاط مرشحيه والتفوق عليهم.<BR>بعبارة أخري كان الجميع يطالب بمواجهة الحزب الوطني ووقف سيطرته علي الحياة السياسية، ولكن عندما نجحت جماعة الإخوان في الفوز ووقف هيمنة الحزب الوطني علي البرلمان، ترك جميع المعارضين والليبراليين مشكلة الحزب الوطني الحاكم، وانصب هجومهم علي الإخوان بدلا من الترحيب بفوز احدي قوي المعارضة التي تمثلهم وتحول فوز الأخوان إلي "مشكلة"!.<BR>وبعد أن كان التصور هو أن فوز الإخوان سوف يدفع القوي السياسية المعارضة المختلفة لبحث كيفية استثمار هذا الفوز في تشكيل قوة برلمانية معارضة قوية في البرلمان عمادها نواب الإخوان لمواجهة استئثار الوطني بالقرارات والقوانين التي يصدرها البرلمان أو بحث ملفات الإصلاح والتوريث، طرح فوز الإخوان تساؤلات أخري أصبح لها الغلبة في الشارع السياسي المصري بين المتخوفين حول مواقف الإخوان من الديمقراطية وحرية المرأة والتعامل مع الأقباط ، وكيفية التعامل مع الغرب وغيرها من الشكوك التي وصلت لسؤال بعض المحللين الليبراليين المصريين عن موقف الإخوان من فوائد البنوك والتعامل مع النساء غير المحجبات وكأن الإخوان دخلوا الحكم ولم يدخلوا البرلمان!؟<BR>وقد سعى قادة جماعة الإخوان مع هذا لطمأنه جميع القوى المتخوفة خاصة في الغرب وبين أقباط مصر والقوي العلمانية إلى تمسكهم بثوابت ديمقراطية وأخلاقية لن تؤثر علي مكاسب أي طرف ولكنها علي العكس سوف تكون أكثر حرصا على كافة القوى والفئات المصرية في الداخل، وهناك وعود بقيام وفود من الجماعة بزيارة مختلف القوي المتخوفة لطمأنتها، كما سارعت قيادات من الجماعة بدورها لطمأنة الغرب عبر مقالات تنشر في الصحف الغربية ملخصها: (لا تخافوا منا) مع شرح برنامج الإخوان الانتخابي الذي يقع في 7 آلاف كلمة والذي يتضمن العديد من القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية <BR>فوز حسن البنا ورجاله ودخولهم البرلمان من أوسع أبوابه في انتخابات 2005 ربما يكون حدثا مهما بالتالي في التأشير لحقبة جديدة في المنطقة العربية يصعد فيها التيار الإسلامي عموما كما حدث في انتخابات عدة دول عربية وإسلامية أخري مؤخرا، ولكنه أيضا ربما يكون مؤشرا علي حالة استقطاب جديدة بين القوى المعادية للطرح الإسلامي وبين القوى الأخرى الحكومية والعلمانية واليسارية التي بدأت تثير العقبات في وجه الإخوان قبل أن تنتهي الانتخابات.<BR>بل أن من طرائف هذه الانتخابات أن الحديث في الصحف المصرية لا ينقطع عن احتمالات حل برلمان 2005 قبل أن يجري تشكيله أو بدء أعماله (!)، بسبب التخوف من الإخوان في البرلمان، وكثرة الطعون الانتخابية التي بلغت 190 طعنا حتى الآن، وبات الحديث يدور علنا في الصحف الرسمية عن مهلة عامين على الأكثر لهذا البرلمان الذي يسيطر الإخوان علي مقاعد القوة الثانية الأكبر فيه لحين سن قانون جديد للانتخابات بالقائمة الحزبية النسبية (سيكون في غير صالح الإخوان)، وسعي الحزب الوطني الحاكم وأحزاب المعارضة الخاسرة لترميم عظامها التي تحطمت في انتخابات 2005!!.<BR><BR><BR><br>