وحدة التعذيب من الخليج الهادر إلى المحيط الثائر!!
17 ذو القعدة 1426

"لقد كان حلماً أن نرى الشرق وحدة".. كان حلم الشاعر علي الجارم ـ الذي رآه قد تحقق ـ دافعاً له لأن ينشئ قصيدته قبل 58 عاماً زاهياً بالوحدة العربية.. ومن بعده ظل طابور من الكتاب والأدباء والمفكرين المخلصين وغير المخلصين ـ لاسيما بعد ذيوع فكرة القومية العربية بشكل لافت قبل نصف قرن من الزمان ـ يطنبون في تذكيرنا بمقومات الوحدة العربية من دين ولغة وحدود جغرافية ووحدة مصير .. إلى آخره, ومع هذا فلم يشهد العربي أبداً وحدة سياسية منذ ذلك الحين على هذه الأرضية من المقومات.<BR><BR>والحاصل أن الساسة ليس لديهم اعتراضات في بلداننا العربية على مبدأ الوحدة بحد ذاته بل جل اعتراضهم يتمحور حول هذه المقومات ومدى صلاحيتها أو للدقة واقعيتها لتحقيق الوحدة, والدليل أن هؤلاء ارتضوا لنا وحدتهم في إصدارها الألفي الجديد على مقومات أخرى كوحدة المصير الأمريكي ووحدة احترام إرادة المجتمع الدولي ووحدة الديكتاتورية .. وأخيراً وحدة التعذيب وطرق التعامل مع سجناء الرأي والضمير. <BR>ولا نكتم شعوراً بالنشوة الوحدوية يتملكنا ونحن نستمع لأنباء الوحدة العربية الوليدة على خلفية الوحدة الأخيرة في نشرة إخبارية واحدة تتحدث دونما ترتيب من معديها عن فضيحة التعذيب في أقبية الداخلية العراقية وتفاعل إضراب الناشطين التونسيين احتجاجاً على استمرار التعذيب في سجون وطلباً للحرية. فتجدنا نهتف من الأعماق "إنها الوحدة ورب الكعبة"!! <BR>واقتحمت قوات أمريكية أقبية سجن في العراق فخرج سجناء, وطرقت كونداليزا رايس أسماع السوريين وأبوابهم فانفرج باب في المغرب وخرج الآلاف دفعة واحدة, ولا غرو؛ فهي الوحدة العربية من الخليج الهادر إلى المحيط الثائر.<BR><BR>نشرت العربية.نت في يوم 28/11/2005م تقريراً حول د.عبدالعزيز الخيّر السجين الشيوعي السوري الذي قضى 11 عاماً من حياته في السجون السورية "يعالج (تطوعاً) مئة ألف سجين" مروا عليه طوال تلك المدة!! ورُحل محمد أسامة سايس الإخواني من أمريكا إلى سوريا كغيره من العشرات المرحلين قسراً إليها من تركيا وهولندة وبلغاريا ليواجهوا عقوبة الإعدام على خلفية الرأي والانتماء للإخوان, وتحدثت أنباء أمريكية ـ لا عربية ـ عن وجود "بقعتين سوداوين" للاستخبارات الأمريكية في كل من المغرب والأردن, وضمت وثيقة مطولة لمنظمة العفو الدولية في 1/8/2005 هذه القضية ("لم أعد أستطيع التحمل – فحتى لو كنت حيواناً لم أعد أطيق ذلك"صلاح ناصر سالم علي يتحدث عن اعتقاله من جانب السلطات الأمريكية في أماكن اعتقال سرية.قُبض على صلاح ناصر سالم علي، وهو يمني عمره 27 عاماً في أغسطس 2003م بينما كان يتسوق في إندونيسيا، حيث يعيش مع زوجته الإندونيسية، ويقول: إنه نُقل جواً إلى الأردن، حيث احتُجز لمدة أربعة أيام وتعرض للتعذيب، وجرى استجوابه لكن لم يُبلَّغ قط لماذا قُبض عليه) ونضيف ولا تسل أيضاً أين تقع اليمن من ذلك؟, وتحدثت نفس المنظمة عن بنّائين عراقيين حبسوا في سيارة الشرطة حتى الاختناق بعدما صدموا كهربائياً بواسطة الجزارين في وثيقتها المنشورة في 14/7/2005 كنموذج (رحيم) فقط لطرق التعذيب المفضية أحياناً إلى الموت في السلخانة العراقية. وقبل ثلاث سنوات أُرغم هادي يحمد على الاستقالة من منصبه كصحفي في مجلة حقائق الأسبوعية بعدما كتب مقالاً حول أوضاع السجون التي كانت حتى ذلك الحين موضوعاً محرماً على الصحافة التونسية, أما التعذيب ذاته فهو من لاهوت السجون التونسية التي لا يسمح بخروج فنونها خارجها.<BR><BR>وقد أرينا استناداً إلى ما سبق ألق الوحدة العربية متجسداً في وحدة المصير والتعذيب واحترام الإرادة الدولية.. فمعظم سجناء الرأي والضمير المودعون بالأقبية والعنابر القذرة بعشرات الآلاف في الدول العربية قد حلوا ضيوفاً عليها بإرادة دولية, وهم قد بدؤوا يخرجون بذات الإرادة. <BR>وإذ يستقبل العرب أعيادهم فإن حكامهم يخبئون لهم منحة عيد كل عام ليسعد الشعب وتقام في البلاد الأفراح.. والكلفة زهيدة, ثلة من المعتقلين ينثرون على الشعوب ـ كما الورود ـ فيفرح الناس وتعلق الزينات وتضاء الأنوار!! <BR>وفي غمرة الأفراح لا يكدر أحد الأجواء بأسئلة متخلفة: ولماذا كان هؤلاء أصلاً خلف القضبان؟ لماذا دخلوا السجون ولماذا يخرجون الآن؟ وكيف توحدت ملفاتهم وظروفهم وسلوكهم الحسن في تلك المعتقلات ليكتشف السجانون فجأة أن حالة الآلاف تطابقت في لحظة واحدة لم تكن قبل الأعياد بمدة، وإنما تزامنت كل هذه العناصر في لحظة واحدة فكان القرار الرحيم وكانت المنحة الكريمة؟ فأجواء الأفراح لا تحتمل هذه الفلسفة ثم إنها الإجابة السهلة الفردية.. إنها الوحدة.<BR><BR>وحين تتحقق الوحدة الأوربية ويظن بعض العرب البسطاء أنها أقيمت على أسس راسخات وأن وحدتنا واهية, فإن نظرة منا فاحصة تكشف بسهولة زيف هذا الادعاء, فالأوربيون حين يجتمع وزراء الحروب عندهم في حلف الناتو دورياً كل عام بانتظام ويتخلف وزارء داخليتهم, ونخالفهم نحن في ذلك, فذاك يعني أننا دون الآخرين نفهم معنى الوحدة الحقيقي فلا مجابهة أعداء من دون تأمين الجبهة الداخلية ولا حرث في نهر من قبل أن يغور ماؤه!! <BR>أوليست الوحدة الأوربية قد تحققت؟ بلى, في الظاهر فقط, وإلا فلمحة على بلد أوربي كفرنسا تثبت بغير مراء أننا وحدويون أكثر من الأوربيين, وأننا لو خلي بيننا وبين اضطرابات فرنسا.. عفواً بل "الأعمال الإرهابية, والإجرامية, وتهديد السلم الداخلي, وإشاعة الفوضى", بل و"محاولة قلب نظام الحكم التي جرت في فرنسا!!" ـ مثلما تنطق الأجهزة الأمنية في البلدان العربية ـ, لأسكتناها عند أول سيارة محترقة وما تطور الأمر إلى حرق ما يلامس الـ 4000 سيارة, ولاعترف جميع المهاجرين بمسؤوليتهم عن حرقها، ولظهروا على الشاشة منكسري العين والظهر نادمين على فعلتهم الإجرامية. <BR>ومن هنا كانت الوحدة الداخلية هي أهم ألف مرة من الوحدة الخارجية ولا تلك الموجهة ضد الأعداء.. إذ في الحقيقة لا أعداء أصلاً لدينا, وإلا كيف نفسر عجز أي مسؤول عربي عن الإجابة على سؤال يستدعيه قوله "عناصر مأجورة": مأجورة من مَن إذا كانت أمريكا وإيران مروراً بـ"إسرائيل" جميعهم أصدقاء؟! <BR><BR>ومن قبيل تحصيل الحاصل أن نقول بأننا لم نسمع أي مسؤول عربي يقول هذه العبارة ـ مزهواً بقوته الأمنية, ومنتفخ الأوداج, محمر الوجه, مقتضب الملامح ـ : "سنضرب بيد من حديد على يد كل من تسول له نفسه.." إلا انسحبت على أفراد من أبناء شعبه, أكانوا إرهابيين أو معارضين سياسيين أو ثائرين كما في فلسطين والعراق, من دون أن تمس لظى هذه العبارة أي جهة خارجية أو عدو "خيالي".. أليست هذه العبارة دليلاً آخر على عمق الوحدة التي يتمتع بها الأهل في البلدان العربية, إنها أرجوزة قومية نسمعها كل يوم من الخليج الهادر إلى المحيط الثائر!!<BR><br>