عندما تحاكم دولة كاملة بتهمة اغتيال رجل واحد!
25 ذو القعدة 1426

في كل مرة تدخل الولايات المتحدة (باعتبارها القوة العظمى في العالم) في مبارزة سياسية أو عسكرية ضد دولة أخرى في هذا العالم الصغير، تصبح مفردات المبارزة رهينة باللغة الأمريكية، وتتحدد الرؤية وفقاً للمنظور الأمريكي، وتصبح القوانين مطية التغيير بما يتناسب مع الموقف الأمريكي.<BR>ليس تعظيماً لشأنها، ولا تقليلاً لشأن الآخرين، غير أن العالم باتت تحكمه شريعة الغاب بعد أن سقطت أقطاب كبيرة في العالم، ولجأت الدول الأخرى إلى الحظيرة الأمريكية طلباً للسلامة!<BR><BR>الولايات المتحدة اليوم تتهم سوريا باغتيال (رئيس الوزراء اللبناني السابق) رفيق الحريري، في جولة جديدة من مواجهاتها العديدة في الآونة الأخيرة معها، وتطالب بفرض حظر على سوريا، وعزلها دولياً!<BR><BR>بعيداً عن الموضوع القانوني لقضية الاتهامات والوقائع، وبعيداً عما يدور في تقرير ديتليف ميلس (المحقق الدولي، الذي اعتزل قضية اغتيال الحريري)، واعتزل الضغط الأمريكي عليه، فإن العالم يشهد ولأول مرة في التاريخ قضية اتهام دولة كاملة باغتيال رجل واحد، وقضية معاقبة دولة كاملة نسبة لهذا الاتهام الغير موثّق.<BR>وهذا التدويل التاريخي لقضية ربط مصير دولة برجل واحد يستحق أن يسجله التاريخ باعتباره أحد القوانين الحصرية التي فرضتها الهيمنة الأمريكية.<BR> <BR>هناك تاريخ طويل ملطخ بالدماء لوكالة الاستخبارات الأمريكية وللحكومات الأمريكية المتعاقبة في اغتيال سياسيين وقادة دول وأبطال قوميين، واحتلال دول أخرى، منها اغتيال تشي جيفارا (القائد الثوري في كوبا)، واغتيال باك جون (رئيس جمهورية كوريا الجنوبية) عام 1979م، واغتيال نيجو دين ديم (رئيس وزراء فيتنام الجنوبية) عام 1963م، فضلاً عن قتل 78150 في هيروشيما و73884 في ناغازاكي بالقنابل النووية، وتنفيذ انقلاب عسكري في غوانتانامو عام 1954م، والقيام بعدوان عسكري على لاوس عام 1964م، وتنفيذ عملية عسكرية في خليج (تونكين) الفيتنامي في نفس العام، والذي شكل بداية لمحاولات احتلال فيتنام.<BR>كما قامت القوات الأمريكية بالتدخل عسكرياً في غرينادا عام 1983، ورعت تمرداً عسكرياً في نيكاراغوا، مستخدمة حق النقض (الفيتو) ضد قرار دولي يدين واشنطن ويطالبها بوقف التدخل في نيكاراغوا.<BR>وقامت القوات الأمريكية في عام 1989م بغزو بنما، واعتقلت الرئيس الشرعي في البلاد مانويل نوييغا وحاكمته في الولايات المتحدة!!<BR>فضلاً عن احتلال أفغانستان وإسقاط الحكومة الشرعية فيها، واحتلال العراق ونهب ثرواته، وقتل مئات الآلاف من أبناءه.<BR><BR>كل ذلك دون أن يستطيع أحد محاسبة الولايات المتحدة على ذلك، ودون أن يستطيع أي قرار دولي إدانة هذه التجاوزات العالمية لأمريكا، بسبب حق (الفيتو) الذي تمتلكه، والذي تهدد به أي قرار ضدها.<BR><BR>وعندما باتت الولايات المتحدة راعية رسمية للكيان الصهيوني، باعتباره حليفاً استراتيجياً لأمريكا في المنطقة، وبسبب وجود لوبي يهودي في مناصب حساسة جداً في الإدارات ومراكز صنع القرار الأميركية، باتت المصطلحات المستخدمة عالمياً ضد الفلسطينيين تتحدث عن (إرهاب) بدلاً عن جهاد أو مقاومة، وعمليات انتحارية، بدلاً من استشهادية، وأصبحت تنظيمات المقاومة الفلسطينية تنظيمات إرهابية ملاحقة، وباتت قناة (المنار) التابعة للمقاومة اللبنانية قناة محظورة بسبب (عدوانيتها)!!<BR><BR>ولم تتوقف المتغيرات الدولية بناءاً على الرغبة الأمريكية عند هذا الحد، بل باتت العراق مالكة لأسلحة الدمار الشاملة وقادرة على ضرب أهداف أمريكية وأوروبية خلال دقائق، وبات تنظيم القاعدة الملاحق عالمياً له صلات قوية مع النظام العراقي السابق، وكل ذلك روّج لاحتلال العراق.<BR>وبعد ثبوت عدم وجود أي من هذه التلفيقات، لم تستطع دولة واحدة أن تمرر قانوناً دولياً ضد أمريكيا، أو تعاقبها أو على الأقل تطالبها بسحب قواتها من العراق، وقبل من أفغانستان.<BR><BR>ووسط التدخلات العسكرية هنا وهناك، وإقامة مراكز تجسس وتنفيذ عمليات اغتيال والتضييق على الحكومات والدول والشعوب، تقوم ذات الدولة بادعاء رعايتها للحقوق العامة لبقية الشعوب (!)، مطالبة بتنفيذ عقوبات دولية تشارك فيها دول العالم (مرغمة) ضد دولة، فقط لأنها متهمة (دون دليل ثابت) باغتيال رجل سياسي واحد.<BR><BR>ورغم أن الأوراق الأمريكية مكشوفة، وأن واشنطن مستعدة لنسف كل ما في التحقيق الدولي وطي ملف الحريري وأسرته ودولته كاملة بحال وافقت سوريا على المطالب الأمريكية فيما يتعلق بحدودها مع العراق وقادة التنظيمات الفلسطينية في الداخل والمقاومة اللبنانية غيرها، إلا أن غالبية دول العالم لا تزال رهينة التفرد الأمريكي، ورهينة ما تمليه سياسة واشنطن في العالم.<BR><br>