عبد الحليم خدام.. الشاهد غير المقنع
30 ذو القعدة 1426

[email protected] <BR>كان "الشعور الوحدوي" غالباً على (نائب الرئيس السوري السابق) عبد الحليم خدام عندما أطلق عبارته "إما أن يتحد لبنان أو يعود لسوريا" إبان ترؤسه لوزارة الخارجية السورية وإشرافه على الملف اللبناني الذي أعفاه 0الرئيس السوري الراحل) حافظ الأسد منه وأحاله إلى ابنه بشار الذي كان يعد لخلافة الرئيس في الحكم. لكن شطآن الوحدة نأت عن سفينة لبنان وتشظت أحجار حكومتها، ووقف فؤاد السنيورة (رئيس الحكومة اللبنانية) يبتسم للصحفيين لا يدري ما يقول حقيقة عن حالة وزراء الشيعة النافرة من أفعال هذه الحكومة.. لم يتحد لبنان, ولا عاد لسوريا، بل غادرها خدام نفسه ليقيم في شقة في منطقة خوش الراقية بباريس, فيلتزم الصمت لنصف عام ثم يفجر قنبلة في قلب باريس عبر إطالته على فضائية العربية. <BR>ما بين قنبلة خدام التي أطلقها في قلب المؤتمر القطري لحزب البعث قبل ستة أشهر عندما انتقد السياسة الخارجية لسوريا في لبنان ولمزه لـ(وزير الخارجية السوري) فاروق الشرع, ومن ثَم إعلانه عن استقالته من مناصبه كلها ـ التي أراد لها أن تكون علنية وعلى رؤوس الأشهاد مع أن التقاليد كانت تقتضي بأن يقدمها للرئيس نفسه (ربما لأن الرجل يريد أن يؤمن حياته) ـ, والقنبلة التي أطلقها أمس نائب الرئيس المستقيل بامتياز, ظل الرجل معتكفاً في العاصمة الباريسية حيث مقر صديقه المغدور رفيق الحريري, تاركاً سيلاً متدفقاً من التكهنات حول دوره المرتقب وأسباب استقالة رجل السياسة السوري المحنك الذي "بشر" أمس بأنه سيظل يتعاطى السياسة من مقره الباريسي إلى أجل.. <BR>"الرفيق أبو جمال" لم يكن في الحقيقة عاكفاً على كتابة التاريخ في معتكفه الباريسي كما تحدث, وإنما ساقته قدماه للعب دور قادم له في تغيير وجه الحالة السورية المأزومة, لا يسلم هذا الدور من الركون إلى جملة من الدوافع المنظورة وغير المنظورة, الشخصية والعامة, ليس من بينها ما أعلنه عبر "العربية" عن أنه كان "مبشر الإصلاح الجديد" في سوريا أن جهوده في هذا الصدد قد اصطدمت بصخرة النظام السوري الذي حاول خدام أن يتبرأ من خدمته المباشرة له لاعتباره قد "دعا خلالها (لقاءاته مع الرئيس السوري) إلى وجوب إحداث إصلاحات جذرية في البلاد فيما يتعلق بتوسيع مساحة المجال الديمقراطي عن طريق الأحزاب السياسية.." ـ بحسب "العربية" ـ, وأنه قد استقال لما تكونت لديه قناعة أن الإصلاح السياسي والإداري في سوريا لن يتحقق.. (تحلى نائب الرئيس السوري بالصبر وعازته مدة 40 عاماً قضاها في السلطة بينها 21 عاماً قضاها نائباً للرئيس؛ ليدرك استحالة الإصلاح!!), ولا من بينها خلافه مع (وزير الدفاع السابق) مصطفى طلاس، الذي يقول مراقبون: إنه كان على خلفية اتهام الأول للأخير بأنه قاد ضده مؤامرة لإطاحته وتحديد إقامته لمنعه من تولي منصب الرئاسة السورية بعد وفاة الرئيس الراحل, حيث لم يكن خدام كـ"سنى" طامح في تولي منصب الرئاسة في ظل نظام يهيمن عليه النصيريون, كما أنه قد شارك في تأمين وصول الرئيس السوري لسدة الحكم بإشرافه على التعديل الدستوري الخاص بسن الرئيس لدى توليه منصب الرئاسة, ومن نافلة القول أن خطاب استقالته الذي انتقد فيه سياسة الشرع لم يكن أكثر من واجهة يتترس خلالها بالخلاف مع الشرع.. <BR>إنما في الحقيقة أكثر ما يسترعي الانتباه والتأمل في شهادة رجل سوريا الصامت, هو توقيتها وتداعيتها المستقبلية وارتباطها بمرحلة ما بعد إنجاز تقرير ميليس, بل وفي تكهنات أطلقت هنا وهناك عن عملية خلط أوراق ثم جمعها ثانية بأيدي لاعبين جدد, لقلب كثير من التوازنات التي استقر عليها الوضع في الهلال الخصيب, وخلق توازنات جديدة وحالة إقليمية جديدة كذلك.<BR>فقد أعقبت "شهادةُ" خدام, فضيحتي الشاهدين, الهارب من الجندية محمد زهير الصديق, والحلاق حسام حسام, اللذين نسفا أصول وحيثيات قام عليها تقرير ميليس, وأتت "شهادة" خدام لتعيد للتقرير بريقه وأهميته برغم عدم تضمنه لشهادة نائب الرئيس السوري حتى الآن ـ علنياً على الأقل ـ, علاوة على ما تضمنته "شهادة" خدام من إشادته بالتقرير وبمهنية قاضيه وتجرده من الدوافع السياسية, ليمثل لطمة أكبر بكثير من تلك المتمثلة بظهور حسام حسام أواباً إلى الاستخبارات السورية عبر فضائيتها (لا يفوتنا أن نلحظ الدور الإعلامي الفضائي القوي الذي تدار به المعركة السياسية بين الطرفين السوري والأمريكي).<BR>وإذا كنا لا نظن أن خدام السياسي السوري المخضرم الذي أدرك عهدين نائباً للرئيس يمكنه أن يقدم خدمات مجانية لمناوئي النظام السوري؛ فإننا نظن أن هناك أكثر من دافع أو مبرر قد ضخ دماء الشجاعة في عروق خدام بعد 80 يوماً فقط من "انتحار" غازي كنعان, أهمها ما يدور دوماً في الكواليس عن السيناريو الافتراضي لمرحلة ما بعد (الرئيس السوري) بشار الأسد, وحاجة الإدارة الأمريكية لتغيير شكل النظام السوري, وربما ما يتردد عن الحاجة لتطبيق نظام مشابه ـ ومعكوس ـ للنظام العراقي في سوريا يفضي إلى وجود رئيس وزراء سني بسلطات واسعة ورئيس سوري من الطائفة النصيرية, والحديث عن تسويق أسماء في هذا السياق منها خدام (السني), ورفعت الأسد (النصيري), والمعروف أن الأخير قد أعلن عن عزمه العودة إلى سوريا قريبا من دون أن يحدد لذلك موعداً, وإن كانت حظوظ رفعت الأسد لا زالت غير قوية بالنظر إلى تاريخه الدموي المعروف, وهذا الدائر من الحديث عن دور افتراضي لخدام ـ الذي يعرف كثيراً جداً عن النظام السوري وطرائق إدارته للأزمات وكيفية صنع القرار في دوائره ـ ربما يقود إلى الحديث عن لعبه دوراً محورياً كرمانة ميزان في التوازنات التي اختلت بغياب (رئيس الوزراء اللبناني الراحل) رفيق الحريري ذي الارتباطات الخليجية الوثيقة, وإذا أضفنا إلى ذلك اختلال التوازنات مع الولايات المتحدة والعرب في العراق لحساب إيران سواء في الانتخابات النيابية أو منظومة الحكم والأجهزة الأمنية, وتغلب جناحها في سوريا بقيادة ماهر الأسد وآصف شوكت, واتصال الحبل الإيراني من طهران حتى بيروت, لأمكننا أن نذهب بعيداً في هذا الافتراض الذي يظل افتراضاً في الواقع لتغيب كثير من الأسرار في هذا الصدد, لكننا في المقابل إن أردنا أن نذهب قريباً ولا نتعدى لتداعيات متراكبة, فلن نتجاوز رغبة جموح لعبدالحليم خدام في أن يقفز من السفينة قبل أن تعلوها الأمواج.. وإذا ما أردنا اليقين مجرداً, فلن نجاوز كبد الحقيقة إن قلنا بكل أدوات التوكيد اللغوي بأن أيام سوريا نظاماً وأيضاً شعباً قد باتت جداً صعبة، وأوراقها قد بدأت في النفاذ.. <BR><BR><BR><br>