بين (حماس) الثورة و(حماس) السياسة!!
27 ذو الحجه 1426

بين "الثورة" و"السياسة" بون شاسع، في "الثورة" تكون الكلمة للبندقية، وتصدح الحناجر بنشيد لا يحمل إلا أحد طريقين، فإما النصر وإما الشهادة.. في "الثورة" يرتفع مصطلح (الصمود) ويقابله (التخاذل)، وتعلو كلمة (التضحية) لتقابلها كلمة (القعود).. في "الثورة" يكون العطر هو الدم، ويبرز من الزهور الشوك قبل اللون والرائحة.. في "الثورة" طريق واحد محدد، ومصطلحات تعني معنى واحداً، بينما تتلون السياسة بكلمات ضبابية، حتى إنه ربما أعلن موقف وأريد عكسه تماماً..أو أطلقت تصريحات لا يراد بها سوى قياس فعل أو حتى رد فعل.<BR><BR><font color="#FF0000"> (حماس) الثورة وملحمة الصمود: </font><BR>لقد صمدت (حماس) الثورة في أحلك الظروف، وقدمت القوافل تلو القوافل من الشهداء والمجاهدين، بل أعادت إلى ذاكرة العقل العربي والمسلم مشاهد من زمن رائع مضى، وزينت القاموس اللغوي كلمات قديمة بنكهة جديدة؛ كخنساء فلسطين، وإمام المجاهدين، وفاح من المشهد الفلسطيني مسك دم الشهيد الذي روى أرض التين والزيتون وكروم العنب والليمون... لتنبت الأرض المعطاء الرايات الخضر، تجللها لفظة الشهادة ( لا إله إلا الله محمد رسول الله).<BR><BR>هل نكون مبالغين إذا قلنا: إن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) أعادت رسم مشاهد المواجهة كلها، لتعيد الأمة إلى بساطة القضية والحل في آن واحد؟ <BR><BR>كان المشهد الذي قدمته حماس إلى الأمة بسيطاً ومعبراً في الآن ذاته: فهناك "أرض مقدسة"، ملك للمسلمين كلهم، وهناك "عدو مغتصب"، جهاده واجب بالقرآن والسنة، فالعدو محدد، والطريق واضح، والغاية كذلك.<BR> وللتمثيل البسيط يمكن أن نتأمل اقتباساً بسيطاً من ميثاق الحركة؛ إذ "تعتقد حركة "حماس" أن الصراع مع الصهاينة في فلسطين صراع وجود، فهو صراع حضاري مصيري لا يمكن إنهاؤه إلا بزوال سببه، وهو الاستيطان الصهيوني في فلسطين واغتصاب أرضها وطرد وتهجير سكانها".. و "لئن كانت فلسطين هي ساحة المواجهة الرئيسة مع المشروع الصهيوني باعتبارها قاعدة انطلاقته ومحطة استقراره، فإن مخاطر وتحديات المشروع الصهيوني تتسع لتشمل كل الدول الإسلامية. وتعتقد حركة "حماس" أن الخطر الصهيوني كان منذ نشأته تهديداً لجميع الدول العربية "، و"ترى "حماس" أن خير طريقة لإدارة الصراع مع العدو الصهيوني، هي حشد طاقات الشعب الفلسطيني، لحمل راية الجهاد والكفاح ضد الوجود الصهيوني في فلسطين بكل السبل الممكنة، وإبقاء جذوة الصراع مشتعلة، لحين استكمال شروط حسم المعركة مع العدو، من نهوض الأمة العربية والإسلامية، واستكمال أسباب القوة، وحشد طاقاتها وإمكاناتها، وتوحيد إرادتها وقرارها السياسي. وإلى أن يتحقق ذلك ، وإيماناً بقدسية فلسطين ومنزلتها الإسلامية، وإدراكاً لأبعاد ومخاطر المشروع الصهيوني في فلسطين، فإن "حماس" تعتقد أنه لا يجوز بحال من الأحوال التفريط بأي جزء من أرض فلسطين، أو الاعتراف بشرعية الاحتلال الصهيوني لها، وأنه يجب على أهل فلسطين ، وعلى جميع العرب والمسلمين ، إعداد العدة لقتال الصهاينة حتى يخرجوا من فلسطين كما هجروا إليها" (الاقتباس من الموقع الرسمي لحركة المقاومة الإسلامية حماس على الانترنت).<BR><BR><font color="#FF0000"> وحدة الصف الفلسطيني: </font><BR>نجحت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) رغم كل ما تعرضت له من الداخل الفلسطيني في كبح جماح حرابها، فلم تسددها أبداً إلا إلى العدو الواحد الواضح: العدو الصهيوني..ورغم بعض المواقف البسيطة التي لا يمكن أن تشكل سياقاً عاماً،فإن حماس بقيت متمسكة بأعلى درجات الانضباط في هذه القضية بالذات، ونجح قادتها دائما في عدم التورط في فتنة داخلية رغم عدم تورع بعض المناوئين لها لا سيما من فتح في الانزلاق إلى ذلك، وما مشاهد الانفلات الأمني الأخيرة عنا ببعيد.<BR><BR> لم يكن مطلوبا من حماس الثورة أن تحدد موقفها من القضية في برنامج سياسي من عدة نقاط، يتجمع حوله الفضوليون من محللي الفضائيات, أو بعض مدّعي الخبرة الحاذقين في أساليب المكر والخديعة (وإن كانت قد فعلت ذلك في الحقيقة، أي أن لها فعلا برنامجا محدداً معلناً، ذرا للرماد في عيون الحاقدين المتربصين بها على الأقل)، فأي طفل في شرق ماليزيا ، كان يعرف كأي عجوز في مخيمات لبنان، وكأي بدوي في صحراء موريتانيا أن هناك عدوا تاريخيا تجب مقاومته حتى آخر ذرة تراب، وأنه لا تفريط ولا مهادنة في وقف إسلامي (القدس) يملكه العالم الإسلامي كله، وأن التفريط في حبة زيتون أو ذرة رمل من أولى القبلتين خيانة عظمى لا يمحوها حتى الدم.<BR><BR>تعرضت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) عبر مسيرتها المضمخة بالدم الطاهر الزكي لضربات زلزالية، ورماها العالم كله عن قوس واحدة، لا فرق في ذلك بين عربي أو غربي ، وعلى الرغم من ذلك فقد كانت (حماس) الثورة تصنع كل يوم ملحمة جديدة للصمود .. وكلما غاب رمز من رموزها حمل الراية بطل جديد، وكلما ابتكر الحقد اليهودي وسيلة حرب جديدة، ردت حماس العبقرية بوسيلة مقاومة .. أليست (حماس) رائدة وضع الإنسان في مواجهة الآلة العسكرية أعزل إلا من حزام ناسف؟! أليست كلمات ياسين والرنتيسي كانت أقوى بكثير من صواريخ الأباتشي، أليست الانتفاضة التي حافظت حماس عليها فتية قد وضعت الحجر الفلسطيني في يد الطفل الصغير في مواجهة الدبابة؟! ولمن لا تسعفه الذاكرة نذكّر بأساليب تكسير عظام أطراف المقاومين وهدم بيوت منفذي العمليات والحصار والتجويع وأنياب الأباتشي الأمريكية التي تقودها يد الغدر الصهيونية.<BR><BR><font color="#FF0000"> (حماس) السياسة .. مخاوف وآمال: </font><BR>كان كل ما سبق حديثا عن (حماس) الثورة، فماذا عن (حماس) السياسة، لا سيما بعد الزلزال الذي حدث بفوزها بأغلبية تتيح لها تشكيل حكومة فلسطينية، والذي وصف بتسونامي سياسي جديد في غياب أبرز اللاعبين وأشرس الأعداء شارون؟<BR><BR>تقف (حماس) السياسة اليوم في مواجهة منعطف تاريخي عشية فوزها المستحق في الانتخابات الفلسطينية، وفي ظل ظرف بالغ الصعوبة في غياب أهم قادتها التاريخيين الذين رسموا ملامح مسيرتها على مدار سنوات الثورة والجهاد...<BR><BR>يعلم الجميع أن لحركة المقاومة الإسلامية حماس جناحين: جناح سياسي وجناح عسكري وأن جناحها السياسي نجح عبر فترة طويلة في تعزيز انتصارات جناحها العسكري، بل والحفاظ عليه أحيانا .. لا سيما بعد أحداث سبتمبر وما تلاها من تداعيات كانت كفيلة بمحو حماس من على خريطة المشهد الفلسطيني والعربي، بل والعالمي.. لكن الجميع يعلم أيضا أن حلبة السياسة أصعب من حلبة الثورة، فـ (حماس) الثورة يمكن أن تتحول من "أمل أمة" إلى مجرد "فصيل محلي" في لعبة السياسة، أو على الأقل يراد لها أن تكون كذلك، وأن (حماس) السياسة مطلوب منها، لا سيما إذا تورطت في تشكيل الحكومة المقبلة، أن تحدد مواقفها من الكثير من المناطق الشائكة: كالاعتراف بالدولة "الإسرائيلية", أو إدارة مفاوضات معها (ترشح بين الحين والآخر تصريحات متناقضة من قادة سياسيين في حماس حول المفاوضات، بل إن الموقف المعلن على موقع الحركة على شبكة الانترنت موقف يشوبه بعض الغموض، ففي حين ذكرت الحركة أن " التسوية السياسية أياً كان مصدرها، أو أيا كانت بنودها... تنطوي على التسليم للعدو الصهيوني بحق الوجود في معظم أرض فلسطين، وما يترتب عليه من حرمان الملايين من أبناء الشعب الفلسطيني، من حق العودة، وتقرير المصير، وبناء الدولة المستقلة على كامل الأرض الفلسطينية، وإقامة المؤسسات الوطنية. وهو أمر لا ينافي فقط القيم والمواثيق والأعراف الدولية والإنسانية، بل يدخل في دائرة المحظور في الفقه الإسلامي، ولا يجوز القبول به. فأرض فلسطين أرض إسلامية مباركة، اغتصبها الصهاينة عنوة، ومن واجب المسلمين الجهاد من أجل استرجاعها وطرد المحتل منها".. تعود الحركة في السياق ذاته لتقرر أنها " ليست ضد مبدأ السلام، فهي مع السلام وتدعو له، وتسعى لتحقيقه، وتتفق مع جميع دول العالم على أهمية أن يسود ربوع العالم أجمع، ولكنها مع السلام العادل الذي يعيد الحقوق للشعب الفلسطيني ويمكنه من ممارسة حقه في الحرية والعودة والاستقلال وتقرير المصير" (الاقتباس من الموقع الرسمي لحركة المقاومة الإسلامية حماس على الإنترنت).. مما يفتح الباب أمام كثير من الاحتمالات التي سيقال يومها إن المصلحة اقتضتها، وأنه حتى لو كان ذلك في وقت من الأوقات من قبيل المحظور الفقهي، فإن الضرورات قد تبيح المحظورات في أحيان كثيرة!!<BR><BR>كما أن (حماس) السياسة ستكون مطالبة بتوفير حلول على الأرض للمواطن الفلسطيني البسيط، في مأكله ومشربه، وعلاجه وتعليمه، ومشكلاته اليومية المتشابكة، في ظل وضع حرج، وتحت حراب الاحتلال المشرعة، وخناجر المنافقين المتربصة من وراء الستار...سيكون مطلوبا من حكومة حماس أن تكون حكومة المواطنين الفلسطينيين كلهم وأن تترجم حربها الإعلامية إلى خطوات ملموسة على الأرض، وعندئذ هل يمكن أن نتصور أن يقف طابور الفاسدين متفرجا على مشاهد القضاء عليه!<BR><BR>سيكون مطلوبا من حماس المنتصرة في حلبة السياسة أن تنزع سلاحها، وأن تنخرط في اللعبة السياسية، فلا يعقل أن يكون لأية حكومة وطنية ميليشيات خاصة بها بعيدا عن جيش الدولة النظامي، وسيكون مطلوبا منها أن تكون في الصف المواجه للإرهاب، مع محو كلمة المقاومة أو حتى التلويح بها من قاموسها حتى لا تعطي ذريعة لعدوها للفتك بها..وربما طلب منها تغيير ميثاقها ليتماشى مع الواقع الجديد.<BR><BR>هل تريدون مثالا مع الفارق: إنه حال الجارة (فتح) حركة التحرير الوطني الفلسطيني التي بدأت رافعة البندقية (والشعارات المرفوعة: ثورة حتى النصر، الكرامة الخالدة، وحدة النضال والصمود الفدائي...إلخ، والشعارات منقولة بالنص من موقع فتح الرسمي على الإنترنت)، ثم زاحم البندقية غصن الزيتون، لتسقط البندقية، ويتغير الميثاق، بل وتسحق الأقدام اللاهثة نحو مستنقع أوسلو غصن الزيتون، ولا يتبقى من (فتح) سوى أنها فتحت الأبواب لسجن كبير، وفتحت جيوب الانتهازيين للربح على حساب الدم الفلسطيني.. وجسدت المقولة المعروفة من أن: الثورات تأكل أبناءها أحيانا قبل أعدائها.<BR><BR><font color="#FF0000"> هل نخاف على (حماس) الثورة من (حماس) السياسة؟ </font><BR><BR>أقولها بكل وضوح وصراحة: نعم.. وإن كنا نتمنى أن تنجح (حماس) السياسة كما نجحت (حماس) الثورة، وأن تعلمنا (حماس) السياسة دروسا جديدة في الانتصار. <BR> <BR><BR><br>