اتفاق نصر الله والجنرال..جنبلاط على الخط!
15 محرم 1427

في تطور لافت وبعد مؤشرات كثيرة على قرب حدوثه وقع (أمين عام حزب الله في لبنان) حسن نصر الله اتفاقا أو إطاراً أو وثيقة تفاهم مع الجنرال المتقاعد/ ميشيل عون (رئيس التيار الوطني الحر)، ليشهد لبنان عاصفة سياسية جديدة صعدت خلالها ما يسمى بقوى 14 مارس من لهجتها ضد حزب الله،بإصدارها أول تصريحات من نوعها اعتبرت فيها أن بقاء سلاح حزب الله لم يعد محل إجماع وطني، بما جعل الاتفاق الإطاري حدثاً دفع المعركة اللبنانية الداخلية إلى منعطف آخر جديد في تصاعدها –وهى التي لم تشهد منذ بدأت وحتى الآن أي حالات هدوء أو تراجع –وبما يتخطى هذه المرة حدود التلاسن الإعلامي إلى إعادة تشكيل الخارطة السياسية اللبنانية بما أحدثه من شرخ جوهرى في علاقة التيار الوطني الحر ببقية قوى 14 مارس.<BR><BR>اتفاق _نصر الله _عون)، جاء من ناحية التوقيت في لحظة منتقاة بعناية وللغاية.هو جاء بعد أيام من إنهاء الوزراء الشيعة مقاطعتهم لأعمال الحكومة المعقود لواء الرئاسة فيها للسنة -كما هو معلوم- حتى لا يظهر اللقاء بين نصر الله وعون باعتباره محاولة للاستقواء بأحد الرمزيات المسيحية ضد السنة،كما هو جاء بعد أيام من تأكيد (رئيس الوزراء اللبناني) فؤاد السنيورة على فكرة ولفظة وحق المقاومة تحت طلب من حزب الله الذي طلب نفى صفة الميليشيا عن حزب الله كشرط للعودة إلى الحكومة بما شكل تقدماً على صعيد محاولة حزب الله استعادة الإجماع اللبناني الذي انفرط حول دور المقاومة بما حواه من اتفاق على حقها وبما يمثل رداً على جنبلاط وتحصيناً ضد القرار الدولي 1559 الذي يتحدث عن نزع سلاح الميليشيات في لبنان، وهو جاء قبل أيام من احتفال ما يسمى بقوى 14 مارس المتوقع أن يكون تجديداً لوحدة هذه القوى في مناسبة اغتيال الحريري بما اعتبر شرخا في وحدة هذه القوى باعتبار أن التيار الوطني الحر الذي يقوده عون هو بالأساس ضمن قوى تيار 14 مارس،حيث قرر عون بعد الاتفاق عن عدم المشاركة في الاحتفال بصفة جماهيرية والاكتفاء بإرسال وفد رسمي، إذا وجهت دعوة للتيار كما جاء اللقاء والاتفاق بعد وقت قصير من الحوادث التي صاحبت المظاهرات التي جرت في بيروت ضد نشر الرسوم الإجرامية في الصحيفة الدانماركية والتي نظمتها فعاليات سنية وجرى خلالها التعدي على ممتلكات عامة وكنائس كادت أن تحدث فتنة طائفية،بما مثل إعلاناً من الطرفين الموقعين خاصة حزب الله بأن لا علاقة له بالحوادث التي اتهمت قوى 14 مارس سوريا وأطراف داخلية بتدبيرها بهدف إظهار عدم قدرة الأمن الداخلي اللبناني على السيطرة على الأمن وحفظه بعد انسحاب القوات السورية، وكذا جاء توقيع الاتفاق في لحظة مفصلية في التحقيق الدولي المتعلق باغتيال رفيق الحريري، حيث تصاعدت المؤشرات على أن تنظيم القاعدة هو من يتحرك في لبنان وفق ما ظهر من خلال عملية التفجير التي جرت ضد ثكنة للجيش اللبناني والتي أعلن خلالها أن تنظيم القاعدة هو من ورائها إثر تلقى تهديد بالعملية باسم التنظيم وصدور بيان بعدها يشير بأنها تأتى من أجل الإفراج عن معتقلي التنظيم،وهو أمر لاشك سيزعزع قناعات بعض اللبنانيين بصحة الاتهامات الموجهة ضد سوريا وما يسمى في لبنان بالنظام الأمني بالضلوع في قضية اغتيال الحريري.<BR><font color="#FF0000">أهداف الموقعين </font><BR>اختار الطرفان أن يأتي الاتفاق مكتوبا في صيغة اتفاق إطاري،ولم يختارا مجرد الظهور في مؤتمر صحفي للحديث عن اتفاقاتهم،بما يشير إلى حساسية الاتفاق وعلى حرص المتفقين على تحديد الأهداف وإلزام كل طرف للآخر بتنفيذ بنود الاتفاق.على صعيد الطرف الأول الذي وقع الاتفاق –حزب الله-فإنه جاء كمؤشر على تحرك حزب الله مباشرة ضمن فعاليات الصراعات الداخلية اللبنانية وألغامها بعيدا عن أو خروجا على الصيغة أو الصياغة التي حاول حزب الله أن يطل بها دائما على الجمهور اللبناني،إذ هي السابقة الأولى التي يدخل فيها الحزب ضمن التحيزات الداخلية والاتفاقات والخلافات والمحاور بعد مرحلة طويلة كان يظهر فيها كحزب يمارس الصراع مع "إسرائيل" دون صراع مع الداخل أو باعتباره الحزب الذي لا خلاف داخلي عليه أو حوله وحول نشاطه.كما جاء تحرك الحزب هذا ضمن إلحاح بأن لا يبدو الاتفاق أنه جاء على خلفية طائفية ظاهرة أو بالدقة أن الاتفاق الإطار جاء توقيع حزب الله له دون أن يكون مشمولاً باتفاق مع حركة أمل،فيما يمكن فهمه بأنه ليس ناتجاً عن خلاف بين حركة أمل وعون وإنما هو محاولة لعدم دفع الآخرين إلى النظر للاتفاق باعتباره اتفاق بين الشيعة والمسيحيين في لبنان ممثلين في ميشيل عون وربما أيضا هو جاء وفق هذه الصيغة حتى لا يكون ظاهرا أن الشيعة يدعمون طرفا مسيحيا ضد طرف آخر أو ضد الطرف الذي يمثله سمير جعجع مسؤول القوات الوطنية.كما يمكن القول بان الاتفاق جاء وفق صيغة يضمن بها حزب الله تامين تأييد قطاع من المسيحيين اللبنانيين لاستمرار احتفاظه بسلاحه ودوره في الجنوب ومع استمرار تحالفه مع سوريا.<BR>والاتفاق على صعيد الطرف الآخر أي العماد ميشيل عون،جاء محققا الكثير من الأهداف وحاملا الكثير من المعاني،التي من أهمها أن عون "ربح" السباق نحو الرئاسة في لبنان حيث لم تكن مصادفة أن يعلن حسن نصر الله في المؤتمر الصحفي عقب الاتفاق عن مساندة حزب الله ترشيح عون لرئاسة الجمهورية،كما كسب عون من الاتفاق أن ظهر في أوساط الشعب اللبناني بالرجل الذي لا يقيم وزناًَ للتحيزات الطائفية بل الداعي إلى الحوار والاتفاق بما يؤهله لموقع الرئاسة من ناحية وبما يثبته في الحالة العامة اللبنانية كداعية للحوار والتوافق.كما ربح عون مساحة أكبر في سباقه مع الأطراف المسيحية الأخرى المتصارعة على تمثيل المسيحيين في المعادلة الداخلية اللبنانية وفي التمثيل الخارجي،وقد جرى اختيار عقد الاتفاق في كنيسة ميخائيل المارونية،تأكيدا لهذا المعنى تحديدا لا كتأكيد من حزب الله على رفضه للاعتداء على الكنائس(كما حدث خلال مظاهرة استنكار الفعل الإجرامي الدانماركي)<BR><font color="#FF0000">على ماذا الاتفاق؟ </font><BR>حسب نصوص الوثيقة الموقعة فهي احتوت تشديدا على أن الحوار بين اللبنانيين هو السبيل الوحيد لحل الأزمات وهى صياغة موجهة مباشرة إلى القرار 1559 من خلال التأكيد على الحوار الداخلي لا القرارات المفروضة من مجلس الأمن، ولذلك هي أكدت أن سلاح حزب الله يجب أن يأتي ضمن حل شامل يستند إلى المبررات التي تلقى الإجماع الوطني وتشكل مكامن القوة للبنان واللبنانيين في إبقاء السلاح, وتحديد الظروف الموضوعية التي تؤدي إلى انتفاء مبررات حمله.وحسب الوثيقة الموقعة،فانه تم الاتفاق على تحديد هذه الظروف بحماية لبنان من الأخطار "الإسرائيلية" من خلال حوار وطني يؤدي إلى صياغة إستراتيجية دفاع وطني وتحرير مزارع شبعا وتحرير الأسرى اللبنانيين من السجون "الإسرائيلية". وفيما يتعلق بالعلاقات مع سوريا فقد خطت الوثيقة الجديدة خطوة جديدة إذ دعت إلى إقامة علاقات دبلوماسية بين لبنان وسوريا قائمة على أسس التكافؤ والاحترام المتبادل واتخاذ لبنان الإجراءات الكفيلة بتثبيت لبنانية مزارع شبعا بما مثل ضربة أخرى إلى قرار مجلس الأمن والى قوى الرابع عشر من مارس. وفيما يتعلق باللاجئين الفلسطينيين في لبنان تحدثت الوثيقة عن ضرورة القيام بمقاربة شاملة تتضمن احترام الفلسطينيين للقوانين اللبنانية ورفض التوطين في إشارة لطمأنة المسيحيين اللبنانيين باستمرار توافق الطرفان –الشيعي والمسيحي -على استمرار رفض التوطين،مع إشارة أخرى بموافقة حزب الله على سحب السلاح الفلسطيني الموجود خارج المخيمات.<BR><font color="#FF0000">جنبلاط على الخط </font><BR>فهمت قوى 14 مارس،أن الاتفاق موجه إلى وحدتها واختراق لصفوفها وانه يمثل نجاحا لحزب الله في الإفلات من "الحصار الداخلي" بالاتفاق مع احد الأطراف اللبنانية خارج الطائفة الشيعية، بما يمكنه من إفشال لعبة عزله وحصاره وجعله "وحيدا" في مواجهة قرار مجلس الأمن 1559.كما أدركت تلك القوى بأن تشكيل شبكة أمان "مسيحية " لسلاح حزب الله وللعلاقات مع سوريا إنما يمثل خطراً على أطروحاتها ومشروعها، باعتبار أن الجنرال عون هو أحد أطراف هذا التجمع.<BR>ولما كنت قوى 14 مارس غير قادرة على توجيه الهجوم بصفة مباشرة ضد الطرف المسيحي الموقع للاتفاق لخطورة أن يظهر التجمع بمظهر المنقسم، وعلى اعتبار أن مهاجمة طرف "مسيحي" يوجه ضربة للغطاء الدولي وللموقف الفرنسي الداعم للجنرال عون –العائد من منفاه في فرنسا-فقد تركز هجومها على حزب الله وسوريا بطبيعة الحال بما أظهر ملامحَ جديدة على ضعفها وتراجع قوة خطابها.<BR>دخل جنبلاط على الخط في الأيام التالية لتوقيع اتفاق التفاهم،ليصعد من هجومه على حزب الله وعلى سوريا بالغمز من قناة مزارع شبعا إلا أن نتيجة الهجوم كانت إيضاح لمدى الحصار الذي بات يعانى منه جنبلاط أشار إلى "قوة مسلحة" تسيطر على الجنوب –دون تسمية حزب الله كما فعل من قبل باتهامه بالميليشيا-حتى لا يحدث شرخا في العلاقة مع (رئيس الوزراء) فؤاد السنيورة الذي أشار إلى حزب الله باعتباره مقاومة خلال مصالحة مع الوزراء الشيعة.كما هو تفادى الهجوم على الجنرال عون حتى لا يفتح جبهة معركة معه بما يؤثر على قوة الاحتفال بانطلاق وحدة قوى 14 مارس،ومن ثم لم يعد أمامه في الدخول على خط الاتفاق سوى خط الهجوم على فكرة "نسب" مزارع شبعا للبنان،حيث اظهر خرائط للجيش اللبناني وصار يشرح كيف جرى تعديل الخرائط لتحقق أغراض بقاء جنوب لبنان أسيرا لأغراض النظام السوري والجمهورية الإيرانية من خلال ضم مزارع شبعا إلى لبنان.<BR><font color="#FF0000">خريطة جديدة </font><BR>لاشك أن كلا الطرفين الموقعين على الاتفاق أو التفاهم يعلم جيدا انه ليس إلا اتفاق وقتي ومرحلي يعبر عن لحظة مفصلية أكثر من كونه اتفاق يطول العمل به،حيث حزب الله يعلم تمام العلم أن الجنرال عون هو من كان وراء صدور قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1559 الذي مثل السيف على رقبة حزب الله وسوريا، وحيث يعلم حزب الله تمام العلم أن الجنرال عون فور أن يصل إلى قصر بعبدا رئيسا للجمهورية سيغير من ولاءاته ومواقفه وآرائه لاعتبارات المنصب والمصلحة ولانتهاء غرض الاتفاق.<BR>كما أن الجنرال عون يعرف أن حزب الله إنما يعقد هذا الاتفاق ويدعمه في الوصول للرئاسة لهدف مرحلي يتعلق بحاجته إلى كسر المعادلة الداخلية الحالية التي تحاول تطويقه وعزله،كما هو يعرف أن حزب الله لو عادت أوضاعه السياسية إلى التحسن فإنه سيقف في وجه عون إذا خرج. <BR>ومع ذلك فإن الاتفاق أحدث ارتباكا للخارطة السياسية التي تشكلت عقب اغتيال الحريري،فإذا كان حزب الله وحركة أمل وبعض الأحزاب والقوى القومية قد أصبحت منذ اغتيال الحريري في مواجهة قوى عديدة مؤتلفة ضدها تضغط عليها دوما،فها هي الخارطة يعاد ترتيبها ويصبح احد أقطاب حركة 14 مارس في صف حزب الله وحركة أمل،وفي مواجهة مع قوى 14 مارس نفسها.هذا التشكيل الجديد للخريطة السياسية ليس عملا إعلاميا ولا مجرد نشاط إعلامي، وإنما هو أمر ستكون له مترتباته على صعيد التحالفات داخل البرلمان اللبناني وعلى صعيد قوة تشكيل الحكومة ومدى تمثيلها للقوى الداخلية وعلى صعيد قدرتها على تمرير القرارات بطبيعة الحال،إلى درجة يتوقع معها أن تجرى بعد مدة قصيرة انتخابات جديدة في لبنان.<BR><BR> <BR><br>