سياسة إصلاح البيت السوري.. خطوة للبقاء أم للمواجهة؟
17 محرم 1427

يبدو النظام السوري وقد حزم أمره لصالح المواجهة أكثر من التنازلات، عبر سلسلة من الإجراءات السياسية الداخلية والخارجية في المدة الأخيرة، والتي أثارت ردود أفعال عديدة، كشفت عن نوع من محاولة الالتفاف الداخلي هناك.<BR><BR>فمنذ عام تقريباً، بدأت المناورات السياسية الخارجية التي تحاول تقويض النظام السوري الحاكم، وزعزعة استقراره بعد عقود من تسلّم السلطة، واستهداف الحزب البعثي الحاكم، وسلطة الأسد بشكل خاص. أكثر من قضية محاولة احتلال البلد.<BR>فبعد اغتيال (رئيس الوزراء اللبناني الأسبق) رفيق الحريري، واتهام النظام السوري بالضلوع في مخطط اغتياله، حصدت الولايات المتحدة أصواتاً دولية جديدة لصالح الضغط على دمشق، وزعزعة أعمدة الحكم، الذين تهاوى البعض منهم بالفعل، فيما لا يزال البقية منهم يحاولون لم شمل ما تبقى من أركان قائمة، وتجميع أعمدة جديدة، قد تحافظ على أحقية النظام والحزب في البقاء.<BR><BR>التغيير الوزاري الجديد في سوريا جاء في أقل من عام على التغيير الأخير، والأخير جاء بعد سنة تقريباً من الذي سبقه، وهكذا.. إلا أن التعيينات الأخيرة كشفت بشكل أوضح عن السياسة السورية الجديدة في المرحلة المقبلة. وكشفت أوراقاً في اللعبة السياسية، قد تحافظ على اللاعبين الأساسيين في مراكز صنع القرار.<BR><BR>فقد رسّخ التغيير الأخير الحرس القديم في عدد من الملفات السورية الشائكة، وعلى رأسها ملف السياسة الخارجية، بتشكيل ثلاثي رئيسي في دمشق، هو فاروق الشرع (وزير الخارجية السابق، ونائب الرئيس السوري حالياً)، الذي لم يبتعد كثيراً عن منصبه السابق، ورقّي شرفياً للمنصب الجديد، فيما سيستمر في رسم السياسة السورية الخارجية.<BR>يليه وليد المعلم (نائب وزير الخارجية السابق، والوزير الحالي للوزارة)، والذي يعد التلميذ النجيب لسياسة الأسد والشرع في قضايا السياسة الخارجية.<BR>ثم فيصل مقداد (مندوب سوريا في الأمم المتحدة سابقاً، ونائب وزير الخارجية حالياً).<BR>ويبرز الشرع والمعلم كشخصيتين أساسيتين في ملف المفاوضات السورية "الإسرائيلية" السابقة، والتي انطلقت في أوسلو، ولم يكتب لها النجاح.. في إشارة إلى استمرار الموقف السوري السابق من ذات الملف.<BR>كما يعد الشرع أحد المسؤولين عن الملف اللبناني، في وقت لا تزال فيه الأزمة السورية اللبنانية قائمة، بعد اتهامات سابقة من عبد الحليم خدام (النائب السابق لرئيس الجمهورية) للشرع بالمسؤولية عن الضغوط الخارجية على سوريا، واتهامات من قبل لجنة التحقيق الدولية حول اغتيال الحريري؛ للشرع أيضاً، بتضليل التحقيق. وهو ما يدعّم الموقف السوري السابق، الرافض لأي تغيير داخلي لصالح التحقيق، ولأي قبول بالتهم الموجهة له.<BR><BR>ومع بقاء أعضاء في الحرس القديم على رأس مناصب وزارية، ومجيء آخرين من ذات الفئة، تبدو الحكومة الجديدة وكأنها ترسيخ للسياسة السورية المحافظة السابقة، والتي تميل إلى الاستماع أكثر من الكلام، والتستر أكثر من الكشف.<BR>إلا أن الجديد في الوزارة المؤلفة من أعضاء في حزب البعث، أنها أدخلت ولأول مرة، أحد أعضاء الحزب القومي السوري، الذي كان يعد في وقت من الأوقات، حزباً ملاحقاً في سوريا، ما يشير إلى خيار جديد على الساحة السياسية الداخلية في سوريا، لصالح تعزيز وجود أحزاب معارضة.<BR><BR>ولم تقف المسألة عند إدخال أحد أعضاء الأحزاب المعارضة في السلطة فقط، بل تعدتها إلى تقديم <BR>الشعبة الحزبية في مجلس الشعب السوري رسالة إلى قيادة حزب البعث الحاكم في سوريا، تتضمن رؤية اللجنة البرلمانية حول قانون الأحزاب المقترح مناقشته في مجلس الشعب، تحت مسمى (مقترحات أولية حول مشروع قانون الأحزاب في سورية)، تضمّنت إمكانية الموافقة على إنشاء أحزاب جديدة في سوريا، في مؤشر على انفتاح سياسي داخلي لصالح أحزاب معارضة، ما قد يدخل الجميع في اللعبة السياسية الداخلية، ولو بقدر هامشي.<BR><BR>هذه الأنباء الجديدة جاءت متزامنة مع أنباء أعلنتها مصادر سورية في الخارج، بوجود وساطة وصفتها "بالناجحة" بين النظام السوري وبين شخصيات وأحزاب معارضة موجودة في الخارج، من أجل إمكانية عودة تلك الرموز (بما فيها مجموعات من الإخوان المسلمين) إلى سوريا، وفق ما نقلت صحيفة (الرأي العام) الكويتية، يوم الاثنين 13 فبراير الحالي.<BR>ونقلت الصحيفة عن جمال قارصلي (النائب السابق في برلمان ويستفاليا الألماني، والمنحدر من أصول سورية) قوله: " إن تقاربا حدث بين الحكومة السورية وفصائل المعارضة في الخارج وافقت بعدها المعارضة على التعاون مع الحكومة، داعين إلى مؤتمر للحوار الوطني بمشاركة كل الفصائل بمن فيها جماعة (الإخوان المسلمين) التي وافقت بدورها على هذه الخطوة".<BR><BR>الخيار الإصلاحي الاقتصادي داخل سوريا لا يزال قائما، على اعتبار أنه أهمّ محرك سيضمن الاستقرار في البلد، ويبعد المواطنين عن أي تململ أو احتقان بسبب الفقر والبطالة المنتشرة هناك.<BR>لذلك، فقد أقر الرئيس السوري مجدداً، زيادة في الراتب الشهري للقطاع الحكومي والعاملين في الدولة، بعد زيادات عديدة سابقة، رفعت دخل الفرد بشكل ملحوظ، وجعلت الوظيفة في القطاع الحكومي فرصة ذهبية، وحلماً لأي مواطن.<BR>كما أن عبد الله الدردري (نائب رئيس مجلس الوزراء للشؤون الاقتصادية)، والمسؤول السابق عن الملف الاقتصادي في الدولة، بقي في منصبه أيضاً، وهو ما يشير إلى الاستمرار في سياسة الإصلاح الاقتصادي في سوريا.<BR>وأيضاً جاء استمرار وزير المالية محمد الحسين في منصبه، تعزيزاً للقرارات الاقتصادية السورية فيما يتعلق بالضرائب والجمارك وإدخال السيارات إلى سوريا، وغيرها من الأمور المتعلقة بشكل مباشر بدخل ومصاريف المواطنين السوريين.<BR><BR>وتذهب دمشق أبعد من سياسة إصلاح البيت من الداخل، حيث يبرز الحلف السوري الإيراني لمواجهة الهيمنة الأمريكية، التي تعتبر المحرّك الأساسي لأي تغيير محتمل قادم، ضد النظام الحاكم.<BR>فالزيارات التي قام بها قادة سوريا وإيران، وتوّجت بزيارة بشار الأسد لإيران، وزيارة (الرئيس الإيراني الجديد) أحمد نجاد لدمشق، أثمرت عن حلف استراتيجي بين البلدين، ووطدت العلاقات الاقتصادية بينهما، في سبيل مواجهة أي ضغوطات قادمة.<BR>ولمزيد من القوة أمام ما قد تقوم به واشنطن، أصدرت الحكومة السورية، قراراً يقضي باعتماد اليورو الأوروبي، بدلاً عن الدولار الأمريكي، في التعاملات المالية الخارجية، وهو ما فسّره المحللون الاقتصاديون على أنه فعل استباقي لأي عقوبات اقتصادية أمريكية محتملة. فيما يكشف من وجهة النظر السياسية، توقعات سورية بتطبيق هذه العقوبات بالفعل خلال المدة القادمة، ما يعني أن النظام في سوريا يستعد لمزيد من الترتيب والالتفاف الداخلي والتحالف الخارجي مع دول خارج السيطرة الأمريكية، وهو يعرف ضمناً أن هذا الطريق قد يؤدي إلى اتخاذ الولايات المتحدة خطوات فعلية لمزيد من الضغط على سوريا.<BR><BR>النظام السوري يبدو وكأنه أفرغ ما في جعبته من تحركات ومناورات سياسية واقتصادية، داخلية وخارجية، رامياً بالكرة في ملعب واشنطن، التي ستنتظر سوريا ما قد تتخذه من خطوات في المرحلة القادمة.. والتي يبدو أنها في أي حال من الأحوال، لن تكون سهلة على السوريين عموماً..<BR><br>