الجعفري.. أزمة الشيعة وأزمة الاحتلال
20 محرم 1427

أخيراً وبعد مرور أكثر من شهرين على " الانتخابات " التي أرادها الاحتلال لإعطائه الشرعية.. والتي جاءت بما أراد من نتائج بعد إلغاء نتائج الدوائر غير المرغوبة ـ واحد وعشرين دائرة, حيث ألغت المفوضية نتائج (11) مركزاً في الطارمية و9 مراكز في ناحية الرشيد ـ جنوب بغداد ـ ومركزًا واحدًا في "أبي غريب" وهى دوائر تفوقت فيها جبهة التوافق العراقية، قال (المتحدث باسم التحالف الشيعي) سامي العسكري الأحد 12-2-2006 لوكالة رويترز للأنباء: إن التحالف اختار إبراهيم الجعفري مرشحا لرئاسة الوزراء، وكان الجعفري قد فاز بأغلبية أصوات الائتلاف العراقي الموحد بعد أسابيع من الخلاف الذي أخّر تشكيل الحكومة العراقية بعد مرور شهرين على إجراء الانتخابات التشريعية العراقية، وكشف مصدر داخل الائتلاف عن أن الجعفري فاز بالترشيح بفارق صوت واحد عن عادل عبد المهدي مع امتناع اثنين عن التصويت، وكانت النتائج النهائية للانتخابات البرلمانية العراقية التي جرت في 15 ديسمبر 2005 قد أسفرت عن حصول قائمة الائتلاف العراقي الموحد على (129) مقعداً، تلتها قائمة التحالف الكردستاني التي حصلت على (53) مقعداً، وفي المرتبة الثالثة جاءت قائمة جبهة التوافق العراقية بعد أن حصلت على (44) مقعدا، فيما حصلت القائمة العراقية الوطنية على (25) مقعداً، وجاءت قائمة جبهة الحوار الوطني بالمرتبة الخامسة بحصولها على (11) مقعداً.<BR><font color="#0000ff">الائتلاف الشيعي.. أو الإخوة الأعداء</font><BR>قبل إجراء الانتخابات النيابية العراقية في 15 (ديسمبر) الماضي، درس حزب الدعوة الذي يرأسه إبراهيم الجعفري، الانشقاق عن "المجلس الأعلى للثورة الإسلامية" (رئيسه عبد العزيز الحكيم)، وتشكيل تحالف جديد مع مقتدى الصدر، لكن الخوف من المشاركة السنّية في الانتخابات واحتمال أن يؤثر ذلك سلبا على سيطرة الشيعة على السلطة السياسية، اتفق الطرفان، الدعوة والمجلس الأعلى على البقاء معاً وضم الصدريين إلى الائتلاف العراقي الموحد، وقد عجز الائتلاف عن الاتفاق على مرشح لمنصب رئيس الوزراء فلجأ أعضاؤه الـ 129، الذين يشكلون أكبر كتلة سياسية في البرلمان إلى التصويت، فصوت 64 منهم لصالح الجعفري. واللافت أن كتلة الصدر (30نائباً) صوتت كلها للجعفري، باستثناء حسن الربيعي الذي تأخر عن الوصول في الوقت المحدد، ولو وصل لنال الجعفري 65 صوتاً مقابل 63 صوتاً لمنافسه عادل عبدالمهدي، وتقول التقارير أن الصدريين نجحوا في إقناع عشرة نواب من المستقلين بالتخلي عن تعهدهم بالتصويت لصالح عبدالمهدي والاقتراع للجعفري، وقد لا يريح طهران النفوذ الذي ظهر لمقتدى الصدر في تزكية الجعفري، كما أنها ترتبط بعلاقات وثيقة مع عدد من الأطراف الشيعية العراقية، لكن الأولوية في هذه العلاقات من نصيب "المجلس الأعلى للثورة الإسلامية"، يليه في المرتبة الثانية حزب الدعوة، والصدريون يأتون في المرتبة الثالثة، وهناك أيضاً الحوزة الشيعية في النجف.<BR>الكتلة الشيعية المنضوية تحت لواء التحالف إذن ليست جسداً متناسقاً، وهى تحمل في تكوينها عوامل تفككها وتصادمها، وقد أظهرت التصريحات التي يطلقها أقطاب " الائتلاف العراقي الموحد"، اختلافات كبيرة، مما يوحي بأن هناك مرجعيتين على الأقل في هذه الكتلة، كل واحدة منهما تضع خطوطاً حمراء وفق تصوراتها، ما يهدد بالانقسام.<BR><font color="#0000ff">الجعفري.. اختيار الانقسام</font><BR>وقد جاء اختيار الجعفري ليفجر الخلافات مع كافة القوى الداخلة في اللعبة السياسية في ظل الاحتلال، فحكومة الجعفري السابقة، تحمل على كاهلها كل أنواع الاتهامات، السياسية والجنائية، فمن تهميش القوى الأخرى والانفراد بالسلطة، إلى قمع القوى السياسية بالقوة، إلى استخدام السلطة لتزوير الانتخابات، والحنث بالتعهدات والاتفاقيات المبرمة مع القوى الأخرى.. أما القائمة الجنائية فتبدأ بالاغتيالات للقادة السنة والناشطين، مروراً بتعذيب المعتقلين في السجون العراقية بأيدي عناصر ميليشيات بدر، والفساد المالي والإداري، وتدمير أحياء كاملة بمن فيها من المواطنين " السنة بالتأكيد "، وتمكين قوات الاحتلال من نهب مقدرات الاقتصاد العراقي عبر العقود الوهمية المعروفة، وفى النهاية لنزوع الجعفري المعلن للفيدرالية والتي لا تثير السنة العراقيين، والدول المحيطة فحسب، بل يرفضها قطاع مهم من التحالف الشيعي "التيار الصدري" ويعتبرها دون مواربة تأسيس لتجزئة العراق.<BR> في وقت شكلت المطالب الكردية عن كركوك والفيدرالية إحراجا لباقي الأطراف السياسية، جاءت تهديدات الطالباني بعد تسمية الجعفري أخيراً بأنه سيسحب التحالف الكردي ـ 53 مقعداً ـ من الحكومة الجديدة إذا تم استبعاد القائمة العراقية الوطنية التي يتزعمها إياد علاوي من المشاركة، ويقول البعض: إن الأكراد يميلون إلى تكليف علاوي بمنصب رئاسة الوزراء.<BR>رد الفعل السني على تكليف الجعفري سيكون أكثر قلقاً، فالسنة يحفظون له أنه لم يعط كركوك للأكراد، وصحيح أنهم لم يكونوا راغبين في رئيس للوزراء من "المجلس الأعلى للثورة الإسلامية" (عادل عبد المهدي الرجل الثاني في المجلس)، لدور ميليشيا المجلس (منظمة بدر)، وقوات الأمن العراقية التي كانت تحت سيطرة وزير الداخلية بيان جبر صولاغ المسؤول الكبير في المجلس، في قتل السنة، لكن هذا لا يعني أنهم يكنون الود للجعفري غير المبرأ من هذه التهم، والذي واجه كل طلباتهم السياسية بالرفض القاطع.<BR>من جانبه أعلن ظافر العاني الناطق باسم جبهة التوافق، أن أي تعاون مع الجعفري سيتوقف على تحديد ثلاث نقاط (وحدة العراق، إنهاء الاحتلال، إعادة النظر في الدستور الطائفي).<BR>إن نظرة إلى هذه التطورات التي تكشف عن التفسخ والانشقاقات بين المجموعات العراقية المشاركة في العملية السياسية تحت الاحتلال، تشير إلى أن تشكيل الحكومة الجديدة سيكون عملية معقدة وطويلة، وهذا سيؤدى إلى مصاعب في وجه الإدارة الأميركية التي تحتاج إلى البدء في عملية سحب بعض القوات الأميركية قبل موعد انتخابات الكونجرس في شهر نوفمبر المقبل. لكن هناك عاملاً واحداً في هذه الأزمة قد يريح واشنطن وهو أن المنافسة الشيعية الداخلية ستضعف الموقف الشيعي بشكل عام، وهو ما يحرم إيران من ورقة عراقية قوية في يدها، عندما ستبدأ الاتصالات السرية بين واشنطن وطهران، والذي يدفع إلى مثل هذه التوقعات انه مع تسمية الجعفري رئيساً للحكومة، أعلنت إيران عن تأجيلها كل اتصال بروسيا لبحث مسألة تخصيب اليورانيوم الإيراني فوق الأراضي الروسية إلى أجل غير مسمى، وتقول المصادر الغربية أن طهران لا تتطلع إلا إلى اتصال مباشر بينها وبين واشنطن، في وقت يعرف فيه الأمريكيون أن الأوضاع في العراق، لو ظل الشيعة متحدين ستظهر أن كل ما حققه احتلال العراق، أنهم أطاحوا بصدام ليأتي مكانه نظاماً قد يغير الموازين والحسابات الاستراتيجية ليس في منطقة الخليج وحدها.. وليس في صالح القطب الأمريكي.<BR>الشعور بالانزعاج لا يستثني سوريا أيضا، التي أعلنت أنها ستعيد العلاقات الدبلوماسية مع بغداد عند تشكيل الحكومة الجديدة. لقد جاءت تسمية الجعفري أثناء زيارة مقتدى الصدر لدمشق، وإعلانه "انه يضع نفسه وجيش المهدي في خدمتها وفي خدمة إيران". والملاحظ أن دمشق استقبلت الصدر بحفاوة بالغة، ومن المحتمل أن تكون وعدته بدعمه سياسياً في العراق. وليس معروفاً ما سيكون رد فعل عبد العزيز الحكيم على الترحيب السوري بمقتدى الصدر، فالأخير هو العدو التقليدي للحكيم، والاثنان يتنافسان على الزعامة الشيعية، كما أن مقتدى يعتبر الحكيم أداة إيرانية.<BR>لقد ظهر الخلاف الشيعي ما بين الحكيم ومقتدى الصدر عميقا منذ بداية التفكير بمستقبل العراق بعد صدام حسين، بدأ هذا الخلاف مع المطالبة بدويلة مستقلة في الجنوب للشيعة، ورأى الصدر أن السبب الوحيد لمطالبة عبد العزيز الحكيم بذلك لا يعدو كونه محاولة للسيطرة على النفط، ولإظهار أن انتماءه الشيعي يغلب على انتمائه العراقي. وكان الحكيم طالب خلال الصيف الماضي بالحكم الذاتي للشيعة، على أن يكون في الجنوب والوسط، معتبراً الحالة التي يمر بها العراق فرصة لا يجب إضاعتها، وطالب قبل مدة قصيرة بالفيدرالية لبغداد عاصمة الرشيد. أما هادي العامري (قائد تنظيم بدر)، فقال: إنه يجب على الشيعة الإصرار على تكوين كيان لهم في الجنوب، وإلا سيندمون، ويضاف إلى الفيدرالية الخلاف حول تعديل الدستور الذي يدعمه الصدر بينما يعده الحكيم والجعفري على حد سواء خطاً أحمر.<BR><font color="#0000ff">كوندليزا والنظام العربي الرسمي</font><BR>لقد انخفض سقف الأهداف الأمريكية من احتلال العراق، وأصبح على الأمريكيين أن يضعوا خططا بديلة محدودة الطموح، ويأتي على رأس الأهداف الجديدة التي يحاولون تحقيقها:<BR>• طمس الهوية العربية للعراق.<BR>• تحقيق أعلى قدر من الارتباك في الساحة العراقية لتغطية الانسحاب.<BR>• تثبيت أوضاع حلفائهم الأكراد (طلباني وبرزاني) في مواجهة السنة والشيعة على حد سواء بشروط أمريكية. <BR>• الاستفادة القصوى من التهديد الشيعي للضغط على الدول المحيطة.<BR>وقد بدأت وزيرة الخارجية الأمريكية في التحرك على هذه الأهداف، وهى تركز بالأساس على الحصول على قبول عربي لفكرة السيطرة الشيعية على العراق، ويأتي هذا في مواجهة المبادرة العربية المتأخرة التي جاءت عن طريق الجامعة العربية، والتي مثلت ورقة في يد الأمريكيين للضغط على الشيعة، ولتصبح السيطرة الشيعية ورقة تهديد دائمة في مواجهة الأنظمة العربية الرسمية، وفى مقابل انخفاض السقف الأمريكي في الداخل العراقي فقد وصلت الطلبات الأمريكية من النظم العربية حدا كان غير مطروح أو مرفوض مبدئيا فيما مضى، حيث تفيد التقارير أن مباحثات تجرى بين الإدارة الأمريكية وعدد من الدول العربية بينها دول المغرب العربي ودول أخرى، للمشاركة في قوات " لحفظ السلام " في العراق!!<BR>لقد بات الانسحاب الأمريكي من المدن والبلدات العراقية ـ على الأقل ـ أكيداً، وتعرف قوات الاحتلال أكثر من غيرها أن الانسحاب من المدن لن يحصنها من ضربات المقاومة الباسلة، وهى تهدف من إشاعة الارتباك العرقي والطائفي، إلى وضع قوى الشعب العراقي والدول المحيطة في حالة مواجهة مع بعضهم البعض، مع إبقاء فتيل التفجير العرقي والمذهبي والتقسيم جاهزا للإشعال إذا ما فقدت السيطرة.<BR>لقد نجحت المقاومة العراقية المجاهدة حتى الآن في التركيز على العدو الرئيسي والأيدي النجسة المتعاونة معه، وهى الآن تمر بمرحلة أدق، خاصة مع استمرار حالة الهلع الرسمي من كل ما هو إسلامي، وبشكل أكبر بعد انتصار حماس وما يمثله من انحياز للشعب الفلسطيني لخيار المقاومة بعد كل عقود التدليس والمراوغة، ولكن على الجانب الآخر، فالعدو وأعوانه يمرون بمرحلة أكثر حرجا، وتكاد خلافاتهم ومنازعاتهم على المصالح الضيقة أن تفتك بهم، وستشهد المرحلة المقبلة المواجهات بين العملاء ـ كما حدث منذ شهور ـ ولكن ستكون المواجهات في المرحلة المقبلة في غياب سيدهم الضابط الأمريكي، وكما توقع كاتب أمريكي، سوف نرى أحداث ومشاهد مطار سايجون تتكرر في بغداد العربية المسلمة، ولعل الجعفري يكون آخر رئيس وزراء لآخر حكومة " دائمة " عميلة للاحتلال. <BR><BR> <BR><br>