مستقبل النظام السوري:بين النموذج العراقي والنموذج الليبي
23 محرم 1427

سيظل مستقبل النظام السوري رهيناً بين مطرقة الضغوط الخارجية - الأمريكية تحديداً- وسندان المعارضة الداخلية – التحالف بين أطياف المعارضة السورية في الداخل والخارج – وفي هذا الإطار تتعدد القراءات للتطورات الأخيرة التي أعقبت شهادة عبد الحليم خدام (30 ديسمبر 2005) داخل دولاب الحكم في سوريا (نظام ومعارضة) بين من يرى أن النظام السوري هو المستهدف وان لا جدوى من التعاون مع اللجنة الدولية، بالتالي فإن الحل الوحيد للخروج من الأزمة هو الممانعة والمواجهة. بينما يعتقد تيار آخر في دوائر صنع القرار بضرورة الدفع باتجاه التعاون مع الحرص على وجود تفاهمات مع "المجتمع الدولي" تتعلق بالمتطلبات اللازمة لقرار سوري بالتعاون مع لجنة التحقيق الدولية ومحاولة الرضوخ ولو قليلا حتى تمر تلك الأزمة على النظام السوري بسلام حيث سعت سوريا في التعاطي مع الأزمة الراهنة إلى تحقيق ثلاث نقاط: « أولاً: تأمين حقوق السوريين المشتبه بهم والشهود مثل حضور محامين والحق بالصمت. الثاني: الفصل بين الدولة والأفراد من دون أن يعني ذلك التخلي عن الأفراد، لان حقوق الأفراد في القانون الدولي و"شرعة" حقوق الإنسان أوضح من حقوق الدول ولأن تبرئة الأفراد تؤدي إلى تبرئة الدولة بينما تبرئة الدولة لا تبرئ الأفراد. ثالثاً: ضمان سيادة سورية وانه في حال اتخاذ أي إجراءات احترازية مثل الاحتجاز أو التوقيف، يجب أن تكون في أيدي النظام القضائي السوري بعد توافر البينات والقرائن والأدلة»<BR>بالتأكيد فإن الواقعيين داخل سوريا اليوم يدركون أن الفرصة التي كانت تنتظرها الولايات المتحدة الأمريكية باتت مواتية لما كانت تريد فعله منذ زمن وهو ''تغيير السلوك السوري'' ••• ولكن في المقابل من الواضح أيضا أن الأميركيين لن يدخلوا أنفسهم في ورطة أخرى كتلك التي وقعوا فيها في العراق وسيتبعون طريقة أخرى تكون أقل كلفة•• ففي عالم ما سُمي بعالم ما بعد 11 سبتمبر، ومنذ أن أسقط الأمريكان نظام البعث في العراق وكثير من المحللين يترقبون وينتظرون مصير نظيره السوري خاصة بعد تصديق قانون محاسبة سوريا أمريكياً ووضع مسألة التدخل العسكري والأمني السوري في لبنان على طاولة الأمم المتحدة ومشاركة فرنسا بلا مواربة الضغط ومن ثم صدور القرار 1559<BR>ولا زالت خزانات التفكير الأمريكية منشغلة بتلك الطريقة التي تخضع بها النظام السوري ولا تغير معادلات الصراع في المنطقة بما يؤثر على مصالحها الاستراتيجية في البترول وحماية أمن "إسرائيل" وتظل المصلحة الاستراتيجية الثالثة وهي محاربة الإرهاب هي التي يتأرجح عليها مصير النظام السوري ويشده على متصل حده الأيسر تغيير النظام السوري بالمنهج العراقي أو اتباع استراتيجية معينة تستهدف تطويعه على غرار ما جرى للنظام الليبي. <BR>وفي هذا الإطار تنوعت اتجاهات التحليل بين من يرى أن الإدارة الأمريكية جادة في ما توجهه للنظام السوري من رسائل تحذير وإنذار إلى حدّ أن مسألة إزاحة النظام السوري هي مسألة وقت ليس أكثر وبين من يشكك في أن ما تسمى بالضغوط الأمريكية ستترجم حقاً إلى خطوات عملية من شأنها الإطاحة بالنظام السوري، أي بين من يرى أن النموذج العراقي هو مصير النظام السوري وبين من يرى أنه أقرب للنموذج الليبي. <BR><font color="#0000ff">سوريا بين النموذجين: العراقي والليبي </font><BR>تثير سياسة الولايات المتحدة تجاه المنطقة وأنظمتها الكثير من الأسئلة المعقدة، حيث هناك نموذجان أو معياران للتعامل الأمريكي مع الأنظمة العربية هما: النموذج العراقي والنموذج الليبي.<BR>ففي حين فعل صدام حسين كل ما بوسعه لتفادي السقوط المريع إلا أنه يبدو أن القرار الذي كان قد اتخذ في واشنطن له صلة بالحسابات الاستراتيجية الخاصة بمكانة الولايات المتحدة وتصوراتها عن كيف يكون القرن الحادي والعشرين قرناً أمريكياً خالصاً بلا شركاء محتملين أو منافسين متوقعين وكان لا بد من إعادة رسم خريطة المنطقة العربية بما يكفل نجاح تلك التصورات والخطط التي وضعتها خزانات التفكير الأمريكية وهي غير مرتبطة بنوعية الإدارة الحاكمة ولا باختياراتها الأيديولوجية، بل ارتباطها الأساس هو بالمصلحة القومية الأمريكية وبمستقبل الأمة الأمريكية ذاتها.<BR>وفي حين لم تقبل الولايات المتحدة بأقل من إسقاط نظام صدام حسين برغم كل ما أبداه من استماتة لتنفيذ كل المطالب الأمريكية قبلت إذعان نظام القذافي للمطالب الأمريكية وانتقل من "الإرهابي"، و"الدموي"، و"الكلب المسعور" إلخ.. ليصبح "الرجل القادم من البرد" والذي "يمكن الشروع بعمل بيزنس معه" فتتهافت الوفود الأمريكية (والأوربية بأعلى المستويات) إلى خيمة "رجل الدولة" القذافي لإبرام الاتفاقيات وعقد الصفقات، وتنفتح الأبواب التي كانت موصدة سابقاً ويرفع الحصار الذي أرهق ليبيا والليبيين على مدار سنوات طويلة. <BR>ورغم أن القذافي لم يكن أقل دموية من صدام حسين، بل إن ضلوع نظام الأول في حوادث إرهابية لأمر ثابت للولايات المتحدة ونتائج أعماله طالت أرواح أمريكيين ودفعت لبيبا من ثرواتها المليارات حتى يسمح للقذافي في الدخول لسرب الشرق الأوسط <BR>أما فيما يخص النظام السوري والتصور الأمريكي للتعامل معه فإن النموذج العراقي باهظ الأثمان دون أن يحقق المطلوب تماماً بل أيضاً لأن خيارات البديل للنظام السوري، أو بالأحرى تصورات عن مرحلة ما بعد نظام البعث الأسدي، لا تدعو الأمريكان إلى التفاؤل، فالبديل المحتمل ليست تماماً ما يبحثون عنه ولهذا يتابعون مع أحلى الأمرّين (less evil) مع إبقاء الضغط عليه، وتظل الظروف المتداخلة والمتغيرة في فيما يسمى الشرق الأوسط هي التي تخدم النظام السوري وتطيل أمد بقائه أكثر من السياسات التي يتبعها، ومما يؤكد ذلك انشغال أمريكا بالوضع في العراق وعدم إمكانية تجربة العراق مرة أخرى في تلك الظروف الراهنة، فالتجربة حتى الآن لم تكن ناجحة تماما بالمقاييس الأمريكية حتى يمكن تكرارها, يقول وليم كوانت أحد أهم خبراء الولايات المتحدة بمنطقة الشرق الأوسط في مقالته (السياسات الأميركية في الشرق الأوسط••• واحتمالات 2006):"وماذا عن سوريا؟ ليس ثمة من شك في أن هناك البعض في واشنطن ممن يودون أن يشهدوا حدوث تغيير للنظام في دمشق، ولكن حتى أكثر مؤيدي هذا الاتجاه يدركون أننا مشغولون تماماً في الوقت الراهن بموضوع العراق وإيران، وبالتالي فإن السياسة المتوقعة تجاه سوريا خلال المدة القادمة هي مواصلة مقاطعة نظام دمشق ومواصلة الضغط السياسي عليه".<BR>لكن من يتابع التقارير التي تنشرها بعض الصحافة الأجنبية عن سورية، سيلفت نظره الكم الكبير من التحليلات والتوقعات عن مصير النظام في دمشق والتي كتبها صحافيون وباحثون ومختصون غربيون بالشأن الشرق أوسطي والسوري منه تحديدا، ولا نبالغ إذا قلنا إن غالبية من هؤلاء ورغم أهمية ما كتبوه وتوقعوه، إلا أنهم بقوا بعيدين عن فهم طبيعة النظام السياسي والأمني رغم إلمامهم ومعرفتهم بنبض الشارع السوري<BR>بل إن التحليلات والتوقعات عن مستقبل النظام السوري فرضتها جملة من المتغيرات الدولية والإقليمية، وإذا كان ثمة اعتقاد بأن هذا الاهتمام بمستقبل سورية ونظامها الحالي مرده إلى المتغيرات التي حصلت في الساحة اللبنانية منذ جريمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري ومن ثم خروج القوات السورية من لبنان تحت الضغط، فهذا اعتقاد غير دقيق، لأن الاهتمام والأسئلة عن مستقبل نظام بشار الأسد وحزب البعث الذي يحكم سورية منذ أكثر من أربعين عاما، بدآ مع اللحظة الأولى للاحتلال الأميركي للعراق، وتكرسا بعد حال الفراق والقطيعة بين سوريا والولايات المتحدة على خلفية موقف دمشق المعلن المعارض لهذه الحرب والمؤيد لنهج وخيار المقاومة, ما نقصده من ذلك أن جريمة اغتيال الحريري وتطورات الملف اللبناني السوري لم تكن سوى عامل جديد أو نتيجة للخلاف السوري الأميركي في العراق وليس أصل المشكل.<BR>ولقد قام مركز الدراسات الاستراتيجية والشؤون الدولية في واشنطن بنشر دراسة عن سياسة الولايات المتحدة تجاه الرئيس السوري بشار الأسد، كتبها مساعد وزير الخارجية الأمريكية السابق والمنسق السابق لعملية السلام في الشرق الأوسط دنيس روس جاء فيها: اليوم فان عدم الوثوق بمستقبل بشار هو السبب وراء الجدال حول عدم اختباره أو إشراكه. سواء سيبقى أم لا، فان الولايات المتحدة تستطيع دائما تبني أسلوب العصا والجزرة لاحقا. في الوقت الحاضر فان البيت الأبيض لا يجب أن يرمي لبشار الأسد طوق النجاة أو أن يحاول إغراقه ويجب عليه التعامل معه من خلال الأمم المتحدة. إذا بقي بشار، فإن اهتماماته بإشراك الولايات المتحدة سوف تزداد، وسوف يكون من الممكن التعامل معه. إذا فشل بشار في البقاء، فانه من المستحيل في هذه المرحلة التنبؤ بثقة من وماذا سيكون الخليفة المحتمل له؟<BR> <BR><br>