تحديات حماس
21 صفر 1427

[email protected]<BR>نجحت الانتخابات الفلسطينية في إرباك كل اللاعبين في الشأن الفلسطيني. ليست حماس وحدها التي تواجه تحديات تشكيل السلطة واستمرارها. إنما التحديات تواجه "الإسرائيليين" والأمريكيين وأيضا الطبقة الفلسطينية التي تم الإنفاق عليها منذ أوسلو لتكون حائط الصد أمام المقاومة. لقد جاءت الانتخابات التي جرت في الخامس من يناير 2006 لتسقط مشروع السلطة البوليسية الممولة غربياً لحماية "إسرائيل".<BR>لقد أفرزت الانتخابات وضعا معتبرا لصالح حماس وأعطتها مشروعية شعبية لا يمكن تجاوزها أو الانقلاب عليها في المدى القريب على الأقل، لكن هذا الفوز في المقابل فرض علي الحركة مسؤوليات جديدة بحكم تحولها من حركة مقاومة شعبية إلى سلطة وحكومة، ووفاء الحركة بهذه المسئوليات هو التحدي الذي يواجهها.<BR>هناك تحديان رئيسان يواجهان الحركة.<BR> الأول: السيطرة علي الأجهزة الأمنية والتعامل مع المناوئ منها، وإخضاعها لسلطة الشعب الفلسطيني لتكون خادمة له وليست قامعة.<BR> الثاني: القدرة على توفير الدعم المالي المستقل بما يحفظ استقرار السلطة وتحسين الوضع الاقتصادي للفلسطينيين و تقليل الاعتماد علي الكيان الصهيوني والغرب كما كان في السابق. <BR>يمكن القول أن الايجابية الأهم في فوز حركة حماس أنها أفشلت استمرار حكومة السلطة المرتبطة بالكيان الصهيوني والأجندة المعادية للشعب الفلسطيني. فمن المعروف أن السلطة منذ تشكيلها كان الهدف منها تشكيل حكومة أمنية وظيفتها قمع المقاومة والقضاء علي التنظيمات الفلسطينية الرافضة لعمليات التسوية الاستسلامية. وكان التمويل الغربي السخي موجها لتدريب كودار الشرطة والأجهزة الأمنية لمواجهة المقاومة في الأساس وليس لحماية الفلسطينيين أو التصدي للاحتلال "الإسرائيلي".<BR>فوز حماس قلب المخطط الذي ترعاه أمريكا والمجموعة الرباعية والاتحاد الأوربي وبعض الدول العربية التي تتدخل في الشأن الفلسطيني. وتسبب تولي حماس السلطة في وجود وضع جديد تمسك فيه الحركة المقاومة بزمام الأمور. هذا الأمر هو الذي دفع محمد دحلان وبعض القادة الأمنيين للتحذير من إقالة أي قيادة أمنية أو إحداث تغييرات في الأجهزة. ثم تطور الأمر إلي تصريحات من قيادات أمنية تؤكد أنها تابعة للرئيس أبو مازن وليس للحكومة.<BR>ستكون معركة تصحيح أوضاع الأجهزة الأمنية ووضع اليد علي مفاصلها والسيطرة عليها هي الأصعب وقد تستمر بعض الوقت. وهذا لن يتم إلا بالخلاص من هيمنة قيادات مفروضة من قوي خارجية وإبعادها عن إدارة الأجهزة. فهذه القيادات لها ميزانيات سرية لا تخضع للرقابة استطاعت تشكيل ما يشبه الميليشيا الخاصة وليس قوي نظامية خاضعة للقانون. <BR>ولكي تنجح حماس في هذا المسعى فهي تحتاج إلي وضع يدها في يد الفصائل المسلحة خاصة تلك المرتبطة بحركة فتح والتي تقف ضد استمرار هذه القيادات الأمنية وتتهمها بالفساد. وإن نجحت حماس في تفكيك الدوائر الأمنية التي تعمل بأجندات خارجية تكون قد قطعت شوطا مهما في طريق توحيد السلاح الفلسطيني.<BR>أما التحدي الثاني الذي يواجه حماس فهو توفير الدعم المالي، وتمكين الحركة من إدارة الاقتصاد الفلسطيني بما يحقق الاستقلال وعدم الاعتماد علي معونات الغرب. فالفلسطينيون من أكثر المجتمعات اعتماداً على المساعدات الخارجية في العالم. وكان متعمدا أن تنص اتفاقات أوسلو على جعل السلطة أسيرة الدعم الخارجي وربط حاجتها بالكيان الصهيوني والغرب. فالكيان الصهيوني كان يمد السلطة شهريا بـ 55 مليون دولار تحت اسم حصيلة الضرائب وفقاً لبروتوكول اقتصادي تم اعتماده عام 1994.<BR>الملاحظ أن الدول العربية والإسلامية لا تقوم بواجبها لدعم الشعب الفلسطيني. وما تقدمه لا يتناسب وحجم المسئولية الملقاة علي عاتق الفلسطينيين ولا يتناسب مع فوائضها المالية الكبيرة. ولمواجهة التحدي المالي صرح خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس انه تلقي "وعودا طيبة والتزاماً جدياً من الدول العربية " وأكد في مؤتمر صحفي علي هامش زيارته للقاهرة ومقابلة المسؤولين المصريين أن هذه الوعود إن صدقت ستسد الحاجة المالية.<BR>بالتأكيد هذا التحدي المالي ليس تحديا لحماس وحدها وإنما تحديا للدول العربية والإسلامية والمنظمات التي تشكل إطارات رسمية للمسلمين، فالشعب الفلسطيني يحتاج بالفعل إلي دعم مباشر، ولم يعد مستساغا صدور بيانات رسمية تتحدث عن دعم القضية الفلسطينية بينما يترك الفلسطينيون للجوع وللأعداء، وكأن الموضوع لا يعني المسلمين. وإذا كان الفساد في السلطة السابقة وأعوان "إسرائيل" قد أثار الشكوك في وصول المساعدات للشعب فان الوضع الحالي بعد سقوط السلطة الفاسدة يوفر الشفافية لتقديم الدعم للشعب المقاوم.<BR><BR>إن نجاح حماس في التغلب علي التحديات يحتاج إلي دعم إسلامي وعربي حقيقي، للتقليل من النفوذ الخارجي، كما انه من الصعب أن تتحرك حماس بمفردها لتحقيق هذا الاستقلال بمعزل عن الفصائل الفلسطينية. وليس خافياً علي قيادة الحركة أن أعداءها يعملون على عزلها، وبذل كل ما هو ممكن لاستمرار الفرقة بينها و بين الفصائل، إما بالقتل والإرهاب كما يحدث من اغتيالات واعتقالات للجهاد وغيرها من التنظيمات المقاومة، وآخرها اقتحام سجن أريحا واعتقال سعدات، أو بإغراءات مادية والتدليل كما يحدث مع بعض قادة فتح لإبعادهم عن التعاون مع الحكم الجديد.<BR>بقدر ما تحققه حماس من تجميع للداخل الفلسطيني بقدر ما تقطع الطريق علي المخطط المعادي وتحقق قفزة إلي الأمام، وهذا يتوقف على قدرة قادة الحركة على التخفف من قيود التنظيم المسؤول عن أعضائه إلي أفق السلطة والحكومة المسؤولة عن الشعب كله، فإدارة حركة تختلف عن إدارة حكومة، وهذا يحتاج إلي أفكار جديدة ومبادرات غير تقليدية من أجل تأسيس حقيقي للوحدة الفلسطينية القادرة على مواجهة التحديات.<BR><br>