حتى لا نعود مجدداً لمنتجات الدنمارك.. السودان بديلاً
23 صفر 1427

[email protected]<BR>"قاطعوا الاستثمارات السودانية" شعار لسياسة اقتصادية عربية غير معلنة ومعمول بها منذ عقود طويلة. <BR>"قاطعوا المنتجات الدنماركية" شعار لغضبة شعبية بسبب الرسوم البذيئة, ظهرت جلية لشهور وقد لا تستمر طويلاً..<BR>كنت خارجاً أمس من مطعم يقدم الوجبات الجاهزة وقد بدا شبه خالٍ برغم أنه كان أكبر المستفيدين من حملة المقاطعة المترافقة مع بدء انتفاضة الأقصى، ووضع اسمه على رأس القائمة البديلة التي وزعها الشباب لدفع الناس إلى مقاطعة سلسلة مطاعم ماكدونالدز وبيتزا هات وكنتاكي, وعلى بعد خطوات كنت أشاهد ـ من الخارج في الطريق ـ ازدحاماً لافتاً من خلف الزجاج داخل مطعم ماكدونالدز الذي كاد يغلق أبوابه قبل خمس سنوات.. أدركت أن إدارة ماكدونالدز كانت أبعد نظراً وكنا أقصر نفساً منها حين أصرت على الاستمرار وأحجمت عن حمل حقائب الرحيل إلى أمريكا برغم الخسائر الفادحة حينئذ, واليوم تطلق شركة آرلا دعوتها ـ عبر قنوات عربية فضائية سعت من قريب لأن تبدو حاسمة في مسألة الرسوم البذيئة ـ لإنهاء المقاطعة وبنظري هي أبلغ حجة من ماكدونالدز؛ فهي تؤسس دعوتها على رفضها الشديد وإدانتها للإساءة للنبي _صلى الله عليه وسلم_, ومن ثم ما الداعي لشمولها بالمقاطعة!! <BR>ربما تفلت آرلا من العقاب الإسلامي, وربما تعجب الفكرة شركات دنماركية أخرى تتعامل بقوة تصديرية عالية للسوق العربية, وقد نستيقظ يوماً لنجد أننا نقاطع فقط صحيفة "يولاند بوستين" التي نقاطعها بطبيعة الحال قبل أن ترسم رسومها البذيئة!! <BR>ولست هنا للتقليل من جدوى المقاطعة فهي حققت ضغطاً اقتصادياً لافتاً, وأرعدت فرائص الشركات الدنماركية , وحدتها لأن تذهب تستجدي الشعوب لفك رهان منتجاتها لدينا, وهي صورة جد رائعة أن يستخدم المستهلك حقه الشرائي في تغيير سياسة المنتج, ويرغم المعتدي البذيء على التخلي عن بذاءته, بل لضرورة الاهتمام أكثر وأكثر بتفعيلها, والتفعيل هنا عبر الفطنة للتحولات التي تطرأ على مفاعيل المقاطعة من جانب الجهة المتضررة من المقاطعة والتي تجهد كي تجد حلاً يخرجها من الأزمة دونما خسائر..<BR>نقاطع منتجات دولة الدنمارك, هذا جيد, لكن أين ضمانة الاستمرار, وأين استراتيجية الاستقلال الاقتصادي التي لا تصيرنا يوماً أسرى الشراء للضروريات والكماليات على حد سواء في ظل عولمة باتت لا تفرق بين هذه وتلك, ربما هذه وغيرها هو ما يدفعنا إلى إعادة تسليط الضوء من جديد على هذا الشعار غير المعلن لمقاطعة الاستثمار في السودان عربياً. <BR>المفارقة هنا هي أن السودان قبل عام كان على موعد مع تظاهرات قليلة العدد تطالب بإعدام الصحفي سوداني محمد طه محمد أحمد بصحيفة الوفاق بالتزامن مع مطالبة النيابة السودانية بإعدامه ومنع الصحيفة من الصدور لمدة ثلاثة أيام بسبب مقال له وصف بأنه مشكك في نسب النبي _صلى الله عليه وسلم_, هذا التعاطي الحاسم من جانب النظامين القضائي والإعلامي في السودان تجاه ما ذكر عن الإساءة للنبي _صلى الله عليه وسلم_ بغض النظر عن إلمامنا بفحوى ما جاء في المقال من عدمه, يحدونا لأن نقارن بين السودان والدنمارك لننتقل إلى النقطة التالية الأهم, وهي الجامعة بين السودان والدنمارك في توافر زراعة الماشية فيهما. <BR>من نافلة القول, التذكير بأن معظم المنتجات الدنماركية المشمولة بقوائم المقاطعة هي منتجات ألبان والتي تدخل فيها منتجات الألبان واللحوم وغيرها ـ أو للدقة معظم ما يمكن للشعوب أن تتفاعل معه هي تلك المنتجات بخلاف الصناعات الكبيرة وشركات النقل البحري التي تتعامل معها الحكومات في العادة ـ, وأن هذه المنتجات هي نتاج الاستثمار الجيد والمدروس في الدول الاسكندنافية عموماً والدنمارك خصوصاً.. هذه السابقة ألا تستفزنا لمحاولة إيجاد بديل مستمر ومستقر عربي وإسلامي هو الاستثمار في صناعات اللحوم والألبان ومنتجاتها في بلد الخير العربي/السودان؟ <BR>الأموال العربية المهدرة في الاستثمارات في فضائيات اللهو وفي شركات يصب الجانب الأكبر من ربحيتها لدعم دول تتعاكس مصالحها مع مصالح الأمة العربية والإسلامية.. هذه الأموال التي تلفظ الولايات المتحدة الأمريكية أحياناً استثماراتها إلا بما تحدده هي باستكبارها المعروف وهيمنتها, هذه البورصات التي تصهر اقتصادنا العربي والإسلامي في بوتقة العولمة المتوحشة.. هذه الأموال الطائلة أليس من حقنا أن نسأل في هذه اللحظة التي يساء فيها لنبي الرحمة _صلى الله عليه وسلم_ في الدنمارك, ويُساء إلى قرآننا في الولايات المتحدة الأمريكية لماذا لا تُستثمر في دولنا العربية والإسلامية؟ لماذا لا تُنشأ المصانع الضخمة لصناعة منتجات الألبان وصناعات اللحوم؟ <BR>الثابت والأكيد أن رعاة الرحّل هم الملاك الحقيقيون لقطاع الثروة الحيوانية في السودان التي تقدر بحوالي 133 مليون رأس من الماشية منها 36.6 مليون رأس من الأبقار و48.4 مليون رأس من الضأن و42 مليون رأس من الماعز و3.5مليون رأس من الإبل. <BR>الثابت والأكيد أن هؤلاء لا يستطيعون حيلة في تنمية هذه الثروة الضخمة ولا توفير الرعاية الصحية, ما يؤدي إلى نفوق كثير منها لأسباب يمكن تجنبها في المستقبل ووقوف هذه الثروة عند هذا الحد. <BR>المراعي الطبيعية التي لا ينفق الرعاة عليها شيئاً توفر جانباً من الغذاء اللازم للإبقاء على هذه الثروة في حدها الأدنى على قيد الحياة, لكن هذه البيئة الخصبة للتنمية المضمونة إلى حد بعيد لا تجد من يستثمر فيها ولا يوليها الاهتمام اللازم برغم حاجة هذا القطاع لزيادة الإنفاق الحكومي أو الخارجي ليقف على قدميه وينافس في السوق العالمي, وقد كشفت إحصاءات ذكرها خبير الثروة الحيوانية د/إبراهيم حسن خطاب عن أن ما يعوز هذه الثروة من الإنفاق الحكومي يربو على 10% من إجمالي الإنفاق الحكومي فيما لا ينفق على هذا القطاع فقط سوى 3% من المطلوب. <BR>ما ذكره الدكتور خطاب يضع قدم السودان الذي يعد أكبر مالك للثروة الحيوانية في العالمين العربي والإفريقي, وسادس أكبر منتج للثروة الحيوانية في العالم على أعتاب تمكنه من أن يكون مركزاً عالمياً كبيراً لإنتاج وتصنيع اللحوم, بيد أنه لا يتحدث عن سقف الطموح الأعلى لنمو هذه الصناعة التي يمكن للأموال العربية المتدفقة إليه حال انفكاك تعثرها أن تدر ثروات ضخمة إذا ما سحبت السودان البساط من تحت أقدام الدنمارك والدول الاسكندنافية في العالم العربي والإسلامي. <BR>نريد أن نرفع هذا السقف ليلامس حجم الاستثمارات التي يمكن أن تجعل السودان ومستثمريه العرب يستحوذون على سوق إسلامي ضخم ينفق 250 مليار دولار سنوياً في استهلاك اللحوم الحلال, ونريد أن نرفع هذا السقف ليجتذب كل راغب في لحوم غير مهرمنة ينتجها السودانيون من خلال ثروتهم الحيوانية. <BR>هذه الثروة وهذا الطموح ألا يدعونا لأن نفكر بطريقة أشمل في قضية المقاطعة لا بإلغائها ولكن باستثمارها على نحو يجعلنا أكثر استقلالاً, وأجدر بأن نكون أكثر استغناءً عمن يسبوننا بألسنتهم وينمون ثروتهم بأموالنا مستفيدين بنمطنا الاستهلاكي الضخم. <BR><BR><br>