النتائج:تصويت على التحول الاستراتيجى إلى "إسرائيل العظمى"
28 صفر 1427

في السابعة من صباح الثلاثاء بتوقيت القاهرة بدأ المغتصبون الصهاينة عملية انتخابات برلمانهم الجديد ، في انتخابات مبكرة جاءت نتيجة انشقاق شارون عن الليكود ، وبيريز عن حزب العمل وتكوينهما لحزب كاديما بزعامة شاورن وانضمام خمسة وأربعين عضو كنيست لهذا الحزب الجديد ، كما جاءت كنتيجة طبيعية للحالة المرضية الشديدة التي غيبت السفاح شارون عن الساحة ليحل محله السفاح أولمرت مؤقتا لحين إجراء الانتخابات ، وأغلقت الصناديق في مساء اليوم نفسه ، لتحدد نتائجها ليس فقط الفائزون في الاقتراع ولكن أيضا شكل وآليات الصراع في المنطقة في المرحلة القادمة ، في ظل تراجع عربي .. بل تبنى عربي لجداول أعمال الأعداء ،التي تتغير وتتصاعد شروط الإذعان فيها مع كل خطوة عربية إلى الخلف .<BR>الانتخابات التي خاضتها إحدى وثلاثين قائمة تمثل أحزابا وتكتلات سياسية في الكيان الصهيوني ، أتت بنتائج أولية لها دلالتها بعد أن أقبل على التصويت فيها نسبة عالية ممن لهم حق الاقتراع وصلت إلى 63 % في نهاية فترة التصويت ، بعد أن كانت حالة العزوف عن المشاركة قد سادت خلال ساعات الصباح والظهيرة .<BR>ولا شك أن هذه الانتخابات تحمل جديداً في الحالة السياسية للكيان الصهيوني ويتمثل هذا الجديد في :<BR>• أن الصراع لم يكن مقصوراً بالأساس ولأول مرة على التوجهين الرئيسيين التقليديين في السياسة الصهيونية .. اليمين ، واليسار .<BR>• أن المسلمات التي قام عليها المشروع الصهيوني الاستعماري الاستيطاني ( نقاء الدولة اليهودية ، من النيل إلى الفرات ... إلخ ) طرحت للتصويت عليها في برنامج حزب جديد بوجوه قديمة .<BR>• أن هدف السيطرة على الأرض إلى أبعد نقطة تصل إليها القوة العسكرية الصهيونية ، وبالتالي عدم ترسيم أي حدود للكيان الصهيوني ، قد استبدل لدى قطاع هام من الصفوة السياسية ، إلى السيطرة بآليات جديدة تتفق مع المرحلة التاريخية التي بدأت أوائل التسعينات من القرن الميلادي الماضي ، وفى إطار مشروع القرن الجديد للهيمنة الأمريكية المسمى " بالشرق الأوسط الكبير " .<BR>• أن القطب المواجه في الداخل الفلسطيني ـ حماس ـ يمثل تحدياً من نوع جديد كانت الحسابات لعملية التسوية بالمفاوضات قد استبعدته من الحسابات ، ولهذا وجه أولمرت كلامه في خطاب الاحتفال بالفوز إلى أبو مازن متجاهلا حكومة حماس التي حظيت بالثقة ، في محاولة لاستمرار إخراج حماس من الحسبة ، ولتأجيج الخلاف المعلن بين أبو مازن وحماس حول مسألة شروط التسوية .<BR>• أن المنحنى الهابط للقوة الأمريكية ـ العنصر الرئيس في حسابات التسوية ـ والصعود المتنامي والمتواتر لقوى المقاومة ، يطرحان وبشدة عنصر الوقت كأحد أهم عناصر تحقيق مكاسب استراتيجية للأعداء لن تصبح ممكنة في القريب .<BR>• الحالة الاقتصادية للكيان الصهيوني التي تعاني العديد من المشكلات ، وازدياد جيش الفقراء حتى بعد الخطط التي طبقت خلال الوزارة السابقة لتجاوز هذه الحالة .<BR>• الانتفاضة الأولى والثانية واستمرار وتصاعد المقاومة رغم كل الاعتداءات والجرائم التي ارتكبها جيش الاحتلال ، و التي أثبتت للصهاينة وحسب اعترافات قادتهم ومفكريهم أن حسم هذا الصراع بالقوة أمر غير ممكن ، بل ويفضى إلى نتائج عكسية ، بالإضافة إلى حالة الانقسام الفلسطيني التي يمكن استغلالها للوصول إلى النتائج المطلوبة بأقل تكلفة .<BR><font color="#ff0000">في إطار هذه المعطيات جرت انتخابات الكنيست الصهيوني السابع عشر والتي جاءت نتائجها الأولية كالتالي : </font><BR>كاديما (29 ) مقعداً .. العمل ( 22 ) مقعداً .. " إسرائيل بيتنا " ( 14 ) مقعداً .. الليكود ( 11 ) مقعداً .. الأحزاب العربية ( 6 ) مقاعد ، ليبقى 38 مقعداً موزعة بين أحزاب اليمين الصهيوني ( شاس الذي يضم اليهود الشرقيين ) ، ويهوديت أتوراه لليهود الغربيين ، والمفدال ... إلخ وهو رقم إذا أضيف إلى مقاعد الليكود و" إسرائيل بيتنا " لأعطى أغلبية في الكنيست المكون من 120 عضواً ، وهو أيضاً رقم غير مسبوق لأحزاب اليمين الديني الصهيونية .<BR><font color="#0000ff">دلالات التصويت </font> <BR>بداية لابد من رصد التراجع الذي أصاب الأحزاب التقليدية الصهيونية ( العمل والليكود ) ، بل والتراجع الذي أصاب كاديما الذي تكون في العام 2005 بما يزيد على الأربعين عضواً ، وكانت استطلاعات الرأي تتوقع حصوله على ما بين السبعة وثلاثين والأربعين مقعدا ، وأن الفقد الشديد في حصة الليكود لم يذهب لمصلحة العمل ولا كاديما ، بل إلى التكوينات الأكثر تشدداً ، ولعل الدراسة التي أجراها مركز دراسات مناهضة العنصرية في الكيان الصهيوني توضح التوجهات الغالبة على جمهور الصهاينة .. تقول الدراسة أن ثلثي السكان اليهود يرفضون السكنى في بناية يسكنها عربي .. وأن 41 % من اليهود يفضلون الانفصال عن العرب في أماكن الترفيه ، ويطالبون بتبني سياسات تدفع العرب إلى مغادرة الأراضي التي احتلها الكيان الغاصب في ال 48 .. وأن 50 % من اليهود لا يسمحون بدخول عربي إلى مساكنهم .. وأن 63 % يرون أن العرب يمثلون خطراً أمنيا وديموجرافيا ـ سكانيا ـ على الكيان .<BR>نتائج الدراسة توضح القناعات التي دفعت بحوالي 30 % من الصهاينة المصوتين إلى الأحزاب الدينية اليمينية ، وأن فوز كاديما بنسبة تقترب من 25 % من المقاعد يأتي في إطار اليأس من إمكانية حسم الصراع بالقوة ، وأن الانفصال والتمترس خلف جدار الفصل العنصري قد يخرج الصهاينة من أزمتهم الأمنية المتفاقمة ، كما قد يساعد على تخفيض نفقات الاحتلال .<BR>" كاديما " كما وصفته الأوبزرفر ـ حزب سوق ـ يجلس فيه السياسيين الصهاينة المختلفين لبيع بضاعتهم ، في مرحلة من البلبلة تحتمل كل المتضادات ، واحتمالات انفراط عقد هذا التجمع هي الأرجح ، خاصة بعد النتيجة غير الحاسمة والتي تعطى للكيانات الأخرى إمكانية عالية لإعاقة مشروعات " أولمرت " ، حتى أن الحليفين الأساسيين في كاديما .. بيريز وأولمرت .. يختلفان في رؤيتهما لآليات تحقيق " التسوية " مع الفلسطينيين فأولمرت يرى في تعديل الحدود على أساس رؤية شارون ورسمها بالجدار الفاصل أساسا للتحرك ، بينما يحمل بيريز تجربته في "التسوية "التي سبق وأن قادها من منظور حزب العمل ، وبيريز نفسه يرجح احتمالات انفراط كاديما يقول " لا أعرف متى سوف يسقط ، لكنه سيسقط ، والتاريخ يقوم على احتمالات مفتوحة " . <BR>والملاحظ أيضا أن التناول الإعلامي للانتخابات لم يركز ـ كالمعتاد في المعارك السابقة ـ على برامج الأحزاب السياسية ، ذلك حيث المطروح للتصويت هو التوجه الاستراتيجي للمشروع الصهيوني ، ولعل هذا هو الذي يطرح أسئلة كثيرة على الحكومة الصهيونية القادمة ، وقد يضطرها إلى تعديل العديد من نقاط برنامجها ، كما يفتح الآفاق أمام احتمالات عنف وصدامات دموية في الأراضي المحتلة وخاصة الضفة الغربية .<BR>وقد بدأت بالفعل الجرافات في العمل لتحقيق الوقائع على الأرض ، لتقسيم الضفة وفقا لجدار العزل العنصري على أساس خرائط مشروع " أحزمة بناء التلة ـ إى " في مغتصبة " معاليه أدوميم " لعزل الجانب العربي من القدس عن الضفة في إطار الانسحاب من جانب واحد في خطوة استباقية ليس فقط في مواجهة الفلسطينيين ولكن أيضا لحسابات الواقع السياسي الصهيوني الداخلية المرتبكة ، وقد وضع أولمرت الموافقة على ترسيم الحدود والانسحاب من المستوطنات المعزولة في الضفة كشرط على الأحزاب الأخرى للمشاركة في الحكومة الجديدة .<BR>لقد دفع صعود حماس إلى السلطة في غزة بالصهاينة والأمريكان ـ خاصة بعد أزمة الاحتلال في العراق ، وفشل سياسة القبضة الحديدية الشارونية في تعجيز المقاومة ـ إلى تعديل الجدول الزمني لبرامج أعمالهم والدفع بقضايا أمن الكيان الصهيوني إلى مقدمة جدول الأعمال وجاءت النقطة الرئيسية في برنامج أولمرت .. تثبيت الحدود النهائية للكيان خلال أربعة أعوام وتأمينها ، إعلانا رسميا بتعديل استراتيجي في المخطط الصهيوني وإذاناً بتغيير الشعار المرفوع على باب الكنيست " من النيل إلى الفرات " أى " إسرائيل " الكبرى .. ليصبح الهدف الاستراتيجي " إسرائيل " العظمى ، فقد أثبتت وقائع الصراع أن الحقائق الديموغرافية .. وتكلفة الاحتلال .. وفشل سياسة القوة .. وتصاعد المقاومة وتزايد مؤيدي النهج الجهادي ليس في فلسطين فحسب ولكن لدى كل الشعوب المقهورة ، كل ذلك يقتضى خطة لتطويق المقاومة داخليا ودوليا ، وتعديل وسائل الهيمنة والسيطرة في الخطط الاستراتيجية ، وهذا ما قدمه شارون في مشروع كاديما ويتابع تنفيذه أولمرت .<BR>وقد جاء رد حكومة حماس المباشر بعد حصولها على الثقة من البرلمان الفلسطيني برفض مشروع الحدود المتضمن في برنامج أولمرت .. ولعل تصريحات القادة الصهاينة المعارضين لمشروع أولمرت ستكون أكثر حدة وأبعد اختلافا ، فالطريق أمام أولمرت ليس أقل وعورة من طريق حماس ، والمتوقع أن تشهد المنطقة وليس فلسطين وحدها تداعيات كثيرة وخطيرة في المرحلة القادمة ، كما أن الاحتمالات مفتوحة لأشكال عدة من التحالفات والائتلافات نتيجة هذه الانتخابات ، وأيضا من المرجح أن لا يكمل الكنيست السابع عشر سنواته الأربعة ، فهو تعبير عن مرحلة انتقالية في الصراع أكثر مما هو تعبير عن رؤية استراتيجية مصطلح عليها من القوى السياسية الصهيونية ، خاصة تلك القوى التي تستند لأسس عقدية دينية وأيديولوجية ، إنها بداية لمرحلة جديدة من العنف في عدة اتجاهات ، قد تمتد في الأرجح إلى خارج الأراضي الفلسطينية .<BR><br>