واشنطن والصحراء الجزائرية. . قاعدة أمريكية لمراقبة إفريقيا؟
7 ربيع الأول 1427

تحت سقف مكافحة الإرهاب، شهدت منطقة المغرب العربي حالة استثنائية تمثلت في التحركات الأمريكية على أعلى المستويات الدبلوماسية و العسكرية و الأمنية. بيد أن زيارة سكرتير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد لعدد من دول المغرب العربي كانت البصمة الأكبر للاهتمام الذي توليه الإدارة الأمريكية للمنطقة، على أساسين أولهما استراتيجي و الثاني اقتصادي، بكل ما تعنيه الكلمة من تراكمات سياسية أيضا. . فأمريكا التي تريد أن تلعب الورقة الرابحة في المنطقة، ـ ورقة المساعدات اللوجستيكية الأمنية ـ تسعى أيضا إلى قبض الثمن، ليس على أساس ما ستحصل عليه فعليا كما قالت العديد من الشخصيات الأمريكية، بل على أساس ما تستحق أن تناله بشكل أفضل و أطول بقاء أيضا إن هي نجحت في إقامة قاعدة عسكرية في أكثر المناطق حساسية التي تراهن عليها واشنطن منذ نهاية التسعينيات، أي في صحراء الساحل التي تعد من أكثر المناطق عزلة و استراتيجيه. اهتمام واشنطن بإفريقيا لم يكن وليد اليوم، بل كان خطة قديمة، تبلورت ملامحها من حيث القدرة على التجسيد واقعيا منذ نجحت الإدارة الأمريكية في خلق الاختلاف العميق بينها و بين فرنسا (الدولة الكلونيالية في إفريقيا) و كان التهديد لأول مرة على لسان "بول ولفويتز" بتاريخ 04 أكتوبر من سنة2003 حين تكلم لأول مرة عن ضرورة التواجد في القارة الإفريقية، في كلمته التي أدلى بها بمناسبة الاحتفاء بما يسمى بجهاز الأمن القومي الأمريكي الذي كان نتاجا "عسكريا و مخابراتيا" تجسد بشكل ملموس منذ وصول المحافظين الجدد إلى البيت الأبيض عام 2001. و إن كان الاختلاف الذي فجره قرار إدارة بوش بضرب العراق قصد فجر آليا جبهة معارضة للحرب، فقد تحولت "الحرب الباردة" بين الولايات الأمريكية و فرنسا إلى حرب معلنة أيضا في المناطق التي تحتكرها الكلونيالية الفرنسية، في إفريقيا و في آسيا الشرقية أيضا. فرنسا التي ظلت تتكلم عن إفريقيا بأنها "مستوطناتها القديمة" وجدت نفسها أمام "صراع من نوع آخر" فرضته الخطة الأمريكية في الهيمنة على العديد من الدول الإفريقية، و بالتالي إصرار أمريكا على الحضور في الشمال الإفريقي ظل هو نفسه الهدف الاستراتيجي الذي على أساسه تكلم "دونالد رامسفيلد" بعد سقوط بغداد في ندوة صحفية جمعته بالمستشار الألماني في العاصمة الألمانية "برلين" حين قال بلهجة حربية موجها كلامه للفرنسيين: " لولا أمريكا لكانت فرنسا تتكلم اليوم بالألمانية!" و هي الجملة التي أزعجت الفرنسيين و الألمان على حد سواء، بالخصوص و أن رامسفيلد ذهب إلى حد التهديد بطريقته بأنه سيكون لأمريكا الحق في الذهاب بعيدا لأجل "الدفاع عن الحريات و الديمقراطية"، و كان الهدف من وقتها " المغارة الفرنسية" حسب جريدة "الواشنطن بوست" في عددها الصادر بالضبط يوم 22ديسمبر 2003. إفريقيا التي ظلت تعتبرها فرنسا " منطقتها المحررة" هي التي صارت اليوم أكثر من أي وقت مضى مفتوحة للنزاعات على أساس ما صارت تعنيه بالنسبة للأمريكيين الراغبين في الهيمنة على مناطقها الإستراتيجية، و بين الفرنسيين الذين ظلوا يعتبرون القارة الإفريقية جزء من "الإرث التاريخي الفرنسي" على مدى قرون من الاستعمار و من الكلونيالية التي وصلت إلى درجة الغزو و الاحتلال كما حدث للجزائر و المغرب و تونس. <BR><font color="#0000FF"> القاعدة العسكرية شرط التعاون العسكري! </font><BR>بتاريخ 23 و24 مارس2004، شاركت ـ لأول مرة و بشكل سري قيادات من القوات المسلحة لعدد من الدول الإفريقية هي "مالي، تشاد، موريتانيا، المغرب، النيجر، السنغال، الجزائر، تونس" و في اجتماع عسكري داخل مقر القيادة الأوروبية للجيش الأمريكي (US-Eucom) في مدينة شتوتغارت الألمانية. كانت تلك القمة أمرا غير مسبوق، باعتبار أن أعمالها ظلت سرية و محاطة بنفس المصطلحات الجاهزة مثل " التعاون العسكري في إطار الحرب الشاملة على الإرهاب". كانت النظرة الأهم في هذا النوع من "اجتماع الثمانية" قد صاغتها الولايات الأمريكية قبل ثمانية أعوام ماضية في منطقة الساحل الجنوبي التي تعتبر جغرافيا و أمنيا بأنها الحد الأخطر بين المغرب العربي و أفريقيا السوداء، و بين المناطق البترولية للشمال و تلك المترامية في خليج غينيا. كان من أهم المطالب الأمريكية بالنسبة للدول الإفريقية المعنية هو صياغة مفهوما جديا لماهية الإرهاب، و الذي صاغته الإدارة الأمريكية على شكل "إرهاب إسلامي" بحيث صارت الأنظمة كلها تحت نفس الخط الأحمر إزاء ما يمكن للإدارة العسكرية الأمريكية أن تقدمه لها. أي المساعدات اللوجستيكية و الدعم السياسي الذي يعني غض النظر عن كل الجرائم ضد الإنسانية التي يمكن لتلك الأنظمة الإفريقية المعنية أن ترتكبها ضد شعوبها، لأن الغاية تبرر الوسيلة بالنسبة للأمريكيين، أي استغلال المخاوف الأمنية الإفريقية لأجل غرس مزيد من الرعب الذي على أساسه يمكنها أن تتدخل مباشرة في الشؤون الداخلية للدول الإفريقية بالخصوص الدول العربية و ذات الأكثرية الإسلامية و هو الهدف الذي لم يكن بريئا باعتباره أنه ارتبط بالموارد الطبيعية التي تزخر بها العديد من الدول الإفريقية، كالنفط بالنسبة للجزائر و غينيا و نيجيريا، و اليورانيوم الذي اكتشف في عدد من الدول مثل النيجر. تقرير صادر عن المركز الأمريكي للأبحاث الإستراتيجية بواشنطن بتاريخ 13 مايو 2004 ذكر أن صور ملتقطة عبر الأقمار الصناعية كشفت عن احتمال كبير (70%) عن وجود النفط في منطقة دارفور السودانية، و قد أشارت دراسة سابقة عن نفس المعهد الاستراتيجي الأمريكي سنة 1979 عن وجود النفط في صحراء غينيا و هو الشيء الذي تأكد فعليا فيما بعد أن انفجرت العديد من النزاعات في القرن الغربي الإفريقي امتدت إلى القرن الشرقي، و التي تمثلت في حروب و نزاعات داخلية تدخل في إطار الحرب الأهلية. . <BR><font color="#0000FF"> أمريكا متواجدة في إفريقيا فعليا: </font><BR>الظهور الشبه الرسمي للأمريكيين في المنطقة كان في شهر مارس2004، في عملية عسكرية قادتها أربع دول من دول الساحل و هي (مالي، تشاد، النيجر، و الجزائر) ضد ما يعرف بالجماعة السلفية للدعوة و القتال و التي كان يتزعمها المدعو "عماري صايفي" المعروف باسم: عبد الرزاق البارا، الذي حيكت حوله العديد من القصص الغريبة. . ربما لأن عبد الرزاق البارا نفسه كان الذراع الأيمن للجنرال الجزائري"خالد نزار"، من أم فرنسية و أب جزائري، كان على وشك الارتباط بابنة الجنرال قبل أن يحدث ما سمي فيما بعد بالانشقاق الذي جعل " عبد الرزاق البارا" يقرر الهرب إلى الجبال و تشكيل تنظيما مسلحا ضد النظام الجزائري. و لعل العلاقة القريبة جدا التي كانت تجمع "عبد الرزاق البارا" بالجنرال "خالد نزار" هي التي أثارت الكثير من الشكوك فيما يخص الحقيقة الأخرى لتلك الشخصية التي ذهب البعض إلى القول أنها " مخابراتية مدسوسة" داخل التيارات الجهادية سواء في الجزائر أو في دول أخرى كانت لها علاقات "تنظيمية" مع تنظيم القاعدة، كما جاء في تقرير عن صحيفة الخبر الأسبوعي الجزائرية بتاريخ 10 أكتوبر2004. قيل وقتها أن الدور الأمريكي للقبض على زعيم تنظيم الجماعة السلفية للدعوة و القتال كان كبيرا، و أن وحدة أمريكية خاصة شاركت مع الجيش الجزائري لمحاصرته في منطقة تشادية كانت موجودة تحت سيطرة متمردي الحركة التشادية للديمقراطية و العدالة، و هي الحركة التي مولتها جهات أمريكية منها ما يعرف بالمؤسسة الوطنية لأجل الديمقراطية (NED) و الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) التي لهما أذرع كثيرة مع وكالة الاستخبارات الأمريكية السي إي أي. <BR>تعد الجماعة السلفية للدعوة و القتال بمثابة الذراع الثاني للجماعة الإسلامية المسلحة (الجيا)، و هي الجماعة التي تعتبرها الولايات الأمريكية منظمة إرهابية حامت الشكوك عن علاقات ملموسة بينها و بين تنظيم القاعدة الذي يسعى إلى تأسيس جبهة عسكرية مشابهة لما يعرف ب "تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين"، يكون نشاطه في الشمال الأفريقي (الساحل الإفريقي). و هو ما ادعته الولايات الأمريكية و صارت تنشره في العديد من التقارير لإثارة الرعب في الدول الإفريقية التي سارعت بدورها إلى "طلب" النجدة من الأمريكيين بالخصوص، و هو ما انتظرته و خططت له الإدارة الأمريكية لتفرض فيما بعد شروطها، و الحال أن أول و أهم تلك الشروط يكمن في التعاون الأمني المباشر، و الذي يسهل عبره معرفة كل صغيرة و كبيرة من أدق تفاصيل الملفات الأمنية لكل الدول المعنية، و من ثمة المطلب الثاني الذي لا يقل خطورة عن الأول ألا و هو إقامة قاعدة عسكرية في الساحل الإفريقي، ليكون لها سببا شرعيا دائما في التواجد العسكري في القارة الإفريقية وفق إستراتيجيتها العسكرية التي تسميها" الحرب على الإرهاب" و التي على أساسها يتم " مطاردة الإرهابيين في عقر دارهم" كما صرح به (الرئيس الأمريكي) جورج دابليو بوش في 1 يناير2006 في كلمة وجهها إلى الشعب الأمريكي من مكتبه بالبيت الأبيض بمناسبة رأس السنة الميلادية. <BR>ذلك التواجد الذي كان "شبه سري" فيما مضى، سرعان ما صار اليوم مطلبا أمريكيا تتوافد لأجله شخصيات أمريكية رسمية وكبيرة لمناقشته مع كبار المسئولين في منطقة المغرب العربي. إنه مشروع قاعدة عسكرية أمريكية في المنطقة، لتكون برج مراقبة حقيقي "يساعد على الحد من انتشار السلاح، المخدرات، الهجرة غير الشرعية، و الإرهاب!" كما قالت السفيرة الأمريكية في الجزائر، ولأجل الحد من كل هذا يجب أن يكون الاهتمام بكل ما بوسعه أن يطفئ فتيل التطرف من وجهة النظر الأمريكية، أي التعليم و الدفاع! فقد كان الضغط الأمريكي كبيرا على الجزائر و الدول العربية و الإسلامية لأجل "القيام بمبادرات" ضخمة لأجل التغيير، سرعان ما لقيت التجاوب الرسمي في العديد من الدول العربية، و الحال أنه تم "حذف" مادة الشريعة الإسلامية من مواد الاختبار للثانوية العامة في الجزائر، كما تحدثت تغييرات جذرية في الكتاب الديني أيضا الذي فرضت عليه السلطات الجزائرية رقابة كبيرة غير مسبوقة أيام المعرض الدولي للكتاب الذي جعل العديد من الدول الإسلامية المشاركة تحد من مبيعاتها بسبب شروط العرض الصارمة. بينما المحور الثاني فهو الدفاع و الذي قارب التجسيد من خلال "التقارب الثنائي" لأجل إنشاء قاعدة العسكرية في الجنوب! <BR><font color="#0000FF"> الساحل: المنظار المطلوب أمنياً! </font><BR><BR>تقع المنطقة التي عليها العين الأمريكية في وسط الصحراء، على طول الجنوب الصحراوي لكل من الجزائر و مالي و النيجر، و التي تعتبرها الولايات الأمريكية بعيدة عن السيطرة، ـ سيطرة الدول المعنية عليها ـ. فعملية اختطاف السياح الأوروبيين في منطقة "تمنراست" الجزائرية دعمت بشكل مباشر المطالب الأمريكية في تلك المنطقة، إلى درجة بدا أن عملية الاختطاف ساعدت بشكل كبير "النوايا" الأمريكية في التواجد هناك. فكانت زيارة رئيس مكتب التحقيقات الفيدرالية الأمريكية "روبرت ميلر" للجزائر نهاية مايو من سنة 2004، و في بداية يناير الماضي بمثابة الموعد الرسمي للتذكير بالخطر المحدق بالقارة الأفريقية على الصعيد الأمني وفق نفس العبارة " انتشار شبكات إرهابية و حرية تنقلها في الساحل الإفريقي" والذي أكدها رامسفيلد في الجزائر الأحد 12 فبراير "بأن الولايات الأمريكية مستعدة لإرسال فرق المارينز إلى الجزائر لمساعدة الجيش الجزائري و دول الجوار، ليكونوا دعما لوجستيكيا مساعدا على تأمين الحدود في إطار مكافحة الإرهاب على مستوى الحدود الجنوبية. !" فبالنسبة للمقولة الأمريكية فإن نشاط الجماعات المسلحة تشكل خطرا كبيرا على "المنطقة، و أن الحل لمكافحة الإرهاب يكمن في إقامة قاعدة عسكرية أمريكية في أكثر من منطقة أفريقية!! السلطات الجزائرية التي أرادت التكتم على محتوى المحادثات التي أجراها الوفد الأمريكي رفيع المستوى مع قادة الجيش الجزائري، سوقت إلى أن الزيارة "عادية" تعكس العلاقات الجيدة بين الولايات الأمريكية و الجزائر على الصعيد " الاقتصادي" و هو الأمر الذي لم يكن بعيدا عن الحقيقة باعتبار أن التركيز الأمريكي على الجانب الدفاعي و الأمني لم ينس واشنطن أن الجزائر موردا بتروليا كبيرا و موقعا استراتيجيا يمكن الاعتماد عليه في سياق التطلع الأمريكي انطلاقا من "التموقع" الأمريكي داخل الحلف الأطلسي. فالموارد الجزائرية حظيت باهتمام الأمريكيين منذ التسعينات، و إن كانت الظروف الراهنة مهيأة لهذا النوع من " التقارب" على أكثر من صعيد (أي صعيد النهب البترولي) كما لوح به رامسفيلد في الجزائر. <BR><font color="#0000FF"> قطع الطريق على فرنسا! </font><BR>التقارب الجزائري الأمريكي إن كان يصنع مباهج الأمريكيين الطامحين للاستحواذ على اخطر المناطق الإستراتيجية في الساحل الإفريقي، إلا انه يصنع تعاسة الفرنسيين المستاءين جدا منذ عدة أشهر. زيارة رامسفيلد إلى عدد من الدول المغاربية أججت ثورة الفرنسيين، بحيث أن الصحف الفرنسية الرسمية الكبيرة لم تخف استياءها من الشراكة المغاربية الأمريكية التي لن تكون إلا على حساب فرنسا " التي ستدفع ثمن موقفها من الحرب على العراق من جديد!" كما قالت صحيفة "لاديبيش دو ميدي" في عددها الصادر الاثنين 13 فبراير2006. وهو الثمن الذي هددت به شخصيات أمريكية بتغريمه لفرنسا بعد عبارة" أوروبا القديمة" التي قالها رامسفيلد للتقليل من دور الفرنسيين في الاستراتيجيات القادمة! التحركات الفرنسية كانت سريعة بزيارة وفد فرنسي للجزائر في نهاية الأسبوع الماضي، و هي الزيارة التي أريد لها أن تدخل في إطار "الشراكة" الاقتصادية بالرغم من الموقف الحاد الذي تبديه وسائل الإعلام الفرانكفونية الجزائرية من "الغزل" الرسمي الجزائري الأمريكي. فرنسا التي تعتمد على اللوبي الفرنسي في الجزائر، تشعر بالتهديد الأمريكي المباشر، ربما لأن السياسة الفرنسية نفسها لم تعد تثير "شغف" الجزائريين، بعد أن سقطت العديد من النقاط الفرنسية على المستوى الشعبي جراء التعاطي الإعلامي الفرنسي " المتعصب" من انتفاضة الضواحي في باريس و التي استعمل فيها وزير الدفاع الفرنسي " نيكولا ساركوزي" عبارة " الأوباش" للحديث عن المهاجرين الأفارقة والمغاربة. سبر الآراء التي قامت به صحيفة "صوت الأحرار" الجزائرية جاء فيه أن أكثر من 55% من القراء يفضلون أمريكا عن فرنسا، و هو ما نقلته أكثر من صحيفة فرنسية باستياء ظاهر. . " الأمريكيون يسعون إلى معاقبتنا بقسوة على عدم مشاركتنا في الحرب على العراق. إنهم يحاولون بكل الطرق زعزعة المناطق ذات التأثير الاستراتيجي. " يقول برنارد منيار" في كتابه (فرنسا و التغيير الاستراتيجي)، و الحال أن الجزائر تبدو أكثر ميلا للأمريكيين لأن واشنطن أقل صرامة فيما يخص بيع الأسلحة، باعتبار أن فرنسا ظلت تمارس على الجزائريين حظرا حقيقيا فيما يخص أنواع محددة من طائرات "الميراج" و "الفونتوم" الفرنسية الحديثة، و هو الشيء الذي انتبه الأمريكيون إليه حين فتحوا جزئيا مغارة "علي بابا" العسكرية للجزائريين الذين حظوا هذا العام على أكبر صفقة أسلحة أمريكية في تاريخ العلاقات بين البلدين. ربما كان مضحكا أن يراهن دونالد رامسفيلد في أبريل من عام2004 على الدور الأحق للولايات الأمريكية في القارة الإفريقية و في الشمال الإفريقي بالخصوص. كانت عبارته موجهة في الحقيقة إلى نظيره الفرنسي الذي اتهمه بالهيمنة. و الحال أن رد رامسفيلد لم يكن سقطة أمريكية في التعبير، بل كان إستراتيجية أخرى بدأ التحضير لها قبل غزو العراق. و إن كانت الولايات الأمريكية نجحت في "نتف" ريش الفرنسيين بعد الحرب على العراق، إلا أنها أيضا نجحت في إجبار الفرنسيين على التراجع عن العديد من المواقف، إلى درجة أن الضغوطات الفرنسية على سورية مثلا و على إيران صارت ملفتة للانتباه، و هو يعكس تماما أن فرنسا تكاد تكون مطيعة "لبيت الطاعة الأمريكية" كما جاء في افتتاحية الواشنطن بوست بتاريخ 12 سبتنمبر2005. كانت عبارة "ديك تشيني" (في الواشنطن بوست أيضا) بأن أمريكا ستدخل إلى إفريقيا من أوسع الأبواب، بمثابة الحرب الباردة بين واشنطن و باريس على منطقة ظلت رهينة مزاجات سياسة الكبار، باعتبار أن فرنسا التي تحتكر المغرب العربي على أكثر من جانب، أهمها الجانب اللغوي، تستشعر خطر التقارب المغاربي الأمريكي الذي يبدو بدوره أشبه بالانتقام الذي على أساسه تسعى كل دولة من الدول المغاربية إلى ممارسته بشكل ما بتقاربها مع واشنطن، بعد أن "أفلست" باريس سياسيا و أيديولوجيا، لكن الأخطر أن الساسة يلعبون بمستقبل شعوبهم، و أن الأحضان الأمريكية أو الفرنسية ستكون كارثة استعمارية جديدة اسمها" الاحتلال الأبيض"!<BR><br>