عملية تل أبيب .. حماس تفرض معادلة جديدة على الصهاينة
22 ربيع الأول 1427

قبل قيام شاب من تنظيم الجهاد الفلسطيني بتفجير نفسه في وسط تل أبيب وقتل وجرح قرابة 70 "إسرائيليا" ، وتحسبا لمئات الإنذارات التي تلقتها أجهزة الأمن الصهيونية ، صدرت تصريحات ساخنة من وزير الدفاع الفلسطيني ومن (رئيس الوزراء) أولمرت بأن أي عملية سوف تتم سيعقبها استهداف وزراء حكومة حماس أنفسهم بالخطف أو القتل ، حتى أنه تم احتجاز وزير شئون القدس من قبل قوات الاحتلال لعدة ساعات كرسالة تحذير .<BR>ومع هذا فلم يصدر رد فعل صهيوني كبير على عملية تل أبيب باستثناء نفس السياسة السابقة باجتياح الأرضي والاعتقالات في نابلس وجنين وغيرها من المدن ، وتكثيف عمليات الاغتيال لقادة الجهاد وحصار الضفة الغربية وتقسيمها شمالاً وجنوباً بهدف عرقلة وصول المفجرين ، الأمر الذي يكشف عن أن عملية تل أبيب سوف تُثًبت سياسية جديدة بين حكومة حماس والدولة الصهيونية تقوم على احترام حق المقاومة وبالتالي التعامل مع عمليات المقاومة على أنها أمر روتيني .<BR>فالمعادلة السابقة في الدولة الصهيونية كانت تقوم على القيام بعمليات انتقامية مستمرة في العمق الفلسطيني طالما أن هناك حكومة فلسطينية تكتفي بالشجب واستجداء تدخل الموقف الدولي لوقف هذا العنف الصهيوني ، والضغط في نفس الوقت على الفصائل لوقف العمليات واعتقال أنصارها ، أما المعادلة الجديدة التي أعلنتها حكومة حماس فتقوم على إعلان شرعية المقاومة وأنها لن تضغط على المقاومين أو تعتقل أي مقاوم .<BR>ويكمل هذه المعادلة "الحماسية" أن التدخل العنيف من جانب الدولة الصهيونية واستهداف وزراء السلطة أو هدم مبانيها في حالة أي عملية مقاومة ، سوف يتم الرد عليه تلقائياً ربما بإعلان حل السلطة الفلسطينية رسميا كبديل وحيد للرد – رغم أن الرئيس عباس سوف يرفض وقتها – وبالتالي إعلان العودة في فلسطين إلى أوضاع ما قبل أوسلو 1991 والدخول في الانتفاضة الثالثة الأعنف .<BR>وهذه المعادلة السابقة التي تؤشر لفترة علاقات فلسطينية صهيونية جديدة وتدفع حماس لفرض معادلة جديدة في التعامل مع الصهاينة تقوم أساسا على مباركة أي عمل مقاوم والوقوف وراءه سياسيا وعدم ملاحقة منفذيه ، يدرك الصهاينة جيدا أنهم الخاسر الأكبر منها وأن حماس ستكون الفائز فيها لأنها ستعطي لحماس – المنتخبة شرعيا – حينئذ الفرصة لحمل السلاح ومعاودة العمليات الفدائية الاستشهادية بكل قوة والتحرر من قيود والتزامات السلطة (التي تعمل برأسين متباينين حالياً) والتي منعتها حتى الآن من تنفيذ أي عمليات ضد "إسرائيل" منذ قرابة عام تقريبا في حالة توجيه أي ضربات "إسرائيلية" لها أو التمادي في مهاجمة الأرض الفلسطينية .<BR>وربما لهذا سارع (رئيس الوزراء) أولمرت لنفي استهداف وزراء حماس أو الحكومة عقب تهديدات وزير دفاعه وقال أنهم مستثنون من العمليات ، كما حرص على التركيز على استهداف الجهاد وليس حماس رغم أن عمليات القتل التي تقوم بها قوات الاحتلال تستهدف الجميع ، على الأقل لحين تثبيت دعائم حكمه والشروع لاحقا في تنفيذ انسحاب أحادي الجانب من الضفة يحدد به حدود الدولة الصهيونية ويضمن السيطرة عليها ومنع التسلل لها .<BR>وضمن هذا أمر أولمرت خلال الاجتماع الأمني بسحب المواطنة من أعضاء المجلس التشريعي الفلسطيني من سكان القدس الشرقية المحتلة الذين ينتمون لحركة حماس وعددهم ثلاثة نواب بينهم النائب محمد أبو طير بيد أنه لم يجرؤ على قرار تنفيذ عمليات عسكرية واسعة في الأراضي الفلسطينية، واكتفي بتصعيد مباشر لسياسة الاغتيالات ضد نشطاء الجهاد الإسلامي خصوصا إضافة إلى التضييق على الفلسطينيين والتنكيل بهم.<BR>لقد اقترح الجنرال حالوتس (قائد الجيش "الإسرائيلي") أن تعلن حكومة الكيان الصهيوني أن السلطة الوطنية الفلسطينية سلطة عدو، وأن (رئيس الوزراء الفلسطيني) إسماعيل هنية إرهابي هو وباقي أعضاء الحكومة، الأمر الذي يعني أن الدولة الصهيونية تسير نحو اتخاذ قرار استراتيجي في التعامل مع السلطة، بحيث يكون مسموحا لها، وفق تصوراتها، تصفية أعضاء الحكومة الفلسطينية بصفتها حكومة إرهابية ، ولكنه اكتفى بهذه الرسالة للرد على رسالة تل أبيب الأخيرة .<BR>أيضا من أسباب أهمية العملية التي نفذها شاب فلسطيني في العشرين من عمره في قلب مدينة تل أبيب، تابع لحركة الجهاد الإسلامي أنها اخترقت كل الحواجز الصهيونية وألغت عمليا 350 كم من الجدار العازل الذي بناه الصهاينة ليحمي أراضيهم التي يسيطرون عليها من الاستشهاديين .. صحيح أنها قللت هذه العمليات ولكنها لم تمنعها بدليل عملية تل أبيب ولن يعدم الفصائل ولا عشرات الاستشهاديين المستعدين للشهادة الحيلة للالتفاف حول هذا الجدار .<BR>ولهذا قال محللون أن هذه هي العملية - السادسة من نوعها في اقل من عام – تتركز أهميتها في نجاح منفذها، والحركة التي تقف خلفه، في اختراق كل الدفاعات، وأجهزة الاستخبارات، وحال الطوارئ القصوى المعلنة في أوساط الجيش والقوات الأمنية "الإسرائيلية" ، وأثبتت فشل السور العنصري العازل في حماية العاصمة الإسرائيلية .<BR>وأمام هذه الحيل الاستشهادية ليس أمام الصهاينة ما يفعلونه أكثر مما يفعلون الآن من حصار وقصف بالطائرات وقصف بالمدفعية (300 دانة مدفع يومياً على غزة لمنع إطلاق القذائف من غزة ) ، وليس أمامهم سوي إعادة احتلال غزة ، الذي قد يكلفهم ما تبقي من أمن للدولة الصهيونية وستقدم خدمة أخري أكبر لحماس التي يشعر قادتها وجناحها العسكري تحديداً بأنه مقيد ومكبل منذ تسلم الحركة رئاسة الحكومة ، ويشعر قادتها السياسيون أن هناك عبئا وهما كبيرين على كاهلهم في ظل حالة المقاطعة الدولية ومنع ووقف المعونات وسياسة التجويع .<BR>أيضا من أهم ما سوف يفرزه استمرار عمليات المقاومة أنه سوف يكشف تناقض توجهات الرئاسة الفلسطينية بزعامة الرئيس عباس مع الواقع الفلسطيني ووقوفه في خندق الحكومة الصهيونية من خلال إدانته لهذه العمليات خصوصاص أن وصفه للعمليات الاستشهادية بأنها "حقير" قد أغضب كافة الفصائل الفلسطينية بما فيها كتائب الأقصى التابعة لفتح والتي طالبته بتقديم اعتذار واضح وصريح عن هذه الهفوة ، وهو أمر من شأنه أن يعزز قوة حماس أكثر ويعزز الجناح التابع لها في السلطة في مواجهة جناح الرئاسة .<BR>وتعزيز قوة حماس السياسية في الشارع الفلسطيني - خاصة في ضوء سعي قادة الحكومة لإحراج دول العالم العربي وحثهم على تعويض قطع المعونات الأجنبية - سوف يحرج بدوره البيت الأبيض وبعض الحكومات الأوروبية ويزيد كراهية الشعب الفلسطيني لهما وتحول غالبية الشعب لخيار المقاومة في ظل سياسة التجويع المتصاعدة وكلها أمور تصب في صالح حكومة حماس .<BR>إستراتيجية حماس تقوم بالتالي على أن الشعب الفلسطيني لم يعد لديه ما يخسره، وأن حماس أيضا ليس لديها ما تخسره ، ولكن الخاسر سيكون هو الصهاينة والأمريكان في حالة تصعيد الهجمات أو القيام بأي خطوات تصعيدية تشكل هدم للسلطة أو الحكومة الفلسطينية خصوصا أن حكومة حماس تراجع كل الملفات الأمنية والتعاون والتنسيق الأمني السابق مع الصهاينة ، وأعلنت إلغاء كل ما يخالف ثوابت وكرامة الشعب الفلسطيني الأمر الذي يسحب من يد الدولة الصهيونية سلاح هام كانت تحارب به الفلسطينيين بالتجسس على بعضهم البعض والحصول على معلومات ومساعدات استخبارية عن خصومها في حركات المقاومة .<BR> بعبارة أخري تسعي حماس لوضع قواعد جديدة فيما يتعلق بفكرة الإرهاب والعمليات الاستشهادية بحيث تقارن بين شهداء فلسطين المدنيين الأبرياء والقتلى الصهاينة في العمليات الاستشهادية على اعتبار أن هناك صمت غربي على الغارات والقذاف الصهيونية اليومية التي تقتل العشرات من الأطفال والمدنيين ، فحسب الإحصاءات الرسمية "الإسرائيلية" قتل حوالي 3600 مدني فلسطيني ربعهم من الأطفال تحت سن السادسة عشرة، مقابل مقتل 660 "إسرائيلياً" حتى الآن وهو ما يعني إن القوات "الإسرائيلية" قتلت خمسة أضعاف ما قتله الفلسطينيون في عملياتهم الفدائية !!.<BR>فمن المستغرب أن سفراء الدول الأوروبية قاموا بزيارة جماعية لموقع العملية الاستشهادية في تل أبيب للتعاطف وإلقاء الورود ، في حين أن احد لم يتدخل أو يستنكر قتل طفلة فلسطينية عمرها شهور بدانات المدافع "الإسرائيلية" ، كما نشرت صور لعشرات الأطفال الفلسطينيين وأجسامهم مخترقة بحفر دانات المدافع والصواريخ ولا أحد يستنكر !.<BR>هناك أهمية كبيرة بالتالي لعملية تل أبيب ورسالة ذات مغزى تشي بأن العمليات سوف تتواصل ولن توقفها حكومة فلسطينية أو يتدخل جهاز الأمن الفلسطيني لقمع أو اعتقال أو ملاحقة منفذيها ، وهو ما يعني أنه إذا كان الصهاينة يريدون الأمن فعليهم إرجاع الأرض وعليهم وقف عدوانهم على الشعب الفلسطيني ، وعلى الغرب وأمريكا بدورها ألا تكيل بمكيالين للشعب الفلسطيني .<BR>بقي بعد ذلك بيان غريب من الجامعة العربية وأمينها العام يستنكر فيه – لأول مرة – العمليات الاستشهادية ضد (المدنيين) وهو تطور جديد ربما يعكس نوعا من الضغوط العربية المتواصلة على حماس ضمن الضغوط الداعية لاعتراف الحركة بمبادرة السلام العربية ، رغم أنه لا يوجد مقابل "إسرائيلي" لهذه التنازلات أو المواقف العربية التي تزيد الضغوط على الشعب الفلسطيني في ظل حالة التجويع الدولية المستمرة وغلق المعابر ومنع وصول السلع للفلسطينيين .<BR>لقد نقلت الصحف الصهيونية عن وزيرة الخارجية "الإسرائيلية" تسيبي ليفني تصريحا مثيرا للجدل تقول فيه أن العمليات الاستشهادية ضد الجنود الصهاينة ليست إرهابا وهي مسئولة "إسرائيلية" ،فلماذا يتبرع العرب بالقول أن العمليات ضد المدنيين وهم بدورهم ضمن المنظومة الصهيونية المسيطرة والمحتلة للأرض ؟ .<BR>لقد سعي المحلل العسكري لصحيفة يديعوت احرونوت الكيس فيشمان للتحريض على عملية اجتياح واسعه عقب عملية تل أبيب وقال أن هذه العملية "تشكل محطة أخرى لعملية ضخ الجيش "الإسرائيلي" مجدداً إلى المناطق الفلسطينية ، وأضاف أن هذه العملية يطلقون عليها في الجيش "الإسرائيلي" (جولة ثالثة) في إشارة إلى (انتفاضة ثالثة) ومواجهة حتمية ، ولكنه اعترف بأن السؤال المطروح الآن في "إسرائيل" هو ما إذا كانت "إسرائيل" ستدخل إلى نابلس وجنين وغزة أم لا ومتى يحدث هذا ؟<BR>عملية تل أبيب تبدو بالتالي لصالح حكومة حماس وليس ضدها ، فالحكومة ليس لديها ما تخسره وكل الشعب الفلسطيني يفضل الموت في حرب قتال وانتفاضة ثالثة حاسمة بدلاً من القتل البطيء عن طريق الحصار الاقتصادي وتضييق الخناق الأمني لصالح الصهاينة ، ومن الصالح الفلسطيني تعجيل المواجهة لحسم قضية الأرض قبل أن ينتهي أولمرت وحكومته من تنفيذ مخطط إكمال الجدار العازل وتحديد حدود للدولة الصهيونية تبتلع أجزاء كبيرة من الدولة الفلسطينية .<BR><br>