اتفاقية دارفور لصالح أم ضد السودان؟
12 ربيع الثاني 1427

بعد ضغوط مكثفة تركزت بشكل واضح على وفد الحكومة السودانية في مدينة أبوجا النيجيرية لتسريع الخروج باتفاق سلام حول دارفور التي يدور فيها صراع بين قبائل عربية مسلمة وأخرى أفريقية مسلمة ، وافقت الحكومة السودانية على التوقيع على الاتفاق الشامل الذي أعده الاتحاد الأفريقي والولايات المتحدة الأمريكية لوضع حد للحرب الأهلية الدامية هناك منذ أكثر من ثلاث سنوات، وإجهاض خطط التدخل الغربي في دارفور .<BR>الاتفاق الذي يتضمن ثلاثة نقاط أساسية تتعلق بتقاسم السلطة في دارفور بين الحكومة وحركات التمرد الثلاث هناك ، وتقاسم الثروة ، وترتيبات أمنية لوقف عمليات القتل والخطف هناك ، وأبرزها تفكيك ميليشيات "الجنجويد" – معناها المحارب الذي يركب جواد ويحمل سلاح - وفصائل التمرد ، ودمجها في الجيش والشرطة السودانية ، أثار تساؤلات عديدة حول أسباب تسرع الحكومة السودانية بالموافقة والتوقيع عليه حتى قبل أن توافق عليه حركات التمرد التي وافقت لاحقا واحدة منها فقط فيما بقيت حركتان رافضتان .<BR>كما أثار تساؤلات أخرى أعمق حول المكاسب والخسائر التي ينطوي عليها الاتفاق على وحدة السودان، خصوصا أنه الثاني بعد اتفاق الجنوب الذي يتضمن تنازلات كثيرة لحركات التمرد في الجنوب والغرب وبضغوط غربية وأمريكية مباشرة وتحت وطأة التهديد بالتدخل الدولي وتدويل مشكلة السودان ككل بما قد يحوله إلى عراق آخر ، وهل لدى الخرطوم مبررات منطقية لهذا التوقيع العاجل، بحيث تعده مكسباً أو شراً أصغر أفضل من شر أكبر ؟! <BR><font color="#0000ff"> المكاسب السودانية</font><BR><font color="#ff0000"> بشكل عام يمكن تلخيص ما يمكن اعتباره مكاسب سودانية من وراء توقيع الاتفاق في عدة نقاط :</font><BR> لو رفضت الخرطوم توقيع الاتفاق ، لعد هذا مبررا للتدخل الدولي وتدويل المشكلة في دارفور ، ودفع باتجاه التدخل الأمريكي هناك، خصوصاً أن هناك قرارات من مجلس الأمن بتدخل قوات دولية في دارفور في غضون ستة أشهر ، وبعقوبات ضد أربعة مسؤولين سودانيين وتجميد أموالهم ومنعهم من السفر بينهم "غفار محمد الحسن (القائد السابق في سلاح الجو السوداني في غرب السودان) والشيخ موسى هلال (أحد زعماء قبيلة دلول شمال دارفور)، المتهم بأنه من الجنجاويد غير اثنين من قادة المتمردين في دارفور ، وبالتالي فالقرار أجهض التدخل الدولي أو على الأقل أظهره كأمر غير ضروري .<BR>1- توقيع الخرطوم أفاد الحكومة السودانية في الظهور بمظهر المرونة أمام العالم وأحرج الموقف الأمريكي الذي يصور الخرطوم على أنها تساند ما يسمى عمليات "الإبادة الجماعية" هناك ، وأحرج بالتالي حركات التمرد الثلاثة وأظهرها في صورة متشددة كما نقل ثقل الضغوط من على كاهل الخرطوم إلى كاهل حركات التمرد حتى إن الاتحاد الأفريقي هدد هذه الحركات المتمردة الرافضة للتوقيع بأنه ما لم توقع في غضون 10 أيام فسوف يعدها "مجرمو حرب" ويجري مطاردتهم من قبل القوات الدولية في دارفور .<BR>2- الاتفاق يوفر الهدوء في دارفور ويوقف العمليات العسكرية ، وبالتالي يسمح بالتفرغ لتنفيذ اتفاقات السلام والتنمية وعدم ضياع موارد السودان المتزايدة، خصوصاً النفطية في تمويل الحروب ، كما أنه سيؤدي ضمناً للهدوء على الجبهة السودانية التشادية، حيث سيتم طرد متمردي تشاد من أرض دارفور ، وينزع بالتالي فتيل حرب هددت تشاد بها مع السودان بسبب انطلاق متمردي تشاد من دارفور لقلب الحكم في تشاد بالقوة .<BR>3- الهدف الأساسي من التدخل الأمريكي في السودان هو تحويل منطقة القرن الأفريقي إلى منطقة نفوذ أمريكية إستراتيجية مثل منطقة الخليج ، وأحد مغريات التدخل في هذه المنطقة هو ما تشير إليه الدراسات السودانية من أن دارفور بها أكبر مخزون للبوكسيت في العالم (خام الالومنيوم الذي يستخدم في صناعة الطائرات والسيارات وغيرها) ، فضلا عن اليورانيوم والنفط لحد التنبؤ بتحول منطقة المثلث بين دارفور وتشاد وليبيا لمنطقة هامة لاستخراج النفط في العقود القادمة ، وتوقيع اتفاق سلام الجنوب ثم دارفور رغم ما بهما من تنازلات كثيرة يجهض هذه الخطط أو يعرقلها .<BR>4- توقف المعارك وهدوء الأحوال سيظهر حقيقة الأوضاع في دارفور وكذب ما تروجه أدوات الدعاية الغربية ومنظمات التنصير من أن هناك "تطهير عرقي" و"إبادة جماعية" وسوف يكشف حقيقة القتلى والجرحى ، كما سيكشف من يقف وراء حركات التمرد في دارفور ، ومن ثم ستظهر حقيقة المشكلة بعيداً عن ادعاءات وأكاذيب وسائل الإعلام الغربية التي يجري تسخيرها – على الطريقة العراقية – كمدفعية ثقيلة ضد الدول التي لا ترضى عنها واشنطن وأوروبا ، ليعقبها غزو أو عدوان جوي وبدعوى جديدة هذه المرة هي "إبادة الإنسانية" !؟<BR><font color="#0000ff"> خسائر الخرطوم </font><BR><font color="#ff0000"> بالمقابل يمكن القول إن توقيع اتفاق دارفور بهذه الطريقة وبهذه البنود تضمن خسائر للخرطوم منها :</font><BR> الهدف الأمريكي الخاص بالتدخل في السودان لأغراض استراتيجية ومطامع في ثرواته لن تتوقف أو تنتهي ، صحيح أنها ستتعطل مؤقتا أو تتوقف قوة الدفع الخاصة بها ، ولكن الإصرار الأمريكي عليها واليقين السوداني من هذه النوايا بدليل تجديد وضع السودان على لائحة الإرهاب ودفع قرارات بعقوبات على السودان للأمم المتحدة ، كان يتطلب صمود سوداني أكبر لتحسين شروط الاتفاق التي سوف تنعكس مستقبلا على إضعاف قبضة الخرطوم على غرب السودان كما حدث في جنوب السودان ، وربما مستقبلا في مناطق توتر أخري كالشمال ، وكلها تعزز خطة تفتيت السودان الأمريكية عبر اتفاقات سلام تنزع سلطة الخرطوم طواعية عن مناطق هامة .<BR>1- قبول السودان بالتعديل الأمريكي في الاتفاق على استحداث بندا يتضمن نزع سلاح الجنجاويد ، ينطوي ضمنا على اعتراف سوداني بالاتهامات الغربية بأن الجنجويد هي ميليشيا تدربها وتسلحها حكومة السودان ، وقد يستخدم مستقبلا – كسلاح عقوبات - لتأكيد ذات المزاعم عن مسؤولية الحكومة عن "عمليات الإبادة " في دارفور !<BR>2- الاتفاق يتضمن ذات عيوب اتفاقية نيفاشا الخاص بجنوب السودان المتعلق بعدم استرضاء القوي الشمالية المعارضة (أحزاب الأمة والاتحادي والمؤتمر الشعبي) بمكاسب سياسية (مناصب وزارية ) كي تقف بجوار الوفد الحكومي لتعزيز مكاسبه ، وهذا أدي بمتمردي دارفور لرفع سقف مطالبهم وإصرارهم عليها لحد المطالبة بالحصول على سلطات تنفيذية واسعة، و7 وزراء اتحاديين و60 وزير دولة ، ومنصب نائب رئيس للجمهورية وليس منصب مساعد أو مستشار للرئيس ، وأن تكون دارفور "إقليما واحدا" بدلا عن ثلاث ولايات الآن ، والاحتفاظ بقواتها خلال المدة الانتقالية وعدم دمج قواتها في الجيش السوداني .<BR>3- رغم أن الهدف السوداني من التوقيع هو عرقلة التدخل الدولي، فليس هناك أدلة على انتهاء نوايا التدخل الدولي ، بل أن الخرطوم نفسها صدر عن بعض قادتها تصريحات تشير لاستعدادها قبول القوات الدولية الآن بعدما تم توقيع اتفاق السلام كي ترقب تنفيذ الاتفاق ، كما أن مسئولين أمريكيين وأوروبيين تحدثوا عن أن توقيع الاتفاق سيعقبه إرسال قوات دولية ، أما مسألة اشتراط الخرطوم دخول هذه القوات برضاها وموافقتها فأمر روتيني وشكلي لأن القرار لم يعد في يد الخرطوم . ويلاحظ هنا أن حزب المؤتمر الوطني السوداني الحاكم أعلن رفضه التدخل الدولي في دارفور ، وقال أنه عازم على جعل دارفور مقبرة للقوات الدولية، بيد أنه عاد للموافقة على نشر قوات أجنبية بعد توقيع الاتفاق ، الأمر الذي انتقدته قوي سودانية معارضة وقالت أنه بموجب هذه الاتفاقية تخلى الحزب الحاكم عن "السودنة" وعن السيادة الوطنية في دارفور .<BR>4- مع أن الخرطوم هي رئيسة القمة العربية الحالية ، إلا أنها لم توظف هذا المنصب بشكل محنك في الأزمة الأخيرة ، وتركت صياغة اتفاق دارفور للاتحاد الأفريقي وغاب الدور العربي تماما واكتفي بالدور الاحتفالي – تماما كما حدث في اتفاق جنوب السودان – وكان من الممكن أن تجيش الخرطوم الجامعة العربية والدول العربية بسبل مختلفة لموازنة الضغوط الأفريقية والأمريكية التي نتج عنها اتفاق غير متوازن ينتقص ضمنا من السيادة السودانية على غرب السودان الذي يمثل خمس مساحة السودان . <BR><BR>اتفاق دارفور – مثل اتفاق الجنوب – ليس سوي محاولة من الخرطوم على ما يبدو لعرقلة التدخل الدولي في السودان وتفتيته ، ومسعاه لوقف الزحف الإسلامي من دارفور في غرب السودان – حيث مركز الدعوة الإسلامية والخلاوي في السودان – إلى غرب أفريقيا ، ومثلما نجحوا في حصار التمدد الإسلامي للإسلام الأفريقي القادم من السودان باتجاه المستعمرات الأنجلوسكسونية القديمة في الجنوب ، سعوا لحصاره عن المستعمرات الفرنسية في الغرب .<BR>صحيح أن مساحة الحركة السودانية محدودة في ظل الضغط المتزايد دوليا والعزوف العربي عن نصرة الخرطوم بسبب حالة الضعف العامة للأنظمة العربية ، ولهذا جري التوقيع على الاتفاقات كحلول إجهاضية لوقف المؤامرات على وحدة السودان ، بيد أن الهدف الغربي يبقي كما هو ما يتطلب جهود عربية وإسلامية أكبر لنصرة السودان .<BR>لقد حذر الدكتور محمد الأمين دفع الله، رئيس لجنة الزراعة والثروة الحيوانية بالمجلس الوطني السوداني (البرلمان) ومسئول صندوق إعمار جنوب السودان سابقا من أن التدخل الأجنبي الذي تزمع أمريكا ودول أوروبية القيام به في دارفور تحت غطاء الأمم المتحدة له أهداف أخري تتمثل في السعي لتنصير هذه المنطقة الهامة والسيطرة عليها لما لها من أهمية إستراتيجية وغناها بالموارد الطبيعية وعلي رأسها النفط .<BR>وأكد دفع الله – في لقاء سابق مع (المسلم) - أن التدخل الغربي جاء أصلا لأهداف إستراتيجية، وأن هدفه فصل العالم الأفريقي المسلم عن باقي القارة الأفريقية ، خشية انتشار الدين الإسلامي في ربوع أفريقيا ، وأنهم يسعون لعزل العنصر الأفريقي المسلم عن العنصر العربي وتنصير هذا الجزء المسلم ، وأن ما يعقد المشكلة هو الأطماع الخارجية في هذا الموقع الإستراتيجي، بالإضافة إلى الموارد الكثيرة جدًا الموجودة في دارفور، سواء النفطية أو اليورانيوم وغيرها .<BR>وأشار دفع الله إلى وجود علاقة بين الضغوط الأمريكية الأخيرة على الدول الأفريقية لحرمان السودان من رئاسة الاتحاد الأفريقي في دورته هذا العام 2006 ، وبين المخططات المعدة للتدخل في السودان ، ونوه إلى أن الحديث المتداول عالميا الآن عن وجود لتنظيم القاعدة في السودان أو أن القاعدة سوف تتدخل في دارفور لخلق ساحة قتال جديدة – مثل العراق – ضد القوات الأمريكية ، هدفه تبرير هذا التدخل الأمريكي ، حسبما قال .<BR>وشدد على رفض السودان قدوم أي مجاهدين أو قوات عربية للدفاع ، وحاجته فقط إلى الدعم المعنوي والسياسي والدبلوماسي ، لأن السودان لا يريد أن تتكرر المأساة التي حدثت في العراق ولا الحرب الأهلية ، والأهم ألا يستغل البعض هذه (القاعدة) في تبرير التدخل في شئون السودان ، فهل ينتبه أحد لما يجري في السودان من مخططات استعمارية تنصيرية خطيرة ؟!<BR><br>