فرنسا و محافظوها الجدد أزمة تخرج إلى السطح !
16 ربيع الثاني 1427

"فرنسا في خطر" ! هذا هو عنوان المقال الذي أثار الكثير من الجدال في فرنسا، والذي كتبه "ألان مادلين" المعروف بكونه واحد من أكبر المتطرفين اليهود الفرنسيين، ليس الخطر في نظر "ألان مادلين" سوى ما يعده الزحف الإسلامي داخل الجمهورية الخامسة، والذي يراه خطراً حقيقياً يجب القضاء عليه بفرض حالة طوارئ شاملة يتحتم عبرها طرد المسلمين من فرنسا و إعادة العلاقات الطبيعية بين باريس وواشنطن وفق نفس الثقافة "التنويرية" التي حملها المحافظون الجدد داخل الولايات الأمريكية المتحدة.. هذا تحديداً ما يكتشفه اليوم كل من يتصفح الصحف الفرنسية الذين في الآونة الأخيرة و هو ما يعكسه في الحقيقة حجم التحولات الفكرية التي صارت تــُفرض اليوم على الفرنسيين بشكل براجماتي لا يخلو من أيديولوجية. الجميع يعرف الصحف الفرنسية الكبيرة المنحازة "للتغير" الذي تمثله النخبة الفرنسية المهيمنة والمتعاطفة مع اليهود، أي تلك التي تعد التجربة الأمريكية ناجحة باعتبار أن اللوبي اليهودي الصهيوني هو الذي يتحكـّم و بشكل مباشر في السياسة الخارجة الأمريكية و هو الشيء الذي يبدو اليوم جلياً في فرنسا، بعد أن صار الجميع يتكلم عن انهيار النهج الديجولي المتمثل إلى الآن في شخص جاك شيراك و حزبه الحاكم، و الحال أنه صار مثيراً للعديد من الأسئلة أن تفتح اليوم جل الصحف اليومية الكبيرة صدر صفحاتها لمفكرين صهاينة من أمثال" بيار لولوش"، الذي يعد اليوم من أكبر المطالبين بالتغييرات السياسية في فرنسا و باتباع النمط الأمريكي في هيكلة السياسة الداخلية بفضل ما يمكن تسميتهم بالتجديديين الذين يحاولون السيطرة على مقاليد الحكم داخل الجمهورية الخامسة وفق العديد من القرارات التي صارت تسعى و بشكل مباشر إلى تطويق الجاليات الأخرى، و منها الجالية الإسلامية و بالتالي فرض عليها حالة من الضغط المباشر لأجل وضعها أمام خيار البقاء وفق الرؤية الفرنسية الجديدة أو المغايرة و هو الأمر الذي تسعى إليه أساسا بمعية حركات فرنسية متطرفة تقودها تيارات راديكالية كالحزب الوطني الفرنسي الذي يعد سياسياً في أوروبا نفسها و في فرنسا خاصة من أخطر الأحزاب العنصرية الرافضة لوجود المسلمين على الأرض الفرنسية، والداعمة لفكرة " الطلاق البائن" بين فرنسا و الدول المتوسطة التي تنحدر من جذور إسلامية. <BR><font color="#0000ff"> شيراك المتناقض ! </font><BR>حين تساءل (الرئيس الفرنسي) جاك شيراك في تصريح نقلته وكالة الأنباء الفرنسية عما يجري في فرنسا، لم يكن سؤاله غامضا و لا مفبركا، كان حقيقيا باعتبار أن العديد من الشخصيات الثقافية المحسوبة على اللوبي الصهيوني و المؤثرة في فرنسا تحاول اليوم تجريد فرنسا من كل ما صاغته إلى اليوم، و الحال أن كتاب " مأساة الرئيس" الذي صدر قبل شهرين كان بمثابة القطرة التي أفاضت الكأس، ليس لأن الكتاب حمل حقائق جديدة عن الرئيس الفرنسي (المتهم بالتناقض وبالبراجماتية الشوفينية)، بل لأن الكتاب من تأليف واحد من اليهود الفرنسيين أيضا وهو جزء من القاطرة الصهيونية في فرنسا و التي تحاول قطع الطريق أمام أي خيار سياسي معتدل، بالخصوص في الظروف السياسية الدولية التي تسعى من خلالها الولايات الأمريكية إلى بسط نفوذها العسكري على أكثر من قارة و هي بهذا ستحتاج إلى القارة الأوروبية العجوز، أي إلى ألمانيا التي تبدو اليوم أكثر انفتاحاً على الولايات الأمريكية و تحتاج إلى فرنسا التي كانت معارضتها الماضية للحرب على العراق بمثابة الـ"وقعة" التي وعدت الإدارة الأمريكية على أساسها الديجوليين بالعقاب الشديد، و بنتف "ريش الديك الفرنسي" على حد تعبير صحيفة الواشنطن بوست في فبراير 2003 أيام الغزو الأمريكي للعراق الذي وازاه الرفض الفرنسي.. ذلك الرفض تأكد فيما بعد في كتابين صدرا في فرنسا نفسها أن فرنسا كانت سترسل قواتها إلى العراق للمشاركة في الحرب، ولكن الموقف الأمريكي من الاقتسام الريعي جعل الفرنسيين يرفضون الدخول في الحرب. بمعنى أن فرنسا لم ترفض المشاركة في الحرب إلا بعد أن اختلفت مع الأمريكيين في طريقة اقتسام الكعكة العراقية هو الشيء الذي اعتبره شيراك "تجاوزاً" أمريكياً غير مقبول، مما جعل الجبهة الفرنسية تأخذ طابعاً "نضالياً" مناهضاً للحرب .. هذا الكلام نفسه ذكره أيضا كتاب "مأساة الرئيس" الذي يؤكد فيه مؤلفه أن فرنسا لم تكن ضد الحرب و لم تكن في الوقت نفسه مع أمركة الخيرات العراقية، بمعنى أنه لولا أن أمريكا أرادت الاستحواذ على كل شيء لكانت فرنسا اليوم تشكل جبهة من جبهات التحالف الغربي الموجود في العراق.. شيراك المتهم بالكثير من "العيوب" حسب العديد من الكتاب الفرنسيين الذين أصبحوا يكتبون عنه بالكثير من السخرية والتهكم، هو الذي سينتهي كرئيس فرنسي بانتهاء عهده، لأن المواعيد الانتخابية لسنة 2007 ستفتح الباب و بشكل كامل أمام التجديديين الذين يرفعون شعار" التغيير الجذري" و الذين يؤسسون فكريا ما يسمى أيضا بالجبهة الفرنسية الجديدة من الشخصيات الأكثر تأثيراً في الجمهورية الخامسة، أي المثقفين ورجال الإعلام ورجال الأعمال الذين ينحدرون من أصول يهودية، أي أولئك الذين ترعرعوا على كراهية رهيبة للعرب و للمسلمين على حد سواء أمثال "بيار لولوش و ألان مادلين ..<BR><font color="#0000ff"> الحرب على الطريقة الفرنسية ! </font><BR>بوادر الانقلاب الحقيقية في فرنسا بدأت في نهاية عام 2003، حين ألقى "ألان مادلين" محاضرة مطولة في مقر مؤسسة" هاريتاج فوندايشن" التي تنتمي ضمنيا للمحافظين الجدد، انتقد على إثرها الرئيس الفرنسي الذي اعتبره "شخصا غير سوي" و اتهمه بأنه "يقود فرنسا إلى الهاوية بتحالفاته غير المقنعة مع الجاليات الأجنبية" و هو المفهوم الذي أعطى الانطباع أن شيراك متهم بالـ"تعاطف" مع العرب والمسلمين على وجه التحديد ! مع أن الواقع يقول أن الرؤية الفرنسية سياسياً (في عهد شيراك) انطلقت من تلك الثقافة السياسية القديمة التي حملها شارل ديجول، والتي أراد من خلالها أن يؤسس دوراً جديداً لفرنسا الكلونيالية ذات الطابع " الاحتلالي الثقافي" تماماً كما فعل ديجول قبل خمسين عاماً حين تخاصم مع الدول الأطلسية وأراد أن يكون "قوة" أحادية منطلقة من ما يسمى بالمعنى النابليوني للسياسة المعتمدة على حق التواجد و الاستيطان في الدول التي تعدها فرنسا إلى اليوم بمستوطناتها القديمة سواء في أفريقيا أو في المشرق العربي أو في آسيا.. بيد أن انتقادات "ألان مادلين" سرعان ما وجدت من يكررها في نهاية سنة 2004، و في سنة 2005 حين بدأ اللوبي الصهيوني يؤسس لنفسه ما عرف في فرنسا بالمجد اليهودي الفرنسي، إذ يتذكر الجميع أن قانون منع الحجاب كان في سياق ما عرف بقانون حظر الرموز الدينية الذي مس المسلمين بالأساس باعتبار أن المدارس اليهودية لم تتأثر أبدا من ذلك الإجراء، بينما تعرض أكثر من 3200 مسلم إلى الطرد المباشر بسبب التزامهم بالشعائر الدينية ومنهم 2900 امرأة في باريس وحدها بتهمة الحجاب.. ثم جاء بعد ذلك التصريح الذي أدلى به (المجرم الصهيوني) أرييل شارون حين طالب اليهود الفرنسيين بالعود إلى "إسرائيل". كانت تلك بمثابة القطرة التي أفاضت الكأس بالنسبة للديجوليين الذين طالبوا وقتها جاك شراك بالتغيير في سياسته الخارجية وهو ما جعله (أي شيراك) يزور المعابد اليهودية، و يزور المؤسسات الثقافية اليهودية في فرنسا لأجل إقناع اليهود بالبقاء في بلدهم فرنسا. كانت تلك الكبوة التي اعتبرها العديد من الملاحظين بالبداية الحقيقية للتغيير الجذري في السياسة الفرنسية بالخصوص بظهور الطريقة الشرسة التي عالج بها وزير الداخلية الفرنسي "نيكولا ساركوزي" أزمة الضواحي في فرنسا السنة الماضية و التي أعطت الانطباع بما لا يدعو للشك أن التحكم في مقاليد السلطة الفرنسية في إطار ما صار يعرف في فرنسا بالتجديديين أي المعنى الفرنسي للمحافظين الجدد، وفق نفس الرؤية التي جعلت الولايات الأمريكية عنصرية و طامعة في ثروات الدول الأخرى التي تتهمها مسبقاً بالمارقة للاستحواذ عليها بدعوى مكافحة الإرهاب كما فعلت في العديد من دول العالم. فحرب الضواحي كما أسمتها الصحف الفرنسية أريد لها أن تكون " التهديد" الذي على أساسه يمكن إخافة الشعب الفرنسي من خطر " المسلمين" على فرنسا، بحيث يتوجب القيام بخطوات حقيقية لمكافحتها و هو ما تجسد فعلياً في العديد من المرات على أساس قرارات كانت تمس في الدرجة الأولى المهاجرين الأفارقة و المغاربة و المسلمين عموما. بيد أن الحرب في فرنسا ليست في الحقيقة سوى تلك التي تقوم بها شخصيات موالية للصهيونية الدولية والتي لا تريد أن يكون للمسلمين تواجدا بالخصوص وأن الإحصائيات الذي نشرها المعهد الفرنسي للدراسات الجيوسياسية جاء فيه أن الإسلام هو أهم الديانات في فرنسا وأن تأثر الفرنسيين بالإسلام يشكل اليوم احتمالاً مفتوحاً بأن الإسلام سيكون الديانة الغالبة في فرنسا بعد عشرين سنة قادمة. وهي الدراسة التي أثارت المخاوف الكبيرة في العديد من الحصص التلفزيونية الفرنسية مثل قناة "الخامسة" التي ناقشت قبل أسبوعين "خطر الإسلام على فرنسا" ! <BR><font color="#0000ff"> التطرف الفرنسي المقبل: </font><BR>لا يختلف اثنان أن الوجه الفرنسي ما بعد شيراك سيكون مغايرا تماما، بالرغم من أن البعض يحاول التسويق لما بعد شيراك انطلاقا من "دوفلبان" كخليفة لشيراك و هو الشيء الذي يبدو أن المتطرفين الفرنسيين رافضين له بالخصوص أولئك الذين يهددون علانية بالعصيان و هم ذوي الأصول اليهودية.. ففي 1 مايو الماضي اعتبرت جريدة لوفيجارو الفرنسية في افتتاحيتها أن التغيير الذي يرجوه الفرنسيون لما بعد شيراك يجب أن يعيد العلاقات بين الشعبين الفرنسي والأمريكي، والحال أن العلاقات المقصودة هي العلاقات السياسية باعتبار أن الشعب الأمريكي لم يعادِ فرنسا؛ لأن أكثر من 60% من الأمريكيين يعدون الحرب على العراق مثلاً خاطئة، وهو الشيء نفسه في فرنسا، لكن الحكومتين الأمريكية والفرنسية في حالة طلاق منذ العصيان الفرنسي على القرارات الأمريكية، والحال أن ذلك عصيان يوشك على الانتهاء، على الرغم من كل ما يقال في فرنسا إلا أنه في الوقت الراهن اللعبة الانتخابية ستلعب على نفس السياق الذي لعبت فيه من قبل، أي إخافة الشعب الفرنسي من المسلمين و من المتطرفين اليمينيين بقيادة "جون ماري لوبان" لأجل منح الثقة للمرشح الأقرب إلى التجديديين ( أي المحافظين الجدد في فرنسا) وهي نفس اللعبة التي لعبت حين نجح شيراك في الانتخابات الرئاسية الفرنسية الأخيرة، والتي أعطته حق تولي القيادة في فرنسا بعد فوز ضئيل من خصمه اليميني المتطرف "لوبان" ! لعبة الاقتراعات الفرنسية القادمة، بدأت من الآن، من اللحظة التي صارت فرنسا تتجسس على مواطنيها لمكافحة الإرهاب، وتراهن على محاصرة المسلمين لأجل مكافحة الإرهاب، وتعتبر المهاجرين غير مرغوب فيهم دائما لأجل مكافحة الإرهاب. فرنسا "الحرية والتعايش مع الآخرين" ستتحول إلى علبة سردين لن يكون فيها سوى اليهود القادرين على التخطيط للتغيير الذي يراد منه قطع الطريق أيضا أمام كل المثقفين المعتدلين الذين يناضلون لأجل التعايش السلمي مع الجميع وبالتالي يربطون العنف في العالم بما تقترفه الدولة الصهيونية في الأراضي المحتلة، وطبعا هذا الكلام لا يعجب "التجديديين" الذين يعدون أي شخص يتكلم عن "إسرائيل" كـ"دولة" مجرمة هو بمثابة معاد للسامية بحيث يحق عليه العقاب وفق المادة العاشرة التي تبيح سجن أي مواطن يسيء شكلاً و مضموناً إلى اليهود داخل فرنسا !<BR><br>