تغليب المنطق والتعقل في العلاقات الفلسطينية.
27 ربيع الثاني 1427

ما يجري على الساحة الفلسطينية من تدهور واندفاع نحو حافة الهاوية يستدعي الوقوف عليه وتبيان مخاطره وتداعياته على الشعب الفلسطيني وقضيته التي صمدت أكثر من نصف قرن في وجه كل أشكال التصفية، فالصراع المحتدم الآن بين مؤسستي رئاسة السلطة ورئاسة الحكومة والذي ينعكس على الساحة الفلسطينية في قطاع غزة والضفة الغربية، يبدو أنه خرج عن قواعد اللعبة السياسية المألوفة بين المعارضة والحكم والقبول بالاختلاف كأحد أسس الديمقراطية، وهو ما جعل الأنظار مشدودة إلى ملامح نكبة جديدة، صرفت الأنظار والأذهان عن ذكرى النكبة التاريخية لعام 1948 التي حلت قبل أيام.<BR>إن ما يجري في الأراضي الفلسطينية المحتلة من تشاحن وتطاحن وصراعات باتت تقترب من فتنة كبرى طالما أرادها العدو وسعى إليها لتصفية القضية الفلسطينية من الداخل على يد أبنائها وهو ما يجب أن يفهم على المستوى القيادي والشعبي ، لأنه مقدمة لانتحار سيدفع ثمنه الشعب الفلسطيني الذي لا يزال يدفع الثمن في لقمة عيشه ودماء أبنائه ولا يجوز أن تكون المكاسب الفئوية وتكريس النفوذ والسلطة بهذا الثمن الباهظ والفادح، خصوصا أن الجميع يتنازع على سلطة وهمية لا أصل لها على الأرض المحتلة من جانب الدولة الصهيونية تعيث فيها الفساد دون رقيب ولا حسيب وما زالت جاثمة على الأرض تراوغ وتغتال وتمارس شتى أصناف الإرهاب وتمعن في انتهاك كل الحرمات بل وأخذت تقف على الأبواب بانتظار النتيجة الحاسمة كي تعلن انتصارها وترسم حدودها النهائية، بعد أن يكون الفلسطينيون قد غرقوا في دمائهم المحرمة على أنفسهم.<BR>ولا يستقيم الحديث هنا عن التصادم والتشاحن دون ملاحظة الأداء السياسي لحركة حماس في سياق ممارستها المسؤولية الحكومية، وتصرفات الرئاسة وحركة فتح باعتبارهما فاعلان كبيران في صوغ مشهد السياسة والسلطة والتي تجد حماس نفسها وحكومتها أمام تأثيرهما الفعال في أوضاعها اليوم.<BR>وأياً ما كانت الأخطاء والمثالب التي ارتكبتها حماس والحكومة في إدارة الشأن الفلسطيني في هذه المرحلة الجديدة الناشئة بعد انتخابات المجلس التشريعي وما زاد من أوارها تصريحات أخذت طابع منفعل وحديّ لبعض قادتها سواء في الخارج أو في الداخل فإن جزءا ليس بالبسيط من مأزق الحكومة الفلسطينية الحالية لا يمكن رده إلى أخطاء حماس وحدها، أو إلى الضغوط التي تمارسها الإدارة الأمريكية والأوروبية ومن ورائهم دولة الاحتلال الإسرائيلية وهو العامل الأكبر في هذا المأزق، وإنما ينبغي الاعتراف بوضوح بأن لحركة فتح ورئاسة السلطة ممثلة بمحمود عباس دوراً فيه غير قابل للتحوير قدم للقوى الدولية والكيان الإسرائيلي وبعض النظام العربي الذريعة لتشديد الخناق على حكومة من الخارج مقابل التضييق عليها من الداخل الفلسطيني بغرض إفشالها وتأليب الرأي العام الفلسطيني الداخلي عليها لتسهيل إسقاطها أو لتقديم الحجة عليها من الداخل إلى من يطلب مثل تلك الحجة من الخارج لمزيد من الضغط عليها والابتزاز، وكل طرف من هؤلاء له مصالحه الخاصة من وراء ذلك.<BR>الظاهر أن حركة فتح لم تستسغ بعد هزيمتها في النزال الديمقراطي وكان عليها أن تترفع بإرادتها أمام رغبة أغلبية الشعب في اختيار نخبة سياسية ونهجا آخر غيرها لتمثيله في التشريعي وفي الحكومة، كما أنها لم تستوعب بعد حقيقة خروجها من السلطة بعد اثني عشر عاماً من سيطرتها عليها تداخلت فيها فتح مع مؤسسات السلطة قبل أن تئد منظمة التحرير. ولقد كانت النتيجة أن الحركة أمعنت طويلاً عن قصد في الشروع بسياسات معاكسة ألبت ردود الفعل ضد صعود حماس إلى تشكيل الحكومة وهو ما قاد إلى جانب عوامل أخرى في صنع هذا الوضع - المأزق الذي تجد فيه حكومة حماس نفسها اليوم ومن قبلها الشعب الفلسطيني في الداخل، على نحو يجافي تقاليد حركة فتح نفسها.<BR>وفي مقدمة ذلك الضغط على الحكومة من بعض أعضاء فتح بطرق ووسائل غير سياسية أضحت عنوانا ممارسا بحرية من خلال إطلاق حالة من الاحتجاج المسلح بدعوى تأخر صرف الرواتب تارة، وأخرى بدعوى عدم الإدماج في الأجهزة الأمنية، وطوراً للاحتجاج على تصريحات بعض قادة حماس وكان ملاحظا أن هذا النمط من الضغط يتجاوز الأطر وقواعد السياسة للحركة من جهة، وبالتالي حرف السلاح الوطني الفلسطيني عن مساره وأهدافه الوطنية والزج به ضمن مصالح سياسية داخلية، بل وتحويل الأجنحة العسكرية للفصائل إلى ميليشيات تابعة لهذا المسؤول أو ذلك بغرض إرباك الحكومة وإعاقة حركتها وبيان ضعفها أمام الرأي العام الداخلي، سيما وأن الحكومة لا تملك الرد عليها بوسائل أمنية لأكثر من سبب. <BR>أما دور الرئاسة الفلسطينية فقد تم توظيفه واستغلاله من بطانة محمود عباس للضغط على الحكومة وسحب صلاحياتها بل وفرض شكل من أشكال الوصاية عليها، وهم بذلك إنما يسيئون لموقع الرئاسة نفسه، وينالون من صورته وصدقيته ونزاهته، ويطعنون في حياديته المفترضة، ويقدمونه للجمهور وكأنه الموقع الذي يدافع عن مصالح فئة معينة ويساند إملاءات الخارج وينساق في شروطه. على يد فريق منها لا يريد من الموضوع كله سوى السلطة.<BR>فريق في حركة فتح يحاول فرض إيقاع معين على الحركة التي أطلقت الثورة الفلسطينية وقادت حركة التحرر الوطني لأربعين عاماً وهي ذات تاريخ نضالي مشهود له في جميع الأوساط ، ويسعى إلى تغطيتها بثوب يعريها أكثر ويظهرها وكأنها تلجأ لوسائل وأساليب تفتقر إلى الحد المقبول من أخلاقيات السياسة والمنافسة، وهي بذلك تحسب نفسها سلطة تنفيذية؛ لأن الرئاسة وقادة الأجهزة الأمنية من أبنائها، وهي لا ترى في الحكومة الحمساوية مؤسسة رسمية وبذلك لا تتعامل مع حركة حماس بوصفها شريكا في القرار والإدارة، وإنما يجري النظر إليها بوصفها معارضة لسلطة فتح أو لما تبقى منها.<BR>إن ما يجري هو في الحقيقة مظهر من مظاهر تصادم وتشاحن بين نهجين متعاكسين في الرؤية إلى العلاقات الفلسطينية الفلسطينية وآليات إدارة الصراع الفلسطيني "الإسرائيلي"، دون وجود أرضية للحوار المشتركة وتغليب وسائل الاحتكام إلى المنطق والتعقل، فتجاوزا نقطة المحرمات في العلاقات الفلسطينية، وبات الحسم بينهما حتميا ولا فكاك منه.<BR>أليس من حق الشعب الفلسطيني أن يتساءل هل يستحق موقع هكذا سلطة ليس لديها سلطة على شيء في ظل الاحتلال وانسداد كل أفق لتسوية عادلة أمامها، كل هذا الصراع الذي يحمل نذر كارثة لن تبقي على سلطة أو تنظيم أو حتى قضية.<BR><BR><br>