هدى غالية تحت "أمطار الصيف" بعد أمواج غزة
2 جمادى الثانية 1427

لم تحمل يوماً بندقية.. لم تتواجد بمنطقة خطرة, ليست مشروع "إرهاب" ولا تتعاطى السياسة, تلهو كقريناتها, تنام تحتضن لعبتها.. ككل طفلة تحلم بيوم صيفي جميل على شاطئ تعشقه, تداعبها الشمس بأشعتها الذهبية, وتلاطفها الأمواج بحركتها الوادعة, جوار من تحبهم.. تبادلهم فرحة بفرحة وابتسامة بأخرى.. تهرول إليهم, تشهدهم: هذا قصري الذي شيدته من رمال.. لم تدرك أنها قد تجاوزت الخط الأحمر, فقصر الرمال هذا الذي بنته ليس إلا لغة استخفافية منها بمشاريع وقصور أوسلو وكامب ديفيد وواي بلانتيشن التي شيدت بالرمال أيضاً وتواصلت بخيوط أوهى من خيوط العنكبوت.<BR>نامت المسكينة الليلة الماضية.. انطفأت الأنوار حولها.. صرخت المسكينة.. رباه إنه نفس الصوت الذي سمعتُه قبل أسابيع إذ فقدت أبي وأمي وإخوتي, القصف يتلاحق..محطة كهرباء غزة تشتعل, والطفلة البريئة تعاني ظلمة تذكرها بظلمات الاحتلال.<BR>قبل أيام جهد الأطباء النفسانيون المعالجون معها كي تنتصر على معاناتها, بذلوا جل طاقتهم, لكنها سمعت أصوات القصف من جديد, فضاعت جهودهم أدراج الرياح.. الفزع عاد يا هدى.. تصرخين مجدداً لكن بماذا تصرخين؟! من تبكيه ولمن تبكي؟! <BR>طفلة غزة التي يحزن الحزن من رؤية عينيها الذاهلتين لا تدري كيف تتقي مدافع الزوارق وصواريخ الطائرات, إن ضمتها البسمة نزعتها العَبرة, إن خرجت للنزهة ساقت لها الأمواج قذائف اللهب وإن لاذت ببيتها أصمت أسماعها أصوات الطائرات تخرق حاجز الصوت, حتى رذاذ "أمطار الصيف" التي كانت تحبه أن يأتي من غير ميعاد استحال حمماً تكاد تخطف بصرها وأرتال مدرعة تحمل الرزايا.. لم تعد تطيق "أمطار الصيف" ولا "موج البحر".. لم تعد مفردات السعادة تحمل لها إلا ذكريات الألم.. وأي فؤاد يطيق أن يتحول من أقصى السعادة إلى منتهى الحزن.. تحكي المسكينة: " ذهبنا إلي البحر يوم الجمعة بعدما عاد والدي من صلاة الظهر وأنا وإخوتي تغمرنا السعادة لأننا سنذهب إلي البحر، وأخذنا حاجياتنا وذهبنا إلي البحر، وكنا في غاية من السعادة كنا نسبح ونلعب ونمرح أنا وإخوتي، وأمي وأبي، سمعنا صوت قذائف مخيف جدًا خرجنا من البحر وذهبنا إلي الخيمة (..) شعرت بالبرد الشديد أخذت بطانية وافترشتها علي جسدي وغفوت لم استيقظ إلا علي صوت القذائف وصراخ إخوتي ففزعت من مكاني، ووقفت أدقق فيما أشاهده لعل الذي أراه حلما أو شيئا من ذلك القبيل رأيت، رأيت جثث إخوتي وأمي تغرق في دمائها (..)صرخت بأعلى صوتي لعلي أجد من ينقذني لكنني لم أجد أي إنسان أسرعت لأري والدي وجدته هو الآخر مصاب بقذيفة في البطن".. وقبل أن تلفظ أختها عالية أنفاسها صرخت في وجه هدى: " هدي ساعديني تعالي شوفي شو على إيدي في إشي تقيل", أسرعت المسكينة لتجد مخ أخيها الرضيع هيثم (4 أشهر) على يد عالية.. هيثم لحق بإيمان حجو وعالية بدلاً من أن تحمل الحلوى حملت مخ أخيها, لتزداد علواً إلى حيث سبقها محمد الدرة.. <BR>رباه ما حل بالصبية.. أحلامها الوردية تخضبت بحمرة دماء الشهداء القانية, وئدت سعادتها, طعنت فرحتها, اغتيلت ابتسامتها.. حنانيك ربنا..<BR>لا تعلم الصغيرة عن الغارات شيئاً كما لم تعرف لماذا قتل أبوها, يرددون حولها أن "واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط/إسرائيل" تفرق من الأطفال فتضعهم خلف القضبان وأنها تشن حملتها هذه لمنع الإفراج عن الأطفال من سجونها لمبادلتهم بأسير حرب, وأنها ترفض رفضاً باتاً عقد هذه الصفقة, واستعاضت عنها بأمطار صيف تقتل بها الآسر والمأسور!!<BR>يقولون وتسمع من حولها أن "إسرائيل" استهدفت الكهرباء والجسور كبنية تحتية للإرهاب مع أن الإرهاب الذي تعرفه لا ينشط إلا في الظلام.. <BR>يحذرونها: يا هدى لا تركضي في الطرقات فيخالونك هدفاً إرهابياً متحركاً, ولا تصعدي لسطح المنزل فيقنصونك, ولا تجلسي بالداخل فيحسبونك تتسترين على نفق لمخربين ينهبون الأرض من تحت أقدام الغزاة.. لا تصمتي فيدهموك, ولا تصرخي فتلفتيهم. <BR>والمسكينة من قبل كل هذا لا تدري لماذا نحن ضعفاء هكذا, تخاطب عقلها الغض, عن أجهزتنا الوقائية وغير الوقائية أين ذهبت؟ وعن شحنة الأسلحة التي وصلت منذ أيام قلائل إلى أين سارت؟ وعن صولات من اعتدوا على مباني المجلس التشريعي ورئاسة الوزراء ووزارة الصحة منذ أيام قلائل كيف ضاعت؟ وعن وزراء الظل الفاعلون أين طنطنتهم على شاشات التلفزة؟ وعن احتجاجات العرب كيف تبددت؟ مظاهراتهم؟ هبتهم ونجدتهم؟ رسميوهم؟<BR>عشرات الأسئلة تحاصر الصغيرة ولا تجد لها إجابتها.. ترتد إليها لأن إجابتها حقاً عندها ـ وأترابها ـ هي, أنت يا صغيرتي.. أنت هدى غالية, أما هم فعصبة رخيصة. <BR><BR><BR><br>