
في التفاصيل ،فإن غزة تتعرض لحرب إبادة منذ بدء العمليات العدوانية ضد أهلها وأرضها ومائها،وان جيش الاحتلال قصف محطة الكهرباء الأساسية –والتي هي عنوان الاستقلال باعتبار بقية غزة تغذيها كهرباء قادمة من محطات وعبر خطوط صهيونية- ليصبح العدو هو المصدر الوحيد للطاقة باعتبار أن الممر الأساسي لوصول كافة المحروقات البترولية ،هو الأراضي المحتلة عام 48 .<BR>وفى التفاصيل ،فإن قوات الاحتلال خطفت أعضاء من حكومة حماس ومن نوابها في البرلمان لتحدث فراغا دستوريا ،لفتح الطريق أمام المتربصين بحماس في الداخل لمطالبة عباس –أو لتبادل الأدوار معه –باستخدام صلاحياته بعلاج هذا الفراغ الدستوري ،في محاولة يائسة لإنفاذ خطة الانقلاب على حماس ،دون خجل من ضمير وطني إذ هم يحاولون البناء فوق نتائج عدوان قوات الاحتلال لتحقيق مكاسب سياسية تعيدهم إلى الحكومة بدلا من الحكومة التي اختارها الشعب الفلسطيني في انتخابات حرة.<BR>وفى التفاصيل ،فإن الولايات المتحدة وأوروبا والحكومات العربية سجلت في دفتر الأحوال أنها جميعا، كل على حاله لم يغير مواقفه لا من حماس ولا من القضية الفلسطينية ولا من القواعد الإنسانية العامة التي ضاعت تحت أحذية الجنود الصهاينة في كل خطوة .الولايات المتحدة لم تكتف بتأييد الجرائم الصهيونية ولكن هي أيضا ضغطت لإنفاذ خططها في العدوان –جميعها- والحكومات الأوروبية حافظت على حالة تبعيتها للموقفين الأمريكي والصهيوني وعلى حالة عدائها لحركة حماس .أما الحكومات العربية لم تخرج من "جحور الحكم" لتعلن أي موقف اعتراضي ولو حتى في السر -الذي يتسرب لأجهزة الإعلام -ومن تجرا منها على الخروج من جحر حكمه فهو لم يفعل ذلك إلا تحت الحماية الأمريكية ليعلن مواقفاً لإضعاف حماس !<BR>غير أن الأهم وما لا نجد منه إلا القليل في التفاصيل ،هو أن ما يجرى الآن هو إعلان بفشل الاستراتيجية الأمريكية والأوروبية والصهيونية ضد حماس والشعب الفلسطيني ،وأننا رغم كل الآلام والشهداء وقصف الكهرباء وقصف الطائرات ومساندة أمريكا وأوروبا وصمت أو ضعف أو مباركة الحكام العرب –كل حسب موقفه-نجد أنفسنا أمام انتصار استراتيجي لحماس والشعب الفلسطيني ،وأمام نهاية مرحلة وبداية مرحلة استراتيجية جديدة من الصراع تتعزز فيها عوامل ضعف العدو الصهيوني وتقوى فيها عوامل قوة الشعب الفلسطيني.<BR><font color="#0000FF">الفشل الاستراتيجي</font><BR>كانت الخطة الأمريكية والأوروبية والصهيونية في مواجهة الشعب الفلسطيني وحركة حماس –بعد نجاحها في الانتخابات قد درت وفق سيناريوهات ثلاثة ،<font color="#ff0000">أولها </font>العمل من أجل إشعال حرب أهلية فلسطينية تنتهي –إذا انتهت –إلى واقع فلسطيني جديد تنتهي فيه كل مقومات قوة المقامة وعناصر استمرارها بعد إنهاكها في حالة الفوضى والاقتتال الداخلي، ليصبح الواقع الفلسطيني ليس فقط بلا قدرة على المقاومة ولكن أيضا بلا مقومات للوجود والاستمرار .وضمن هذا بطبيعة الحال استهدف المخطط الصهيوني قد استهدف أن يجرى خلال هذا الاحتراب الفلسطيني ،تمرير خطة الفصل العنصري والاستيلاء على الأرض وإنهاء قضية القدس ..الخ ،وهو على ما يبدو كان جهز نفسه لدعم "أمراء الحرب" وشراء الولاءات ،كما ظهر من سلوك بعض القيادات منذ فوز حماس وحتى الآن.<BR><font color="#ff0000">وثانيها </font>،أن يجرى الوصول بالوضع الفلسطيني إلى حالة الفوضى –إذا لم تتمكن الأجهزة الصهيونية من إكمال الاتجاه الأول حتى حالة الاقتتال –و خلالها يجرى حسب المخطط الصهيوني ومعه الأمريكي والأوروبي ، تهيئة الأجواء لمحمود عباس ومن معه (وربما الضغط عليه أيضا ) لكي يصدر قرارات بإعلان حالة الطوارئ وإقصاء الحكومة الفلسطينية من الحكم بما يدخل الساحة الفلسطينية في صراع وحرب باردة وتفكك في الولاءات نتيجتها إضعاف الإجماع حول المشروع الوطني الفلسطيني وإضعاف قدرة الشعب الفلسطيني على الالتفاف حول مشروع موحد.<BR><font color="#ff0000">وثالثها </font>،أن يجرى إحكام الحصار حول الشعب الفلسطيني عربيا ودوليا ،لمرحلة زمنية طويلة يتحقق من خلالها نفس النتائج ،وهو ما كان خط الدفاع الأخير في الخطة الصهيونية لأجل إسقاط حماس من خلال تشكيل رأى عام داخلي تتصاعد نبرته وتتعمق اتجاهاته بان وصول حماس إلى السلطة الفلسطينية كان خطا وأنها فشلت فشلا استراتيجيا ،إذ هي في الوقت الذي "توقفت عن المقاومة " من خلال التزامها بالهدنة أو من خلال تخوفها من أن كل عملية يقوم بها جناحها العسكري سترتد على عناصرها الموجودة في الحكومة والمجلس التشريعي ،فإنها كذلك –من خلال الحصار المالي والاقتصادي – قد فشلت في حل مشكلات الناس المعيشية .<BR>لكن كل هذه الاتجاهات أو السيناريوهات قد تبددت وانهارت باتفاق الفصائل الفلسطينية على وثيقة للإجماع الوطني و باتفاقهم على حكومة للوحدة الوطنية كذلك ،والأهم أيضا بأن الاتفاقات قد وقعت بين الفصائل بما يعنى أن السلطة السياسية والقيادة الحقيقية للشعب الفلسطيني قد أصبحت هي الفصائل التي باتت هي المرجعية العليا للشعب الفلسطيني .وهنا جاءت عملية "الوهم المتبدد " لتبدد وهم إسقاط حماس أو إثارة الاقتتال الداخلي أو الفوضى الشاملة .<BR><font color="#0000FF">المرحلة الجديدة </font><BR>العملية الاستشهادية التي جرت ضد قوات الاحتلال في الأراضي المحتلة في عام 1948 –ولا نقول عند حدود غزة –حملت دلالات استراتيجية في اتجاهات متعددة . وإذا كان التركيز الإعلامي قد جرى ويجري حول قضية الجندي الصهيوني الذي اسر خلال العملية الاستشهادية –والاهم في ذلك هو أنها المرة الأولى التي يؤسر فيها جندي صهيوني بأيدٍ فلسطينية من داخل الأرض المحتلة في عام 1948 – فإن الأهم هو أن العملية جاءت عقب انتهاء الحوار الوطني وجرت من داخل الاتفاق حول وثيقة الحوار الوطني بما لم يجعل أي مسؤول رسمي فلسطيني يتجرأ على الإدانة وبما وضع كل الفصائل في خندق واحد ، وكذا أن العملية شاركت فيها حماس بعد مرحلة طويلة من التقيد الحازم "بوقف النار" لم تقم بها الحركة بأية عملية ،اللهم إلا إطلاق الصواريخ مرة واحدة ،والاهم وفى القلب من كل ذلك أن حماس تمكنت بهذه العملية من استعادة زمام المبادرة الاستراتيجية إذ العملية أعادت ترتيب مواقف كل القوى سواء العدو منها أو المنافس الداخلي بفعل المعركة وضروراتها وتوابعها ومتطلباتها - وبما أعاد العملاء إلى الجحور -بنفس القدر الذي فرضت فيه وضعا جديدا على ساحة الصراع .<BR>في المرحلة الجديدة ،تكون حماس قد تمكنت من القفز من الأزمة التي كان يجرى لف حبال الخنق بها حول رقبتها ،وأنهت محاولات حصارها داخل صفوف الشعب الفلسطيني تمهيدا لإسقاطها من الحكومة وكذا تكون قد وجهت الضربة القاضية لمحاولة إخراجها عن الإجماع الوطني من خلال لعبة الاستفتاء التي اخترعها أبو مازن ومن معه -وبدعم إسرائيلي وأمريكي وأوروبي- باستهداف تحديد ملامح الصراع الفلسطيني-الصهيوني وجعل من يخرج عنها بعد الاستفتاء خارج الإجماع الوطني الفلسطيني، كما هي باتت تقود وبطرق متعددة ومن مواقع مسيطرة فصائل العمل الوطني الفلسطيني باتجاه البرنامج السياسي الوطني أو بالدقة أنها بتلك العملية أكملت مشروعها لقيادة المشروع الوطني الفلسطيني وبأقل قدر من المنغصات السياسية الداخلية .<BR>وبذلك فان حماس باتت الآن في موقع صاحب القرار وفى موقع تتحرك منه على كافة الصعد ،كقيادة في العمل التنفيذي من خلال الحكومة –أو حكومة الوحدة الوطنية-ومن خلال النشاط المقاوم ،ووفق وضع أعلى من القدرة السياسية والعسكرية والتنظيمية نتيجة لنجاحها في استثمار المرحلة الماضية في تقوية جهازها العسكري تدريباً وتسليحاً وتنظيماً –كما كشفت عنه العملية الأخيرة –ولتصبح بذلك في وضع أقوى وأفضل على المستوى الاستراتيجي .<BR>وفى المرحلة الجديدة ،تكون حماس هي المهاجم لا المدافع ،في عودة إلى استراتيجيتها السابقة قبل تشكيل الحكومة ،إذ كل المؤشرات تقول أن عملية الوهم المتبدد –ذات الطابع الهجومي استراتيجيا-ليست إلى بداية مرحلة هجوم دائم.<BR><font color="#0000FF">ردود الفعل الصهيونية </font><BR>لكل ذلك كان رد الفعل الصهيوني على هذه الدرجة من التوتر والارتباك والضعف لا القوة !<BR>لقد وضع الكيان الصهيوني في مأزق خطير –بعد اتفاق الوحدة الوطنية وعملية المتبدد -إذ لم تفشل خططه فقط بل أصبح أمام تحول استراتيجي سيحكم الأوضاع في الصراع لمرحلة قادمة تصبح فيه حماس في حالة من امتلاك المبادرة الاستراتيجية على حساب الكيان الصهيوني ،الذي أصبح أمام خيارات جميعها مر .<BR><font color="#ff0000">كان الخيار الأول</font> في معالجة الوضع الجديد هو الدخول في مفاوضات مع أبو مازن من اجل إطلاق سراح الجندي الأسير لدى حماس ،لكن المخطط الصهيوني لم يأخذ بهذه الخطة إذ أن فكرة التفاوض من اجل مبادلة الجندي الصهيوني الأسير مع السجناء الفلسطينيين سيحقق لحماس وضعا مرعبا للكيان الصهيوني على صعيد أن القيادة الإسرائيلية ستطلق سراح الأسرى مجبرة تحت ضغطها العسكري، حيث هو سيخلى سبيلهم ليس عن طريق اتفاق ولكن في عملية تبادل بما يعنى ليس فقط اعترافا بقيادة حماس للشعب الفلسطيني ولكن أيضا أنها ند للكيان الصهيوني، وكذا هو يعطيها بذلك أوراقا خطرة في التفاوض حيث يفترض أن حماس لن تسعى في التفاوض لإطلاق أسراها –مقابل الجندي الأسير-بل أسرى من فتح والجهاد والجبهة الشعبية بما يجعلها في حالة الأقوى والقيادة ،هذا بالإضافة إلى أن فتح هذا الطريق إنما يعنى أن إسرائيل ستفقد نهائيا ورقة اسر واعتقال الفلسطينيين .<BR><font color="#ff0000">وكان السيناريو الثاني </font>هو القيام بعملية كوماندوز يجرى خلالها استعادة الجندي المخطوف وربما تشمل بعض الاغتيالات –وهو بالمناسبة احتمال داخل السيناريو الجاري حاليا –لقيادات فلسطينية مقاومة،وهو سيناريو إذا نجح سيكون الأفضل بالنسبة لإسرائيل ،حيث هو يمثل نصرا على المقاومين كما هو يقلص من الخسائر المعنوية الحادثة جراء عملية الأسر على الجنود وعلى الرأي العام الصهيوني كما هو سيعنى عدم الحاجة لا إلى التفاوض ولا إلى مواجهة نتائج سياسية على صعيد قوة حماس استراتيجيا،إلا أن المخطط الصهيوني لم يأخذ به لان احتمالات الفشل ستمثل كارثة اخطر على جميع المستويات العسكرية والسياسية والنفسية للكيان الصهيوني ،حيث لو حاول الجيش الصهيوني القيام بتلك العملية دون العودة بالجندي أو لو أن العملية قابلها الفشل كما هو الحال في المحاولة الأمريكية لإنقاذ الأمريكيين المحاصرين في السفارة الأمريكية في طهران وكما هو الحال في العملية التي حاولت القوات الصهيونية القيام بها في لبنان وانتهت بمقتل 18 جندياً على متن طائرات الهليوكبتر المتوجهة لتنفيذ العملية سيمثل كارثة ،كما أن الاحتمال وراد في أن يجرى اكتشاف المقاومة للقوة الصهيونية ونجاحها في أسر أي من أفرادها –بالنظر للمستوى الذي ظهر به عز الدين القسام في عملية الوهم المتبدد –ومن ثم لم تعتمد القيادة الصهيونية هذا السيناريو .<BR><font color="#ff0000">والسيناريو الثالث </font>،هو أن تعيد إسرائيل احتلال غزة كاملا (الاجتياح الشامل) ،وهو سيناريو يمكن أن تكون خسائره لا يحتملها الكيان الصهيوني على جميع المستويات .إذ هو سياسيا يفقد القيادة الصهيونية كل ادعاءاتها حول الانسحاب من غزة ويضيع كل المكاسب السياسية التي حققتها بعد الانسحاب على المستوى الخارجي ،كما هو يضعف إمكانية نجاح خطة الانفصال من الضفة، وعلى المستوى الداخلي هو يعنى إعطاء كل الشعبية لقيادة الليكود الحالية التي كانت ترفض الانسحاب من غزة وخطة الفصل ،وهو عسكريا أمر مكلف على المستوى البشرى –إذ غزة هي جنين مضروبة في إضعاف مضاعفة-ويمكن أن ينتهي احتلالها بانسحاب اخطر من الانسحاب السابق الاضطرار إليه،كما هو نفسيا يمكن أن يسبب حالة خطرة على معنويات الجنود الصهاينة الذين كان لانخفاض روحهم المعنوية في احتلال غزة احد مقومات خطة الانسحاب من ارض غزة .ولذا لم يأخذ به المخطط الصهيوني.<BR>ولكل ذلك اختار المخطط الصهيوني <font color="#ff0000">السيناريو الرابع </font>الذي يأخذ من كل السيناريوهات السابقة دون أن يتورط في احدها ،إذ هو يبقى باب التفاوض مفتوحا لكن تحت ضغط العمل العسكري، ويبقى باب عملية الكوماندوز قائمة لكن تحت حماية من الجند الموجودين على ارض غزة ،ويأخذ من الاجتياح فكرة احتلال أجزاء من الأرض ويتلافى احتلال كل الأرض وهكذا .<BR>لكن أيا كانت السيناريوهات ،فان القضية كلها قد بنيت على فشل الاستراتيجية الصهيونية في عزل حماس وإسقاطها ،وان كل الأحداث تجرى في ظل نجاح استراتيجي لحماس خصما من الوضع الاستراتيجي الصهيوني، وأننا أمام مرحلة جديدة تتخبط فيها إسرائيل وسط خيارات جميعها مر.<BR><BR><BR><BR><br>