المسلمون بين "بابا" الفاتيكان و"بابا" البيت الأبيض
4 رمضان 1427

هل كانت مصادفة أن يلقي بابا الفاتيكان بنديكت السادس عشر محاضرته المسيئة في ذكرى مرور خمس سنوات على تفجيرات 11 سبتمبر ، والتي اتهم فيها الإسلام علنا بأنه دين العنف والتطرف وانتشر بالسيف ولا يصلح للحوار (!) ، ثم يعود ليقول إن المسلمين لم يفهموا كلامه رغم أنه كلام واضح لا يحتاج إلي تأويل ؟<BR>وهل كانت مصادفة أن يأتي حديث البابا عن صعوبة الحوار مع المسلمين لأنهم – لأسباب عقيدية شوهها البابا – يرفضون "الكلمة" أو الحوار أصلا ويتحدثون بلغة السيف ، في نفس اليوم الذي كان يعقد فيه - في جمهورية كازاخستان- المؤتمر الدولي الثاني لزعماء الأديان العالمية والتقليدية "من أجل تعميق الحوار والتفاهم والتعاون بين الأديان جميعا‏ " !!<BR>هل أراد البابا أن يستغل مناسبة ذكرى أحداث الحادي عشر من سبتمبر للهجوم على الإسلام وربطه بالتالي بالإرهاب دعما للفكرة السائدة في الإعلام الغربي من الربط بين الإسلام والإرهاب‏,‏ وتواصلا مع مسلسل الرسوم الكاريكاتورية الدانمركية ؟ خصوصا أن محور حديثه كان عن تشدد الإسلام وارتباطه بالعنف والقوة ؟ أم أراد أن يبرهن على تفوق المسيحية على الإسلام من الناحية العقائدية فيما قاله عن اعتزاز المسيحية بالكلمة (الحوار) واتباع الإسلام طريقة السيف ؟<BR>لو قيل إن البابا قال كلمته ارتجاليا ، لأصبحت فكرة أنه أخطأ ، وأنه قال ما قال بحماسة دينية دون قصد تشويه الإسلام ، واردة ، ولكن لأن كلمته كانت مكتوبة سلفا ومعدة سابقا ويقرأها من خطاب محدد، فضلا عما هو معروف عنه في الفاتيكان من عدم الخطأ خصوصا في المسائل الدينية - باعتباره رأس الكنيسة - هنا يصبح الهدف الأول المتعلق بتوفير البابا الغطاء الديني لحرب أمريكا على الإسلام تحت زعم "الإرهاب" هو الاحتمال الأرجح .<BR>فالبابا بنديكت معروف عنه سابقاً أنه مسؤول مجمع الإيمان الذي يعد بمثابة المجمع الفقهي للكنيسة ، ومعروف عنه تشدده وتطرفه الديني واعتباره أن الإسلام هو التحدي الأخطر للكنيسة الغربية الكاثوليكية مستقبلاً خصوصاً في ظل الواقع الذي يقول إن الإسلام لا يجد مشاكل في انتشاره في الغرب في حين تعاني الكنيسة من انفضاض أتباعها عنها ولا تزال تسعي لترميم جسور المسيحية في الغرب لوقف العزوف عنها .<BR>وبعد إعادة انتخاب الرئيس الأمريكي جورج بوش انتعش دور متشددي الكنائس الغربية الساعين لأن يلعب "الكتاب المقدس" دوراً محورياً في الحياة العامة والسياسة الخارجية بصورة كبيرة ، وظهر هذا بوضوح أكبر في كل من أمريكا وبريطانيا وألمانيا – بلد بابا روما – بل إن أحد أسباب اختيار بابا روما الحالي من دولة أوروبية وكمسؤول عن المجمع الفقهي الديني المسيحي استهدف بشكل أساسي ترميم أسس المسيحية المتدهورة في الغرب وإعادة تأثيرها على الحياة السياسية والعامة .<BR><font color="#0000FF"> بابا الحرب على الإسلام </font><BR>والحقيقة أن الخطورة ليست فيما قاله بابا روما عن الإسلام في تصريحاته الأخيرة فقط ، ولكن في أن ما قاله لم يكن سوى الجانب المكشوف من المخططات التي تعد في الغرب – دينياً وسياسياً وعسكرياً – ضد الإسلام ، أو قمة جبل الجليد الذي سعوا لإخفائها باستمرار ، ولكنها ظهرت على لسان البابا .<BR>فمنذ 11 سبتمبر وهناك حرب أمريكية وغربية مكشوفة على الإسلام وصلت للضغط على الدول العربية والإسلامية لطلب تغيير مناهج تدريس الدين ، وتغيير الخطاب الديني الإسلامي ، وحذف كل ما ينتقد اليهود من كتب التدريس ووقف ما سمي "التحريض" على الغرب وأمريكا في مناهج التعليم ، فضلا عن فرض خطة لنشر الديمقراطية الغربية أملاً في أن يصل للحكم قوى علمانية عربية تدين بالولاء للغرب وتنفذ مهمة هدم الإسلام من الداخل .<BR>وإذا كانت إدارة الرئيس بوش المتطرفة دينيا والتي يقودها اليمين المسيحي قد كشفت بوضوح عن أهدافها ، وهاجمت الإسلام عشرات المرات ، ووضعت الخطط الفعلية لضرب هذا الدين في معاقله والسيطرة على مقدرات الدول الإسلامية ، وظهرت مخططاتها في عشرات المصطلحات التي تتهم الإسلام بالفاشية أو التطرف ، فقد جاءت تصريحات البابا لتكشف عن خطة مزدوجة بين القيادة الروحية المسيحية للغرب والقيادة السياسية لتبرير الحملة على الدول الإسلامية .<BR>والأكثر خطورة أنه كان يتم دوماً تبرير الهجوم على الإسلام من قبل سياسيين غربيين على أنه جهل بالإسلام والعقيدة الإسلامية أو أنه هجوم على المتطرفين لا المسلمين أنفسهم والإسلام ، بدليل قول الرئيس بوش مؤخراً أنه يحارب "الفاشيين الإسلاميين" ، ولكن الهجوم على الإسلام هذه المرة جاء من رأس الكنيسة الكاثوليكية وجاء منصبا على العقيدة وأسس الدين الإسلامي بشكل يقدم المبرر أو الغطاء الديني الكافي لحملات الغرب العسكرية والسياسية على العالم العربي والإسلامي ويؤجج حرب أو صراع الحضارات ( كما تنبأ صموئيل هنتنغتون) ، ويعمق الهوة بين العالمين الإسلامي والغربي .<BR>فإذا كان (الرئيس الأميركي) جورج بوش قد تحدث من قبل عن "الحملات الصليبية" ، ثم تحدث عن "الإرهاب الإسلامي" ، ثم "الإسلام الفاشي" ، فقد تحدث البابا عن الإسلام بمنطق ديني أبشع يفرغه من روحه الإيمانية ويجعله قهرا وقسرا ودين عنف وسيف ، بل أن البابا كشف نفسه وكشف قناعاته المعادية للإسلام - وهو يعتذر ضمنا ثلاث مرات – حينما دعا المسلمين (خلال لقائه الاستثنائي مع مبعوثي الدول الإسلامية المعتمدين لدى الفاتيكان) إلى "نبذ العنف" ودعاهم للحوار ، ما يؤكد قناعته أن الإسلام دين عنف ولا يصلح للحوار معه !!<BR>وهذه الرؤية الدينية التي قدمها بابا الفاتيكان تعطي الساسة الغربيين "كلمة السر" أو "الضوء الأخضر" للعدوان على العالم الإسلامي ، باعتبار أن المسلمين خطرا على الدين المسيحي وعلى الوجود والحضارة الغربية ، خصوصا أنها تتكامل مع الشعار الجديد الذي اتخذه الرئيس بوش بمحاربة الإسلاميين "الفاشيين" ، وهو شعار خطير جدا يصور المسلمين على أنهم تماما مثل الفاشيين الأوروبيين (هتلر وموسوليني) وبالتالي لا بد من اجتثاث خطرهم كي لا يدمروا الحضارة الغربية !؟<BR>وإذا ما أدركنا أن احتلال العراق وغزوه جاء لأسباب إنجيلية – حسبما اعترف بذلك قادة دينيون أمريكان منهم بات روبرتسون - كما أن غزو لبنان ، والتحريض على إبادة الفلسطينيين من قبل حاخامات يهود ورجال دين مسيحيين ، وحتى التحريض على السودان من قبل منظمات تبشيرية مسيحية ، لاتضحت معالم أكثر خطورة لهذا التحالف الديني – السياسي الجديد بين بابا روما وبابا البيت الأبيض والذي يستهدف المسلمين بشكل أساسي .<BR>وقد فضح هذا المخطط أيضا ضمنا رئيس الوزراء البريطاني حينما قال في المحاضرة التي ألقاها أثناء زيارته الأخيرة إلى الولايات المتحدة أكد أنه "لا يمكن الانتصار في هذه المعركة ضد التطرف، إلا إذا انتصرنا على مستويي القيم والقوة على حد سواء" ، ودافع عن النهج الأميركي بعد 11 سبتمبر لأنه نهج لا يرمي إلى "تغيير الأنظمة، بل تغيير القيم التي تتحكم بالأمم المعنية" !!.<BR>وتزيد مخاطر هذا الثنائي الديني/ السياسي ( بنديكت – بوش ) ، حينما يظهر أن أهدافهما مشتركة أو يكمل بعضها البعض الآخر ، فـ (الأول ) يبغي إحياء المسيحية المنهارة هناك بافتعال معارك ضد الإسلام وإظهار أنه دين العنف والإرهاب الذي يعاني منه الغربيون ما يتطلب أن يهرعوا إلى الكنيسة ويعودوا لها ، و(الثاني) يبغي إحياء مجد سياسي والسيطرة على العالم بقناع ديني زائف لم يجد من يثبته على وجهه سوي بابا روما الجديد الأشد تطرفا - أو صراحة في التطرف- من سابقيه .<BR>واللافت في هذا الثنائي الخطير أنه يتشابه كثيراً مع ذات الثنائي الذي تشكل إبان الحرب الباردة الأمريكية السوفيتية ، حيث تحالفت الكنيسة البابوية مع الحكومات الغربية لإسقاط الشيوعية والمعسكر الاشتراكي ، وكان الرئيس الأمريكي حينئذ هو رونالد ريجان الذي كان أول من دشن فكرة استخدام الدين ـ بقوة ـ في السياسة الأمريكية والتحرك وفق خطوات دينية إتباعا لقناعته الدينية كأحد أعمدة التيار المسيحي المحافظ في أمريكا .<BR>ولهذا يجري إعادة ذات التجربة في التحالف بين البيت الأبيض والفاتيكان في حربهما على العالم الإسلامي بدعاوى التطرف ، بين البابا بنديكت و(الرئيس الأمريكي) بوش ويشارك فيها باقي زعماء أوروبا رغم أن كثير منهم بروتستانت ويختلفون مع الكاثوليك في العقيدة !<BR>ولكنهم يستخدمون هذه المرة لعبة "الفاشية الإسلامية" ، أو ما سماه السيناتور الجمهوري (ريك سانتورم) " من ولاية بنسلفانيا الأمريكية بـ"الحلم الفاشي الإسلامي المتطلع لإنشاء خلافة إسلامية عالمية، تكون فيها السيادة على العالم بأسره، بيد المتطرفين والفاشيين الإسلاميين ."<BR>واللافت هنا أن استخدام مصطلح "الفاشية الإسلامية" ظل متداولاً ومستخدماً منذ ما يزيد على الخمسة عشر عاماً في أمريكا والغرب ضمن حالة العداء للإسلام خصوصا منذ انهيار الاتحاد السوفيتي ، واتخاذ مؤتمر حلف شمال الأطلنطي حينئذ في ميونخ الإسلام كعدو جديد للغرب ، فضلا عن صعود أسهم اليمين المسيحي المتطرف الإنجيلي في أمريكا .<BR>فهل بعد هذا لا يزال البعض يتشكك في نوايا بابا روما وبابا البيت الأبيض ؟ وهل يؤشر هذا لحرب علنية دينية غربية ضد الإسلام ، وتصاعد لصراع الحضارات يقترب بالعالم إلى هاوية الحروب العالمية ؟ <BR><br>