الفيتو الروسي لإيران والأمريكي لإسرائيل.. أين فيتو العرب ؟!
24 شوال 1427

لم يكن أمام ملايين العرب وهم يتابعون أخبار "الفيتو" الأمريكي ضد قرار أممي يدين العدوان "الإسرائيلي" على غزة، إلا الحسرة والغيظ.. ذلك أن هذا الفيتو بات عصاً سحرية بيد تل أبيب، تستخدمه أنّا شاءت.<BR>ربما مثلنا مثل ملايين الغربيين الذين كتموا غيظهم عنوة وهم يتابعون أخبار الرفض الروسي المتواصل ضد أي قرار أممي يقرّ عقوبات على إيران.<BR><BR>قرار الفيتو الذي رفعته واشنطن مؤخراً أمام مشروع قرار عربي لإدانة العدوان "الإسرائيلي" على غزة؛ يثير تساؤلاً حول طبيعة القوة التي تمتلكها تل أبيب للتأثير على قرارات مجلس الأمن الدولي، وكيف تستطيع استخدام الولايات المتحدة مطية لها، تحركها كيف تشاء، لدرجة ترفع فيها واشنطن للمرة الـ 83 الفيتو ضد قرار "إدانة فقط" بحق "الإسرائيليين".<BR>فأي قوة تلك التي تمارسها تل أبيب على واشنطن، وإلى متى يبقى هذا التأثير ساري المفعول دولياً؟!<BR><BR>اليهود الإسرائيليون استطاعوا أن يسيطروا على القرار الأمريكي، الداخلي والخارجي، عبر طرق وأساليب عديدة. طالما أنهم يتحكمون باقتصاد ضخم هناك، ويسيطرون على وسائل إعلامية عديدة ونافذة، ويتمتعون بعدد مقاعد كاف في الكونغرس.<BR>وهذه القوة ليست في ضعف، على العكس، استطاع اليهود الأمريكيون رفع تمثيلهم في الكونغرس خلال الانتخابات التي جرت مطلع شهر نوفمبر الحالي، من 11 عضو إلى 13 في مجلس الشيوخ، ومن 27 عضو إلى 30 في مجلس النواب.<BR>الأصوات اليهودية داخل أمريكا ذهبت مباشرة إلى أشخاص يؤيدون السياسات "الإسرائيلية"، يقول ستيف رابينوفتز (خبير أنماط الاقتراع في أوساط اليهود الأميركيين): "إن اليهود الأميركيين صوتوا لصالح أولئك المرشحين الموالون لإسرائيل"، مضيفا أنهم "لم يصوتوا لصالح المرشحين الذين يعتقدون أنهم معادون "لإسرائيل"".<BR>عبر التمثيل السياسي في الكونغرس بمجلسيه، وعبر ما يتمتع به اليهود اليوم في الولايات المتحدة من قوة اقتصادية وإعلامية، لا تزال واشنطن تدعم القرارات المؤيدة لتل أبيب، وتمنع عبر (حق الفيتو) أي قرار ضدها. وهي ستبقى كذلك ما بقيت هذه القوة مؤثرة ومسيطرة في الولايات المتحدة.<BR><BR>الفيتو الروسي، الذي لم تستخدمه كثيراً في مجلس الأمن، والذي تأمّلت دول عربية عديدة أن يقف بجانبها في أوقات الأزمات، بات اليوم في يد طهران، التي علمت من أين تؤكل الكتف الروسية.. فعقدت معها صفقات اقتصادية كبيرة، تستفيد بموجبها من الخبرات النووية القديمة في روسيا (القوة العظمى السابقة) وتقدّم لها امتيازات بناء وتشغيل وتوريد وشحن وفق عقود مالية ضخمة، تستطيع عبرها تأمين جميع ما يتعلق بهذه العقود مع روسيا.<BR><BR>فالخبرات الروسية، والآلات والمعدات، بما فيها مفاعل بوشهر النووية.. أصبحت محميات روسية داخل إيران.. ما يعني أن أي ضربة عسكرية ضد هذه المفاعلات قد يعني ضربة لروسيا. وهو ما يشجع طهران على المضي في تنفيذ مشروعها رغم التهديدات "الإسرائيلية" والأمريكية.<BR>كما يعني اعتماد عقوبات دولية ضد إيران، رفع حاجز ضخم في وجه العقود والمعاملات الإيرانية الروسية، ما قد يؤثّر بصورة مباشرة على اقتصاد روسيا، الذي بات يعتمد على بيع الخبرات السابقة لدول ناشئة في العالم.<BR><BR>تقول مصادر دبلوماسية في وقت تجتمع فيه الدول الدائمة العضوية وألمانيا لمناقشة قانون دولي ضد نووي إيران "إن الدول المعنية بالملف النووي تسعى للاتفاق على صيغة نهائية للقرار الذي مازالت روسيا تعده متشدداً".<BR>وتضيف المصادر " موسكو اقترحت تعديلات رئيسية على القرار للحد من نطاق العقوبات حيث طالبت بعدم فرض حظر على السفر أو تجميد أرصدة مالية، حيث يؤكد المراقبون أن استثناء مفاعل بوشهر النووي من لائحة العقوبات سيكون عاملاً أساسياً في إقناع روسيا التي تقوم ببنائه بتمرير القرار".<BR><BR>حرب احتلال العراق لم يأخذ كثيراً ليتحقق، ابتداءً من قرار سري في مكتب البيت الأبيض، وانتهاءً ببدء القصف والعمليات العسكرية البرية والجوية والبحرية، مروراً بموافقة مجلس الأمن الذي خذلت فيه موسكو بغداد مرة أخرى .<BR>أما القرارات الدولية التي تنتقد سياسات دول عربية، أو تطالب فيها العرب باتخاذ إجراءات معينة، أو تهدد فيها باتخاذ عقوبات ضد هذه الدول، فتشكل حجماً كبيراً منها.<BR><BR>على سبيل المثال، تخلو قرارات مجلس الأمن للعام 2003 والبالغ عددها 56 قراراً من أي قرار ينتقد الاحتلال "الإسرائيلي" في فلسطين المحتلة، أو ينتقد النووي الإيراني أو يدعو أي منهما لاتخاذ إجراءات معينة. بينما نجد 16 قراراً يتعلق بدول عربية (بنسبة 28%)، عن سياساتها الداخلية أو علاقاتها مع الخارج. من بينها القرار رقم (1511) الذي يمجّد فيه الاحتلال الأمريكي والحكومة الموالية له في بغداد، وينتقد المقاومة المسلحة التي يصفها (بالإرهابية). و القرار رقم (1507) الذي يدعو اريتريا لترسيم حدود سريع مع إثيوبيا، ويمدد فيها عمل البعثة الأممية على أراضيها، ويعبّر عن قلقه من الأحوال الإنسانية هناك. و القرار رقم (1500) بتمديد نشر القوات الدولية في لبنان، والدعوة لسحب سلاح المقاومة اللبنانية. و القرار رقم (1459) الذي يطالب فيها المغرب بحل سياسي حول البوليساريو، بسبب ما يصفه "بالمعاناة الإنسانية لسكان البوليساريو"، ويمدد فيها بعثة الاستفتاء الأممية هناك، وغيره.<BR>وإن حدث وأشار قرار ضمناً لأحدهما، فهو لا يذكرها بالاسم، كالقرار رقم (1500) والذي يتحدث عن لبنان، ويطالب فيها بوقف العنف والأعمال الاستفزازية، دون أن يأتي على ذكر "إسرائيل" بأي شيء.<BR><BR>وفي العام 2004، هناك 69 قراراً من مجلس الأمن، تبلغ حصة القرارات المتعلقة بالدول العربية منه 18 قراراً، أي بنسبة ( 26 %). منها قرار رقم (1574) الذي يعبر عن قلقه من العنف المتصاعد في إقليم دارفور، ويدعو لمحاكمة من يصفهم بمرتكبي الجرائم هناك، ويشير إلى أن الحكومة السودانية منوط بها المسؤولية الرئيسية عن حماية السكان داخل أراضي البلد، وصون القانون والنظام في ظل احترام حقوق الإنسان. والقرار رقم (1558) الذي يحظر فيه توريد الأسلحة إلى الصومال، ويبدي قلقه من حالة الصومال التي قال "إنها تشكّل تهديداً للسلام والأمن الدوليين في المنطقة" في الوقت الذي كانت فيه الحكومة الأمريكية تورّد الأسلحة للميليشيات العلمانية لقتال قوات المحاكم الإسلامية التي حظر مجلس الأمن عليها التزوّد بالأسلحة.<BR>القرار (1540) يدعو إلى الحد من انتشار الأسلحة النووية، ووقف مد يد العون إلى أي دولة يشكل في استخدامها لتكنولوجيا نووية، ويدعو إلى فرض رقابة صارمة على هذه الأمور.. ولكنه لا يستطيع الإشارة إلى إيران بشكل واضح، بسبب الفيتو الروسي.<BR><BR>في العام 2005، صدر عن مجلس الأمن (71) قراراً، منها (22) قراراً يتعلق بالدول العربية، بواقع (31%).<BR>وفي العام 2006، ولغاية الأول من شهر نوفمبر الحالي، يوجد (70) قراراً، منها (24) قراراً يتعلق بالدول العربية، أي بنسبة (34 %).<BR><BR>أمام هذا العدد الكبير والمتنامي من القرارات الدولية التي تتدخل بسياسات الدول العربية الداخلية والخارجية. يتساءل الواحد منّا.. أين العلاقات الدبلوماسية والسياسية المتينة التي تنادي بها قيادات الدول العربية مع الدول العظمى، وبأي منطق تتعامل تلك الدول معنا. وكيف تنظر تلك الدول لنا؟!<BR>باختصار.. أين الفيتو العربي.. وكيف له أن يأتي يوماً ليدعم أي قضية من قضايانا العادلة؟!<BR><BR><br>