
يطول الحديث عن أداء الحكومة الائتلافية الحالية بهولندا و ما ضمته من أطراف يمينية متطرفة اتخذت من محاربة الإرهاب والأصولية مشروعا سياسيا طوال الفترة الماضية للمزايدة واستمالة المواطن الهولندي الذي ذاق ذرعا من حالة الخوف والرعب التي يعيشها.. خاصة بعد أحداث هجمات سبتمبر ،وحادث قتل المخرج الهولندي "ثيو فان خوخ" على يد شاب مغربي.. شُرّعت خلالها عدة قوانين وإجراءات أمنية مناهضة للأجانب تفرض قيودا على إقامة المهاجرين، وتَحد من تجمع عائلاتهم، و تشدد الرقابة على المدارس الإسلامية و أنشطة الجمعيات والمؤسسات، أدت في عمومها إلى تهديد نسيج المجتمع الهولندي الذي يشكل المسلمون أحد خيوطه المهمة وساهمت في زعزعة الأمن الداخلي للبلاد.<BR><BR> <BR><BR> وقد تعرضت هذه السياسات طوال السنة الماضية لانتقادات مختلفة من برلمانيين وسياسيين ومحللين ومثقفين<BR><BR>منددين بهذا التوجه المغرض، مطالبين بالتراجع عن بعض قرارات الهجرة والاندماج و النظر في وسائل جديدة تستعيد من خلالها هولندا مكانتها في التعايش السلمي وقبولها للآخر بديانته وعاداته وتقاليده.<BR><BR>وأفضت هذه المواقف إلى سجال طويل انتهى بتصدع الائتلاف الحاكم باستقالة الحزب الديمقراطي 66<BR><BR>"الليبراليون الاشتراكيون" الصيف الماضي من الحكومة، ودفع إلى إجراء الانتخابات التشريعية قبل أوانها والتي يتوجه بموجبها قرابة 12 مليون ناخب يوم الأربعاء 22 نوفمبر الحالي إلى صناديق الاقتراع . <BR><BR> <BR><BR>ونظام الحكم في هولندا هو ملكية دستورية برلمانية تسود فيها الملكة "بياتريكس" ولا تحكم ، وتتربع على عرش هولندا عائلة "أورانج" منذ القرن السادس عشر ويعد العرش وراثي للذكور والإناث على حد سواء، ويشكل الملكة (أو الملك) والوزراء والبرلمان معًا السلطة القضائية، أما السلطة التنفيذية فهي في عهدة الملك ورئيس الوزراء صاحب الأغلبية النيابية والمكلف آليا بتشكيل الحكومة...<BR><BR> ويتكون البرلمان من مجلسي النواب المتضمن 150 عضوا، ينتخبون مباشرة من أبناء الشعب كل أربعة سنوات و الشيوخ، المؤلف من 75 عضوا، تختارهم الحكومات الإقليمية من 12 مقاطعة سياسية ..<BR><BR> <BR><BR> وتكتسي هذه الانتخابات أهمية كبيرة للظروف الصعبة التي تمر بها المملكة، وقد انطلقت الحملة الانتخابية بسجال وانتقادات سياسية واقتصادية، واصفة تلك للحكومة بالانحياز للأغنياء على حساب الفقراء.. فيما ترى الحكومة المنتهية صلاحيتها برئاسة "بالكنينده" أنها حققت إنجازا كبيرا في النهوض بالاقتصاد والأمن، و إنها لا ترى مشكلة في ارتداء الحجاب باعتباره من الحرية الشخصية وهي خطوة لكسب ود الناخبين المسلمين .<BR><BR>فيما يحاول زعيم حزب اللبرالي "مارتين روتا " أن ينأى بنفسه قدر الإمكان عن الإخفاقات السياسية للحكومة الحالية والذي يعتبر الحليف الأساسي في تشكيلتها، وقد نظم قادة كل الأحزاب الكبيرة مهرجانات انتخابية في كل الأقاليم خلال هذه الأيام في سعي محموم منهم لتأمين أكبر عدد من الأصوات مركزين على القضايا المحلية المهمة مثل معاش الشيخوخة، و تحسين ظروف الشغل وتخفيض الضرائب والتامين الصحي ورفع قيمة المخصصات المالية للأطفال، وتسهيل حصولهم على دور للحضانة . <BR><BR> <BR><BR>وتشير آخر استطلاعات الرأي العام أن المنافسة حادة جدا، بين اليمين الحاكم و اليسار الذي يبدوا متقدما نسبيا والذي يتكون من الاشتراكيين اليساريين و الاشتراكيين الديمقراطيين وحزب الخضر، وهم الأقرب لتشكيل حكومة أغلبية نظرا لتقارب برنامجهم الانتخابي، والذين تبدو طروحاتهم أكثر مرونة تجاه الأقليات حيث أنهم ينادون بسياسة إدماج أفضل للأجانب قوامها الحوار والاحترام، في خطوة لاستمالة الصوت المسلم، الذي لوحظ تزايد أهميته على مر الاستحقاقات الانتخابية، فقد كان لهذا الصوت أهمية كبرى في الانتخابات البلدية الماضية .<BR><BR> <BR><BR>ويبلغ عدد الأقلية المسلمة أكثر من 11% من عدد السكان و تنامي وعي المسلمين في المشاركة السياسية التي تستند أساسا على مبدأ أصيل وهو جلب المصالح ودرء المفاسد، وتحمل أهون الشرين لدفع أعظمهما من خلال الإقبال على المشاركة السياسية والتصويت للأحزاب التي تخدم مصالحهم، ولا تدعو إلى إقفال الأبواب أمامهم ومحاصرتهم مما رفع نسبة إقبالهم على صناديق الاقتراع في الانتخابات البلدية الأخيرة حيث بلغ عدد تمثيلهم في المجالس البلدية من 50 إلى 70 مقعدا ، كما يوجد في البرلمان الحالي 8 أعضاء مسلمين موزعين على بعض الأحزاب.<BR><BR><BR>أما نقاط التقاء الأحزاب الدينية المسيحية فهي الحد من تعاطي المخدرات ومحاصرة ظاهرتي السحاق واللواط، والزواج المثلي، وقضية الموت الرحيم، وانفرد الحزب المسيحي الإصلاحي"إس خي بي" بموقفه الرافض لمشاركة النساء في الحياة السياسية، وأدى هذا الأمر في العام الماضي إلى رفع قضية ضده لدى المحكمة، من احد المنظمات النسائية المحلية بسبب مواقفه العنصرية ضد المرأة وأصدر القاضي حكما يُلزم الحكومة بوقف دعمها المالي للحزب مما سبب له صعوبات مالية كبيرة.. واضطره إلى فتح باب العضوية للنساء. <BR><BR><BR><BR>أما نصيب السياسات الخارجية في الحملة الانتخابية فليس فيه جديد وخاصة في ملف الشرق الأوسط، إذ لا تتورّع الحكومات المتعاقبة عن التحيز لإسرائيل، فهي مؤيدة تقليدية لها في كل حروبها، إلى جانب تحالفها الذي أقيم ضد العراق وأفغانستان ..<BR><BR> <BR><BR> <BR><BR>* مدير المركز الثقافي الاجتماعي بهولندا<BR><br>