
أخيرا وبعد الدراسة استمرت 9 أشهر كاملة أخرجت (مجموعة دراسة العراق) المشكلة من خمسة من كبار مسئولي الحزب الديمقراطي وخمسة مثلهم من الحزب الجمهوري بزعامة جيمس بيكر وزير الخارجية الأسبق ولي هاميلتون توصياتها الـ 79 إلى النور لتضع عمليا النهاية للجدال حول فشل السياسات الأمريكية على مدار السنوات الماضية في جلب السلام لنفسها أو العالم .<BR>التقرير ، ورغم أنه حرص على إحداث نوع من التوفيق بين رغبات مسئولي الحزبين فخرج بتوصيات مائعة وغير حاسمة أحيانا ، مثل عدم وضع جدول زمني للانسحاب من العراق ، فهو بمثابة وثيقة تحكم بالفشل على سياسة الرئيس بوش وتقول بوضوح أن سياسته جلبت المشكلات للأمريكيين ، وأنه حتى لو سحب القوات الآن فهو سوف يتسبب بتأجيج الحرب الأهلية .<BR>ولعل الأمر الأكثر أهمية في التقرير هو دعوته حكومة بوش للتخلي عن عنادها والبدء في حوار دبلوماسي مع إيران وسوريا لمنع "الانزلاق نحو الفوضى" في العراق ، واعتراف بيكر وهاميلتون بأن لسوريا وإيران "نفوذ كبير" في الشرق الأوسط والعراق ، وأنه لا بد في النهاية من الحوار ليس فقط مع الأصدقاء ولكن أيضا مع الأعداء ، وهناك سوابق لذلك هي حوار أمريكا مع عدوها القديم (الاتحاد السوفيتي) على مدار 40 عاما رغم أن السوفييت كانوا يهدفون لمسح أمريكا من خارطة العالم .<BR><font color="#ff0000"> الانسحاب أو البقاء.. كلاهما مر!</font><BR>ويبدو أن القضية الأخطر التي شكلت من أجلها اللجنة نفسها وهي البحث عن مخرج من ورطة ومأزق العراق ، لم تجد معها اللجنة حل مناسب وتحدث التقرير ضمنا عن أن الانسحاب أو البقاء كلاهما مر ، ولذلك قالت (مجموعة دراسة العراق) أنه: "لا توجد وصفة سحرية لحل المشكلات" !! .<BR>فاستمرار بقاء القوات الأمريكية في العراق معناه أن تخسر هذه القوات – وفق الأرقام الرسمية الأمريكية التي لا يكاد يصدقها أحد خارج الولايات المتحدة – قرابة ألف جندي أمريكي قتيل ، غير ما لا يقل عن 5 آلاف جريح ، وإذا كانت خسائر القوات الأمريكية ـ رسميا ـ منذ الغزو ( أبريل 2003) تقترب من ثلاثة آلاف قتيل (2900 حتى كتابة التقرير) مع اقتراب انتهاء العام الثالث لها ، فمعني تحديد تقرير بيكر عام 2008 لانتهاء سحب غالبية القوات من العراق أن يصل تعداد القتلى الأمريكيين إلى خمسة ألف قتيل في خمس سنوات ، وهو رقم يقترب من نسبة 5% من تعداد القوات الأمريكية في العراق ، ويصل إلى 30% من هذه القوات بحساب أعداد الجرحي!!.<BR>أما لو تم التعجيل بسحب القوات الأمريكية أو التحول لخطة بديلة تتلخص في سحب القوات الأمريكية إلى الثكنات وعدم مشاركتها في القتال مباشرة واكتفاءها بدور المستشار أو المدرب أو الموجة للقوات العراقية ، فقد يبدو أن هذا سيقلل نظريا من تعداد القتلى الأمريكيين لابتعادهم عن الشوارع ، ولكنه على العكس سوف يزيد من تعداد القتلى الأمريكيين والعراقيين على السواء لأنه سيعطي الفرصة للميليشيات الشيعية لنصب المزيد من الكمائن المزورة لاصطياد السنة وقتلهم بما يرفع عدد القتلى العراقيين اليومي الحالي من 120 قتيلا لأكثر من الضعف .<BR>أما القوات الأمريكية فستكون في ثكناتها أو في أماكنها الجديدة خلف القوات العراقية أكثر تعرضا لقصب قوات المقاومة التي ستنشط وتحرك بحرية أكبر مع تقوقع القوات الأمريكية وعدم دخولها في اشتباكات .<BR>ولهذا لم يرحب المحللون العسكريون كثيرا بتوصيات لجنة بيكر فيما يخص بسحب القوات الأميركية من القتال والتركيز على دعم وتدريب القوات العراقية التي يجب أن تضطلع بالجزء الأكبر من العمليات القتالية ، وحذروا من أن مثل هذا الاقتراح محفوف بالمخاطر إذا قرئ على خلفية العنف الطائفي وعنف المقاتلين الذي تحدى الجهود التي بذلتها القوات الأميركية والعراقية فيما سبق لكبحه.<BR>فـ "ستيفن بيدل" من معهد الدراسات الإستراتيجية بكلية الحرب التابعة للجيش الأميركي قال : "سيشهد المدى القصير انخفاضا في الخسائر البشرية (الأميركية). لكن العواقب العسكرية للانسحاب ستكون ترك زمام المبادرة للعدو وخفض وجود الدوريات الذي يقلل من نشاط العدو" ، وأضاف : "إذا انسحبنا إلى القواعد فان كثافة الحرب الأهلية ستزيد زيادة هائلة".<BR>أما "لورين طومسون" محلل الشؤون الدفاعية في معهد لكسينجتون فيقول بوضوح أننا : "نستطيع أن ندرب العراقيين ليصبحوا جنودا أفضل لكن ولاءهم سيظل للطوائف والعشائر اكبر من ولائهم للحكومة المركزية" ، وهو ما يعني أن يصبح هناك جيش شيعي للحكومة سوف يستخدم بشكل كبير ضد السنة " الرافضين لتهميش دورهم في الحياة السياسية .<BR>والخطورة الحقيقة هنا أن فكرة بدء الولايات المتحدة سحب قواتها من القتال في العراق تعتمد على ما يعتبره محللون افتراضا مشكوكا فيه بشدة بأن قوات الأمن العراقية قادرة على تولي المسؤولية ووقف أعمال العنف !.<BR><font color="#ff0000"> سلام الشرق الأوسط .. أكذوبة! </font><BR>ولأن توصيات لجنة بيكر ركزت أيضا على فكرة عقد مؤتمر دولي حول مشاكل الشرق الأوسط خصوصا العراق ، تشارك فيه الأطراف النافذة في المنطقة مثل سوريا وإيران، فضلا عن تسويات سياسية في القضية الفلسطينية، فقد اعتبر محللون سياسيون ذلك بمثابة توصيات لن تنفذ، خصوصا أنها – كما قال جميس بيكر في المؤتمر الصحفي لإعلانها – ليست ملزمة للرئيس أو الكونجرس.<BR>أما أسباب عدم تنفيذها فيرجع إلى أن الشق المتعلق بالتفاوض مع سوريا وإيران لا تقبله إدارة بوش وبالتالي لن توافق عليه ، في حين أن الشق المتعلق بالقضية الفلسطينية في يد مسئولي الكونجرس والإدارة الموالين للوبي الصهيوني والمتعهدين بحماية مصالح الكيان الصهيوني ، ولو حدث تحرك في هذا الملف فلن يختلف عن الوعود أو التحايل بهدف إغراء الدول العربية على المشاركة في عملية إخراج واشنطن من الورطة العراقية ثم نفض يدها من أي وعد كما فعل بوش الأب خلال حرب العراق الأولى.<BR>فالتقرير حض الإدارة الأميركية على البدء بحوار "مباشر" وليس عبر وسطاء مع طهران ودمشق ، مذكراً بان إيران التي تضم أقليات كردية وعربية مهمة، لا مصلحة لها في تفتت العراق لأن التوتر بين المجموعات الاثنية قد ينتقل من بلد إلى آخر، ومشيراً إلى أن هناك مصلحة أمريكية في أن تستخدم طهران تأثيرها على المجموعات الشيعية للتشجيع على المصالحة الوطنية".<BR>ولكن المشكلة أن الإدارة الأمريكية ترفض هذا الحوار بزعم – كما قال الرئيس الأميركي خلال لقاء الأسبوع الماضي في عمان مع العاهل الأردني عبد الله الثاني ـ أن الحوار مع سوريا غير مناسب "لأنها سترى فيه تشجيعا على ما تقوم به في لبنان"، فيما أكدت وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس في مناسبات مختلفة أن "التفاوض لا يشكل سياسة" ، والأمر نفسه ينظر له فيما يخص السياسة النووية الإيرانية التي ستستفيد من هذا الحوار في فرض شروطها!!.<BR><BR>ولهذا فأكثر التوقعات تفاؤلا هي أن يتم اللعب بورقة تقرير العراق لدفع الأصدقاء العرب في المنطقة للتدخل لمساعدة واشنطن على التخلص من ورطة العراق سواء بإقناع القوي العراقية على التفاوض ووقف القتال أو التأثير على المقاومة السنية أو حتى تفعيل وعد سابق للجامعة العربية بخصوص احتمال إرسال قوات عربية إلى العراق في حالة انسحاب القوات الأمريكية أو وضع جدول زمني لها .<BR>أما المقابل أو الجزرة التي تلوح بها واشنطن دوما – وهي السعي لتنشيط التسوية في فلسطين المحتلة – فهي مجرد حافز أو حيلة لإقناع العرب بالتدخل، ولن يحدث أي تغيير في السلوك الأمريكي تجاه تل أبيب ، ليس فقط لأن الكونجرس الجديد الأكثر ديمقراطيين أكثر موالاه لـ"إسرائيل" ( 43 نائبا يهوديا)، وإنما لأن السياسة الأمريكية المنفذ تؤكد أنه لا يوجد تغيير وإنما - على العكس - تشدد أكثر مع الفلسطينيين، لحد الاحتجاج لدي قطر لأنها تعهدت بدفع رواتب موظفي وزارة التربية والتعليم الفلسطينيين واعتبار هذا مخالف "للقرارات الدولية"!! . <BR>فكل ما يهمهم هو العراق، ومنع انزلاقه لحرب أهلية طاحنة تحرمهم من إقامة قواعد عسكرية هناك، وتؤثر بالضرر الشديد على مصالحهم في الخليج العربي حيث منابع البترول والطاقة التي يستفيد منها الغرب، حيث هناك خشية من امتداد أي حرب أهلية طائفية هناك باتجاه دول الخليج. <BR>وقد ظهر هذا المعني بوضوح في تقرير مجموعة دراسة العراق حينما أكد أنه: "إذا استمر تدهور الأوضاع.. يمكن أن تكون العواقب وخيمة.. يمكن أن يؤدي الانزلاق نحو الفوضى إلى انهيار حكومة العراق وكارثة إنسانية.. قد تتدخل الدول المجاورة.. ويمكن أن تحقق (شبكة) القاعدة انتصارا دعائيا" .<BR>تقرير بيكر قد يكون بالتالي أشبه ما يكون بحبل النجاة لإنقاذ هيبة الحكومة الأمريكية وسعيها لسحب قواتها بشكل يبدو تدريجيا مع السعي لضمان سيطرة أنصارها على السلطة، ولكنه في سبيل تحقيق هذا الهدف كشف لنا حجم الفشل الذي منيت به إدارة بوش والكوارث التي أوصلت العالم إليه. <BR><BR><br>