
كان يكفي لشريط فيديو قصير يصور عملية إعدام الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين لمعرفة أيضا خلفيات الإعدام الذي عكر مزاج ملايين المسلمين، ليس لأن صدام حسين أعدم، بل لأنه توقيت إعدامه كان مقصود به إذلال العراقيين من السنة و معهم كل المسلمين في بقاع العالم، و لأن جورج بوش أراد أن يكون الإعدام يوم العيد كصورة مشهديه أمريكة يراد بها الانتقام من كل الشعوب و ليس من الأنظمة العميلة . لهذا أظهر الشريط القصير لعملية الإعدام أن الذين كانوا حاضرين العملية كانوا من الإيرانيين أيضا، يتكلمون بالفارسية و يرددون أسماء الزعماء الكارتونيين من الشيعة الذي حملوا في النهاية موروثا طائفيا أحال العراق إلى هذا الجحيم. لقد أريد لصدام نهاية أخرى غير تلك التي رأيناها جميعا. أريد له إذلالا من نوع آخر لم يمنحه الرجل إليهم لأنه كان يدرك أن نهايته لن تتأخر و كان يدرك أن صورته الأخيرة ستبقى في الأذهان وهي الصورة التي ظهرت على صدر الصحف الدولية عكس ما كان يخطط له أولئك الذين باعوا العراق مرتين، مرة للأمريكان الأنذال و مرة لإيران!<BR>لقد كانت نهاية صدام حسين مثيرة لكثير من الجدل، ربما لأنه بثباته أمام حبل المشنقة أغضب القتلة كثيرا وأغضب بوش الذي هرب إلى مزرعته و لم يعلق سوى بجملتين مقتضبتين. هو الذي قيل أنه كان سيخاطب العراقيين (بمناسبة الإعدام) خطابا مدته ساعة، تراجع عن ذلك لأنه لم يجد ما يقوله الآن وقد أعدم صدام دون أن يبدو عليه أي ردة فعل جبانة، و دون أن يرتعش كما كانوا يعتقدون بدليل أن خمس كاميرات كانت تلتقط الحدث من بينها ثلاث كاميرات عسكرية منها التابعة لوزارة الدفاع الأمريكية و الثانية لوزارة الدفاع البريطانية و الأخرى كاميرا إحدى القنوات المحلية المتواطئة مع المحتل و أذياله! كان المشهد جاهزا للعرض أشبه بفيلم الحفرة التي ألفها الأمريكيون و الذين سقطوا فيها اليوم، حين تساءلت صحيفة النيويوركر مشككة في تلك الحفرة قائلة: إن رجلا يذهب إلى حبل المشنقة بذلك الهدوء لا يمكن أن يختبئ في حفرة! لقد انقلب السحر على الساحر، و بدل أن يجني بوش الأرباح خسر من جديد حين بدأ الديمقراطيون ( الأنذال مسبقا) إلى مهاجمته علانية (لمصالح انتخابية) و يعدون حكمه فشلا ذريعا حمل أمريكا إلى الدرك، في نظر العالم إليها، بحيث صار كل أمريكي في خطر في كل دول العالم! ( جملة انتخابية سوف يركز الديمقراطيون عليها كثيرا أيضا ليتحولوا إلى أعداء جدد لكل العالم بانحيازهم الفاضح للقتلة "الإسرائيليين" الصهاينة كما العادة). الأمريكيون في ردهم على سؤال النيويوركر استغربوا الطريقة التي تقبل بها صدام الموت، و استغربوا أن يعدم بذلك الشكل و قد كان رئيس دولة وكان عسكريا أيضا إن كان لا بد من إعدامه فرميا بالرصاص وليس شنقا، لكن الطريقة التي أعدم بها جعلت الكلام يذهب إلى حد القول أنها الطريقة الأمريكية لرعاة البقر الذي يتباهى بوش أنه من سلالتهم النجسة!<BR>قبل شهرين، رد كوفي عنان على سؤال وجهه إليه أحد الصحافيين عن الوضع في العراق، فقال متأسفا أن عراق صدام حسين أفضل من اليوم. و إن كان المعنى يتجاوز الكلمات، إلا أن الحقيقة أن العراق اليوم يتجه بشكل مثير للرعب نحو كل أنواع الإذلال التي تمارسها اليوم إيران عبر طوائفها المنتشرة في العراق طولا وعرضاً و لعل أكبر تلك الطوائف الإجرامية فرق الموت التي عاثت في تلك الأرض فسادا. إيران لم تكن لتمرر الرسالة بصمت. هي التي لا تنكر أن لديها كل المصالح في العراق و لديها كل الحق في الدفاع عن تلك المصالح بكل الأساليب، و أنها لن تدخر جهدا في استثمار أي فكرة أو وسيلة للوصول إلى تلك المصالح. إيران التي بدأت تفكر في ما بعد العراق، صارت تحاول اليوم وبشتى الوسائل أيضا إثارة النزعة الطائفية في السعودية و في البحرين، و في دول أخرى قادمة لا تبدو مصر بعيدة عنها ولا دول المغرب العربي أيضا. إيران التي استفادت من الضعف الدولي و من التردد العربي و الإسلامي السني في اتخاذ القرارات اللازمة و الفاعلة، مثلما استفادت من الرعب الذي سربته إلى النفوس بصيغة القنبلة النووية، و التي سقط الجميع فيها، بما في ذلك الغرب المنافق الذي صنع من قبل جبروت صدام حسين و هو من ساهم في الإطاحة به، و هو نفسه الذي ساهم في تسريب الوسائل الضرورية لإيران(ألمانيا وفرنسا) عبر الصين و عبر روسيا التي تحاول اليوم اللعب بالحبلين. لهذا استطاعت إيران أن تمارس الرعب على الجميع، وفي الأخير استطاعت أن توصل فكرة القوة المطلقة إلى المنطقة العربية التي بدورها صارت تحاول التصدي لهذا الخوف باللجوء إلى أمريكا و هو الخطأ الفادح الذي أذل العالم الإسلامي و وضعه في الحضيض. و لهذا بدأت المصالح الإيرانية في العراق عبر كل أنوع التصفيات الجسدية للعلماء السنة و من ثمة لكل الفاعلين من الذين يشكلون الخطر الأكبر عليها، فلم يكن وصول أعوان النظام الإيراني إلى سدة السلطة في العراق (عبر العديد من الوزراء) إلا دليل قاطع و أكيد على التورط السافل لإيران في كل الدماء و التنازلات السائدة في العراق، بالخصوص حين يذهب وزير الداخلية إلى حد التورط في تعذيب المعتقلين السنة و إصدار الأوامر في ممارسة كل أنواع الإرهاب ضد سكان بعقوبة و الرمادي والفلوجة.<BR>لقد تكلم الجميع عن ما بعد إعدام صدام حسين الذي كان عقبة في وجه " التطوير" و الديمقراطية و الحريات الدينية في العراق. و ها هو قد انتهى صدام ليتحول المشروع الوحدوي العراقي إلى انقسام شرعي اليوم، بحيث ستتحول البوابة الشرقية إلى معقل للفرس الجدد يتحكمون في مصيرها باسم التغيير، و الاحتفالات على نخب الخيرات المنهوبة قبلا و بعدا و على جثث المسلمين من السنة الذين يواجهون اليوم أكبر إبادة ضدهم؛ لأنهم يمثلون في نظر هؤلاء "الحكم السابق" كما قالت بعض الصحف الإيرانية و كأنها لتبرر القادم البشع الذي ينم عن حقد دفين له كل المبررات من منظور المغوليين القادمين، لأن العراق صارت مفتوحة أراضيه للأرجل السوداء من اليهود الذين اشتروا أفضل مساحات الأراضي في أكثر المواقع حساسية، و بالتالي يبدو اليوم مثيرا للجدل البحث عن تلك الضغينة " المفبركة" بين اليهود القدامى و اليهود الجدد على الأراضي العراقي التي تبدو اليوم مرشحة لكل أنواع الاختلال، لأن الذين يريدون مصالحهم لن يرضيهم الأمن، و لأن المجازر المرتبكة ضد مسلمي العراق أكبر بكثير عن تلك التي يتكلم عنها البعض، و لأن المشانق مجهزة مسبقاً لمن يرفض أن يحكمه التتار أو الفرس أو المجوس الجدد. و إن غدا لناظره قريب!<BR> <BR> <BR><br>