الإعلام الفرنسي و "فوبيا" الإسلام!!
6 ربيع الثاني 1428

لم يكن نيكولا ساركوزي ينتظر فرصة أفضل من التفجيرات الأخيرة في كل من المغرب و الجزائر ليخرج في اليوم نفسه إلى الفرنسيين قائلا: <font color="#ff0000">" أرأيتم.. أنا على صواب في مخاوفي!".. </font> و إن استعمل عبارة " الإرهاب الإسلامي" للحديث عما جرى في الجزائر و المغرب، فقد بدا واضحا انه سعيد، و انه استغل جدا العبارة تلك لأجل إحراج منافسته اللدودة التي أعلنت في حوار أجرته معها القناة الفرنسية" الألمانية "آرتي5"، قالت أن <font color="#ff0000">"ساركوزي مهرج سياسي، و أن مصطلحاته الضخمة لا تعبر في النهاية إلى على عقده الشخصية.." </font> و إن اعتبرت الصحف التي ترى في ساركوزي مرشحا جيدا تعبيرات "منافسته " غير منطقية، إلا أن ساركوزي سرعان ما خرج أمس إلى الفرنسيين ليدق الناقوس ذاته الذي بدأ في دقه أيام كان وزيرا للداخلية، ألا و هو ناقوس: <font color="#ff0000">الخطر الإسلامي على فرنسا..! </font><BR>هي الفوبيا التي انتشرت في الإعلام الفرنسي في اليومين الماضيين. التفتيش الذي وصل إلى حد "الإذلال" ضد الرعايا المغاربة ـ الجزائريين و المغربيين بالخصوص ـ في المطارات الفرنسية.. سرعا ما تحول الأمر إلى تهريج سياسي في أعلى صوره، ليس لشيء سوى لأن الفوبيا التي يراد بها تخويف الفرنسيين العاديين هي التي تذكرنا بما فعله "توني بلير" في بريطانيا حين أراد بدوره ممارسة هذا النوع من التخويف على البريطانيين لأجل "فرض" إجراءات مغايرة تخص أولا الهجرة، و تخص أيضا و بشكل مهم الأوراق الثبوتية، بحيث أن بريطانيا هي البلد الوحيد في أوروبا الذي لا يحمل مواطنوه بطاقة الهوية على عكس بقية الدول الأوربية، لهذا بدا التركيز لـ"توني بلير" ليس على المطالبة بضرورة "تقنين البريطانيين" في بطاقة هوية رسمية، بل ركز على تخويف البريطانيين من الإرهاب الإسلامي بشكل خاص، و عندما لم يهتم البريطانيون بذلك التخويف انتقل توني بلير إلى الخطوة العملية.... إلى خلق الإرهاب بشكل مباشر عبر عمليات استهدفت مترو الأنفاق و التي جعلت بريطانيا كلها تقف على رجل واحدة.. والحال أن صحيفة فولتير الفرنسية نشرت بعد تلك الفترة العديد من الملفات الصحفية و التحقيقات الخطيرة التي كتبها خبراء أمنيين بعضهم بريطانيين عكست تورط جهاز الاستخبارات البريطانية في عمليات تفجيرية في وسط العاصمة لندن لإرهاب الناس من "الإسلام"، بيد أن نفس الصحيفة نشرت ما وصفته "بالأدلة" على تورط تلك الجهات السكسونية الموالية للحلف الأطلسي الساعي إلى خلق نفوذ امبريالي واسع يقوم على أهداف أمنية و اقتصادية ثابتة.. نفس الصحيفة نشرت عام َ2004 ملفا كاملا عرضت فيه تورط أجهزة الاستخبارات في عملية تفجير محطة بولون عام 1988، والتي نتج عنها حملة واسعة لمطاردة "الإسلاميين" و اعتقالهم و ترحيلهم إلى جهات سرية لاستنطاقهم و تعذيبهم ضمن نفس الفوبيا إزاء ما تسميهم بالمهاجرين من "جنسيات عربية" و من دول صنفها العديد من وسائل الإعلام تحت سقفين متباينين، أولهما "الدول المعتدلة" التي تراها "مستجابة بشكل كبير للمطالب الغربية، و دول أخرى تصفها بال"معادية للحريات" و هي العبارة التي تعني ببساطة: متطرفة! <BR><font color="#0000FF"> فرنسا التي ساهمت في الأزمة الجزائرية: </font><BR>فرنسا تعيش اليوم إذا حالة من الفوبيا إزاء الإسلام ككل. هو الخلط الذي سعت إليه العديد من الصحف الراديكالية الفرنسية، و التي وجدت في الأحداث الأخيرة في كل من الجزائر و المغرب المادة الخام للعودة إلى عرض شريط العمليات المسلحة في الجزائر، وعرض الدور الديني في "تعدية" تلك العمليات..! بحيث إن المؤسسات الإعلامية عادت فجأة لنفس السيناريو القديم/ الجديد والذي ظلت تستغله كل مرة يحدث فيه شيء ما في الجزائر، لأجل تقزيم دول المغرب العربي ايديلوجيا من جهة، و لأجل ممارسة مساومة على أساس ما يمكن أن تمنحه لها من مساعدات مخابراتية تذهب إلى حد الترويج للإرهاب نفسه.. بدليل أن صحف فرنسية كبيرة مثل اللوموند ذهبت إلى حد التشكيك في جدوى المصالحة، بينما تساءلت صحيفة "لوبوان" المعروفة بتوجهاتها الراديكالية وبانحيازها إلى إسرائيل، تساءلت: كيف يتسامح المغاربة (والجزائريين) مع "الإسلاميين"، و كأن المغرب العربي يدين بالديانة البوذية! و الحال أن فرنسا التي قدمت العون شبه الكامل للعديد من الجهات المخابراتية في المغرب العربي فعلت ذلك بشروط ثابتة و هي أن يتم القضاء على كل ما له علاقة بالإسلام، بما في ذلك اللغة العربية التي تتهمها مؤسسات فرنسية بأنها لغة إرهاب، و هي التهمة التي رددها العديد من الببغاوات الإعلامية في المنطقة، ناهيك على المطالبة بتعديل مباشر في المنظومة التربوية التي تغذي التطرف من وجهة نظرها، و التعديل في مشروع قانون الأسرة أيضا، و فتح تسهيلات "للحرية المطلقة" على أساس "المعاشرة دون الحاجة <BR>إلى الزواج"! و حرية الاختلاف الجنسي، أي الحق في زواج مثيلي الجنس! و حق في إشهار ذلك كجزء من الحرية الشخصية..! تلك المساومات بدأتها فرنسا بشكل علني و مفضوح في الثمانينات في الجزائر، بالخصوص بعد أحداث أكتوبر من سنة 1988، عندما انتفض الشعب الجزائري ضد الدولة للمطالبة بالإصلاحات الجذرية، و بالحق في العمل و السكن و الكرامة، و كانت تلك الأحداث تنبئ بتغييرات كبيرة في هرم السلطة، و لكن لا شيء تغير، إذ بقي الرئيس على حاله، و بقيت المشاكل تتكاثر على رؤوس الجزائريين لتستمر الإسقاطات و الاحباطات.. كانت فرنسا في عهد "فرانسوا ميتران" تبحث عن قواعد جديدة في الجزائر وفي دول الجوار، و كانت ترى في حنق الجزائريين على نظامهم الفرصة السانحة للمطالبة بالتغيير الذي يخدم الفرنسيين وحدهم.. بحيث لم يكن ثمة حق في اختيار مشروع اقتصادي يساهم في اقتسام الثورات بشكل عادل، و لم يكن ثمة الحق في تأسيس أحزاب و حركات إسلامية تعمل على خلق التوازن الفكري و الاجتماعي، بدليل أنه تم حل الجبهة الإسلامية للإنقاذ عام 1992.. الجميع يتذكر ما حدث عندما فازت الجبهة الإسلامية للإنقاذ بالانتخابات التشريعية الجزائرية و الجميع يتذكر ما فعلته فرنسا التي غيرت كل برامجها التلفزيونية، و غيرت برامجها الإعلامية أيضا، لتصنع من الجزائر "الضحية المسكينة" التي وقعت بين أيدي الإسلاميين..! كل التيارات السياسية الفرنسية مارست أبشع أنواع الترهيب، والتخويف الذي ذهب إلى حد المطالبة بالوقوف في وجه نتائج الانتخابات (أنظر أرشيف الصحف الفرنسية الخاصة بالانتخابات التشريعية الجزائرية لعام 1992). إلى أن تدخل الجيش في إلغاء الانتخابات دونما تقديم أسباب مقنعة، سوى تلك التي قدمتها فرنسا بان الحكم الإسلامي في الجزائر "كارثة على الجزائريين" و على دول الجوار.. ليس هذا فقط، بل حتى المغرب و تونس مارستا شبه ذلك الضغط، و اعتبرت تونس وصول الجبهة الإسلامية للإنقاذ "طامة كبرى" كما أن المغرب بدا قلقا للتطور السياسي في الجزائر وقتها، بالخصوص بعد أن صارت الجبهة الإسلامية للإنقاذ القوة السياسية الأهم في الجزائر بموجب عدد المنخرطين فيها و عدد المتعاطفين معها من الجزائريين و الجزائريات.. كان ثمة إرهاب إعلامي و فكري مورس على الجزائريين، و صنع حالة من الفوبيا إزاء الإسلام نفسه، في الوقت الذي لم يسأل أحد نفسه: لماذا انحازت النسبة الكبيرة من الجزائريين إلى الجبهة الإسلامية للإنقاذ؟ بماذا وعدتهم و بماذا وعدت بتقديمه للبلاد؟ و الحال أنها وعدت بخلق حالة من العدالة الاجتماعية، و بالحق في الحياة لكل الجزائريين، و هو ما يتعارض كليا مع " ثقافة الغيلان" داخل سدة الحكم في البلاد الذين تعودوا على أكل " الكعكة" دون مقاسمة مع احد ! كان ثمة جنوح رهيب إلى الحرب من قبل الإعلام الدولي و من قبل الإعلامي الفرانكفوني الجزائري، و الذي غذى كل أنواع الفتن في الداخل.. بحيث أن إلغاء الانتخابات و إلغاء وجود الجبهة الإسلامية للإنقاذ الجزائرية كان بحد ذاته إرهابا مطلقا، نتج عنه دخول البلاد في حرب أهلية رهيبة ذهب ضحيتها أكثر من 150 ألف ضحية..<BR><font color="#0000FF"> الترشح للرئاسيات الفرنسية على ظهور المغاربة! </font><BR>ساركوزي الذي كان أول من غير في المصطلحات الرنانة الفرنسية، إذ حولها إلى حقيقتها البشعة، لا يمكن نسيان دوره فيما سمي بأزمة الضواحي الفرنسية حين أهان الشباب المغاربي بعبارة " الأوباش" التي عكست فكره المباشر إزاء هؤلاء، هو نفسه ساركوزي الذي أقام الدنيا و لم يقعدها حتى تم فرض قانون حظر الحجاب في فرنسا و الذي نتج عنه طرد آلاف من الطالبات و من الموظفات على مستوى الجمهورية الفرنسية لنهن رفضن خلع الحجاب.. هو ساركوزي الذي يعد فرنسا بوزارة يرمي فيها المهاجرين تحت بنود "الطرد المباشر" في حال عدم احترام " المبادئ الفرنسية المتمثلة ليس في اللائكية كثقافة فرنسية، بل بضرورة التخلي عن المعتقدات أيضا بحيث لن يتم منح الجنسية الفرنسية لمن يدين بدين آخر. و لن يتم منح الجنسية لمن له أفكاره الخاصة المتعارضة مع الفكر الفرنسي.. و جملته التي قالها أمس تعني أنه أكبر متطرف يمكنه أن يبني مجده اليوم على أكتاف المهاجرين الذين قد يجدون أنفسهم مطالبين بالتصويت له لأجل قطع الطريق أمام "جون ماري لوبان" (العدو الشنيع للمهاجرين) الذي يبدو كالحية بسبعة رؤوس، قادر على الوصول إلى الدور الثاني كما فعلها في الرئاسيات السابقة.. و إن جاء في سبر آراء فرنسي أن 51% من تلاميذ المدارس قالوا: ساركوزي معه حق في مخاوفه.. فلأنه عرف كيف يستغل الأوضاع، و لأنه فهم أن صعوده إلى الاليزيه سيكون على حساب الأوضاع الأمنية ـ في المغرب والجزائر ـ التي تصنع مجده كواحد من المطالبين بالردع الأمني وبالحفاظ على فرنسا للفرنسيين قلباً و قالباً!!!<BR><br>