الصراع بين الإسلاميين والعلمانيين في تركيا
19 ربيع الثاني 1428

لن يتوقف الصراع في تركيا بين الإسلاميين والعلمانيين بل يظل مرشحا دائما للتصعيد كلما تفجرت قضية لا يتفق فيها الطرفان على رأي واحد ففي حين هلل العلمانيون وقرعوا طبول الانتصار عقب قرار المحكمة الدستورية بإبطال الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية التي هيمنت عليها مخاوف من سيطرة التيار الإسلامي على مقاليد الحكم في تركيا العلمانية فاتحة بذلك المجال أمام إجراء انتخابات مبكرة ويؤكد المراقبون أن كلمة الفصل التي قالتها المحكمة بشأن التصويت الرئاسي لم تعد مهمة كثيرا بالنسبة لحزب العدالة والتنمية الذي رتب أوراقه على إجراء انتخابات مبكرة.<BR>والمتابعون للشأن التركي يؤكدون أن إردوغان يحاول استغلال جملة من الظروف والعوامل لصالحه حيث أن توحد المعارضة والنخبة العلمانية في جبهة واحدة ضده تحقق له حملة انتخابية ضخمة لم يكن يحلم بها تحت تأكيد بأنه إذا كان حزب إردوغان يهاجم لكونه إسلاميا فإن أغلبية الشعب التركي إسلامي وبالتالي هي نقطة تسجل لصالحه وتعزز من قاعدته الشعبية المحافظة والمعتدلة على حد سواء.<BR><BR><font color="#0000FF">إردوغان ودروس في التضحية: </font><BR>إردوغان الذي كبح طموحاته الرئاسية وأرسل غول مكانه أثبت بأنه يعرف جيدا المرحلة التي يجب أن يتوقف عندها.. لهذا هو بحاجة في الأشهر والسنوات المقبلة إلى التصرف على هذا المنوال لأنه سيكون في وضع الذي يخضع "لامتحان ديمقراطي" أمام الجميع..<BR>أما بالنسبة لغول فأنا لو كنت مكانه فإن أول شيء سأفعله حين أصبح رئيسا هو إرسال باقة من الزهور انتقيها بيدي من حديقة القصر الرئاسي إلى زعيم حزب الشعب الجمهوري دنيز بايكال وعليها بطاقة أكتب فيه:"لك ولحزبك مني جزيل الشكر فلولاكم ربما أنا لم أكن لأصل إلى هنا". <BR><font color="#0000FF">هناك نوع من البشر قادر على ركل منصب الرئاسة: </font><BR>لقد كان كرسي رئاسة الجمهورية في يد إردوغان حتى ساعة انعقاد الكتلة البرلمانية لحزب العدالة 24-4-2007 . وكان إردوغان كان قادرا لو أراد على ترشيح نفسه.. سيما أنه دخل في خضم صراعات ونقاشات وجدل لأشهر طويلة وهو أول رئيس حكومة تنجح في البقاء لفترة تتجاوز الأربع سنوات ونصف دون أن يجر البلاد إلى انتخابات مبكرة وهو أيضا السياسي الذي استطاع إثبات نفسه وحزبه أمام الجميع وحمل لواء رئاسة الوزراء بجدارة يعني باختصار هو كان يحمل كل المميزات التي تؤهله للدخول إلى القصر الرئاسي.. لكن إردوغان وقف لحظة القرار ليقدم "الرئاسة" إلى غول على طبق من ذهب.. هو قدمها إراديا بعيدا عن الأنانية يعني هو لم يضح بهذا المنصب لأسباب في نفسه تدفعه إلى الخوف أو القلق ولا حتى فكر بأنها قد تفسر على أنها تراجع منه أمام ضغوط المعارضة بل أن هذه الضغوط لو مورست على شخص أخر ربما كانت ستشكل أمامه حافزا للصعود إلى القصر الرئاسي لمجرد تحديهم واثبات نفسه لكن إردوغان لم يفعل ذلك ولم يفكر بنفسه بل فكر فقط بمستقبل حزبه ومطالب الشعب له بالبقاء في كرسي رئاسة الوزراء.. <BR>إذا عدنا إلى الوراء ونظرنا إلى كثرة الخلافات والصراعات التي كانت تجري على منصب الرئاسة لرأينا بأن إردوغان دخل التاريخ بهذا الموقف المشرف غير المنظور... <BR> إردوغان يهدي الرئاسة لعبد الله غول فيقول له (أنت أحق بها مني).. إردوغان يسأل بولنت أرينج فيرد عليه (لا تفكروا بي.. أنت أو عبد الله غول أحق بهذا المنصب مني).. وهذا المنصب ليس عاديا بل هو "رئاسة الجمهورية".. <BR>جملة شهيرة قالها رئيس الجمهورية الأسبق سليمان دميريل (لا يمكن لبشر أن يرفض هذا الكرسي).. وإردوغان بشر لكنه لم يتردد لحظة في القول لعبد الله غول (علي أن أبقى في الحزب..وأنت رئيس الجمهورية القادم). وعبد الله غول بالمقابل رفض هذا المنصب وقال (أنت أحق به مني) لكن إردوغان يصدر قراره التاريخي ويبارك غول على هذا المنصب الذهبي.. أما أرينج فيقول بكل مروءة (أنا مرتاح الآن). <BR>هل سبق في تاريخ السياسة التركية أن مرت مثل هذه التضحية.. ما يعني أن رئيس الجمهورية الحادي عشر فاز في تصفيات الرئاسة وخرج من قلب حكاية تاريخية تعبر عن المودة والتضحية والأخوة.. ونحن على ثقة أن عبد الله غول سوف يكون رئيس جمهورية جيد أما رئيس الوزراء فقد خرج من هذا الاختبار السياسي "بامتياز" وأصبح في مستوى "قوة" لا تسمح بمنافسته أبدا.. <BR>هذا يعني بأن هناك نوع من البشر قادر على رفس المناصب العليا.. نعم؛ هذا الدرس التاريخي تعلمته تركيا فقط مع هذا الحزب..<BR><BR><font color="#0000FF">نجاحات الحزب: </font><BR>تاريخيا.. بقي الصوت الإسلامي في الساحة التركية ولكن دونما تأثير كبير حيث اصطدمت كافة المحاولات التي بدأت مع رائد السياسة الإسلامي في تركيا نجم الدين أربكان بجدار العلمانية ومع وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة في عام 2002 الذي يعد امتدادا تاريخيا للأحزاب الإسلامية السابقة شهد الصراع بين الحزب الحاكم الإسلامي والنخبة العلمانية نوعا جديدا وذلك نجاح العدالة والتنمية داخليا وخارجيا في حين فقدت العلمانية رصيدا كبيرا وهي تحاول في الدقائق الضائعة من المباراة الحاسمة الحفاظ على ماء وجهها بدفاعها عن إرث أتاتورك.<BR>وعلى الرغم من حدة التوتر بين الجانبين إلا أن كافة المؤشرات تدل على قلة تأثير وضعفت قدرة الأحزاب العلمانية على وقف التآكل الذي أصاب نفوذها لصالح حزب العدالة والتنمية وقائده إردوغان.<BR><BR><font color="#ff0000">وخلاصة الحديث .. أن تصاعد حدة التوتر بين حزب العدالة والتنمية والنخبة العلمانية في تركيا بدون لاشك سيصب في مصلحة الحزب الحاكم لأنه يدعم مصداقيته لدى الناخبين الأتراك وسيجني الحزب من خلاله تصويت واسع له يمكنه من استمراره في السلطة لخمس سنوات أخرى. </font><BR><br>