شرم الشيخ: لعب في الوقت بدل الضائع
11 جمادى الثانية 1428

ومن في وسعه أن يضمن لأبي مازن و الذين وجهوا له دعوة الحضور إلى شرم الشيخ أن هذه القمة الرباعية سوف تنهي الأزمة و تحلحل خيوط العقدة التي باتت القضية الفلسطينية تعيشها مع هذا الشرخ الخطير في الصف و لقد صارت أراضي سلطة أوسلو شطرين منقسمين بشكل غير مسبوق؟ ثم هل أن أبا مازن يصدق فعلا أن الأميركان الذين هم من يقف حقيقة وراء ما وقع في غزة و وراء هذه الدعوة المشفوعة بتحريك أموال ظلت مجمدة منذ أكثر من 18 شهرا، جادون فعلا في مسعاهم و أنهم سوف يدخلون على خط الحل السياسي لأزمة السلام فيضغطون بالتالي على ربيبتهم "إسرائيل" كما يفعلون مع وكلائهم من العرب 'المعتدلين'؟ <BR>هذه تساؤلات بسيطة و الإجابة عليها لا تبدو معقدة إلى درجة تشتت الذهن و تفقدنا التركيز فواشنطن ليست طرفا في الحل بقدر ما هي جزء من المشكلة و لا بد بالتالي أن يدرك المضيف أن تجشمه عناء توجيه الدعوة إلى رئيس لا يملك أن يقرر و لا يحظى بدعم شعبي يذكر في وطنه لن يزيد القضية إلا تعقيدا بمعنى أنه من غير المفيد أن نحاول البحث عن حل في المكان الخطأ مع الشخص الخطأ أيضا و كلكم تعرفون قصة ذلك الرجل الذي سألوه عما يبحث عنه فأخبرهم أن أضاع بعض ماله و حينما طلبوا منه إن كان متأكدا من أنه أضاع المال في ذلك المكان تحديدا، أسرع إلى الجواب أن الأمر وقع في الجانب الآخر من الشارع و أنه إنما يبحث عما ضاع منه حيث وجدوه لأن المكان الآخر أقل إنارة !!<BR>هذه هي بالضبط مشكلة الذين يزعمون حرصا على المصالح الفلسطينية فهم يتحركون دوما بشكل غير مناسب في الوقت غير اللائق إذ حينما تصر أغلب الدول العربية على نصرة الرئيس محمود عباس فإن هذا لا يعني بالضرورة أن الرجل سوف يحقق شيئا لأنه فضلا عن ضعف حضوره في الشارع الفلسطيني، لا يملك خارجيا أية ورقة ضغط يساوم بها فهو أولا و أخيرا، يقف في مواجهة كيان "إسرائيلي" لا يقيم للعهد معنى و لا يعطي الاتفاقات الورقية أية أهمية بدليل أن الأميركان الذين هم حماته، لا يستطيعون ضمان تصرفاته حتى أن مشروع خارطة الطريق الذي أسال حبر الكثيرين من المارينز العرب الذين يؤمنون بصوابية 'المجتمع الدولي' و يسخرون من كل من 'يتجرأ' على الحديث عن المقاومة و النضال، فطبّلوا للرئيس بوش حينما أطلقها في 2002 زاعما أنها سوف تنهي المسألة و تحل مشكلة السلام في المنطقة برمتها بمجرد حلول العام 2005، ها هو المشروع الآن على عكس ما وعدوا: مجرد تجربة فاشلة أخرى جديدة في رصيد واشنطن و غلمانها!!<BR>من الواضح إذن أن المجتمع الدولي قرر أن يدفع بالوضع في الأراضي الفلسطينية نحو الانفجار الفعلي و تصفية القضية من خلال تغيير اتجاه –كما يقول سيمور هيرش- البنادق هناك و تذكية الصراع بين المقاومين أنفسهم و لعل مما يحز في النفس أن عديدين من الإسلاميين أيضا وبخوا و انتقدوا حركة المقاومة الإسلامية 'حماس' على ما فعلته في غزة من غير أن يكلفوا أنفسهم عناء البحث عن الأسباب الحقيقية التي دفعت بها نحو اختيار هذا النهج و إقدامها على تصفية جيوب المتأمركين في القطاع، فهل كان مطلوبا منها أن تصبر على مقتل أبنائها و التنكيل بكل ملتزم ملتح في القطاع حتى تبدو في نظر الغير واقعية و رصينة؟ هل يعقل أن حماس لا تفرق بين الفتحاويين و تضع الأسير مروان البرغوثي مثلا في نفس السلة مع دحلان و رشيد أبو شباك و عبد ربه و عريقات و ما شاكل؟<BR>الكل يعلم أن هذا غير وارد و حركة فتح أيضا تعلم أن ما وقع في غزة لم يكن يستهدفها و لا يعني سحب البساط من تحت أقدامها بل إنه موجه صوب المنتفعين بريع أوسلو الذين تصلهم صكوك الدولارات رأسا من واشنطن و تل أبيب بدليل أن رموز هذه الحركة ما زالوا في القطاع و يعقدون مؤتمراتهم الصحفية دونما أن يمنعهم أحد من ذلك فلم التهويل إذن و تسطيح القضية إلى هذا الحد حتى تصير مجرد صراع بائس على سلطة لا وجود لها؟ ثم من في وسعه أن يخبرنا هنا عن السبب الذي لأجله قرر محمود عباس نفسه أن يعزل كل من أبي شباك و دحلان؟ ألا يعني هذا أن أبا مازن أيضا يقر بأن هذين الرجلين متورطان فيما وقع و يتحملان شطرا كبيرا من مسئولية انهيار الوضع هناك؟ و إن كان الجواب بعكس ذلك، فلم تم عزلهما ما داما بريئين كما يصر البعض على إقناعنا؟<BR>الواقع أن الأمر في غاية الوضوح و أن ما جرى في غزة هو عمل كانت حماس مطالبة بتنفيذه قبل فترة طويلة بمعنى أن الخطأ الوحيد الذي ارتكبته لا يعدو أن يكون نفَسَها الطويل مع هؤلاء حتى تمادوا و صاروا يقتلون و يعذبون الناس بلا وازع و يرمون الملتحين من فوق الأبراج لمجرد الظن فهل أخطأت الحركة حينما تحركت لتمنع الظلم و هي أصلا، حكومة منتخبة تملك شرعية القرار و واجب حفظ الأمن و النظام أم تراها كانت مطالبة بمزيد من الصبر حتى يتيقن 'الأخوة العرب' أنها حريصة على اتفاق مكة رغم أن الذين قاتلهم أفراد كتائب القسّام و أظهرت شاشات تلفزيونات العالم أنهم كانوا مجرد مرتزقة يتقلون أجورهم و علب سجائرهم من دحلان كما قالت أسبوعية الأوبزرفر اللندنية و هم أول الذين نكثوا عهد البيت الحرام؟<BR>لعل من أهم ما فات المتابعين في هذا الأمر أن حماس بهذه الخطوة و إن كانت حقيقة قد أوجدت من حيث لم تحتسب وضعا جديدا في القطاع لا شك أنه سوف يستخدم من قبل كل المحيطين بها في سبيل مزيد من التضييق عليها، إلا أنها مع ذلك أيضا استطاعت أن تعيد القضية إلى وضعها الصحيح فالصراع من الآن فصاعدا، يدار من الداخل و سكان غزة بالتالي، يعرفون أنهم سوف يتحملون لوحدهم الشطر الأكبر من المقاومة المسلحة التي تعني إسقاط مبدأ التهدئة و التفكير في إعادة نقل المعركة إلى داخل أراضي الثمانية و أربعين من خلال استئناف العمليات الاستشهادية التي لا يفقه "الإسرائيليون" غيرها إذ إن الكيان الغاصب الذي يعلن و يخطط لاجتياح جديد، مضطر مع ذلك إلى أن يعيد تقدير بعض الأمور فتجربة حرب الصيف الماضي ما تزال جاثمة على صدور ساسة تل أبيب و قادتها العسكريين و لن تكون عملية إعادة احتلال غزة جولة سياحية ميسرة متاحة بل إنها سوف تكون مكلفة جدا على المستويين العسكري و السياسي إلى درجة أنها قد تنهي و إلى الأبد، مستقبل أولمرت لأنه هو آخر الناجين حتى الساعة من ارتدادات أخفاقات حرب لبنان الأخيرة بمعنى أنه يعلم تمام العلم، ما قد يفعله خصومه المتربصون به من كل جانب في انتظار خروج التقرير الختامي عن لجنة فينوغراد الذي سوف يكون بلا خلاف، مزلزلا !<BR>من ناحية أخرى أيضا، سيكون من المفيد جدا للجامعة العربية أن تعيد تقديرها للوضع و المملكة العربية السعودية في هذا الإطار تحديدا تعلم أنه في مقدورها التحرك و إعادة الأفرقاء نحو نقطة اتفاق مكة و هي لحد الساعة تبدو منضبطة و غير متسرعة بما أن وزير خارجيتها لم يشأ التعليق عما جرى إلا قوله أن الفلسطينيين يقفون على حافة الانهيار أما القاهرة فإنها و على رغم مما حاول الرئيس مبارك إظهاره كقوله مثلا أن مصر ترفض قيام 'إمارة إسلامية' على حدودها، تدرك أيضا أن انهيار الوضع هناك سوف يشكل خطرا أكبر على أمنها القومي و هي بالتالي ليست في وضع المملكة الأردنية التي يبدو و أن كل همها هو تتبع السياسة الإيرانية إلى درجة باتت تخدم وفقها رغبات الساسة في طهران فتقدم لهم منحا مجانية تزيد من رصيدهم لدى الشارع العربي و الإسلامي عموما لا لشيء، سوى أن عمّان تخشى خطرا شيعيا داهما بات يعيقها حتى عن رؤية "بدر" صهيوني مجاور معلوم لأن القول بالتورط الإيراني لا تفسير علمي له فإما أن طهران ساندت فعلا حركة حماس فتكون بالتالي قد سجلت نقطة لصالحها و إما أنها لم تفعل فتكون عمّان قد منحتها ثقلا و حضورا لدى الرأي العام العربي من غير أن يكلفها –أي طهران-ذلك أي مقابل!<BR>القاهرة إذن في وضع مخالف هي تدركه و تدرك مخاطر انفراط عقد التوازن الدقيق الذي يحكمه و لعل في قيام مدير مخابراتها عمر سليمان بمهاتفة الرئيس إسماعيل هنية إشارة مباشرة إلى أن مصر ما زالت تحتفظ بحد أدنى من التواصل و أما حديثها عن دعمها لشرعية أبي مازن فلا يعدو أن يكون تصريحا برتوكوليا فالأستاذ خالد مشعل نفسه أعلن دعمه لشرعية الرئيس عباس و هذا يعني أن الخلاف، في حال حسنت النوايا، مشكلة تتكفل الأيام بحلها لأن القطاع هو جزء من فلسطين و لا يمكن فصله عنها مهما جرى و أما السيطرة عليه فهي مهمة ربما لن يكون أحد أكثر قدرة من "إسرائيل" نفسها على شرحها فهذه الأخيرة لم تقرر الانسحاب منه عن طيب خاطر و تكريما لصائب عريقات مثلا بما يعني أن أبا مازن و الذين يساندونه، لن يفلحوا فيما يقولونه و يعدون به مهما فعلوا بدليل أن الصهيوني المتطرف أفيغدور ليبرمان وزير الشؤون الإستراتيجية في الحكومة الصهيونية، وفقا لما نقله المركز الفلسطيني للإعلام، قالها صراحة: "حتى و لو زودنا عباس بطائرات إف 16 فليس بوسعه ولا أمل له في السيطرة على حماس" و ليس هذا كل ما في الأمر لأنه أضاف أيضا: "لقد ثبت أن موضوع تحويل الأسلحة والأموال لحركة فتح أمر فاشل" فهل يعي العرب و بقايا المؤمنين بالجدية الأميركية في الضفة الغربية، الدرس أم تراهم ملزمين بعشرات أخرى من السنين حتى يدركوا أن المقاومة هي السبيل الوحيدة لفرض الحل؟ !!<BR><BR><br>